إعلام 2.0.. هل تهدد فوضى شات جي بي تي مصداقية الصحافة؟
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
مع التوسع المستمر للذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الحياة، أصبحت العلاقة بين الإعلام والتقنيات الذكية محطّ اهتمام عالمي، لما تحمله من إمكانات غير مسبوقة في إعادة تشكيل صناعة الأخبار وطريقة استهلاكها.
فكأن الإعلام يقف على مفترق طرق، حيث تسير تقنيات الذكاء الاصطناعي بسرعة الضوء، بينما يحاول الصحفيون الحفاظ على جذورهم في عالم نقل الحقيقة.
أدوات مثل "شات جي بي تي" لم تعد مجرد وسائل لتسهيل الوصول إلى المعلومات، ولكنها تبشر بفرص جديدة للمؤسسات الإعلامية لتوسيع قدراتها بالاعتماد على تقنيات حديثة ومبتكرة.
هذه التحولات السريعة جذبت اهتمام عمالقة التكنولوجيا والمؤسسات الإخبارية الكبرى التي سارعت إلى بناء شراكات مع شركات مثل "أوبن إيه آي"، في محاولة للتغلب على تحديات السوق وضغوط التحول الرقمي.
لكن وسط هذا التفاؤل التقني، تتزايد التساؤلات عن دقة المحتوى، وصحة المصادر، ومدى تأثير هذه الأدوات على مصداقية المحتوى الإعلامي، خاصة عندما يصبح الذكاء الاصطناعي طرفا رئيسيا في صناعة الأخبار.
الشعبية الجارفة المفاجئة التي حازها "شات جي بي تي" منذ إطلاقه هي ما دفعت إدارة غوغل إلى إعلان "حالة الطوارئ" (شترستوك) ماذا يحدث عندما يتحول الحليف الذكي إلى مصدر للأخطاء والتشويه؟أُطلق محرك بحث "شات جي بي تي" الذي يُعدّ منافسا مباشرا لمحرّكات البحث مثل "غوغل" و"بينغ" (Bing) في 31 أكتوبر/تشرين الأول مع بيان صحفي من "أوبن إيه آي" يروج لادعاءات تبرز تعاونا وثيقا مع قطاع الأخبار، وإصغاء دقيقا إلى ملاحظات المؤسسات الإخبارية التي أبرمت معها اتفاقيات ترخيص المحتوى.
إعلانوبالمقارنة مع الإطلاق الأول لـ"شات جي بي تي" قبل عامين، حينما اكتشف الناشرون أن "أوبن إيه آي" جمعت محتواهم دون إشعار مسبق أو موافقة لاستخدامه في تدريب نماذجها الأساسية، قد يعدّ هذا النهج خطوة نحو التحسن.
وتشدد "أوبن إيه آي" على تمكين ناشري الأخبار من التحكم في إدراج محتواهم ضمن نتائج البحث، وذلك عبر تحديد تفضيلاتهم في ملف "روبوتس تي إكس تي" (robots.txt) على مواقعهم الإلكترونية.
لكن بينما تقدم الشركة الشمولية في بحثها كفرصة للوصول إلى جمهور أوسع، نشر مركز "تو" (Tow) للصحافة الرقمية الشهر الماضي دراسة تسلّط الضوء على كيفية توليد روبوت الدردشة "شات جي بي تي" للاستشهادات المرتبطة بمحتوى الناشرين، وتقدم قراءة ذات طابع مثير للاهتمام وإن كان مقلقا في الوقت ذاته.
وتشير النتائج إلى أن الناشرين ما زالوا يواجهون تحديات كبيرة مع ميل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى اختراع المعلومات أو تشويهها، سواء سمحوا لـ"أوبن إيه آي" بالوصول إلى محتواهم أم لم يسمحوا بذلك.
