(1)
عام مضى، وانقضى، ذهب إلى غير رجعة، أصبح 2024م كغيره جزءًا من الماضي، ولم يبق منه سوى مشاهد تحفر فـي الذاكرة، وتعبث بمساحات من الأدمغة، كان عامًا على الفلسطينيين والعرب مليئًا بالألم، والحزن، والبكاء، كان قاسيًا، ومرًا، وعبثيًا، أُريقت فـيه الكثير من الدماء، وأُزهقت فـيه الآف الأرواح، وتقلبت فـيه أحوال وأحوال، وعاث فـيه المجرمون فسادًا فـي الأرض، وسوّيت مبانٍ، وبيوت بالتراب، واستمرت آلة الخراب الإسرائيلية فـي سخريتها من العالم، أحرقت حتى المستشفـيات، والمخيمات والمجتمع الدولي يتفرج، ومات الأطفال فـي غزة بالبرد، وانتشرت الأمراض، وأكل الناس ما لا يؤكل، وشربوا ماء المجاري، والعالم يشاهد حرب إبادة مكتملة الأركان، ومجازر يندى لها جبين الإنسانية الميت، وجرائم حرب واضحة المعالم، وسط صمت دوليّ مريب.
(2)
عام مضى، ونحن نشاهد عالمًا يتغير، وشعوبًا تموت جوعًا، وزيادة غير مسبوقة فـي أعداد اللاجئين الفارين من جحيم الطغاة، أناس يفرون بأرواحهم، يحملون معهم ما يستطيعون، ويتركون خلفهم منازلهم، وذكرياتهم، ويتيهون فـي الأرض باحثين عن الأمن، والسلام، بينما تطاردهم فرق الموت التي ترفع شعار «الوطن»، وتفتش عنهم حتى فـي المخيمات، لكي تبيدهم، وتقتل أبناء جلدتهم، وكل ذنبهم أنهم من طائفة أخرى، أو إثنية مختلفة، أو دين، أو مذهب مغاير، مع أنهم عاشوا على نفس التراب، وتنفسوا نفس الهواء، وبنوا أوطانهم بكل إخلاص، ولكن النفس البشرية المجرمة تأبى إلا أن تطاردهم، وتطردهم، وتقتلهم حتى لا يبقى من «الأعداء فـي الوطن» أحدا، ثم يرمي كل فريق متحارب التهمة على الفريق الآخر، دون أن يتحرك ضمير، أو يرف لهم جفن..فأي عام مضى؟ وأي عام ننتظر؟
(3)
عام مضى، والعمر يمضي، نهرول خلفه، ونبحث عن ذواتنا فـي رحلة لا نهائية، نعبث بالأرقام، والتواريخ، ونكتب ما يروق لنا، ونسرد حكايات سمعناها ذات ليل، نقرأ فـي كتب الماضي، وقصص الأجداد، وفتوحات الخالدين، ويأخذنا الحماس إلى آخر حواف العالم، ونعود محملين بالخيبات، ندور فـي فلك الأيام، ونكرر نفس التجارب التي عشناها، ولكن بصور مختلفة، نسلم أرواحنا دون اكتراث للأحلام، ونبقى عالقين فـي سرداب طويل من الألم، والأماني، والخيال، نحاول أن نسترد ما فات من أعمارنا، ونفك شيفرة الأيام التي عشناها، ونرى أنفسنا فـي آخر الطريق، فننظر خلفنا فإذا الذي فات لا يعود، وننظر أمامنا فإذا الذي ننتظره لا ينتظر..فأي عام مضى»..وأي عام ننتظر؟.
(4)
عام جديد، وأرواحنا ما تزال عالقة فـي ذكريات الأمس، نعيد مشاهدها، ونكرر مقاطعها، ونرتب أشياءنا، وأحلامنا من جديد، نحدّث أنفسنا: «سننجز الكثير من العمل، سنحصد الكثير من النجاحات، سنغير صورة العالم»، فإذا صحونا من أحلامنا وجدنا أن ما خططا لإنجازه ما هو إلا خيال يسافر بنا من أرض الواقع إلى أرض لم نطأها بعد، فنعيد المحاولة من البداية، ونسعى بكل عناد، متمسكين بمجداف الأمل، والعزيمة، نهرول فـي عالم من المجهول، لكي نصل إلى العالم الذي نحلم به، والذي لم يخطر على بالنا، ولم نخطط له، فأجمل الأشياء هي تلك التي تأتي بعفوية دون ترتيب، فتعيد تنظيم الكون من حولنا، حينها فقط ستدرك أن كل ما خططنا لأجله ما هو إلا قدر ينتظرنا فـي آخر الطريق لا يمكننا الفرار منه.. فأي عام مضى؟.. وأي عام ننتظر؟.
(5)
عام جديد، نسأل الله فـيه أن يعم الخير هذا الوطن الغالي، وأن يعم السلام أرض فلسطين، والعالم، وأن نرى ما حلمنا به ذات خيال، حقيقة نعيشها، ونفرح بها ذات واقع، لذلك تستحق الأعوام الانتظار، لعل فـيها ما لا نتوقعه من أخبار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما جدوى مقترح إلغاء أوراق نقدية إسرائيلية من أجل محاصرة حماس؟
أثار وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي جدعون ساعر جدلا واسعا، عقب الإعلان عن مقترح يتضمن إلغاء أوراق نقدية من فئة 200 شيكل، لتشديد الحصار على حركة حماس في قطاع غزة، بزعم أن هذه الفئة تُعد المصدر الرئيسي للسيولة النقدية التي تعتمد عليها الحركة.
وبعث ساعر رسالة إلى محافظ "بنك إسرائيل" أمير يارون، وقال إن الخطوة المقترحة ستشكل ضربة اقتصادية لحركة حماس، وستساهم في تقويض القدرات المالية للحركة دون الحاجة إلى شركاء خارجيين، مدعيا أن ما نسبته 80 بالمئة من السيولة المالية المتوفرة لدى حماس موجودة بهذه الفئة من العملة.
واقترح الوزير الإسرائيلي أن تبدأ الإجراءات بإلغاء التداول القانوني لسلاسل معينة سبق ضخها إلى قطاع غزة في السنوات الماضية، لتجفيف مصادر تمويل حركة حماس.
لكن "بنك إسرائيل" رفض المقترح، مشيرا إلى أن صلاحية إلغاء أي ورقة نقدية تعود حصرياً إلى محافظ البنك، وبموجب ما ينص عليه القانون.
وذكر أن "المقترحات التي تقدمت بها جهات مختلفة لا تفي بالمعايير المهنية المطلوبة، ولا توجد إمكانية واقعية لتنفيذها، كما أنها لم تُعرض على البنك بشكل منظم أو بالتنسيق معه".
من جانبه، عبّر الخبير الاقتصادي الإسرائيلي يارون زيليخا عن تأييده لمقترح ساعر بشأن تغيير لون أوراق فئة 200 شيكل، قائلا: "هذه المرة الوزير جدعون ساعر مُحق".
הפעם גדעון סער צודק. בנק ישראל צריך להחליף במהלך בזק את שטר ה-200 ש״ח בשטר חדש בצבע חדש כאשר ההחלפה לשטר החדש תעשה בסניפי הבנקים בלבד ותחת פיקוח. את השטר הישן שלא הוחלף באמצעות הבנקים להוציא מהמחזור. מהלך מהיר לא יאפשר לחמא״ס וכן לארגוני פשיעה מקומיים ולמלביני הון להיערך. מוטב…
— Prof. Yaron Zelekha פרופ' ירון זליכה (@PZelekha) April 24, 2025وأضاف زيليخا في تغريدة ترجمتها "عربي21" ونشرتها صحيفة "معاريف": "على بنك إسرائيل الإسراع في استبدال ورقة الـ200 شيكل بورقة جديدة وبلون جديد، على أن يتم استبدال الورقة الجديدة في فروع البنوك فقط وتحت إشرافها".
