يعيش السودانيون حرباً مستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأت في عام 2023، وطاولت 15 ولاية من 18 هي جملة ولايات البلاد. تسبب القتال في مقتل أكثر من 100 ألف سوداني، وإصابة عشرات الآلاف، وتشريد ما لا يقل عن 15 مليون نسمة، بعضهم لجأوا إلى دول مجاورة، إضافة إلى توقف التعليم، وتدهور الخدمات الصحية، وانتشار الأمراض والأوبئة، وارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات.


حتى اليوم، لم تحسم المعركة عسكرياً، وفشلت الجهود الدولية والإقليمية في إطفاء نارها، ما خلق واقعاً من اليأس والخوف على المستقبل، لكن كثيرين يأملون أن يأتي العام الجديد بالسلام والاستقرار والأمان، والعودة إلى "الرياض الغناء والأكواخ الموشحة بالورود"، كما يرددون مع أحد أشهر المغنين السودانيين، حسن خليفة العطبراوي، في رائعته "غداً نعود".
نزحت حواء مصطفى (37 سنة)، وهي معلمة في المرحلة الثانوية، إلى شرق السودان مغادرة ولاية غرب دارفور التي شهدت معارك عنيفة، وارتكبت فيها جرائم عدة بحق النساء. تقول لـ"العربي الجديد": "غاية ما أتمناه هو العودة إلى منزلي في مدينة الجنينة، وأن أعيش مع أسرتي حياة مملوءة بالاستقرار والأمان، وأن تنخفض أسعار السلع، وتعود الحياة الطبيعية بعد شهور من حياة التشرد والنزوح".
تضيف مصطفى: "لدي أربعة أطفال، وأدعو كل يوم أن يجعل الله العام الجديد أفضل من سابقيه، وأن يعود أطفالي إلى المدارس، ويمضوا في طريق المستقبل، ويعيشوا حياة سعيدة لم أعشها، كما أتمنى أن يعم الأمن والتنمية إقليم دارفور، وكل السودان".
كان نجم الدين عبد الله (25 سنة) يمارس الأعمال الحرة، لكن حياته تغيرت تماماً بسبب الحرب. ويقول: "أحلم خلال العام الجديد بسودان أفضل من السابق، يتوحد فيه السودانيون، ويمدون أيديهم لبعضهم، وتتوقف فيه أصوات البنادق. أريد أن أعود إلى بيتي في الخرطوم معززاً مكرماً، وألتقي أصحابي ورفقائي، وأسترجع معهم صفحات الذكريات الأليمة، وأن يلتئم قبل ذلك شمل أسرتي المبعثرة بين المنافي ومخيمات النزوح والشتات".

نزحت آمنة عادل (17 سنة) من أم درمان، وهي تعيش حالياً في مخيم للنازحين في مدينة بورتسودان، وفي منتصف عام 2024، ذهبت لتسجل اسمها ضمن قائمة طالبات الصف الثاني الثانوي، ففوجئت بعدم وجود فرصة لها، ما يجعلها تحس بضياع مستقبلها. تحلم آمنة بمن يمد لها يد المساعدة كي تهاجر إلى خارج السودان، وأن ينبعث أملها في معاودة التعليم من جديد خلال عام 2025.
كان إيليا روماني وليم (30 سنة) يعمل مراجعاً مالياً وإدارياً، لكنه غادر السودان بعد الحرب، بيد أن روحه ما زالت معلقة ببلده، ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "معظم السودانيين توقفت حياتهم في 15 إبريل/نيسان 2023، وهو تاريخ بدء الحرب، وفقدنا كل شيء، المنزل ودور العبادة وجميع الذكريات التي عايشناها منذ مولدنا. نعيش على رجاء العودة من الشتات، وتعمير ما دُمر، ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً، إذ يجب علينا ألا نفقد الأمل".
تعيش وجد محمد (33 سنة) في ولاية القضارف بلا عمل، بعد أن فقدت عملها موظفةَ علاقات عامة في شركة في العاصمة الخرطوم، وقد جاءت إلى القضارف بحثاً عن عمل لمساعدة أسرتها التي لجأت إلى العاصمة المصرية القاهرة، وهي تؤكد أن أبرز أحلامها هو لقاء أفراد أسرتها، وأنها ستنتظره مهما طال الزمن.
بدورها، تأمل سهام إبراهيم (40 سنة)، وهي ربة منزل، أن تلملم حقائبها وحقائب أطفالها بعد توقف الحرب، وأن تطوي فترة اللجوء إلى مصر، وتعود إلى الخرطوم، إلى البيت الكبير الذي كان يجمعها بأسرتها، وأن تلتقى بزوجها الذي لم يرافقهم لظروفه الخاصة.
في حين تتمنى رقية أن تتمكن من سماع أخبار سارة عن ولدها المفقود منذ الأشهر الأولى للحرب، والذي لا تعرف عنه أية معلومات منذ احتجازه بواسطة قوات الدعم السريع.

