قراءة في الجذور الفكرية للحركة الإسلامية السودانية والحصاد المر
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
قراءة في الجذور الفكرية للحركة الإسلامية السودانية والحصاد المر
الحلقة الثالثة :- الدولة الإسلامية الواقع والمتخيل !!
عبدالعزيز حسن علي
استعرضت الحلقة الثانية المصادر الفكرية للحركة الإسلامية السودانية، واوضحت أن الحركة عجزت عن تقديم نظرية حقيقة من فقه الواقع تعتمد المواءمة بين التراث والحداثة واكتفت بالشعارات فانتهت الي التجريب الاعتباطي مجبره بوقائع الحكم والحياة.
تَدَّعِي الحركة الإسلامية السودانية أنها تسعي الي إقامة الدولة الإسلامية ـــ تُسَمَّى احياناً دولة الشريعة ــــ ، دولة تعتمد الدين الإسلامي مرجعاً اساسياً للحكم وذلك بفهم بسيط ان الله خالق الكون والخلق وانه اعلم منهم بما ُيفِيدُهُمْْ في دينهم ومعاشهم واليوم الاخر.
من الأهمية تعريف بعض المفاهيم في موضوع الدولة والإسلام منعاً للالتباس، لتكتمل صورة الدولة الإسلامية في الواقع والمتخيل للمسلمين عامة والحركة الإسلامية علي الأخص .
يُعْرَفُ القانون الدولي الدولة بِأَنَّهَا عبارة ”عن مجموعة من الأفراد يُقيمون معا في إقليم معين ويخضعون لنظام سياسي مُتفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة. وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية هدفها التقدم وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها“. يمكن تبسيط التعريف بان الدولة تتكون من الاضلاع الرئيسية الثلاث الأرض – الشعب – النظام السياسي ، أرض الدولة هي حدودها وموقعها الجغرافي والمحتوية علي الموارد التي تعود بالمنفعة علي شعب الدولة ، اما الشعب فهم سكان هذه الأرض وأصحاب السيادة عليها وتتكون الشعوب في الغالب الاعم من إثنيات و قبائل تختلف في المعتقدات ،اللغات ، الثقافة والتراث ، وما يجمعهم علي هذه الأرض المعروفة باسم الوطن هو المواطنة فقط ، اما الضلع الثالث للدولة فهو النظام السياسي ، فالنظام السياسي يشمل الدستور، الحكومة، القوانين المنظمة لعلاقات للأفراد والمجموعات.
هنالك خلط شائع بين مفهومي الدولة والحكومة ، وكثير مما تتم الإشارة اليه باعتباره دولة هو في الحقيقة إشارة الي الحكومة ، فعندما نقول رئيس الدولة نقصد في الحقيقة رئيس الحكومة ، فالنظام القضائي مثلا مستقل عن سلطان رئيس الحكومة ولا يخضع له ، وعندما نقول دولة مارقة أو إرهابية بالتأكيد لا نقصد الأرض ولا الشعب ولا حتي مجموع النظام السياسي انما المقصود الجزء التنفيذي من النظام السياسي ممثل فقط في الحكومة.
الإسلام دين يؤمن اتباعه انه دين منزل من خالق الكون ، والدين الإسلامي يشكل مع اليهودية والمسيحية ما يعرف بالأديان الإبراهيمية أَوْ الأديان السماوية وهو خاتم الرسالات ورسوله محمد هو خاتم الانبياء والمرسلين ، والإسلام مثله مثل كل الديانات الإبراهيمية الأخرى له مرجع معتمد هو القران والقران وهو كتاب هداية وليس دستوراً للحكم والسياسة.