البحث الذي أُجري في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا قام بتحليل الاستشهادات التي أنشأها "شات جي بي تي" عندما طلب منه تحديد مصادر اقتباسات مختارة من مجموعة متنوعة من الناشرين، بعضهم وقعوا اتفاقيات مع "أوبن إيه آي" بينما لم يفعل ذلك آخرون. وشملت الدراسة تحليل 200 اقتباس مأخوذ من 10 مقالات لكل ناشر، تم اختيارهم عشوائيا من بين 20 ناشرا.
وتضمنت العينة محتوى من صحيفة "نيويورك تايمز" التي تقاضي حاليا "أوبن إيه آي" بتهمة انتهاك حقوق الطبع والنشر، وصحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post)، و"فايننشال تايمز" (Financial Times) التي وقعت صفقة ترخيص، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى.
وفي هذا السياق، كتب الباحثان في مركز "تو" (Tow) كلاوديا جازوينسكا وإيسواريا تشاندراسيكار في منشور مدونة يشرحان فيه منهجيتهم، ويلخصان نتائجهم بالقول "اخترنا اقتباسات إذا تم لصقها في غوغل أو بينغ سترجع المقالة المصدر ضمن النتائج الثلاث الأولى، وقمنا بتقييم ما إذا كانت أداة البحث الجديدة من أوبن إيه آي ستحدد بشكل صحيح المقالة التي كانت مصدر كل اقتباس".
إعلانوأضاف الباحثان "ما وجدناه لم يكن مبشرا للناشرين الإخباريين. ورغم تأكيد أوبن إيه آي قدرتها في تقديم إجابات فورية مع روابط إلى مصادر ويب ذات صلة، فإن الشركة لا تقدم التزاما واضحا بضمان دقة تلك الاستشهادات. وهذا يمثل تقصيرا مهما بالنسبة للناشرين الذين يتوقعون الإشارة إلى محتواهم وتمثيله بأمانة".
كذلك أكدا أن اختباراتهم وجدت أن أي ناشر بغض النظر عن درجة ارتباطه بـ"أوبن إيه آي" لم يكن بمنأى عن التمثيل غير الدقيق لمحتواه في "شات جي بي تي".
من الصعب التكهن الجازم بمستقبل "شات جي بي تي" ورفاقه فهل يمكن يوما مع تطور تقنيات تعلم الآلة أن يعرف أنه يعرف وأن يعي ذاته كما نفعل؟ (رويترز) أزمة الثقة في استشهادات "شات جي بي تي"أشار الباحثون في مركز "تو" (Tow) إلى أنهم رصدوا عددا كبيرا من الحالات التي استشهد فيها "شات جي بي تي" بمحتوى الناشرين بشكل غير دقيق، حيث لاحظوا ما وصفوه بـ"طيف من الدقة في الإجابات".
فقد تضمنت بعض الاستشهادات معلومات صحيحة تماما، إذ أورد الروبوت الناشر والتاريخ وعنوان "يو آر إل" (URL) بدقة، بينما كانت العديد منها خاطئة تماما، وبعضها الآخر يقع بين هذين النقيضين.
ومن جهة مماثلة، تظهر النتائج أن استشهادات "شات جي بي تي" تعاني من تباين كبير يجعلها غير موثوقة، كما لاحظ الباحثون أن الروبوت نادرا ما يعترف بعدم ثقته في إجاباته الخاطئة.
وفي بعض الحالات، استند إلى نصوص مأخوذة من ناشرين منعوا زواحف "أوبن إيه آي" من الوصول إلى محتواهم.
وكان الباحثون يتوقعون أن يجد الروبوت صعوبة في تقديم استشهادات دقيقة في هذه الحالات، إلا أنهم اكتشفوا تحديا مختلفا، فنادرا ما يعترف "شات جي بي تي" بعجزه عن الإجابة، مفضلا اختراع مصادر لتبرير استشهاداته، وإن كانت غير صحيحة.
وقالوا في هذا الصدد "في المجمل قدم شات جي بي تي إجابات خاطئة جزئيا أو كليا في 153 حالة، بينما اعترف بعدم قدرته على الإجابة بدقة في 7 حالات فقط". وفي تلك الإجابات السبع استخدم روبوت الدردشة عبارات مثل: "يبدو" و"من الممكن" أو "قد"، أو عبارات مثل: "لم أستطع العثور على المقالة الدقيقة"، حسب الدراسة.
