السودان علي شفا المجاعة كما أراد له لكيزان
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
د. احمد التيجاني سيد احمد
لطالما كنت أتابع تقرير الأمم المتحدة لتصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC) كجزء من عملي. كان القلق ينتابني عندما كنت أقرأ أن ولايةً أو ولايتين قد تتجاوزان المرحلة الثانية أو الثالثة من التصنيف. لكن ما يجري اليوم في السودان تجاوز كل التوقعات وأصبح كارثة إنسانية بكل المقاييس.
منذ اندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣، تفاقمت أزمة الأمن الغذائي بشكل حاد، حيث يعاني حوالي ٢٦ مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم .١ الي ١٥ مليون شخص يقفون على حافة المجاعة. كانت ولايات مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق في السابق مناطق تعاني من أزمة غذائية حادة، ولكن بفضل تدخل المنظمات الإنسانية، بقيت الأزمة محدودة جغرافيًا. اليوم، وبعد الحرب، انتشر انعدام الأمن الغذائي ليعم كافة أرجاء السودان.
تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل يوضح كيف تدهور الوضع تدريجيًا. المرحلة الأولى تعني استقرارًا نسبيًا، والمرحلة الثانية تشير إلى الإجهاد الغذائي، بينما المرحلة الثالثة تعني الدخول في أزمة حقيقية. أما المرحلة الرابعة، فهي حالة الطوارئ التي تصبح فيها الأرواح في خطر، وتأتي بعدها المرحلة الخامسة وهي المجاعة، حيث يُفقد الناس حياتهم بسبب نقص الغذاء. السودان اليوم تجاوز المرحلة الثالثة والرابعة في عدة مناطق، بل وصل إلى المرحلة الخامسة في خمس ولايات على الأقل.
ما زاد الأمر سوءًا هو قرار حكومة الأمر الواقع في بورسودان بمنع السودان من المشاركة في تقرير تصنيف الأمن الغذائي لهذا العام الذي تُجريه منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة. هذا القرار لم يكن عشوائيًا، بل يبدو أنه محاولة واضحة لمنع المجتمع الدولي من معرفة الحقائق المروعة التي تشهدها البلاد، خاصة مع زحف المجاعة التي أصبحت واقعًا في أجزاء واسعة من السودان. المنظمات الإنسانية تخشى أن يؤدي هذا الانسحاب إلى تقويض الجهود المبذولة لمعالجة أزمة الجوع، حيث يعتمد توجيه المساعدات الإنسانية على بيانات دقيقة تصدر عن مثل هذه التقارير.
الحرب لم تقتل فقط الأرواح، بل دمرت سبل العيش والزراعة والبنية التحتية. ملايين السودانيين فقدوا منازلهم بسبب النزوح الجماعي، مما أدى إلى ضغط هائل على المناطق الآمنة نسبيًا مثل الخرطوم والجزيرة. في الوقت ذاته، تعطل الإنتاج الزراعي بشكل شبه كامل في العديد من الولايات، حيث انخفض إنتاج الحبوب بنسبة تتراوح بين 50% إلى 70%. الأزمة الاقتصادية زادت الطين بلة، مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية وانهيار العملة الوطنية.
الأكثر مأساوية أن هذا الوضع يتماشى مع “فتوى الأشرار” الذين أرادوا قتل نصف الشعب السوداني. المجاعة الجماعية أصبحت جزءًا من استراتيجية الموت التي تنفذها هذه الحرب ضد الشعب السوداني. ورغم كل هذا، يقف المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، عاجزًا عن اتخاذ خطوات حاسمة لإنقاذ السودان.
ما كان في السابق أزمة غذائية محلية تحولت إلى كارثة وطنية شاملة. السودان اليوم على شفا المجاعة ليس بسبب نقص الغذاء العالمي، بل بسبب حرب شرسة ونظام سياسي يسعى لتعتيم الحقيقة. الوضع لا يزال مرشحًا للتدهور إذا استمرت الحرب وغاب التدخل الدولي الجاد. الشعب السوداني يدفع الثمن الأكبر لهذه الكارثة، فيما يقف العالم متفرجًا على واحدة من أسوأ المآسي الإنسانية في العصر الحديث.
لا بد من تحرك فوري وفعال لإنقاذ السودان من هذا المصير. و هذا ممكن علي النحو التالي:
**علي المدي القصير:
*زيادة التدخل الإنساني عبر إيصال الغذاء والأدوية إلى المناطق المنكوبة دون تأخير أو عوائق سياسية. و لذلك لابد من فتح الطرق والممرات الضرورية.
*كذلك يجب أن يُمارَس الضغط الدولي على حكومة الأمر الواقع للسماح بدخول المنظمات الإنسانية وعودة السودان إلى التصنيفات الدولية التي تعتمد عليها خطط الإغاثة.
**على المدى الطويل: يحتاج السودان إلى إعادة بناء اقتصاده المدمر عبر دعم الزراعة و الثروة الحيوانية وتوفير الموارد اللازمة للمزارعين للعودة إلى أراضيهم و لتسويق منتوجاتهم بدون ان تتعرض للتهريب و الفساد.
**لكن يجب ان يكون في الحسبان ان اي جهد لإنقاذ البلاد من الدمار الكامل لن يكون ممكنا قبل إنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. بدون هذه الخطوات، ستظل المجاعة زاحفة، وستبقى حياة الملايين على المحك.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٣١ ديسمبر ٢٠٢٤ روما إيطاليا
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأمن الغذائی
إقرأ أيضاً:
تعزيز التعاون بين مصر والصومال في الأمن الغذائي والتبادل التجاري
استقبل الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، اليوم، أسد عبد الرازق، وزير الزراعة وعضو البرلمان الصومالي، لبحث أوجه التعاون المشترك بين مصر والصومال في مجالات الأمن الغذائي والتبادل التجاري.
وخلال اللقاء، أشاد وزير الزراعة الصومالي بالدور الذي تلعبه وزارة التموين المصرية في تحقيق الاستقرار الغذائي، مثمنًا جهود الوزير الدكتور شريف فاروق في دعم سبل التعاون مع الدول الإفريقية، ومؤكدًا على تطلع بلاده لتعزيز الشراكة مع مصر في هذا المجال.
وأكد الدكتور شريف فاروق أن مصر حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأشقاء في إفريقيا، خاصة في مجالات الأمن الغذائي وتطوير سلاسل الإمداد، مشيرًا إلى أن وزارة التموين لديها خبرات واسعة يمكن نقلها إلى الجانب الصومالي للمساهمة في تطوير قطاع الزراعة والغذاء بالصومال.
كما ناقش الجانبان إمكانية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وتوفير فرص للاستثمار في مجال المنتجات الزراعية والغذائية، بما يحقق المصالح المشتركة ويدعم جهود التنمية المستدامة في القارة الإفريقية.
وجاء اللقاء في إطار دعم العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيز أواصر التواصل والتعاون المشترك، خاصة في ظل الجهود المصرية لدعم الدول الإفريقية في مجالات الزراعة والتجارة.
ويأتي هذا اللقاء في إطار حرص الحكومة المصرية على تعزيز علاقاتها بالدول الإفريقية، ودعم جهود التعاون المشترك لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في القارة الإفريقية.