ويقول الكاتب ياسر المصباح: "تصبح الأمنية بعد تجاوز الخمسين شيئاً مركباً، والأماني إذا لم تتعلق بالواقع، تصير أقرب إلى الحلم، ونأمل في خواتيم 2024 أن نسترد خاصية التمني، ويؤلمنا أن وطننا يكاد أن يفقدنا، ونكاد أن نفقده، ومن دون عودته سينقطع الأمل، لكن لا يزال يراودنا الحلم".
وتلخص الإعلامية عرفة التوم أمنياتها الشخصية في العام الجديد بتوقف الحرب، وأن ترى الطلاب، المحرومين من التعليم عامين، يرجعون إلى مدارسهم، كونهم حاضر البلد ومستقبله.
أما أبو عبيدة حسن (53 سنة)، فلديه آمال مختلفة، من بينها انتخاب حكومة ذات كفاءة تستطيع إنهاء كل مشاكل الاقتصاد والتعليم والصحة، وأن يتلاشى الفقر والجوع، والعيش في وطن خال من العنصرية بعد الحرب، متعايش سلمياً من دون أي خلاف إثني أو قبلي.

العربي الجديد: عبد الحميد عوض  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العام الجدید

إقرأ أيضاً:

عادل الباز يكتب: سياسة ترمب تجاه السودان

1 يترقب العالم ما ستتخذه إدارة ترمب من سياسات في كثير من القضايا التي تثير الجدل في الساحة الدولية، وقد بدأت بعض القرارات التي أصدرها ترمب في أول يوم لتنصيبه تتدفق وتعصف بكثير من السياسات التي كانت إدارة بايدن تتبناها. ما يهمنا هو تلك السياسات التي يمكن أن يتخذها ترمب وفريقه في فترة رئاسته الثانية تجاه السودان وطرق تعامله المنتظرة.
2
بالطبع، ستكون سياسته تجاه السودان ضمن سياساته تجاه أفريقيا، وهي السياسات التي ارتبطت في الفترة الأولى بالمصالح، بعيدًا عن قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والترهات التي لا يؤمن بها ترمب. وقد تم تحقيق تلك المصالح عبر الصفقات بسبب عجز الولايات المتحدة عن منافسة الصين وروسيا والإمارات، كما يقول الكاتب بدورية فورين بوليسي، كين أوبالو، في مقال له في ديسمبر الماضي:
(سياسة ترمب تجاه أفريقيا من المرجح أن تجعل المعاملات قصيرة الأجل من الصعب على الولايات المتحدة التنافس على النفوذ مع الصين أو روسيا أو حتى الإمارات العربية المتحدة. فقد سعت هذه البلدان إلى بناء علاقات طويلة الأجل مع النخب الأفريقية، مما يدل على موثوقيتها. وعلى النقيض من ذلك، فإن التركيز المحتمل لترامب على إبرام الصفقات قصيرة الأجل من شأنه أن يجعل من الصعب على واشنطن تعزيز العلاقات الثنائية أو حل الأزمات في القارة).
3
وتشير كل التحليلات إلى أن أفريقيا ستظل كمّا مهمَلًا في إدارة ترمب، ولن تحظى بأية أولوية خارج فكرة الصفقات السياسية والاقتصادية التي يمكن أن يعقدها ترمب. قد تختلف السياسات تجاه السودان نوعًا ما، إذ يمكن أن يتمتع السودان بقدر من المعاملة المختلفة من إدارة ترمب، فهناك أكثر من عامل يجعله موضع اهتمام.
4
أولها أن ترمب يسعى في ولايته الثانية لإحياء اتفاقيات إبراهام، وهي الاتفاقية التي وقعتها أربع دول عربية، من بينها السودان، في 6 يناير 2021. ويسعي ترمب الان مجددًا لإحياء تلك الاتفاقية، الأمر يجعل السودان ضمن أولويات إدارته، ولذا يمكن أن تتأسس علاقة خاصة مع الخرطوم ليبقى على موقفه السابق.العلاقة مع السودان في ولاية ترمب الأولى شهدت رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بصفقة اقتصادية، إذ دفع السودان مقابل ذلك مبلغ 335 مليون دولار، وجرى ذلك في عهد حمدوك في قضية لا علاقة للسودان بها أصلًا. ولذا، فإن إدارة ترمب لها مصلحة في استمرار السودان ليكون جزءًا من اتفاقية إبراهام،ولذ يمكن ان يحظى بالعناية اللازمة ما دامت تلك الاتفاقيات تحقق مصالح ربيبتها إسرائيل.
5
