تزامناً مع الدائرة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، واجه الاقتصاد السوداني حرباً شعواء خلال العام الذي يختتم أيامه اليوم، فالانعكاسات السالبة للحرب أطلقت رصاصات قاتلة على العوامل الاقتصادية التي أثرت على معيشة المواطن السوداني الذي يعاني الأمرين في تدبير أمر المعيشة لا سيما مواطنو الولايات التي تضررت من الحرب حيث فقد قاطنيها مصادر رزقهم بعد عمليات النهب المقننة التي اجتاحت الأسواق والشركات والبنوك والمنازل فنزح أغلبهم إلى الولايات الآمنة التي ارتفعت فيها أسعار ايجارات المنازل والعقارات وأسعار السلع التموينية والاستهلاكية فارتفعت معدلات التضخم وهبطت قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وتدنت عوامل النمو الاقتصادي.

تقول التقارير الدولية حول سير الاقتصاد السوداني في العام 2024 أنه وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي ان الاقتصاد السوداني شهد تراجعاً حاداً، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بشكل غير مسبوق. وقد سجل معدل نمو الناتج المحلي انكماشًا بنسبة 18.3% خلال العام 2023، مع توقعات بأن يصل هذا التراجع إلى 20.3% بنهاية العام 2024. وأشار التقرير إلى أن الوضع الاقتصادي في السودان يتأثر بشكل كبير بالصراع المستمر، حيث تم تحليل الأداء الاقتصادي للبلاد في عامي 2023 و2024. وقد اعتمد التقرير على ثلاثة مؤشرات رئيسية تشمل معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات التضخم، ومعدلات البطالة لتقييم الوضع الراهن.

وشهد العام 2024 أحداثاً اقتصادية كبيرة على الساحة السودانية، ولكن أبرز الأحداث التي تصدرت المشهد الاقتصادي هي عملية استبدال العملة التي أقرتها الحكومة السودانية باستبدال فئتي 500 و1000 جنيه عن طريق فتح الحسابات المصرفية فضلاً عن أحداث اقتصادية أخرى تمثلت في هبوط الجنيه السوداني إلى مستويات غير مسبوقة في مايو وسجل الجنيه السوداني 2500 جنيه مقابل الدولار الواحد وناهزت معدلات التضخم معدل 200% بجانب الصراع الدائر بين المنظمات الدولية والحكومة السودانية حول وجود مجاعة بالبلاد بعد فقدان الدولة لمساحات زراعية مقدرة بسبب الحرب.

ويقول الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، إن من أبرز الأحداث الاقتصادية في العام عام 2024 حدوث تدهور كبير في قيمة العملة الوطنية، ولكن في الربع الأخير من العام تم إيقاف هذا التدهور وهذا مؤشر إيجابي”.

وأشار إلى أن سعر الصرف شهد تراجعاً كبيراً من 500 – 600 جنيه إلى 1500 جنيه، وهذا أكبر تراجع في تاريخ الدولة السودانية”.
وأوضح أن العام أيضاً شهد إجازة الموازنة العامة للدولة دون الإعلان عن تفاصيلها، وربما ما تقتضيه الحرب قاد وزارة المالية لذلك، ولكن هذا لا يعفي وزارة المالية من الإعلان عن أرقام الموازنة حتى وأن كانت قابلة للتعديل أو موازنة مرنة باعتبارها في ظروف حرب يمكن أن تعدل كل 3 – 6 أشهر”.

وقال الناير لـ(المحقق)، “كنا نقيس الأداء من خلال الشركة السودانية للموارد المعدنية التي كانت تعلن بصورة مستمرة معدل انتاج الذهب”.

وتوقع الخبير الاقتصادي، أن يصل معدل الصادر بنهاية العام 31 ديسمبر من المليوني دولار وهذا مؤشر إيجابي”.
وعاب الناير غياب التقارير الخاصة بالبنك المركزي ووزارة المالية، وقال إن أجهزة الإعلام أصبحت لا تستطيع متابعة أداء الموازنة فقط من خلال تصريحات المسؤولين بأن هناك تحسناً في الإيرادات العامة على الأقل في النصف الثاني من العام 2024″.

مبينًا أن الربع الأخير من العام تمت استبدال العملة وهذه الخطوة جاءت متأخرة، ولكن أن تأتي متاخراً خير من أن لا تأتي، واستدرك قائلاً: “لو أن الخطوة تمت في العام 2023 لكان أثرها على الاقتصاد أعلى بكثير مما هو عليه الآن، ومن أهم مميزاتها الآن إعادة الكتلة النقدية إلى القطاع المصرفي”.
وطالب الناير، بضرورة تسهيل فتح الحسابات المصرفية الإلكترونية ومن خلال التعامل الإلكتروني، وتحسين الشبكات والتطبيقات المصرفية حتى يستطيع المواطن إيداع أمواله ويعمل الشراء مباشرة، إلى جانب اكتشاف الأموال المزورة ذات الآثار المدمرة على الاقتصاد، وموظفي البنك لديهم القدرة والتدريب الكافي لاكتشاف هذه الأموال، والتأكد من مصدر الأموال إذا كانت منهوبة، وهذا سيكون له انعكاس إيجابي على الاقتصاد وعلى استقرار سعر الصرف وعودة الكتلة النقدية للمصارف وجعلها قادرة على منح التمويل للمشاريع المتوسطة وبعيدة المدى في المرحلة القادمة”.