إعلانكذلك قارن الباحثون هذا الوضع غير المرضي بعمليات البحث القياسية على الإنترنت، حيث يقوم محرك بحث مثل "غوغل" أو "بينغ" عادة إما بتحديد الاقتباس بدقة وتوجيه المستخدم إلى المواقع التي وجد فيها النص، أو بالإشارة إلى عدم العثور على نتائج مطابقة.
وأشاروا إلى أن افتقار "شات جي بي تي" إلى الشفافية بشأن مدى ثقته في إجاباته يضع المستخدمين في موقف صعب، فيصبح من غير الممكن تقييم دقة المعلومات أو تحديد الأجزاء التي يمكن الوثوق بها.
وأوضحوا أن هذا النهج قد يؤثر سلبا على سمعة الناشرين بسبب الاستشهادات غير الصحيحة، إلى جانب المخاطر التجارية المتمثلة في تحويل القرّاء إلى مصادر أخرى.
"شات جي بي تي" يرى أن الأرض مسطحة أو كروية بالقدر نفسه إذا كانت البيانات القادمة تدعم ذلك لكن ذلك لا يعني أنه يعرف أن الأرض كروية حقا (شترستوك) فوضى الاستشهادات.. بيانات خارج السياقتتناول الدراسة مشكلة أخرى مثيرة للقلق، حيث تشير إلى أن "شات جي بي تي" قد يسهم بشكل غير مباشر في تشجيع السرقة الأدبية.
يروي الباحثون حالة نسب فيها الروبوت مقالا بشكل خاطئ إلى موقع إلكتروني قام بسرقة نص تقرير صحفي معمق لصحيفة "نيويورك تايمز"، وذلك عبر نسخ النص ولصقه دون إسناد، واعتبر الروبوت هذا الموقع المصدر الأصلي للتقرير.
ويرجح الباحثون أن هذا الخطأ ناتج عن محاولة "شات جي بي تي" ملء فجوة معلوماتية ناجمة عن عدم قدرته على الوصول إلى موقع الصحيفة.
وقالوا "يثير هذا تساؤلات جدية حول قدرات أوبن إيه آي على التصفية والتحقق من جودة مصادر بياناتها وأصالتها، خاصة عند التعامل مع محتوى غير مرخص أو مسروق".
وعلى نحو مقلق للناشرين الذين أبرموا اتفاقيات مع "أوبن إيه آي"، كشفت الدراسة أن استشهادات "شات جي بي تي" لم تكن موثوقة بشكل دائم حتى في هذه الحالات، وذلك يشير إلى أن السماح للزواحف بالوصول إلى المواقع لا يضمن دقة النتائج.
إعلانويجادل الباحثون بأن المشكلة الأساسية في تقنية "أوبن إيه آي" تكمن في تعاملها مع الصحافة كمحتوى خارج عن سياقه، مع القليل من الاهتمام بالظروف المحيطة بعملية إنتاجه الأصلية.
من جانب آخر، أظهرت الدراسة تحديا إضافيا يتمثل في تباين ردود "شات جي بي تي"، إذ اختبر الباحثون الروبوت عبر طرح السؤال ذاته مرات متعددة، ووجدوا أنه عادة ما يقدم إجابة مختلفة في كل مرة.
ورغم أن هذا السلوك شائع في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن هذا التباين يمثل تحديا في مجال الاستشهادات، حيث يعدّ الاتساق عنصرا ضروريا لتحقيق الدقة المرجوة.
ومع أن دراسة مركز "تو" كانت محدودة النطاق، إذ أقر الباحثون بضرورة إجراء اختبارات أكثر شمولا ودقة، إلا أنها تكتسب أهمية خاصة في ظل الصفقات الرفيعة المستوى التي يعقدها كبار الناشرين مع "أوبن إيه آي".