يطرح ترمب نفسه كصانع سلام عالمي، وهو يراهن الآن على وضع حد للحرب الأوكرانية – الروسية، كما ضغط قبل تسلمه منصب رئيس الولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وقد نجح في ذلك. فقد تغريه تلك الفكرة بالتدخل لإيقاف الحرب في السودان. وفي الأنباء أن ترمب عيَّن مستشاره بيتر لورد مبعوثًا خاصًا مؤقتًا للسودان، خلفًا للسيئ الذكر توم بيريللو.
ما يعيق هذا التدخل أو يجعله صعبًا أو معقدًا هو تقاطعه مع الموقف الذي تتخذه الإمارات من دعم مستمر للمتمردين في الحرب الجارية في السودان. وكان وزير خارجية ترمب الجديد، ماركو روبيو، قد أعلن في إفادة له في الكونغرس الأميركي نهاية العام الماضي أن قوات الدعم السريع ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية.
6
الإمارات تلعب دورًا مركزيًا في تبني وتسويق اتفاقيات إبراهام مع إسرائيل، وهي الاتفاقيات التي تتمتع بأولوية قصوى في السياسة الخارجية الأميركية، خاصة أن أغلب الوزراء الأساسيين في حكومة ترمب من اليهود الصهاينة. لذا، فإن الضغط على الإمارات لوقف دعمها للجنجويد يبدو أمرًا صعبًا، لأنه يدخل في معادلة الشرق الأوسط المعقدة. أضف إلى ذلك أن الإمارات وتابعيها من رهط “تقدم” يرددون الأكاذيب لإثارة مخاوف الغرب بأوهام عودة الإسلاميين إلى الحكم حال انتصر الجيش، وهذا الادعاء – للعجب – يجد من يصدقه، حتى بين الخبراء الأميركيين، أمثال كاميرون هدسون المهتم بالملف السوداني، فما بالك بالرجرجة من دهماء الكُتَّاب والسياسيين الأميركيين؟.
7
هناك عامل آخر يحفز التدخل الأميركي في السودان، وهو سعي أميركا لتحجيم العلاقات السودانية – الروسية – الايرانية المتنامية، إضافة إلى العلاقة مع إيران. تلك العلاقات تزعج الأميركيين، بالإضافة إلى الأوروبيين وبعض دول الجوار العربية على حد سواء.
ستسعى أميركا لاستعادة دورها في السودان واتخاذ سياسات بعيدة عن تلك التي تبنتها إدارة بايدن بواسطة جنجويد (مولي في، وفكتوريا لنا لاند)، والتي قادت السودان إلى كارثة الحرب.
تلك هي العوامل المحفزة للتدخل الأميركي في السودان ومحاولة فرض سيناريوهات محددة لنهاية الحرب، كما سيُفرض مزيد من الضغوط والإغراءات لمنع تطور العلاقات السودانية – الروسية أو السودانية – الإيرانية. كذلك، ستجري محاولات لهندسة السياسة الداخلية، عبر محاولة استبعاد الإسلاميين وإعادة قحت إلى الساحة مجددًا.
السؤال الذي ينبغي أن يُطرح الآن: هل نحن مستعدون للتعامل مع سياسات ومواقف وصفقات إدارة ترمب؟ وهل هناك أي تصورات وخطط سياسية ودبلوماسية للتعامل مع السياسات التي يمكن أن تطرحها إدارة ترمب، سواء على صعيد الحرب الجارية حاليًا أو السياسات الداخلية أو محاولاتها لفرض توجه معين في علاقات السودان الخارجية؟ أرجو أن تتمكن الحكومة الحالية من اتخاذ التدابير والسياسات اللازمة، حتى لا نفاجأ بقرارات مربكة لم نكن مستعدين لها.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • منظمة الصحة العالمية تحذر من آثار الحرب في السودان
  • معركة الفاشر هل تكون فاصلة ؟
  • هل انتهت الرواية: انباء عن نهاية من اشعل زناد الحرب..؟
  • اشتباكات في السفارة السودانية بجوبا بسبب أزمة وثائق السفر
  • خالد عمر يوسف: حرب السودان امتداد لصراعات الماضي والحل في عقد اجتماعي جديد
  • واشنطن تضغط على كييف: لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول نهاية العام
  • عادل الباز يكتب: سياسة ترمب تجاه السودان
  • الحب من طرف واحد .. الابطال سودانيون
  • جامعة الخرطوم تستأنف مسيرة العطاء
  • وزارة التعليم تكشف موعد نهاية العام الدراسي 1446 بالسعودية