اما الفكر الإسلامي فهو اجتهاد بعض المسلمين لفهم الإسلام وتنزيله في حياة المسلمين ، ولأن قامات البشر تختلف باختلاف العلوم ، المصالح ، الكسب اللدني وكذلك الحيز المكاني والزماني الذين يعيشون فيه، لذلك جاءت اجتهاداتهم وافهامهم لمراد الاسلام مختلفة الامر الذي ساق الي انقسام المسلمين الي مدارس وجماعات بعد انقسامهم الأول الي سنة وشيعة وكل فريق يعتقد ان فهمه للإسلام هو الصحيح وهو مراد الله من التنزيل وانه وجماعته هم الفرقة الناجية الواردة في الحديث الصحيح للمعصوم ”افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة“ .
والسؤال الذي يثار دوماً لماذا اختلف المسلمين ولديهم كتاب واحد ، والاجابة في قول الامام علي بن ابي طالب ” القران لا ينطق انما ينطق به الرجال “ وهذا ما اشرنا اليه باختلاف البشر في الفقرة السابقة. هذا الاختلاف والتعدد كان يمكن ان يكون مصدر قوة يجلي المراد من رب العباد لكن الاختلاف انتج الغلو والتكفير والحروب بين المسلمين وهذا الاختلاف هو الدليل الناصح علي عدم امكانية قيام دولة للمسلمين لديها مرجع إسلامي واحد او مذهب إسلامي واحد.
تحاول الحركات الإسلامية الزعم ان الدولة – الدولة مجازاً - التي تسعي إلى إنجازها هي دولة دينية وليست دولة سياسية مثلها مثل كل دول العالم يصل فيها الافراد للسلطة بعدة طرق ليس من بينها الوحي ، ودليلهم لتلك الدولة المثال هي دولة الرسول صلوات الله وسلامه عليه " الرسول قدوتنا ".
اختلف الفكر الاسلامي حول مفهوم الدولة التي أقامها الرسول ، عما اذا كانت بالفعل دولة دينية ! ، فبعضهم رفض ذلك ، والبعض الاخر تقبل الفكرة مع الإقرار بانها كانت دولة دينية خاصة وفق شروط خاصة مرتبطة برسول الاسلام ولا يمكن تكرارها أي انها غير ممكنة التطبيق بعد وفاة الرسول ولا في وقتنا الحالي.
دكتور عبدالله النعيم ــــــ مفكر واستاذ للقانون الدستوري ــــــ يحدد في كتابه المميز - الإسلام وعلمانية الدولة - " بطلان مفهوم الدولة الدينية" و” ان فكرة الدولة الدينية لا تستقيم عقلاً ولا ديناً “ لماذا ؟ ” لأنها تنسب التدين للدولة ، والدولة هي مؤسسة سياسية بالأساس ولا تمتلك ان تعتقد في أي دين او تمارس شعائره “ . وهو عين ما عبر عنه المفكر الشهيد جون قرنق بكلمات بسيطة ” اننا لم نشاهد دولة تذهب للجامع يوم الجمعة او الكنيسة يوم الاحد ، ولم نشاهد دولة ذهبت للحج انما الافراد هم الذين يذهبون للجوامع او الكنائس“ ولعل في الآية القرآنية " وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " مصدقاً لقول قرنق والنعيم بان الدين والتدين والثواب والعقاب للأفراد وليس للجماعات او الدول.
الشيخ خليل عبدالكريم ــــــ مفكر الإسلامي ــــــ من الذين اجازوا ان دولة الرسول كانت دولة دينية لكنه جزم بعدم إمكانية تكرارها وان كل ما جاء بعدها من دول هي دول سياسية بحتة وحدد في مقالته الهامة - الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية -المنشورة في سلسلة الاعمال الكاملة بعنوان - نحو فكر إسلامي جديد- حدد الفروق الرئيسة بين الدولة الدينية والدولة السياسية في طريقة اختيار وعزل راس الدولة ، الوحي والعلاقة مع السماء ، الطاعة والمعصية لراس الدولة.
الدولة الدينية ــــ كما حدد خليل عبدالكريم ــــــ يختار راسها الله ، بينما الدولة السياسية ينتخب الشعب راسها او يرث الحكم او يستولي علي السلطة بانقلاب عسكري مخادع يذهب بعراب التنظيم الي السجن حبيساً بينما يذهب التنظيم الي القصر رئيسا.
