سودانايل:
2025-03-06@13:42:09 GMT

جروح الروح

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

في حربنا المقيتة تتواتر كل مصطلحات قاموس (الأزمة الإنسانية). أحياءٌ سكنية مدمرّةً؛ بمن وما فيها. مدنٌ مهجورة،كلُ صنوف العنف والتوحّش .فيها أعداد مهولة من القتلى فوق العدّ وأكثر من ذلك مصابون وجرحى، جوعى ومرضى ، وأرقامٌ مجهولة لأسرى . فيها الإجبار على الإخلاء،النزوح ، هجر السكن ، فقد أرصدة الكد الذاتي، التعرضُ المهين للنزوح ،النهبُ والسلب .

كذلك ركوب الصعب والمستحيل هرباً من جحيم إلى جحيم آخر.فيها مكابدةُ الحرق والغرق.القتل على الهوية.كل تلك المعاناة القاسية مؤلمةٌ حتى العظم لكن من آثار الأزمة الانسانية المعيشة على امتداد الوطن جروحاً يغور أذاها داخل الروح.كما قال مبدعنا الراحل ساكن وجداننا الجمعي محجوب شريف (الجروح بتروح لكن جروح الروح مابتروح.)هذه جمرات الأزمة الانسانية ونارها الحارقة. ربما يندرج في هذا اللهب الشعور بالإهانة المتعمدة وبالعجز والمهانة لكنها تتضمن حتما عمليات هتك العرض .ذلك احساسٌ يكتسب أنيابًا مسعورة إذ يعري فشل المؤتمنين بقوة الدستور على الحماية،بل تورطهم في تلك الأعمال القذرة.
*****
كل تلك البلايا تغطي رقاعا عريضة من الوطن .المنظمات الدولية لا تكتفي فقط بتأطير كارثة الجوع المتمكنة من الشعب حتى العظم ،بل تحذر من استشراء مساحة الجوع أُفقياً ورأسيا. فمنظمة الصحة العالمية تحدد خمس مناطق تكابد مجاعةً ضروس.كما تحذر من سقوط خمس مناطق مغايرة بين فكي الجوع لا محالة خلال النصف الأول من السنة الجديدة. أبعد من ذلك يؤشر تقرير دولي إلى سبعة عشر منطقة أخرى يهددها شبح المجاعة. وزير الخارجية البريطاني يصنّف وضع الأمن الغذائي في السودان ب(مثير للقلق) بابا الفاتيكان ينادي بمفاوضات تستهدف وقف النار. انتشار العمليات العسكرية وأشكال العنف في دارفور، كردفان، الجزيرة ،سنار ومناطق في النيل الأبيض عرقلت الإنتاج الزراعي .ذلك بعضٌ مما ورد في تقرير لجنة متابعة الطوارئ الإنسانية.
*****
لعل كشف ذلك البعد اللاإنساني من الحرب الظالمة دفع الجنرالات مغتصبي السلطة يسارعون لإعلان مقاطعتهم المنظمات الدولية الإنسانية المعنية بالأمن الغذائي. للمفارقة فقد بثت وكالة الأنباء الرسمية (سونا) بالتزامن مع تلك الفضيحة اخبارا عن عن عصابات تنهب بيوتا في كرري بالتزامن مع اغتصاب عشرين طالبة جامعية داخل منزل زعيم وطني راحل. عشية إعلان تلك المقاطعة . بالإضافة إلى ذلك تداول المتصفحون صور تكدس جموع من اللاجئين في القاهرة طلبا لإغاثة الشتاء.للمفارقة المضحكة المبكية في الأزمة الانسانية مشاركة حاكم دارفور تحت جنح الحرب والأزمة الإنسانية الطاحنة في مؤتمر للأحزاب الاشتراكية في الرباط. هولا ينتمي لأي حزب.بل زعيم فصيل مسلح! هو أحد مروجي الكراهية ودعاة الفاشية!.
*****
لا أحد يمتلك مع اكتناز الأزمة وانهيار الدولة ماكينزم إحصاء لضحايا الجوع، المرض والتصفيات الوحشية على المستوى الفردي والجماعي. الكلام عن انتهاكات حقوق الإنسان يصبح ترفا تحت ظل هذا التفحش في التوحش بما ذلك التلذذ في ممارسات التعذيب الممعنة في الإذلال وفق جميع أشكال العنف العشوائي والممنهج.عند حلول يوم يأتي حتما يُرفع فيه الغطاء عن كافة أهوال الرعب سندرك جميعا كم هي غائرة تلك الجروح في الأرواح الصابرة الصامدة الصامتة حد الجنون.في زمن تفكك الدولة وتفشي حمى الخوف الجماعي شاهدنا بنات وابناء الجزيرة أبا في هجرة جماعية هربا من الماء.هي الأولى من نسقها .فأهل أبا عُرف عنهم الثبات في وجه الماء والنار. لكن عجز الدولة مع أمواج الأزمة أجبرتهم على ما كرهوا. البعد الخفي في الهجرة الفريدة ألا إمامَ ولا هاديَ لها ولا وجهة محددة . ذلك الخروج الكبير من أبا كما من الجزيرة سابقا من أشد مظاهر الأمة الإنسانية إيلاما! استبدال العملة وحرقها كما عملية الامتحانات المرتجلة يعكسان محاولات بئيسة لتأكيد وجود بقايا من أجهزة الدولة .كم هي محزنة احوال الشباب المعطل دولاب دراستهم والمجمدة تطلعاتهم الحياتية وأحلامهم.
*****
كما للحرب أبطالها فإن للأزمات (بَطَلَتَها).هم أ نصاف رجال متهورون متسلحون بأوهام وربما طموحات ليست مشروعة تطفو اسماؤهم على سطح أمواج الغفلة دوماً وسط اضطراب عواصف شعبية تحدث فراغا سياسيا. لوجود هذا الرعب الصادم من المهجوسين بجنون العظمة وهواجس الاضطهاد العرقي أضراب في التاريخ. فعقب انهيار نظام سياد بري في الصومال طفا على السطح ثلة من المتنافسين الحمقى لملء الفراغ السياسي.أحد أبرز أؤلئك المجانين بالسلطة الجنرال فارح عيديد .عوضا عن سد الفراغ توغل الصومال على يدي ذلك الأرعن في فوضى لمّا يسلم منها بعد. لدينا من ذلك المعتوه أكثر من نسخة غير معدلة. الجنرال فرانكو احد النسخ الأوربية الطافية في حالات الفراغ والمغرقة الشعب في خضم الفوضى.قراءة التاريخ تقدم لنا كذلك شواهد في رواندا وصربيا ممن لايكتفون بهزيمة خصومهم بل يتجاوزون بعيدا في سفك دماء الأبرياء إلى الإبادة.
*****
حين يشط الجنون بالمتنافسين على السلطة حدا يسوّقون عنده وحشيتهم المجردة من الحد الأدنى من الإنسانية عملا وطنياً لايبقى لناشط سياسي مساحة للدفاع عن نفسه ،دع عنك أفكاره. لئن انضمت الطبقة الطفيلية لمهرجان الزيف الموشح بالعنف والدم فمن المؤلم انسانيا التحاق أدعياء الدعوة للإسلام السمح بإنسانيته وادعياء التبشير بالكرامة الإنسانية،العدالة والثقافة بمعسكر الرعب والعنف . هؤلاء هم صنعة ومصممو العنف،الأزمة والحرب بنجومها السوداء .من المؤلم الإنشغال بالجدل المحموم المسموم بين فسطاطين أحدهما ينادي بوضع نهاية للحرب وآخر يصر على اجهاض كل جهد يبذل بغية إطفاء النار . فكما قال ابن الخطاب (مراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل .) فكيف يكون دعاة وقف الحرب أنصاراً لممارسي القتل والاغتصاب؟ فمشعلو الحرب ودعاة استمرارها يخادعون الواقع والأبرياء المعذبين المبعثرين في الجهات الأربع من اجل استرداد امتيازاتهم المكتسبة زورا وبهتانا كما كانت إبان احتكارهم مفاصل الدولة ومصادر الثروة.

نقلا عن العربي الجديد

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الحرية المصري يدين وقف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة وغلق المعابر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أدان حزب الحرية المصري، القرار الصادر عن الحكومة الإسرائيلية بوقف ادخال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة، وايضا غلق المعابر المستخدمة في تمرير المواد الإغاثية والإنسانية، مؤكدا أن هذا القرار يضرب عرض الحائط بجميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والقوانين الملزمة بضرورة ادخال المساعدات الإنسانية للمدنيين في وقت الحرب.

وقال النائب احمد مهنى، نائب رئيس حزب الحرية المصري والأمين العام وعضو مجلس النواب، إن هذا القرار يرجع بالاتفاقيات و المباحثات الخاصة بوقف إطلاق النار عشرون خطوة للوراء، فكلما نضع نقطة لنبني عليها ما تم هدمه، تأتي إسرائيل بقرارات تعيد النزاع من جديد من أجل تجويع وتهجير الشعب الفلسطيني لتزيد جرائمها بجانب جريمة القتل الجماعي للشعب المدني الأعزل.

واضاف مهنى، أن فرض التجويع والحصار على الشعب الفلسطيني في ظل شهر رمضان الكريم، يؤكد تعنت إسرائيل ومحاولاتها للضغط على الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق مصالحها الشخصية، ولذلك فإن على المجتمع الدولي  أن  يتحمل مسؤوليته الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني ومحاولات الضغط على الأبرياء، والوقوف للممارسات الإسرائيلية المستمرة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.

مقالات مشابهة

  • محنة الذكريات والصراع السياسي أو “وبسأل الشوق عن وطن”
  • العدل تحدد موعد المقابلات الشخصية للقضاة ومحامي الدولة والعاملين فيها المنشقين عن النظام البائد والراغبين بالعودة للعمل
  • ترامب: تلقيت رسالة من زيلينسكي يؤكد فيها استعداده للعودة إلى المفاوضات
  • ترامب: تلقيت رسالة من زيلينسكي يؤكد فيها استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات
  • مصر تكثف جهودها الإغاثية لغزة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة
  • عدن.. حلقة نقاشية تبحث سبل فهم الأزمة الإنسانية في اليمن
  • نائب الرئيس الأمريكي: وصلنا إلى نقطة لا يمكن فيها مواصلة حرب أوكرانيا
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. تحذيرات أممية من تفاقم الأزمة الإنسانية.. إدانات عربية ودولية لقرار إسرائيل منع دخول المساعدات إلى غزة
  • الحرية المصري يدين وقف إدخال المساعدات الإنسانية لغزة وغلق المعابر
  • المرزوقي: ملف التآمر مهزلة قضائية لإدانة خيرة رجالات تونس من قبل أسوأ ما فيها