وإذا كانت المؤسسات الإعلامية تأمل أن تؤدي هذه الاتفاقيات إلى معاملة مميزة لمحتواها، لا سيما في ما يتعلق بإنتاج استشهادات دقيقة، فإن نتائج الدراسة تشير إلى أن "أوبن إيه آي" لم تحقق بعد مستوى مرضيا من الاتساق في هذا الجانب.
أما بالنسبة للناشرين الذين لم يبرموا اتفاقيات ترخيص ولكنهم اختاروا عدم حجب زواحف "أوبن إيه آي" بالكامل، ربما على أمل جني بعض الفائدة من خلال إعادة "شات جي بي تي" محتوى متعلقا بتقاريرهم، فإن الدراسة تقدم صورة مقلقة لهم أيضا لأن الاستشهادات قد تكون غير دقيقة في حالتهم أيضا.
بعبارة أخرى، لا توجد رؤية مضمونة للناشرين في محرك بحث "أوبن إيه آي" حتى عندما يسمحون لزواحفها بالوصول إلى مواقعهم.
وفي الوقت نفسه، فإن حجب الزواحف بالكامل لا يحمي الناشرين من مخاطر الضرر بالسمعة، إذ قد يستمر "شات جي بي تي" في الإشارة إلى قصصهم بشكل غير دقيق.
على سبيل المثال، كشفت الدراسة أن الروبوت لا يزال ينسب المقالات بشكل خاطئ إلى صحيفة "نيويورك تايمز" رغم الدعوى القضائية الجارية ضد "أوبن إيه آي".
إعلان وهم السيطرة وغياب الأثرخلص الباحثون في مركز "تو" إلى أن الناشرين في الوضع الحالي يمتلكون ما سمّوه "تأثيرا محدودا ذا مغزى" على كيفية استخدام "شات جي بي تي" لمحتواهم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتضمن التقرير ردّا من "أوبن إيه آي" على نتائج الدراسة، حيث اتهمت الباحثين بإجراء ما قالت عنه إنه "اختبار غير تقليدي لمنتجنا".
وفي تعليقها، قالت أوبن إيه آي "نحن ندعم الناشرين والمبدعين من خلال مساعدة 250 مليون مستخدم أسبوعيا لشات جي بي تي في اكتشاف محتوى عالي الجودة عبر الملخصات والاقتباسات والروابط الواضحة والنسب الصحيح".
وأضافت أنهم قد تعاونوا مع شركاء لتحسين دقة الاستشهادات المباشرة واحترام تفضيلات الناشرين، ومن ذلك تمكين التحكم في ظهورهم في البحث عبر إدارة "أو إيه آي-سيرش بوت" (OAI-SearchBot) في ملف "روبوتس تي إكس تي" (robots.txt)، وأكدت "سنواصل العمل على تحسين نتائج البحث".
ولكن هل يكفي هذا الدعم المعلن والذي لا يتوافق مع ما يقدمه "شات جي بي تي" فعليا لتحقيق توازن حقيقي بين متطلبات الناشرين ومصالح عمالقة الذكاء الاصطناعي؟
تبرز هذه الدراسة، رغم محدوديتها، الحاجة الملحة إلى صياغة قواعد جديدة تحكم العلاقة بين الإعلام والتقنيات الذكية، لضمان نزاهة الاستشهادات ودقة المحتوى، وحماية مصداقية الإعلام.
فالصحافة في العصر الرقمي لا يمكنها الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة وحدها، بل تتطلب التزاما حقيقيا من جميع الأطراف بعدم المساس بجوهرها الأساسي المتمثل في الحقيقة والثقة.
وربما سيظل الإعلام في صراع مستمر مع التكنولوجيا، فالتاريخ علمنا أن المصداقية هي السلاح الأقوى في مواجهة عالم يسعى لنشر الزيف وترويج الأوهام. ولا يوجد مثال أعمق مما يحدث في غزة، حيث تسعى شركات مثل "ميتا" إلى تشويه الحقيقة وطمسها في وقت ترتكب فيه إسرائيل أفظع جرائم الإبادة الجماعية.
