لجريدة عمان:
2025-01-04@09:13:00 GMT

البداية المتجددة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

عام جديد، عام يبعث على التساؤلات والتفكر فـي الماضي والحاضر والمستقبل. ماذا أنجزت؟ ما الذي أريد أن أنجزه؟ أين أنا اليوم؟ وأين سأكون غدا؟ كلها سؤالات تدور فـي ذهننا مع بدايات كل شيء تقريبا. فـي يوم ميلادنا، فـي بداية السنة الميلادية الجديدة، فـي بداية السنة الهجرية الجديدة، فـي بداية الوظيفة الجديدة؛ إنها تصوراتنا التي نبسطها أمامنا كما لو كانت حياتنا خريطة كنز نجونا فـيها من مخاطر، حزنا فـيها بعض الجوائز الصغيرة أو الكبيرة، ونتطلع للهدف الأكبر، للكنز الكبير، الذي نوجه نحوه بوصلة أهدافنا.

يتوق المرء إلى البدايات توقه إلى الخواتيم، ولكنه فـي مسيره بين المبدأ والمنتهى؛ يشحذ همته تارة، ويقاسي آلامه وأكداره ومنغصاته فـي أخرى، وهو لا يفتأ يعمل ويكدح أملا فـي الوصول وبلوغ الغاية ومنتهى طلبه. ولأنه إنسان، فقد فلسف هذه الرحلة التي هي فـي حقيقتها من العدم إلى العدم، والعدم المقصود هنا هو ضد الوجود لا العدم الفلسفـي، فهو من عدم الرحم إلى عدم الوفاة فـي كد متواصل لا يهدأ أو يستكين. وترتفع آمال المرء وتنخفض بقدر مداركه واستعداداته النفسية ومكوناته الأصلية فـي طبيعته التي تصقلها التجربة فـيما بعد. فمِن راغب فـي الخلاص من وضع، إلى راغب فـي الترقي، ومِن متفكر مدبر، إلى عابث لا يدري أين تحمله الحياة وتنوء به الأقدار، أينما شاءت وابتغت. وليس هذا موضع الحديث عن أصل التفاوت بين الناس الذي أفرد له الفـيلسوف السويسري-الفرنسي جان جاك روسو كتابا بأكمله يحمل نفس العنوان، ولكنه كما قال المتنبي:

وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِبارا

تَعِبَت فـي مُرادِها الأَجسامُ

إن المرء فـي كده الدؤوب يبتغي أن يكون فـي مكان غير المكان الذي هو فـيه، فهو غير راض عن حاله وغير راكن إلى وضعه ومكانه، يبتغي مكانا وحالا أفضل وأحسن مما هو عليه وفـيه. فهو أبدا توَّاق إلى التنقل، فالجائع منتقل من جوعه إلى حالة الشبع، والفقير منتقل من فقره إلى حالة الغنى، والضعيف المقهور منتقل إلى التحرر والقوة، وهكذا دواليك. ولهذا يأتي دور التخطيط والتدبير فـي المقام الأول، والمكان الأرفع لمن ابتغى أن يكون بحال غير التي هو فـيها اليوم. يبدأ المرء حياته وهو مليء بالحماسة والرغبة فـي التغيير، فـيرقى بنظره إلى السماوات الممتدة الشاسعة ولسان حاله «هذا الكون لي، وبيدي تغييره». ثم ما تلبث أن تهب عليه رياح الأقدار تعبث بسفـينته، فـيتجهم ويسقط فـي يديه، ثم يؤوب بعد سنوات مدركا لجذر المشكل ومبدئه، وهو نفسه وذاته. إن التغيير ما لم ينبع من الذات، لم يكن له أثر ولا له جدوى، ومن يطلب حياة خالية من المنغصات والأكدار فكأنما هو ينسى أو يتناسى أنها جِبلَّة الحياة وطبيعتها كما يقول التهامي فـي رائيته العذبة الفـيّاضة:

طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها

صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ!

نعيش اليوم حياة ثرية لم يحلم بها الإنسان من قبل، حياة مليئة بالسهولة والبساطة واليسر مقارنة بما مضى. ولكن عذاباتها الأولى، وأساس المشكل فـيها هو ذهني محض. فلم يعد الإنسان يستعبد أخاه الإنسان برسن ثقيل فـي يديه أو قدميه، بل بات الاستعباد عقليا ذهنيا. فمن يرضى بجرعة الدوبامين الصغيرة، ويبحث عنها فـي الأمور الصغيرة، فلا فارق بينه وبين تجربة عالم النفس الأمريكي بورهوس فريدريك سكينر، يعبثت به أعداؤه وحاسدوه بشيء ظاهره فـيه الرحمة، وباطنه من قبله العذاب. والدوبامين أو هرمون السعادة كما يُعرَّفُ عادة، يرتبط بفعلنا لأشياء بعينها، واستجابتنا لتلك الأفعال، وخطورته تكمن فـي ارتباطه ببعض الأشياء الضارة التي نختارها بمحض إرادتنا ثم تغدو متحكمة بنا لا طاقة لنا بها. فالمدمن على استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، أو المدمن على المواد المخدرة، يجد ضالته من جرعة الدوبامين فـيما يفعله، وهنا مكمن الخطورة. بينما الذي يدرك الكيفـية التي يتعامل معها بها مع نفسه، فهو يستعمل الدوبامين ويتحكم به فـي صالحه ومنافعه التي تقرّبه من تحقيق أهدافه، أو تساعده فـي تحقيقها، فهو الممسك بقياد نفسه ولجامها، لا كما فـي حالة المدمن اليائس. ولذلك نجد بعض المتصوفة يقولون فـيما معناه «المتعة فـي الرحلة، لا فـي الوصول فحسب»، فتغدو الأعمال الاعتيادية، والرحلة اليومية هي السعادة، لا نهايات تلك الأعمال فحسب.