وقال إن هذا يتطلب إعادة هيكلة للمصارف، في العام 2025 وأن لا يتم الانتظار أكثر من ذلك، لأن إعادة هيكلة المصارف تقويها وتزيد من رؤوس أموالها بمعدلات جيدة تمكنها من المنافسة داخلياً وإقليمياً ودولياً”.

ولفت إلى أن العام 2024 شهد ارتفاعاً في الأسعار بصورة غير مسبوقة أدى إلى ارتفاع معدل التضخم، والجهاز المركزي للإحصاء بدأ يعلن عن التضخم وهذا مؤشر إيجابي في ظل غياب المعلومات والتقارير الدورية”.

وأكد أن السودان فقد في قطاع النفط حوالي(50%) من الإنتاج المحلي، باحتلال مليشيا الدعم السريع لمصفى الخرطوم، وتوقف خطوط الأنابيب لفترات طويلة، بالإضافة إلى توقف نفط دولة جنوب السودان الذي أضاع على السودان عملات بالنقد الأجنبي، مما جعل السودان يستورد احتياجاته من المشتقات النفطية بنسبة (100%) من الخارج، وهذا ما أثر على سعر الصرف بصورة كبيرة جداً”.

بدوره أكد الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، عبد الوهاب جمعة أن أبرز أحداث العام 2024 هي عملية استبدال العملة من فئتي 500 و1000 جنيه ووصفها بالعملية الكبرى، مشيراً أن آخر عملية تبديل عملة تمت بالبلاد في العام 2005، أي قبل ما يناهز العشرين عاماً وكشف جمعة لـ(المحقق) أن من الأحداث الاقتصادية الهامة استمرار الذهب كأعلى صادر في الصادرات السودانية، ومساهمته في جلب العملات الأجنبية. مشيراً إلى أن الموسم الزراعي الناجح والذي استفاد من الأمطار على الرغم من تأثير الحرب على بعض الجوانب وهو ما خفف من حدوث مجاعة بالبلاد، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم بسبب الارتفاع المتوالي لأسعار السلع في الأسواق.

المحقق – نازك شمام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: معدلات التضخم فی العام العام 2024 إلى أن

إقرأ أيضاً:

الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!

الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن! لحظة صراحة قاسية مع النفس والي البطولة المزعومة

في أرضٍ تُقاس فيها الفحولة بعدد الطلقات، والنضال بعدد اللايكات، يتكرر المشهد نفسه: رجال يتحدثون عن "تحرير الوطن"، بينما النساء يحررن الحياة من ركام الخراب. في السودان، البطولة ليست مجرد شجاعة، بل استعراض ذكوري تتراقص فيه البنادق، بينما تواصل النساء رقصة البقاء على الهامش، حاملاتٍ ما تبقى من البلاد فوق أكتافهن المتعبة.

"الشهيد… صورة فوتوشوب ثورية!"
لا شك أننا جميعًا تأثرنا بصور الشهداء التي تنتشر كالنار في الهشيم: وجوه مضاءة، ابتسامات خجولة، وكأنهم كانوا ينتظرون هذا اليوم ليتحولوا إلى أيقونات رقمية! لكن، هل تساءل أحد عن الأمهات اللواتي حملنَ هؤلاء الأبطال؟ عن النساء اللواتي دفعنَ الثمن قبل الرصاص وبعده؟ لا أحد يكتب عنهن، فالتاريخ – كما العادة – يهوى الأبطال، لكنه يتجاهل من صنعوهم!
"النساء… مقاومة خلف الكواليس"
بينما يعتلي الرجال المنصات الثورية، ويخطبون عن التضحية والنضال، تعمل النساء بصمت يُشبه المعجزة: يطهون طعامًا من لا شيء، يهربن الأطفال من الموت، ويحملن الوطن على ظهورهن دون أن ينتظرن تصفيقًا. لكن لا بأس، فالنضال كما يخبرنا "المنظرون"، هو فقط لمن يحملون السلاح، أما من يحملون الحياة… فهم مجرد تفاصيل!

"المجتمع الذي لا يكفّ عن معاقبة النساء"
إن نجت المرأة من الحرب، وجدت نفسها في معركة أخرى، حيث يتحول جسدها إلى محكمة، وشرفها إلى تهمة، وخياراتها إلى خيانة للأعراف. إن قاومت، اتُّهمت بالتمرد. إن سكتت، صارت مجرّد ضحية أخرى في أرشيف الظلم السوداني الممتلئ عن آخره.

