سودانيون يتمنون نهاية الحرب والعودة إلى الديار في العام الجديد
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
يعيش السودانيون حرباً مستعرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأت في عام 2023، وطاولت 15 ولاية من 18 هي جملة ولايات البلاد. تسبب القتال في مقتل أكثر من 100 ألف سوداني، وإصابة عشرات الآلاف، وتشريد ما لا يقل عن 15 مليون نسمة، بعضهم لجأوا إلى دول مجاورة، إضافة إلى توقف التعليم، وتدهور الخدمات الصحية، وانتشار الأمراض والأوبئة، وارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات.
حتى اليوم، لم تحسم المعركة عسكرياً، وفشلت الجهود الدولية والإقليمية في إطفاء نارها، ما خلق واقعاً من اليأس والخوف على المستقبل، لكن كثيرين يأملون أن يأتي العام الجديد بالسلام والاستقرار والأمان، والعودة إلى "الرياض الغناء والأكواخ الموشحة بالورود"، كما يرددون مع أحد أشهر المغنين السودانيين، حسن خليفة العطبراوي، في رائعته "غداً نعود".
نزحت حواء مصطفى (37 سنة)، وهي معلمة في المرحلة الثانوية، إلى شرق السودان مغادرة ولاية غرب دارفور التي شهدت معارك عنيفة، وارتكبت فيها جرائم عدة بحق النساء. تقول لـ"العربي الجديد": "غاية ما أتمناه هو العودة إلى منزلي في مدينة الجنينة، وأن أعيش مع أسرتي حياة مملوءة بالاستقرار والأمان، وأن تنخفض أسعار السلع، وتعود الحياة الطبيعية بعد شهور من حياة التشرد والنزوح".
تضيف مصطفى: "لدي أربعة أطفال، وأدعو كل يوم أن يجعل الله العام الجديد أفضل من سابقيه، وأن يعود أطفالي إلى المدارس، ويمضوا في طريق المستقبل، ويعيشوا حياة سعيدة لم أعشها، كما أتمنى أن يعم الأمن والتنمية إقليم دارفور، وكل السودان".
كان نجم الدين عبد الله (25 سنة) يمارس الأعمال الحرة، لكن حياته تغيرت تماماً بسبب الحرب. ويقول: "أحلم خلال العام الجديد بسودان أفضل من السابق، يتوحد فيه السودانيون، ويمدون أيديهم لبعضهم، وتتوقف فيه أصوات البنادق. أريد أن أعود إلى بيتي في الخرطوم معززاً مكرماً، وألتقي أصحابي ورفقائي، وأسترجع معهم صفحات الذكريات الأليمة، وأن يلتئم قبل ذلك شمل أسرتي المبعثرة بين المنافي ومخيمات النزوح والشتات".
نزحت آمنة عادل (17 سنة) من أم درمان، وهي تعيش حالياً في مخيم للنازحين في مدينة بورتسودان، وفي منتصف عام 2024، ذهبت لتسجل اسمها ضمن قائمة طالبات الصف الثاني الثانوي، ففوجئت بعدم وجود فرصة لها، ما يجعلها تحس بضياع مستقبلها. تحلم آمنة بمن يمد لها يد المساعدة كي تهاجر إلى خارج السودان، وأن ينبعث أملها في معاودة التعليم من جديد خلال عام 2025.
كان إيليا روماني وليم (30 سنة) يعمل مراجعاً مالياً وإدارياً، لكنه غادر السودان بعد الحرب، بيد أن روحه ما زالت معلقة ببلده، ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "معظم السودانيين توقفت حياتهم في 15 إبريل/نيسان 2023، وهو تاريخ بدء الحرب، وفقدنا كل شيء، المنزل ودور العبادة وجميع الذكريات التي عايشناها منذ مولدنا. نعيش على رجاء العودة من الشتات، وتعمير ما دُمر، ونسأل الله أن يكون ذلك قريباً، إذ يجب علينا ألا نفقد الأمل".
تعيش وجد محمد (33 سنة) في ولاية القضارف بلا عمل، بعد أن فقدت عملها موظفةَ علاقات عامة في شركة في العاصمة الخرطوم، وقد جاءت إلى القضارف بحثاً عن عمل لمساعدة أسرتها التي لجأت إلى العاصمة المصرية القاهرة، وهي تؤكد أن أبرز أحلامها هو لقاء أفراد أسرتها، وأنها ستنتظره مهما طال الزمن.