ولكن ما دخل كل هذا بالعام الجديد؟ إن مراجعة النفس فـيما مضى من العمر، تتيح لنا وضع المقصل على المفصل، ووضع البلسم على الجراح، فنعرف بمراجعتنا المواطن التي فرطنا فـيها فـي جنب أنفسنا، والمواضع التي كنا فـيها فـي أوج عطائنا والنسخة الأفضل من أنفسنا، وهي الغاية من عملنا وسعينا بطبيعة الحال. تمثل الأشياء الجديدة بداية جديدة غير مرتبطة بسابقتها، والجديد كما فـي اللسان «.. وثوب جديد، وهو فـي معنى مجدود، يراد به حين جده الحائك أي: قطعه. والجدة: نقيض البلى يقال: شيء جديد، والجمع أجدة وجدد وجدد..». فمن معاني الجديد إذن هو القطع، والقطع لا يكون إلا لشيء كان متصلا بشيء آخر، فما معنى العام الجديد فـي حياتنا إذن؟ إنه يعني بلا شك أن هذا العام الذي أتى، انقطع عما سبقه، فالذي انصرم قديم مضى بخيره وشره، والآتي صفحات بيضاء بيدنا أن نملأها خيرا أم شرا وفق اختيارنا ورغبتنا وقدرتنا على تحمل ما اخترناه وأردناه وارتضيناه مسلكا ومبدأ. سمي الإنسان إنسانا لنسيه كما يقول البعض، ولأن مقالة اليوم تضمنت بعض الأضداد، فلا يضير أن نضيف ضدا آخر، وهو التذكر. قلت بأن الحياة اليوم أيسر وأغنى، فنحن اليوم نقف على الصخرة الأكثر علوا فـي تاريخ التطور البشري، والذكي الفطن من يستعمل الأدوات المتاحة له بوفرة لتكون حياته، وحياة من يحب أفضل وأجود. ومن الحماقة أن أستعمل الجمل فـي تنقلاتي اليومية إن كنت أملك سيارة، وكذلك تعاملنا فـي حق أنفسنا، فمن الحماقة أن نكرر أخطاء الماضي. وقد أثبت علماء النفس والإدارة أهمية التوثيق والتخطيط فـي تغيير المستقبل، فلماذا لا تكون بداية هذا العام رحلة التغيير الشخصية فـي حياتنا؟ ولنبدأها بأن نسجل أهدافنا، ونخطط لتحقيق تلك الأهداف، ثم نراجع تطورنا واقترابنا من أهدافنا على فترات، وهو ذات الأمر الذي تفعله المؤسسات الناجحة فـي شتى المجالات. أما عن تغيير العالم، فإن تغيير العالم يبدأ حين يحمل ثلة من الناس على عاتقهم أن يتغيروا ويغيروا من أنفسهم للأحسن، فبتغيُّرهم ذاك يتغير العالم عبرهم وحولهم، فكم ذا تغيرنا بالمشاهدة والعيان، أكثر مما تغيرنا بالقراءة والتلقين! والحياة مسرح وكتاب مفتوح، يقرأه الإنسان ليزيده بصيرة ونورا، فلنجعل من عامنا هذا عام بصيرة إذن.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تشغيل أول مولد كهربائي يعمل بالهيدروجين النقي

بكين "العُمانية": نجح باحثون من مجموعة مينغيانغ الصينية المعروفة بتوربينات الرياح الضخمة بالتعاون مع شركات أخرى صغيرة، في تشغيل أول وأكبر مولد كهربائي من نوعه يعمل بالهيدروجين النقي «جوبيتر ون» بقوة 30 ميجاوات ما يوفر الطاقة النظيفة دون أي انبعاثات.

ويعمل المولد بسرعة 1162 دورة في الدقيقة، ويخزن المولد الطاقة الزائدة من خلال وسائل أخرى مثل: التحليل الكهربائي.

وتتصدر الصين دول العالم في مجال الطاقة المتجددة بـ310 جيجاوات من الطاقة الشمسية و400 جيجاوات من طاقة الرياح منذ عام 2023، وهي موطن لأكبر مصنعي معدات الطاقة المتجددة في العالم.

وأنفقت الصين في 2022 نحو 546 مليار دولار أمريكي على مشاريع الطاقة النظيفة. وهذا ما يقارب من نصف الإجمالي العالمي. وينتج 65 بالمائة من إجمالي الكهرباء في الصين من الوقود التقليدي.

مقالات مشابهة

  • أخبار المنيا| مصنع سكر أبوقرقاص يبدأ اليوم باكورة الإنتاج من القصب.. إزالة 30 تعديا على أراضي مشروعات الطاقة المتجددة
  • صلاح دياب: منطقة الأهرامات لابد أن تكون مدينة فرعونية كاملة من البداية للنهاية
  • «أستاذ هندسة بترول»: الدولة تتبنى استراتيجية زيادة نسبة الطاقة المتجددة لـ42٪
  • أكاديمي: مصر تحقق تقدما ملحوظا نحو هدف 42% طاقة متجددة بحلول 2030
  • تشغيل أول مولد كهربائي يعمل بالهيدروجين النقي
  • نائب وزير الخارجية في مقدمة مودعي الوفد السوري رفيع المستوى الذي غادر المملكة اليوم
  • العدل والمساواة: انتصار القوات المسلحة والقوة المشتركة بالزرق البداية الحقيقية لتحرير مدن دارفور من أيدي المليشيا
  • وفد من جمهورية المالديف يطّلع على أفضل ممارسات «ديوا»
  • كولومبيا تستثمر 40 مليون دولار في خطة للتحول إلى الطاقة المتجددة