إعلانففي ظل الحصار المفروض على غزة، تُحرم وسائل الإعلام من الوصول إلى الحقيقة بشكل كامل، بينما تستخدم منصات التواصل الاجتماعي لتعطيل تدفق المعلومات، وحجب أو مسح الصور والفيديوهات التي توثق المجازر اليومية.
هكذا تتشوه الحقائق، ويغيّب صوت الحقيقة، في الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى تبرير الفظائع والتقليل من حجم المأساة. وهذا يعكس كيف أن التكنولوجيا أصبحت أداة بيد قوى تهدف إلى تحريف الواقع، وتصبح الحقيقة نفسها ضحية الحرب الرقمية.
وأنت ما رأيك؟ في ظل الهيمنة المستمرة لمصالح الشركات الكبرى، هل يمكن تحقيق توازن حقيقي بين الابتكارات التقنية وحماية مصداقية الإعلام؟ وهل يمكن الثقة بوعود بعض الشركات التي تتفانى في تغييب حقيقة قتل أكثر من 40 ألف إنسان في غزة جلّهم من الأطفال والنساء؟!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی شات جی بی تی أوبن إیه آی الوصول إلى إلى أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
"فاينانشيال تايمز": موجة غضب تنفجر في وجه "رسوم ترامب" وتحذيرات من فوضى بالأسواق الأمريكية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موجة غضب داخلية خاصة من جماعات الأعمال وبعض أعضاء الحزب الجمهوري بعد إطلاقه شرارة البدء لحرب تجارية؛ إثر فرضه تعريفات متصاعدة على أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة.
واصطفت اتحادات الأعمال الممثلة للسلع الاستهلاكية والنفط ومواد البقالة وصناعة السيارات في توجيه تحذيرات بأن رسوم ترامب الجديدة- التي تتضمن فرض 10% على الواردات من الصين، و25% على الواردات من كل من المكسيك وكندا، مع خفض النسبة إلى 10% بالنسبة للنفط الكندي- سوف ترفع الأسعار على المواطنين الأمريكيين العاديين، وسوف تتسبب في إحداث فوضى في الأسواق وسلاسل الإمدادات.
ونقلت صحيفة (فاينانشيال تايمز)، عن النائب الأول لرئيس غرفة التجارة الأمريكية، أكبر ممثل لمجموعة أعمال في الولايات المتحدة، جون مورفي، قوله "إن الرئيس محق بأن يركز على المشاكل الرئيسية مثل حدودنا المهترأة وآفة (عقار) الفنتانيل، لكن فرض التعريفات.. لن يحل تلك المشاكل، وسيرفع فقط الأسعار على الأسر الأمريكية".
وحذرت اتحادات السلع الاستهلاكية من أن الأمريكيين سوف يشهدون أسعارا أغلى في مواد البقالة، بينما حذر مصنعو السيارات من أن الرسوم الجمركية سترفع تكاليف تصنيع المركبات في الولايات المتحدة.
ويرى نائب رئيس مرونة سلسلة الإمداد في (جمعية أصناف المستهلك) توم مادريكي، أن "الرسوم على كل السلع المستوردة من المكسيك وكندا- ولاسيما بالنسبة للمكونات والمخرجات غير المتاحة في الولايات المتحدة- قد تقود إلى أسعار مستهلكين أعلى وردود انتقامية تصعيدية ضد المصدرين الأمريكيين".
وعلق الباحث البارز في (معهد بيترسون) كيم كلوزينج، على الأمر قائلًا: "إن التعريفات الجمركية سوف تمثل أكبر زيادة ضريبية منذ التسعينيات".. مضيفا "لقد اعتدنا أن نحصل على تجارة سلسة خالية من العيوب مع أمريكا الشمالية، وهو ما عاش عليه بعض الناس طوال حياتهم".
وأضاف "أن الانتقال من التجارة الحرة إلى (فرض رسوم) 25% بالفعل يمثل نقلة دراماتيكية حقيقية، وأعتقد أنها سوف تؤدي إلى صدمة كبرى للاقتصاد الأمريكي".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن رسوم ترامب، التي طبقت يوم /السبت/ الماضي، رفعت نزعات الوطنية الاقتصادية إلى أعلى قمة إدارته الجديدة بينما يحاول التعاطي مع عجز التجارة الأمريكية مع شركائه التجاريين.
