باريس- لأن "حياة واحدة لا تكفي" كما قال العقاد، نلتجئ للكتب والقراءة لكي تهبنا حيوات جديدة كل مرة. ولأن القراءة سفر وترحال أبدي لا ينتهي عبر سفينة الخيال، يأخذنا كل كتاب جديد نفتحه إلى بحار من حبر وكلم وقصص ليس لها مرافئ ولا تعترف بالوصول.

ونحن نودّع سنة ونستقبل أخرى، يُطرح سؤال عن أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة الكتاب والمبدعين، بعد عام من القراءة والبحث والتنقيب والكتابة، وتظل أبواب المعرفة والسؤال مشرعة بحثا عن إجابات طريفة، وحصاد أدبي وثقافي متميز، عن أجمل الكتب والقراءات التي بقيت عالقة في ذهن نخبة من الكتاب والمبدعين العرب خلال هذا العام الذي أوشكت شمسه على الغروب، فضلا عن فعل القراءة وأثرها السحري في المبدع والإنسان عموما.

فإلى الاستطلاع:

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"ريفوبليكا" ثلاثية يوسف فاضل عن الريف والمقاومة والحلم بالتغييرlist 2 of 2صلاح جرار: الفلسطينيون شاركوا بفتح الأندلس وحنين قصائدي لغرناطة وجنين وعمّانend of list القراءة ضرورة والكتاب دواء ووقاية

في رحلةٍ أدبية ثرية، يأخذنا الكاتب الليبي الدكتور "محمد قصيبات" عبر آفاق القراءة التي شكلت عامه 2024. فقد قرأ الكثير من الكتب التي أثرت فيه وهزته، وبعين الناقد والمتذوق عرض تجاربه مع نصوص أدبية خالدة. فمن بين صفحات "تيريز دوكيرو" للكاتب الفرنسي فرنسوا مورياك، الحائز على نوبل للآداب عام 1952، إلى عوالم "المركب المفتوح" للكاتب الأميركي ستيفان كران، يرسم قصيبات خريطة أدبية غنية بالاكتشافات والتأثيرات.

إعلان

ويستحضر قصيبات ذكريات دراسته في كامبردج، حيث تعرف على أعمال جوزيف كونراد الشهيرة، ليفاجئنا باكتشافه المتأخر لرواية "آمي فوستر" تلك الجوهرة الأدبية المخبأة التي تحمل العنوان الأنثوي الوحيد في أعمال كونراد:

حدثنا الدكتور ترنر عن جوزيف كونراد ورواياته المشهورة مثل "من قلب الظلمات" و"لورد جيم" ولكني لم اكتشف روايته المجهولة التي تحمل عنوان "آمي فوستر" إلا عام 2024

وبحس الروائي المرهف، يسبر قصيبات أغوار هذه الرواية القصيرة، مستعرضاً شخصياتها الثلاث بدقة وعمق، والمتمثلون في شخصيات الدكتور الكندي "طبيب القرية" وهو الراوي، و"يانكو" المهاجر الذي ألقى به البحر، و"آمي فوستر" المرأة غير الجميلة التي يتزوج بها "يانكو".

"آمي فوستر" لجوزيف كونراد الرواية الوحيدة التي تحمل عنوان أنثوي في أعماله (الجزيرة)

في سرده للقصة، يلفت قصيبات إلى أن الرواية تمثل صورة إنسانية مؤثرة لمأساة الهجرة والاغتراب والصراع اللغوي، إذ تتناول حكاية "يانكو" الذي يبيع والداه بقرتين وقطعة من الأرض لكي يتمكن من الحصول على أجرة المهربين لتهجيره من بولندا إلى أميركا، من أجل عمل يستطيع من خلاله مساعدة عائلته، لكن المهربين يغرقون السفينة ويلقون بركابها إلى شواطئ كينت في بريطانيا، ليصبح يانكو لاجئا ينظر إليه أهل القرية باحتقار.

ورغم قدم الرواية التي صدرت عام 1901، فإنها ما زالت تنبض بالحياة والراهنية في عالمنا المعاصر. لذا ينوه الكاتب فيقول "قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن أحداث الرواية تدور في زمننا هذا حول المهاجرين غير الشرعيين القادمين من البحر".

وفي غمرة تأثره بالرواية، يصف كيف سكنته حتى ظن أنه كاتبها، وألهمته لمحاولات ترجمة متعددة، يتعاطف من خلالها كل مرة مع إحدى الشخصيات الرئيسية الثلاث، متمنيا أن يستطيع إنهاء هذه الترجمة عام 2025.

