لجريدة عمان:
2025-04-27@23:16:20 GMT

2024.. حصاد فلسطين الثقافي غير العادي

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

2024.. حصاد فلسطين الثقافي غير العادي

ثقافيا كانت سنة 2024 ممتلئة بالإنجازات الثقافية، يحدث هذا في كل عام، فهذا ليس غريبا، لكن هذا العام 2024 ذو طابع خاص في لغة وأجواء هذه الثمار الثقافية وشكلها وسياقها، فقد تعرضت فلسطين وما زالت تتعرض، لأخطر مرحلة في وجودها، فقد توحش الغزاة الصهاينة، داخل المكان الفلسطيني، حتى انتهكوا قلبه وجسده، وحطموا عظامه لكنهم لن يهزموه، بشهادة رفض الاعتراف بأي واقع لا يتطابق مع الحق الفلسطيني وعدل الله، الوعي الفلسطيني ما زال مشعا يضج بالثوابت والإصرار على الصمود، تلونت إنجازات البلاد الفلسطينية، بسمات تعكس الوجع الفلسطيني الكبير الذي يعصف بمختلف نواحي الحياة، والذي أنتج، تعطلا لمرافق الحياة من مؤسسات ووزارات، وبطالة مرعبة، وحواجز احتلالية على الطرق تهين الفلسطيني وتذله وتلغي يومه، ليست عاديا هذه الإنجازات فهي ابنة الدم والإبادة في غزة، وحفيدة الحصار والمستقبل المجهول في الضفة الغربية.

ثقافيا توهجت فلسطين مع توهج الجرح الفلسطيني، فقد صدرت العديد من الكتب والدراسات في الحقول كافة، في الرواية وعلم الاجتماع والقصة القصيرة والشعر والنقد، كما عُرضت مسرحيات كثيرة وأفلام سينمائية، في أكثر من محافظة وأقيمت عديد من الورشات الفنية في الرسم والكتابة، وعروض موسيقية، وأمسيات أدبية لنقاش كتب ومجموعات قصصية ودواوين شعر وروايات، كما صدرت أغان كثيرة من أكثر من فنان فلسطيني، في الداخل وفي الضفة وحتى في غزة.

لكن كل هذه الإنجازات المهمة داخل هذا العام المنصرم لم تكن عادية، بمعنى لم تكن بتلك المساحات المعتادة من المسحة الفلسفية والأدبية، والرفاهية في اللغة، والشطح في الرؤية واللعب في التقنيات والرقص مع المعاني، والمجاز، هذا لا يعني أنها كانت ناقصة فرح وحب، وأنها سوداوية ومحبطة، وفارغة من كل الفرح والحب في هذه الأعمال، لكنه الفرح البطل واليائس والمنزوي والخائف، هو الحب المتوتر الحذر، حب بلا ألوان، بلا أصوات، بلا اتساع معاني، بلا طيران بعيدا عن الأرض والحقيقة والدم والخيمة.

مركز خليل السكاكيني الثقافي وهو من المراكز الثقافية المهمة في رام الله - فلسطين، نظّم العام المنصرم عددا من المحاضرات والورشات والأمسيات الفكرية المختلفة التي اتسمت بسمات الجرح الفلسطيني الواسع، من أهم هذه الفعاليات: (شهادات من تجارب الاعتقال والتعذيب في عصر الإبادة، وليد دقة ضد دولة العرق، من غرفة الغاز الى ثلاجة الحداثة، ومعرض ملصقات من أجل غزة، و قراءات باسل الأعرج. وغيرها من فعاليات حاولت أن تقارب فكريا وثقافيا هذه المرحلة الجحيمية الدموية في حياة شعب فلسطين).

من إصدارات غزة تحت الإبادة (تمثل الزلزال اللغوي) والتي قبل أقل من شهرين فقط، كتابان مهمان، كتبا تحت وفوق الدم، (تغريدة النورس الأخيرة) للكاتب القصصي المعروف عمر حمش، الذي يعيش في خيمة مع أسرته الكبيرة، بعيدا عن بيته المدمر ومكتبته الجريحة وكتاب (الحرب التي لا تنتهي) للشاعر المختلف الذي ما زال محاصرا في مخيم المغازي، ناصر رباح، أعرف لغة القاص عمر حمش التي تعلمت منها وأحببتها ونهبتها في أيام صباي الثقافي، أعرف طريقته في السرد وفضاءه الجمالي. في كتابه الجديد، الذي صدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية نرى بوضوح حجم الهزة في اللغة وتفكك الحبكة وانهيار المجاز، وطريقة السرد، في هذه التجربة الجديدة التي كتبت تحت النار:

كأنها جدتي

( ليست هي، بل هي.

تظهر وقت الحرب بكفها رغيف نحيفة بيضاء غزا وجنتيها نمش قليل.

ظهرت وأنا كنت اثنين طفلا وشيخا تشاجرا.

هي، لا ليست هي.

وتشير بثقة، ويقف لها كل عابر، وتنثني تهوي أو ظهرها ينزلق.

وتصير رقم 6 بالضبط كما كانت تفعل جدتي، وهي تحدّق، مادة بيدها الرغيف.

خذه أو أعطني أشتري غموسا.

وكلانا نصيح: هي.

وقت الحرب نبكي اثنين، طفل َفراش خلا من دفء حكاياتها.

وشيخا يروغ من رغيفها الذي بلا غموس.)