وفي ردود فعل الشركاء، أعلن رئيس الوزراء الكندي، جوستين ترودو، فرض رسوم نسبتها 25% على سلع وبضائع أمريكية تبلغ 155 مليار دولار كندي (بما تعادل 107 مليارات دولار أمريكي)، تدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من غد /الثلاثاء/ لتشمل الآلاف من المنتجات المعينة من بينها الأغذية واللحوم، وعصائر البرتقال، والأجهزة المنزلية، وإطارات السيارات، والأخشاب، والمنتجات الورقية، والملابس.
وقال وزيرالمالية الكندي دومينيك لوبلانك، إن أول 30 مليار دولار من الرسوم ستضر "سلعًا استهلاكية واسعة النطاق نستوردها من الولايات المتحدة ولدينا بديل لها" للمشترين الكنديين.
وواصل الرئيس ترامب هجماته على شركاء الولايات المتحدة التجاريين واتخذ من منصته للتواصل الاجتماعي موقعًا لانتقاد مسألة العجز التجاري الأمريكي، وكرر من مطالبه بأن كندا سوف تصبح "الولاية الـ51".
وقال على منصة (تروث) للتواصل الاجتماعي، المملوك له، "إننا ندفع مئات المليارات من الدولارات لندعم كندا. لماذا؟"
ولاقت المعايير التجارية العدائية التي انتهجها ترامب انتقادًا من المشرع تيم سكوت، النائب الجمهورية عن ولاية ساوث كارولينا، الذي اعتبرها بمنزلة "ليس أكثر من فرض ضرائب على مواطني ولاية نورث كارولينا".
وقال سكوت- في تدوينة على موقع /إكس/- "أتفهم وأثني تمامًا على الرغبة في اتخاذ ما يلزم حيال التصرفات المريبة من دول مثل الصين، التي تكسر باستمرار القواعد وتتجاهلها، لكن معاملة حلفائنا طويلي الأمد والمقربين بنفس الكيفية هو أمر غير منتج في أحسن الظروف".
كما كتب السيناتور الجمهوري لولاية كنتاكي، راند بول، على موقعه في منصة /إكس/: "الرسوم هي ببساطة ضرائب، المحافظون عادة ما يتحدون في وجه الضرائب الجديدة. وفرض ضرائب على التجارة يعني تبادل تجاري أقل وأسعار أعلى".
من جانبهم.. انتقد أعضاء الكونجرس الديموقراطيون بشدة قرارات ترامب.
وقال النائب الديموقراطي البارز، في اللجنة المشرفة على السياسة التجارية في مجلس النواب الأمريكي، ريتشارد نيل، "تلك الرسوم المتهورة تعني استخدام مطرقة ثقيلة حيث من الضروري استخدام أسلوب متدرج، وسيدفع الأمريكيون الثمن لذلك".. مضيفا أن "المعايير المستهدفة والمنطقية التي تستهدف صناعات بعينها يمكن لها أن توفر الحماية للمصالح الأمريكية والعمال وتبرز عملية صنع سياسة حصيفة.. وليس هذا ما يقوم به الرئيس".
ورأى المحلل البارز لشؤون معدلات الفائدة والعملات في مركز (كولومبيا ثريدنيدل) البحثي، إد الحسيني، أن الولايات المتحدة انتهجت أكثر استراتيجية رسوم جمركية محفوفة بالمخاطر، بأعلى معدل احتمال لردات فعل مضادة وانتقامية.
وقال: "أتوقع حدوث تشديد في الظروف المالية بدءًا من هذا الأسبوع- تراجعات في الأسهم، وتشتت ائتماني واسع النطاق- فيما سيتعين على أسواق المخاطر حاليًا تعديل الأسعار في ضوء سيناريو الرسوم كأداة تفاوض ومخاطر التطورات السلبية".