وينتقل قصيبات بسلاسة من عالم الأدب إلى مجال تخصصه الطبي، مسلطاً الضوء على العلاقة الوثيقة بين القراءة والصحة العقلية، وتأثير القراءة على الإنسان من أكثر من زاوية. ويستعرض بعين العالِم والأديب معاً أهمية القراءة في الوقاية من مرض ألزهايمر، فقد صار هناك تخصص يتعلق بالعلاج بالقراءة، والتي تعد ضرورةً ملحة وحاجةً هامة للإنسان.

إعلان

وخلص إلى أن أهم الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع تلك التي تم نشرها بمجلة علم الأعصاب، وهي تتعلق بحوالي ألف من المصابين بألزهايمر تم توزيعهم إلى مجموعتين: الذين يقرؤون والذين لا يقرؤون، حيث كانت النتائج تقول إن نسبة الإصابات بالمرض هي 18% و35% على التوالي.

ويختتم قصيبات حديثه مؤكداً أن الكتاب قد أصبح في عصرنا هذا دواءً ووقاية، في مزيج فريد يجمع بين متعة الروح وصحة العقل.

القراءة مقدمة لأي مشروع ابداعي

يرى الروائي والشاعر المغربي عبد النور مزين أن القراءة تشكل جزءًا لا يتجزأ من مشروع الكتابة لأي كاتب يعتز بقضايا الكتابة ومسؤولياتها، فهي العنصر الأساسي في تكوين أي تجربة إبداعية. ويصف القراءة كفعل يومي ملازم لمشروع الكتابة لديه ولصيق بها، فهي تتيح له التجدد والتعمق في روح الأشياء، كونها مقدمة ضرورية لأي فعل إبداعي.

وفي حديثه للجزيرة نت، عبّر مزين عن تأثير بعض الكتب في حياة الإنسان ونظرته للأمور بشكل لا رجعة فيه. وهو ما حدث معه أثناء قراءته رواية الكاتبة الأميركية توني موريسون بعنوان (Home) والتي ترجمها بكلمة "وطن" وأعاد قراءتها هذا العام.

عبد النور مزين: بعض الكتب لها تأثير في حياة الإنسان مثل رواية توني موريسون بعنوان (Home) (الجزيرة)

سأترجمها بكلمة "وطن" مع العلم أنه يصعب إيجاد كلمة أقرب إلى عمق المعنى الذي يجسد عمق الانتماء كالبيت. هذا لأن السؤال الرئيسي الذي دار في رأس بطل الرواية "فرانك ماني"، الشاب الأسود الذي حارب من أجل أميركا في الحرب الكورية، وظل يتساءل بعد عودته إلى بلده التي استقبلته بواقع التمييز العنصري المنظم، كان بالذات عن معنى هذا الانتماء

ومع تطور الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي، يرى صاحب رائعة "رسائل زمن العاصفة" أن سؤالي الهوية والانتماء يزدادان أهمية بشكل مخيف.

وشدد مزين إلى أن الوعي بهذه الأبعاد التي طرحتها موريسون -في روايتها عن معاني الانتماء المتعددة- غيّره وأثر فيه لدرجة تركيزه بوعي على هذا البعد الهوياتي في روايته الأخيرة "جسر النعمانية" بالغوص عميقا في كل الأبعاد التي تميز الهوية المغربية.

وخلص إلى أن هذه الومضات -التي تحدثها بعض النصوص في المبدع- تجعله أكثر نضجًا وأقرب إلى فطرته وطفولته التي تأثرت بتغيرات الحياة المتلاحقة والسريعة.

إعلان عناق إنساني لا يمكن وصفه

تنسج الكاتبة الروائية الجزائرية حياة قاصدي، المقيمة في مرسيليا، رؤية بديعة للكتاب، فتصوره بالنافذة الجميلة التي نطل من خلالها على أنوار الثقافة والإبداع. وعبر حروفه وصفحاته، ننطلق نحو المدن الفاضلة والقيم الإنسانية الراقية، لنستكشف جوهر الإنسان وربيعه الداخلي المتجدد. فالقراءة، في عيني حياة، ليست مجرد نشاط، بل هي غاية سامية تسعى إليها على مدار العام، بحثًا عن عوالم الدهشة المتجددة.

وبالنسبة لقاصدي، تمثل القراءة لها ككاتبة ما تمثله التربة الخصبة للبذرة، فهي المادة الحيوية التي تنمي بذور الإبداع وتغذي النهم الثقافي الذي يحتاجه المبدع لتجديد طاقاته الفكرية وبناء جسور التواصل الإنساني. فالكتاب -في رؤيتها- هو مهد الحضارات والطاقة الإيجابية التي تدفع عجلة التطور البشري، بغض النظر عن الأفكار والتوجهات التي يحملها. وبقدر اطلاع الكاتب يستمر بداخله ذلك الامتداد الروحي بينه وبين عوالم الإبداع والمعرفة، فالقراءة في جوهرها عناق إنساني منساب لا يمكن وصفه.

قاصدي: هذه الرواية رحلة متكاملة تحاكي مسيرة الإنسان العربي ثقافيًا وتاريخيًا وعمقا وجوديا (الجزيرة)

وعن رحلتها القرائية بالأدب الإنساني العربي والعالمي لعام 2024، استوقفت قاصدي رواية "أنا والمستحيل" للمبدع الجزائري خليفة عبد السلام. إذ تصف هذا العمل كرحلة متكاملة تحاكي مسيرة الإنسان العربي ثقافيًا وتاريخيًا وعمقا وجوديا. ولكن ما أثار دهشتها أثناء قراءتها للرواية هو البنية الجديدة التي قدمها الكاتب في صياغة النص الروائي:

اعتدنا على كون الإنسان هو من يمثل شخوص الرواية، ولكن أن نعثر على إبداع يخرج الإنسان كعنصر أساسي في بنية العمل الروائي، ويعوض وجوده بأيقونات فلسفية نكون قد اطلعنا على بنية جديدة في طريقة كتابة النص الروائي العربي

وتستعرض قاصدي بعين الناقد الحصيف شخصيات الرواية، فتقول "شخوص هذه الرواية أيقونات تتصارع في حوار فلسفي وهي الذات والتاريخ والماضي والحاضر والمستحيل والانكسارات والأمل. ولهذه الشخصيات وجودها الملموس ومثلت الجانب السّيكولوجي لـ(الأنا) والتي نجح الكاتب في جعلها تلعب دورا أساسيًا داخل عباءة فلسفية قوية عندما أخضع (الأنا) لسلطة الفلسفة".

إعلان الكاتب الذي لا يقرأ لا يجدّد أدواته ومضامينه

أما الكاتب والمترجم التونسي "أبو بكر العيادي" المقيم في باريس، فقد أشاد بقوة برواية "الطوفان" للأميركي ستيفن ماركلي والتي صدرت ترجمتها الفرنسية الصّيف الماضي، ويصف العمل بأنه آسر للقارئ، فبالرغم من حجمها الضّخم (1039 صفحة) فإنّ قارئها لا يمكن أن يتركها لحظة، ولا يستطيع أن يمنع نفسه من المرور إلى الصفحة الموالية، تباعًا، حتى النهاية، بفضل لغتها الواضحة، ومضمونها الذي يرجّ القارئ، ويجعله يعيد النّظر في كثير من ممارساته اليوميّة تجنّبا لخطر حقيقي.

ويصنف العيادي الرواية -في معرض حديثه للجزيرة نت- فيقول:

الرواية من النّوع الديستوبي، الاستباقي، ولكنّها ليست من الخيال العلمي، بل تستند إلى واقعنا الحالي، وهو واقع كرة أرضية صارت مهدّدة بالزّوال

ويسرد القصة التي تمتد أحداثها من عهد أوباما حتى نهاية ثلاثينيات القرن الحالي. فعلى الرغم من تحذيرات المتخصصين المتكررة، ودعوات المنظّمات العالمية إلى توخّي تدابير لا محيد عنها لإنقاذ الأرض وما فيها ومن عليها، يستهين زعماء البلدان المصنّعة بالتحذيرات ويعتبرونها من قبيل "نظريّات المؤامرة".

كينغ وصف رواية "الطوفان" للأميركي ماركلي بأنها "تنبؤيّة ومرعبة" (الجزيرة)

أما عن شخصية البطل بالرواية "توني بيتروس" فيسلط العيادي الضوء عليه، فهو يصدر كتابًا عن اختلال المناخ، وبعدها يتلقّى تهديداتٍ ممّن لا يفكّرون إلّا في مصالحهم الخاصّة.

ويرسم الكاتب من خلال كل هذا صورة للعالم وهو يشهد تصاعدًا في الكوارث الطبيعية كارتفاع درجات الحرارة واستشراء القيظ والفيضانات والحرائق والأعاصير التي باتت تهدّد البشريّة قاطبة وتضعها على شفير الهاوية. ويطرح سؤالًا جوهريًا: بِمَ تقبل أن تضحّي لأجل إنقاذ الإنسانيّة؟

ويذكر العيادي قول "ستيفن كينغ" عن الرواية أنها "تنبّؤيّة ومرعبة" فالقارئ لا يمكن أن يتخلّص منها بعد طيّها، لأنّها تطرح أسئلة آنية حارقة وتتحدّث عن البشر وعن مصيرهم ومصير الأجيال المقبلة على وجه أرض يهدّدها سكّانها، فيهدّدون بذلك وجودهم وبقاء جنسهم.

قراءة الكتب تنير البصائر، وتفتح العيون على تقاليد أمم أخرى وتجارب إنسانيّة متنوّعة، وتزيد الانسان معرفة بموقعه من العالم

وبوصفه كاتبّا، يشدد على أهمية القراءة للكاتب في حلّه وترحاله، لأن الكاتب الذي لا يقرأ باستمرار نصيبًا من نتاج البشريّة، قديمه وحديثه، لا يجدّد أدواته، ولا مضامينه.

إعلان اقرأ حتى أراك

تمتلك الشاعرة والروائية اللبنانية شادن دياب شهية قرائية ثرية، ففي عام 2024، قرأت حوالي 40 كتابًا بين الروايات الأجنبية والعربية، وكتب الفلسفة والعلوم السياسية. لكن من بين كل هذا، برزت رواية "غداء في بيت الطباخة" للكاتب المصري محمد الفخراني كجوهرة فريدة استحوذت على اهتمامها، متميزة بسياقها الاستثنائي وأسلوبها الفني المبتكر.

الرواية استعرضت أبعاد الحرب الإنسانية حيث تتحول الخنادق من مواقع للصراع إلى مساحات للكشف عن جوهر الإنسان (الجزيرة)

وتكشف شادن عن شغفها الخاص بموضوع الرواية قائلة:

لدي اهتمام خاص بموضوع الحرب والسلام، وهذه الرواية كُتبت في سياق استثنائي بعيد عن النمطية، مما جعلها تجربة أدبية مميزة بالنسبة لي. فهي تقدم رؤية أدبية جديدة للحرب تتجاوز الصور النمطية المألوفة. بعيدًا عن مشاهد الأشلاء والدماء المعتادة، وتعيد الرواية تعريف الحرب كحالة إنسانية عميقة، وتكشف عن روح الإنسان وهشاشته في مواجهة الصراعات، وقد فازت بجائزة أفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024

وعن براعة الفخراني في توظيف الرموز والألوان، تقول شادن إنه استخدم أسماء مجردة تضفي على العمل طابعًا فلسفيًا وتأمليًا عميقًا. وعبر هذه الشخصيات، يستعرض الكاتب أبعاد الحرب الإنسانية، حيث تتحول الخنادق من مواقع للصراع إلى مساحات للكشف عن جوهر الإنسان، ومن خلال حوارات ومواقف تجمع شخصين من طرفين متعارضين وسط الحرب، تظهر إنسانيتهما رغم عدائية الظروف التي تحيط بهما.

وتستشهد الشاعرة اللبنانية بمقطع من الرواية يجسد عمقها الفلسفي "لا أحد يعرف. في الحرب لا يمكنك أن تعرف حتى ترى بعينيك. وعندما ترى بعينيك تتأكد أكثر أنك لا تعرف". وهذا المقطع يلخص الأسئلة الجوهرية التي تثيرها الرواية حول طبيعة المعرفة والحقيقة في زمن الحرب.

وبنظرة عميقة، تخلص الروائية إلى جوهر القراءة، والتي تمثل وجهة نظر تعكس وعينا الواعي وغير الواعي في اختياراتنا للكتب التي نقرأها، أو هي في عبارة موجزة "اقرأ حتى أراك".

كالميت بين يدي غاسله

يعيش الكاتب التونسي "شكري الباصومي" منذ أشهر تحت سلطان كتاب "الموازي في أخبار المسرح النشازي.. ومهملات أخرى" للمبدع المسرحي توفيق الجبالي الذي ضل طريق الكتابة.

ويتساءل حائرا كيف بإمكانه في سطور أن يعبر عن محتوى هذا الكتاب الملغوم؟ فهو يرى أنه حين يكتب الجبالي فهو قادر على امتاع القارئ، فقد اعتنق الكتابة الشاملة المنفلتة التي تتميز بأن المعرفة عمادُها، والجبالي يمتلك جرأة في القول، ويقدر على تسمية الأمور بأسمائها، قدر المستطاع، ويتميز بسخرية تغيظ بعض الفاعلين، وتشفي صدور القراء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذه الروایة لا یمکن إلى أن

إقرأ أيضاً:

خاص 24.. أسلوب الكاتب يستحوذ على الإعجاب في 2024

في مطلع عام جديد يواصل 24 استطلاع آراء عدد من المثقفين حول أفضل كتاب نال إعجابهم في العام المنصرم، وبماذا تميز هذا الكتاب، حتى استحق الأفضلية، وما الكتاب الذي يطمحون لقراءته في مطلع العام الجديد.