"اغتصابٌ على هامش الحرب: سلاح الجبناء!"
عندما يعجز الذكور عن النصر، يقررون أن يجعلوا أجساد النساء ساحة للمعركة. في السودان، كما في كل حرب خاسرة، يُستخدم الاغتصاب كسلاح لإذلال المجتمعات، وكأن المرأة ليست سوى مرآة لشرف الرجل. المضحك المبكي أن ذات المجتمع الذي يبكي على "العار"، لا يبكي على النساء أنفسهن، بل على اسمه الذي تلطخ!

"الحركة النسوية؟ لنترك الرجال يقررون!"
ما إن تجرؤ امرأة على المطالبة بحقها، حتى يتزاحم حولها الرجال، كلٌّ بطريقته: "المناضل التقدمي" يخبرها أنه سيتحدث نيابة عنها، و"التقليدي المحافظ" يأمرها أن تعود للمطبخ. وبين هذا وذاك، تُواصل النساء نضالهن الحقيقي، بينما يمضي الرجال في صراعاتهم حول "من الذي يفهم المرأة أكثر!"

"الكرن: حين ترقص الأرض وترتعد الذكورة!"
في حفلات الكرن، حيث تتحدث الأجساد بلغة الأرض، تبدو النساء أكثر حريةً من أي وقت. لكن، ما إن ينتهي الاحتفال، حتى يعود الرجال إلى لعبتهم الأزلية: "من الأكثر فحولة؟". ربما لو أدركوا أن القوة ليست في البندقية، بل في الأرحام التي تُنجب الأبطال وتدفن الجبناء، لاختلفت معايير البطولة لديهم!

"هل الحرب حكر على من يطلق النار؟"
عندما يُقال إن الرجال "يحاربون"، فهم يفعلون ذلك بحمل البنادق، بينما النساء يحاربن باللحم والدم والدموع. في البيوت، في الأسواق، في المعسكرات، في الطرقات التي صارت أفخاخًا للأجساد الهشة. ومع ذلك، لا تُمنح المرأة صكوك البطولة، فهي مجرد "مرافقة"، مجرد ظلٍّ للحدث، مجرد تفصيلة ثانوية في رواية الرجال.

"أيها الرجال، تخيلوا يومًا بلا امرأة سودانية!"
تخيلوا صباحًا بلا أم تجهّز لكم الطعام رغم أنها لم تتذوق شيئًا.
تخيلوا شارعًا بلا امرأة تبيع الشاي، بلا أرملة تحفر في الأرض لتُخرج لأطفالها وجبة اليوم.
تخيلوا بيتًا بلا جدة تحكي الحكايات، بلا أخت تقف في صفوف الرغيف، بلا فتاةٍ تحمل حقيبة المدرسة رغم القهر.
تخيلوا وطنًا بلا امرأةٍ تشدّ الجراح وتجمع الحطام وتحوّل الخوف إلى أغنية صمود.

"خاتمة: متى تصبح المرأة مواطنة كاملة؟"
ربما عندما يكف الرجال عن اعتبارها مجرّد مرحلة انتقالية في نضالاتهم.
ربما عندما تُذكر النساء في كتب التاريخ كقائدات، وليس كمجرّد شهيدات وأمهات شهداء.
ربما عندما يُنظر إلى وجودها ليس كترف، بل كأساسٍ لوجود الوطن نفسه.

وحتى يحين ذلك اليوم، ستظل المرأة السودانية تحارب بصمت… بينما يستمر الرجال في صناعة الحروب والقصائد عن أنفسهم.
أنها لحظة صراحة قاسية مع النفس والي البطولة المزعمة أيضا.

 

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • خارطة مناطق استعادها الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع تتلاشى بشكل متسارع من الخارطة السودانية
  • التحديات التي تواجه خطة إعادة الإعمار
  • شاهد بالصورة والفيديو.. بعد تألقها في دور “الشغالة” بالمسلسل المصري “أشغال شقة جداً”.. الممثلة السودانية إسلام مبارك تنال إعجاب وإشادة المصريين وتثير غضب وسخرية الجمهور السوداني
  • استقرار معدل التضخم في سلطنة عُمان مع استمرار النمو الاقتصادي
  • البنك المركزي العراقي يعلن انخفاض التضخم السنوي إلى 2.8%
  • 62.7% حصة آسيا من الشركات متعددة الجنسيات التي استقطبتها غرفة دبي العالمية في 2024
  • بعد رد الصين وكندا| تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي.. ماذا يحدث؟
  • أطراف معارضة للحكومة السودانية توقع على دستور جديد بحضور دقلو والحلو
  • الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!
  • تركيا الأولى في التضخم بمنظمة التعاون الاقتصادي