في الدولة الدينية يظل رئيسها علي علاقة دائمة بالله عن طريق الوحي بالتوجيه والتصويب وهذا يؤثر في قرارته بالطبع ، اما رئيس الدولة السياسية فليس له وحي مرشد من الله وقرارته خاضعة لتقديرات بشرية بحتة مثل قرار قتل الالاف في دارفور بدون سبب ثم ابداء الندم أو ادعاء الندم لاحقاً كما فعل الرئيس السابق عمر البشير.
في الدولة الدينية راس الدولة محروس من السماء ولعل في اغتيال ثلاث من الخلفاء الراشدين الأربعة دليل اخر علي ان دولهم كانت دول سياسية ، اما راس الدولة السياسة فليس له حراسة من السماء مهما ادعي فحراسته من الأرض اما في رضاء شعبه او من أجهزة الامن المتعددة.
نواصل في الحلقة القادمة اكمال الفروق بين الدولة الدينية والدولة السياسية ،ونوضح لماذا تسعي الحركة الإسلامية علي التمسك بصبغة دينية لنظامهم ثم نتناول قوانين الشريعة الإسلامية المقدمة كأساس للحكم من الحركة الإسلامية .
abdelazizali@outlook.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإسلامیة السودانیة الحرکة الإسلامیة الدولة السیاسیة النظام السیاسی الدولة الدینیة دولة دینیة
إقرأ أيضاً:
حسام بدراوي: التعليم سياسة دولة وليس نهج حكومة
قال المفكر السياسي الدكتور حسام بدراوي إن مشكلة عدم القضاء على مشكلات التعليم في مصر، رغم أن الدولة المصرية وضعت استراتيجيات منذ ربع قرن واختتمتها برؤية 2030 فيما يخص التعليم، تعود إلى تغير الأنظمة بتغير الوزراء المتعاقبين على وزارة التربية والتعليم، وهو ما يفاقم المشكلة.
برنامج الغذاء العالمي يبحث دور مصر في دعم المساعدات المقدمة لغزة والسودانمحمد فضل: أشرف بن شرقي لاعب مميز ولديه الحلول وسينجح مع الأهلي
وتابع خلال لقاء في برنامج "كلمة أخيرة"، الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على شاشة ON: "من المفترض أن التعليم هو سياسة دولة، وليس نهج حكومة أو وزير، وأي دولة لا تضع الاستثمار في التعليم كأولوية أولى، فإنها تعرض مستقبلها للخطر."
أكمل: "الأولوية ليست مجرد أقوال، بل ينبغي أن تنعكس على أرض الواقع. لدينا 29 مليون تلميذ، يمثلون 29 مليون أسرة، وكل هذه الأسر تنفق على أبنائها من منطلق اهتمامها بالتعليم."
وأكد حسام بدراوي أنه زار مدارس في القرى والمناطق الفقيرة بمصر، ووجد نماذج مشرفة للأطفال الموهوبين والمجتهدين، ما يجعله يؤمن بأن هذه الفئة قادرة على تغيير وجه المستقبل.
وأوضح أن مشكلة التعليم في مصر تشمل شقين رئيسيين: التمويل وسياسة الدولة نفسها، قائلًا: "على عكس ما يظنه البعض، الموارد موجودة، لكن الفيصل هو كيفية إنفاقها وأولويات توزيعها. فهل الأموال التي يدفعها الناس للدروس الخصوصية لا تُعتبر موارد؟ هذه الدروس تستهلك من 60-70 مليار جنيه سنويًا!"
أردف: "هل المخصصات التعليمية في المحافظات تُنفق بالكامل على التعليم، أم أن جزءًا منها يعود في نهاية السنة المالية؟ الحقيقة أن بعض هذه الأموال لا يتم إنفاقه وتعود للخزانه
واختتم حديثه قائلًا: "ما أقصده هو أن التعليم يمتلك موارد، لكنها لا تُدار بكفاءة أو تنسيق جيد."