بدورها، تأمل سهام إبراهيم (40 سنة)، وهي ربة منزل، أن تلملم حقائبها وحقائب أطفالها بعد توقف الحرب، وأن تطوي فترة اللجوء إلى مصر، وتعود إلى الخرطوم، إلى البيت الكبير الذي كان يجمعها بأسرتها، وأن تلتقى بزوجها الذي لم يرافقهم لظروفه الخاصة.
في حين تتمنى رقية أن تتمكن من سماع أخبار سارة عن ولدها المفقود منذ الأشهر الأولى للحرب، والذي لا تعرف عنه أية معلومات منذ احتجازه بواسطة قوات الدعم السريع.
ويقول الكاتب ياسر المصباح: "تصبح الأمنية بعد تجاوز الخمسين شيئاً مركباً، والأماني إذا لم تتعلق بالواقع، تصير أقرب إلى الحلم، ونأمل في خواتيم 2024 أن نسترد خاصية التمني، ويؤلمنا أن وطننا يكاد أن يفقدنا، ونكاد أن نفقده، ومن دون عودته سينقطع الأمل، لكن لا يزال يراودنا الحلم".
وتلخص الإعلامية عرفة التوم أمنياتها الشخصية في العام الجديد بتوقف الحرب، وأن ترى الطلاب، المحرومين من التعليم عامين، يرجعون إلى مدارسهم، كونهم حاضر البلد ومستقبله.
أما أبو عبيدة حسن (53 سنة)، فلديه آمال مختلفة، من بينها انتخاب حكومة ذات كفاءة تستطيع إنهاء كل مشاكل الاقتصاد والتعليم والصحة، وأن يتلاشى الفقر والجوع، والعيش في وطن خال من العنصرية بعد الحرب، متعايش سلمياً من دون أي خلاف إثني أو قبلي.
العربي الجديد: عبد الحميد عوض
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العام الجدید
إقرأ أيضاً:
الدستور الانتقالي السوداني لعام 2025 ما بين التأسيس الجديد والتحديات الراهنة
في خطوة تعكس طموحات قوى سياسية واجتماعية نحو إعادة تشكيل المشهد الدستوري في السودان، وقعت الأطراف المكونة لتحالف السودان التأسيسي على الدستور الانتقالي لجمهورية السودان لعام 2025. هذا الدستور، الذي يلغي الوثيقة الدستورية لعام 2019 وجميع القوانين والقرارات والمراسيم السابقة، يمثل قطيعة قانونية وسياسية مع تجارب الحوكمة السابقة، ويؤسس لنظام سياسي جديد يقوم على الديمقراطية، العلمانية، واللامركزية، مما يعكس رؤى القوى الموقعة في إعادة هيكلة الدولة على أسس مختلفة عن تلك التي سادت لعقود.
أحد أبرز ملامح هذا الدستور هو تكريسه لمفهوم فصل الدين عن الدولة، وهو طرح ظل مثار جدل كبير في المشهد السوداني الذي ظل تاريخياً متأرجحاً بين الدولة الدينية والمدنية. بالإضافة إلى ذلك، سعى الدستور إلى إزالة الهوية العرقية والجهوية من مؤسسات الحكم، مع التأكيد على أن المواطنة المتساوية هي أساس الحقوق والواجبات. في هذا السياق، يمكن مقارنة هذا النموذج بالنموذج الهندي الذي تبنى دستوراً علمانياً عقب الاستقلال رغم التنوع الديني والعرقي الكبير، ما ساعد في استقرار النظام السياسي على المدى الطويل، على الرغم من التحديات التي واجهته.
أما من حيث نظام الحكم، فقد أقر الدستور الانتقالي اللامركزية السياسية، الإدارية، القانونية، والمالية، حيث أُعيد تقسيم السودان إلى ثمانية أقاليم، لكل منها صلاحيات دستورية دون المساس بوحدة الدولة. ويعكس هذا التوجه مزيجاً بين النموذج الفيدرالي كما هو معمول به في الولايات المتحدة وألمانيا، والنظام اللامركزي كما في بلجيكا، حيث تتعايش الأقاليم المتعددة داخل كيان وطني واحد مع سلطات موسعة. غير أن تحديات التطبيق في السودان تظل معقدة، لا سيما في ظل غياب تقاليد راسخة للحكم اللامركزي، ووجود صراعات عسكرية وجهوية قد تعرقل هذا النموذج.
حدد الدستور الفترة الانتقالية بمرحلتين، تبدأ الأولى من تاريخ سريانه حتى الإعلان الرسمي عن إنهاء الحروب، ثم تعقبها مرحلة انتقالية تأسيسية تمتد لعشر سنوات، وهي مدة طويلة مقارنة بالتجارب الانتقالية في دول ما بعد النزاعات مثل جنوب إفريقيا والبوسنة والهرسك، حيث تراوحت الفترات الانتقالية بين ثلاث إلى خمس سنوات. ويعكس هذا الخيار وعياً بمدى تعقيد المشهد السوداني، إلا أنه يثير تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على الاستقرار السياسي طيلة هذه المدة دون نشوب أزمات جديدة.
هياكل السلطة التي نص عليها الدستور تعكس رؤية تتجاوز الأنظمة العسكرية والمدنية الهشة السابقة، إذ تتكون السلطة التشريعية من مجلسين، مجلس الأقاليم ومجلس النواب، مما يعكس محاولة لتحقيق توازن بين التمثيل الشعبي والتمثيل الجهوي. كما تم تحديد نسبة تمثيل النساء بـ 40%، وهو توجه مشابه لما تم تطبيقه في بعض الدول الإفريقية مثل رواندا التي نجحت في تحقيق مشاركة نسائية واسعة في البرلمان، مما أسهم في تحقيق استقرار اجتماعي وسياسي ملحوظ.
في الجانب التنفيذي، نص الدستور على تشكيل مجلس رئاسي يتكون من 15 عضواً يمثلون الأقاليم، مع صلاحيات تعيين وإقالة رئيس الوزراء والقيادات الدستورية. كما أقر بتشكيل حكومة انتقالية بلا محاصصة حزبية، في محاولة للابتعاد عن نظام المحاصصة الذي أثبت فشله في تجارب ما بعد الثورة، كما حدث في العراق ولبنان. غير أن السؤال المطروح هو: هل يمكن فعلاً تجاوز تأثير الأحزاب السياسية في ظل تاريخ طويل من التدخلات السياسية في التعيينات الحكومية؟
أما في ما يتعلق بإعادة هيكلة المؤسسات النظامية، فقد نص الدستور على تأسيس جيش وطني جديد بعقيدة عسكرية غير أيديولوجية، وهو طرح شبيه بالنموذج الجنوب أفريقي بعد نهاية الأبارتيد، حيث تم دمج قوات الفصائل المسلحة السابقة في جيش وطني موحد. لكن تحدي التطبيق في السودان سيكون أكثر تعقيداً بسبب تعدد الفصائل المسلحة واختلاف أجنداتها السياسية. كما نص الدستور على تأسيس قوات شرطة وجهاز أمن جديدين، مع ضمان عدم ولائهما لأي تيارات سياسية أو قبلية، وهو أمر مثالي نظرياً، لكنه في الواقع يتطلب تحولات جوهرية في الثقافة المؤسسية لهذه الأجهزة.
من النقاط المثيرة للجدل في هذا الدستور أنه جعل قوات الدعم السريع والجيش الشعبي لتحرير السودان وحركات الكفاح المسلح نواةً للجيش الجديد، بينما نص على حل مليشيات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وجميع المليشيات الأخرى. هذا التوجه يعكس انحيازاً واضحاً لبعض القوى المسلحة دون غيرها، مما قد يؤدي إلى مشكلات تتعلق بالعدالة الانتقالية وتوازن القوى بين الفصائل المختلفة، خصوصاً في ظل تجربة السودان مع الصراعات المسلحة التي غالباً ما يعقبها ظهور حركات تمرد جديدة رداً على الإقصاء.
بالمجمل، فإن هذا الدستور يعكس رؤية طموحة لإعادة هيكلة الدولة السودانية بعيداً عن التجارب السابقة التي اتسمت بالمركزية المفرطة والاضطراب السياسي. لكن نجاحه مرهون بمدى قدرة القوى السياسية والعسكرية على الالتزام بمبادئه، وتجاوز العقبات البنيوية التي حالت دون استقرار السودان في العقود الماضية. كما أن المقارنة مع تجارب دولية مشابهة تشير إلى أن أي مشروع تأسيسي بهذا الحجم يحتاج إلى توافق واسع، وإدارة دقيقة للمرحلة الانتقالية، حتى لا يتحول إلى مجرد وثيقة أخرى تُضاف إلى سجل المحاولات الدستورية الفاشلة في السودان.
zuhair.osman@aol.com