وتابع قائلا: "يجب سحب الورقة القديمة التي لم يتم استبدالها عبر البنوك من التداول"، معتقدا أن "هذه الخطوة السريعة ستؤدي إلى إضعاف حركة حماس".
وذكر أنه "من الأفضل لبنك إسرائيل الذي ألحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الإسرائيلي على مدى العقد والنصف الماضيين، أن يستيقظ".
وأشارت "معاريف" إلى أن فكرة ساعر تم طرحها خلال اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، ووصف نتنياهو الفكرة بأنها "ممتازة"، وأمر بدراسة إمكانية تنفيذها، إلى جانب دعم الفكرة من قبل وزير المالية سموتيرتيش ووزراء آخرين.
ونوهت الصحيفة إلى أن الاعتقاد متزايد لدى الجيش الإسرائيلي بأن حركة حماس نجحت في تهريب شحنات نقدية، وذلك في ظل الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها في قطاع غزة.
فكرة قديمة وغير مجدية
وأمام حالة الجدل الإسرائيلية، ذكر الباحث الاقتصادي الفلسطيني أحمد أبو قمر، أن فكرة تلوين الأوراق النقدية، هي قديمة وقد طُرحت في أيلول/ سبتمبر الماضي، بهدف مكافحة الأموال السوداء وزيادة الإيرادات الضريبية.
ولفت أبو قمر في قراءة تحليلية اطلعت عليها "عربي21" أن "قيمة الأوراق النقدية من فئة 200 شيكل تبلغ 101 مليار شيكل، وهو ما يمثل 75 بالمئة من إجمالي الأموال النقدية التي يملكها الإسرائيليون".
ورأى أن مقترح ساعر غير مجدي، ولو جرى تطبيقه فهو يهدف إلى ابتلاع المزيد من السيولة من أسواق قطاع غزة، وفقدان الثقة بالورقة النقدية الأهم والأكبر، كما حدث مع فئة العشرة شواكل والعملات القديمة.
وأكد أن التقديرات الإسرائيلية بأن حوالي 80 بالمئة من أموال "حماس" تندرج ضمن فئة الـ200 شيكل، ليست نابعة عن معلومة، ولكن من منطلق أن هذه الفئة تمثل 75 بالمئة من قيمة النقد المتواجد في السوق.
وشدد على عدم جدوى المقترح الإسرائيلي، بمجموعة من التساؤلات، قائلا: "هناك أسئلة لم يجب عليها ساعر، هل فعلا هذه الخطوة ستوجه ضربة لحماس التي تعتمد على إدخال الدولار من الخارج، أم هي ضربة للمواطن البسيط واستكمال رحلة القضاء على ما تبقى من قطاع مصرفي في غزة؟".
وتابع متسائلا: "لو كان لدى حماس هذه المبالغ الطائلة من فئة الـ200 شيكل، فلماذا لا يتلقى موظفوها رواتب منذ أكثر من شهرين؟ وماذا بخصوص المدة القانونية لاستبدال العملة في البنوك والمهلة التي يتم منحها لمن يمتلكها في إسرائيل وأسواق الضفة والقدس؟".
واستكمل قائلا: "ماذا بخصوص الثقة بعملة الشيكل، فهذه الخطوة من شأنها أن تصيب الشيكل بهزة كبيرة قد يكون لها تداعيات مستقبلية كبيرة، وهل فعلا يمكن لبنك إسرائيل أن يتخلى عن عملته؟".
وأردف: "كيف سيتم تحديد الرقم التسلسلي للعملة الموجودة بغزة، وخصوصا أن ساعر تحدث عن تهريب كمية من الأموال مع المساعدات خلال شهور الحرب؟".
وختم قائلا: "بعد توقف الحرب، ماذا لو خرجت هذه الأموال من غزة لإسرائيل بطريقة ما، وذهب بها الإسرائيليون أنفسهم إلى بنك إسرائيل، كيف سيتعامل معهم؟".