كذلك كتاب ناصر رباح، الذي أتخيل لغته الآن وقد خرجت من تحت الأنقاض بنصف ذاكرة، وبشعر فوضوي مغبر، وبكثير من الجمال الجديد، برضوض بالغة بحرف الضاد، حزينة وساخرة، مقاتلة بيأس، تسأل بغضب، وتجيب دون إجابة، وتتذكر بحسرة:

الطاعون

(منذ عام لم أسمع أغنية في الشارع،

لم يرقص أحد في حفلة عرس،

لم يأتِ باص المدرسة ولم يذهب،

وأحد لم يشتر وردة لأحد.

منذ عام نوزع كعكة الحرب الكريهة،

لم ننس طفلاً ولم ننس أي حديقة، لا كتاباً ولا أمنية.

في النهار نمرن أعيننا السباحة في الدم، فلا تبتل،

وأن تخطئ في عد أطرافنا الناقصة،

نمرنها في الليل كي تضيء الأسى،

وأن تشعل النار في خشب الانتظار.

منذ عام لم يحدث شيء،

ولم يكف عن الحدوث شيء،

تعال وافتح عينيك على آخرها أيها الموت،

نحن الضحيةِ الأبدية المستحيلة،

تبكي بصمت نعم، وتصرخ حتى تشق ثوب السماء

نحن الضحية التي جرحها مئذنة،

والتي دمها خلفها في الطريق إلى الجلجلة.

والتي غير كل الضحايا لا ترى قاتل أبنائها؛

لا تراه في الدموع،

لا تراه في القصيدة،

لا تراه.. لا تراه..

لا أحد يمكنه رؤية الطاعون).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لا تراه

إقرأ أيضاً:

تراكم أخطاء إتفاقيات السلام … وثمارها المرة الحرب الحالية .. 2023 – 2025م .. وفي الحروب التي ستأتي !

تراكم أخطاء إتفاقيات السلام …
وثمارها المرة الحرب الحالية … 2023 – 2025م … وفي الحروب التي ستأتي !
إن هذه الحرب بكل فظاعاتها وإجرامها المرتكب من القوات المتمردة هي نتيجة حتمية للأخطاء التفاوضية الكارثية لكل إتفاقيات السلام منذ 1972م ، ومن هذه الأخطاء مثالا لا حصرا :
+ قبول التفاوض مع الحركات المتمردة.
+ دمج المتمرد في الجيش والأسوأ أن يكون ضابطا في الجيش ويتمرد ثم يعاد دمجه من جديد.
+ تعيين قيادات التمرد في المناصب القيادية في الدولة.
+ السكوت عن إنتزاع إقرار بتجريم استهداف الممتلكات العامة :
في كل الإتفاقيات سكت المفاوض الحكومي عن إنتزاع إقرار واعتذار من الحركات المتمردة عن إستهدافها وتخريبها للبنيات التحتية والممتلكات العامة وهذا التخريب للممتلكات العامة تحديدا ظل ممارسة كل الحركات المتمردة ، وليت الأمر توقف عند ذلك فقد وصل إلى أن يتحول المتمرد السابق إلى مفاوض حكومي في تمرد تال !
+ السكوت عن ترويج المتمرد السابق لسرديته الخاصة وتاريخه الشخصي الذي يسميه كفاحا ونضالا.
فبعد إنضمام المتمرد السابق لأجهزة الدولة تم السكوت عن قيام المتمردين السابقين بالترويج لقتالهم ضد الجيش السوداني باعتباره كفاح ونضال وإسباغ هالات البطولة على قياداتهم ما يعني تجريما ضمنيا للجيش السوداني وهضما لتضحيات ضباطه وجنوده.
كل هذه التفريطات شجعت التكاثر المتزايد للحركات حتى تضخمت أعداد الحركات المسلحة ووصلت العشرات وصارت بارعة في تكتيكات الإنشقاقات بحيث يتفاوض منها جزء وينضم لإجهزة الدولة بيننا يظل شقهم الآخر متمترسا في الميدان.
ولكل هذه الأخطاء المتراكمة لا ييأس التمرد الحالي 2023م – 2025م وداعميه من إرتكاب الجرائم والانتهاكات لأن لديهم سوابق لا يختلف عنها إلا باختلاف القوة والكم وجميعها تم السكوت عنها في مفاوضات السلام بل وتم لاحقا إصدار قرارات بالعفو أو إلغاء العقوبات عن مرتكبيها.
وحتى لا تتواصل دورات الحروب فلا مناص لكل الحركات المتمردة حاليا أو التي وصلت للمناصب من التبروء والإعتذار عن كل ما مارسته من استهداف للممتلكات العامة وتحريضها على الحصار الاقتصادي للسودان والمؤسسات السودانية مع تجريم استخدام مصصطلحات التهميش والعدالة والمساواة كمبررات لحمل السلاح.
#كمال_حامد ????

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إلزام أصحاب المخابز على توفير الخبز العادي وبالسعر المحدد قانونا
  • تراكم أخطاء إتفاقيات السلام … وثمارها المرة الحرب الحالية .. 2023 – 2025م .. وفي الحروب التي ستأتي !
  • من أشعل الحرب في السودان؟ ما الذي حدث قبل 15 أبريل؟
  • موقع الحرب الأمريكي: ما هي الدفاعات الجوية التي يمتلكها الحوثيون في اليمن فعليًا؟ (ترجمة خاصة)
  • "فتح": قرار الحرب والسلم يجب أن يكون بيد منظمة التحرير لوقف المقتلة بحق الشعب الفلسطيني
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • الاقتصاد السوداني بين دمار الحرب وخرافة الإنتاج
  • اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع