جلادو صيدنايا منفذون للأوامر أم مجرمون تحرّكهم الطائفية؟
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
حين تمكنت فصائل الثورة السورية في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 من اقتحام سجن صيدنايا السيئ الصيت الذي يوصف أيضا بالمسلخ البشري، تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورا مروّعة من السجن، تذكر بما سمّته الفيلسوفة الألمانية اليهودية حنة آرنت "تفاهة الشر" (The Banality of Evil).
ولو تمكن الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو من معاينة سجون النظام السوري البائد وهندستها وما تحويه، لوجد أن ما كتبه عن السجون وعن تصميم سجن "البانوبتيكون" (Panopticon) الذي وضعه الفيلسوف البريطاني جيرمي بينثام يحتاج إلى مراجعة.
وعن الدافع وراء اقتراف تلك الجرائم الفظيعة التي أذاعتها قصص صيدنايا، تساءل الباحث في التاريخ المعاصر الحاج محمد الناسك، في ورقة نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "صيدنايا المسلخ البشري: تفاهة الشر أم امتثال اجتماعي؟": هل مقترفو هذه الجرائم أناس عاديون ينفذون الأوامر، أم أنهم مجرمون تحرّكهم الأيديولوجية الطائفية؟
هندسة الشرافتتح سجن صيدنايا سنة 1987 لاحتجاز آلاف السجناء من المدنيين والمعارضين والسجناء السياسيين، وهو يقع على بعد 30 كيلومترا شمالي العاصمة دمشق، ويوصف بأنه أكثر السجون سرية وقسوة في سوريا، فقد صمم من 3 مبان ممتدة متصلة في نقطة مركزية، وفي كل مبنى 3 طوابق لكل منها جناحان يحتوي كل منهما على 20 مهجعا بمساحة 48 مترا مربعا، مع خمس نقاط تهوية، وتلتقي المباني الثلاثة في منطقة "المسدس" (أو السداسي)، وهي النقطة الأكثر تحصينا في السجن وفيها توجد الغرف الأرضية والسجون الانفرادية.
إعلانإن الهندسة وفقا لميشال فوكو ليست علما رياضيا صالحا ولا فنا مجردا، ولكنها معارف وإبداعات توظف في خدمة مفاهيم الانضباط، ويضيف أن "الدولة الحديثة، العاقلة المستنيرة، قد شكلت مجتمعها على هيئة بانوبتيكون (مبنى مصمم لمراقبة كل من فيه) ضخم، فإذا كانت هذه الدولة العاقلة المستنيرة، فما بالك بعائلة الأسد؟!
ويعمم فوكو تصميم "البانوبتيكون" على السلطة الحديثة في أكثر أشكالها خبثا، فيطلق عليها وصف "البانوبتيكية"، حيث يستوعب "السجناء" المراقبة المستمرة عليهم ويصبحون حراسا على أنفسهم.
لكن سجون الأسد تجاوزت مفهوم "البانوبتيكية" بشكل لا يخطر على بال، لدرجة أنه بالإمكان إطلاق ما يمكن تسميته بـ"الصيدناتكية"، لأن السجان هناك لا يملك سلطة مراقبة السجناء والحصول على الإتاوات من ذويهم فحسب، بل يملك أيضا صلاحية مطلقة لتعذيبهم وقتلهم دون حسيب ولا رقيب.
امتثال اجتماعي أم طائفي؟بعد أن قامت دولة "متحضرة" و"حديثة" مثل ألمانيا بتنفيذ إبادة جماعية منهجية للملايين من البشر، توقف الباحثون كثيرا عند سؤال: "كيف يمكن لأشخاص مثلنا من الملتزمين بالقانون الذي يرتادون الكنيسة ويخلصون لأفراد أسرتهم، أن يتغاضوا أو يتعاونوا بنشاط في القتل الجماعي لأشخاص لم يلحقوا بهم أي أذى؟"، وهو ما لخصته الفيلسوفة حنة أرنت في عبارة "تفاهة الشر".
وقدم المؤرخ الأميركي كريستوفر براونينغ في كتابه "كتيبة الشرطة الاحتياطية 101 والحل النهائي في بولندا" (Reserve Police Battalion 101 and the Final Solution in Poland) محاولة لتفسير سلوك الجنود الألمان في بولندا، واستند في دراسته إلى سجلات تحمل استجوابات قضائية لـ125 عضوا من كتيبة الشرطة الاحتياطية السرية 101 التي نفذت أوامر بإطلاق النار وقتلت حوالي 38 ألف يهودي بولندي خلال عام واحد.
كانت أول مهمة على هؤلاء القيام بها هي قتل 1500 يهودي بولندي في صباح 13 يوليو/تموز 1942. في البداية رفض العشرات من أصل كتيبة قوامها 500 فرد تنفيذ المهمة دون تعرضهم لأي عواقب سلبية، وهو ما أكده قائد الكتبية. ومع توالي المهام "المرهقة عاطفيا"، لم يطلب سوى 10-20% منهم الإعفاء من المهمة.
إعلانووجد براونينغ أن الغالبية العظمى ممن شاركوا في عمليات القتل كانوا في الأصل ينفرون منها، لكنهم فضلوا المضي قدما في تنفيذها بدافع احترام السطلة والخوف من الرفض الذي قد يقابلهم به أصدقاؤهم وقادتهم، رغم امتلاكهم خيار الرفض. واستنتج براونينغ أن دوافع الجنود الألمان لم تكن معاداة السامية بل ما سمّاه: "الامتثال الاجتماعي".
وأثار المؤرخ الأميركي بكتابه حفيظة عالم سياسة شاب من جامعة هارفرد يدعى دانيال جوناه جولدهاجن، فقرر الرد عليه بكتاب عنوانه "جلادو هتلر الراغبون في التنفيذ: الألمان العاديون والمحرقة" (Hitler’s Willing Executioners: Ordinary Germans and the Holocaust)، جاء فيه أن براونينغ أخذ اعترافات أعضاء الكتيبة الألمانية على ظاهرها، وقلل بالتالي من "معاداة الألمان الفريدة والعميقة للجذور السامية"، وأن من شارك في المحرقة لم يكونوا "رجالا عاديين" فقط بل "رجالا عاديين في ثقافة سياسية غير عادية".
ويبقى السؤال قائما: "هل تنطبق عبارة تفاهة الشر على جلادي المسلخ البشري في صيدنايا؟"، فهذه العبارة أطلقتها آرنت لوصف أفعال المجرم النازي كارل أدولف إيخمان الذي لم يقم بالإبادة بوصفها "شرا متجذرا" بل "شرا تافها"، وذلك لأن السلطة الشمولية تجعل مرتكبي الجريمة بإيعازها لا يشعرون بفظاعتها ومأساويتها.
يبد أن جلادي صيدنايا لم يكن لهم حرية الاختيار التي تحدث عنها براونينغ في نموذج "الامتثال الاجتماعي"، بل انطبق ما يمكن أن نسميه "الامتثال الطائفي"، وهو القائم على نوازع طوائفية لطالما حرّكت الأقلية التي كانت تحكم سوريا.
ولا تكفي الأطر النظرية التي عالجت الظاهرة النازية في فهم سلوك مجرمي نظام الأسد طوال نصف قرن، فهو يحتاج إلى دراسة معمقة تعتمد على شهادات السجانين والضحايا والوثائق المتاحة، ولنا في اختلاف براونينغ وجولدهاجن عبرة، فهما عالمان فحصا الأدلة نفسها وسألا الأسئلة ذاتها حول الظاهرة إياها، لكن استنتاجاتهما كانت مختلفة.
إعلان[يمكنكم الاطلاع على تعليق الباحث كاملا من خلال هذا الرابط في موقع الجزيرة للدراسات]
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
تفسير رؤية ثعبان بمختلف ألوانه في الحلم.. هل تعني الخير أم الشر؟
يحمل تفسير رؤية الثعابين بمختلف ألوانها في الحلم، إلى دلالات إشارات عديدة، سواء بالخير أو الشر، وقد تعتبر إشارات تحذير قوية جدًا، لذا يجب الانتباه إليها، أو بشارات عديدة لخير قادم في الطريق، بحسب ما جاء في كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين.
رؤية الثعبان الأسود في المنامرؤية الثعبان الأسود في المنام، من الرؤى غير المستحبة، لأنها تشير إلى الشر ووجود مشكلات عديدة، يعاني منها الرائي، بل تنم عن صعوبات يصعب تخطيها، وقد تدل أيضًا على وجود عدو قوي، لا يسهل التخلص منه، أو حاقد وحاسد.
رؤية الثعبان الأحمر في المنامرؤية الثعبان الأحمر في المنام تشير إلى الفتنة وشدة الخطر، التي يصعب النجاة منها، لوجود مخاطر عديدة، خاصة في الجانب العملي، لذا فإنها تعتبر إشارة قوية جدًا للتحذير.
رؤية الثعبان الأبيض في المنامهناك دلالات عديدة لوجود الثعبان الأبيض في المنام، سواء بالخير أو الشر، إذ يمكن أن يرمز إلى وجود خير كبير في طريق الحالم، وأيضًا قد تشير هذه الرؤية إلى وقوع الحالم في العديد من المشكلات، ولكن يتم التغلب عليها في نهاية الأمر.
رؤية الثعبان الأخضر في المنامبالرغم أن رؤية الثعابين في المنام تعتبر نذير شؤم للرائي، إلا أن رؤية الثعبان الأخضر، قد تدل على وجود خير ورزق في طريق الحالم، وقد تشير أيضًا إلى الزواج في القريب العاجل، لذا يجب اعتبارها بشارة سعيدة، وفي بعض الروايات تدل على وجود الحسد والحقد للرائي، من شخص قريب منه، لذا فإن وجودها بالمنام يعتبر إشارة للحالم، بأن ينتبه للأشخاص من حوله.