أكد عدد من الكتَاب أن القراءة ليست مجرد شغف عابر، بل هي غذاء للروح، ثقافة وفنون ونبع لا ينضب للعقل والقلب، وأوضحوا أن الكتب التي تربعت على قائمة الأفضلية لديهم أثناء العام الماضي، هي الكتب التي تميزت بأسلوب سلس وعميق، ومزجت بين البساطة الفلسفية والحكمة العميقة، أيضا الكتب التي عكست صدق المشاعر وعمق تجربة أصحابها، 
يقول الكاتب والباحث السوري أحمد عبد القادر الرفاعي: "القراءة بالنسبة لي ليست مجرد شغف عابر، بل هي غذاء الروح، نبع لا ينضب للعقل والقلب، في عام 2024، كان لي مع القراءة لقاءات ثرية متنوعة، تحمل كل منها عالماً من السحر والمعرفة، قرأت روايات متميزة مثل " أم الدويس، وتل الصنم، وقوس الرمل، ورحلة ابن الخراز، وغافة العذبة، وقلق الياسمين"، وغصت في مجموعات قصصية ساحرة مثل "سبع رسائل منقرضة في بريد الفراغ، وربطة عنق"  أما المسرح، فقد أضاءت ذاكرتي مسرحية "علبة الثقاب. "ومن الكتب النقدية، أبحرت في قضايا المكان الروائي، ومتاهة المكان في السرد الروائي، بينما وجدت في كتب التراث مثل توظيف الموروث في الأدب الإماراتي، والتناص في الأمثال الشعبية الإماراتية، صدىً عميقاً للهوية والذاكرة، ولم تغب الشعرية عن رحلتي، إذ تأملت دواوين "أراك عكسك، ورحلة لا بد منها، ومليء بالرمل مليء بالمرايا".

وتابع الرفاعي: "بالرغم من الخصوصية الفكرية لكل كتاب من الكتب التي ذكرتها في إثراء ثقافتي وتأثيرها على تكويني الإبداعي ألا إنني وجدت في رواية (قوس الرمل) للكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري تميزا لذلك سأسهب في ذكر بعض صفاتها التي شدتني إلى قراءتها خلال جلستين. تدور أحداث الرواية في فضاءات أسطورية تحتفي بالماء والرمل والمهد – رموز البدايات واستمراريتها، كما تستلهم الكاتبة من الأنهار الأحفورية المطمورة، تلك الذاكرة المنسية في عمق شبه الجزيرة العربية، لتنسج سرداً يعتمد على 4 روافد متخيلة، حيث يتلاشى الزمن الواقعي ليحل محله الزمن الأسطوري.
وأضاف: "تميزت الرواية بشعرية متدفقة، تتداخل فيها بنية السرد مع لغة شعرية تفيض بالصور الحسية والرموز العميقة، كأنك تقرأ قصائد نثر مستترة في ثنايا السرد، ويعتبر هذا المزج بين النصوص الشعرية والنثرية جوهر الشعرية الأدبية، حيث يتجاوز الأدب فيها حدود الكلام العادي ليصبح فناً جمالياً متفرداً".
ومضى الأديب السوري يقول: "في قوس الرمل، الشعرية ليست مجرد زينة، بل هي نسيج الرواية ذاته، تظهر في وصف الأمكنة، في الشخصيات، وفي حواراتها، سواء كانت حوارات خارجية أو مونولوجات داخلية. كل ذلك يجعل الرواية سيمفونية لغوية تجمع بين الرمز والتاريخ والأسطورة، مستلهمة التراث بعبقرية سردية آسرة".
أما بالنسبة للكتب التي أنوي قراءتها في 2025، بحسب الرفاعي، فأظن أن المكان يضيق عن ذكرها كلها، ولكن هناك خطة محكمة لزيادة الغلة وتنويع موارد القراءة كما تعودت كل عام".
أما الكاتبة والباحثة الأردنية ميرا عابدين فتذكر: "أجمل كتاب قرأته في عام 2024 هو الخيميائي للكاتب باولو كويلو، والذي يتميز بأسلوبه السلس والعميق، حيث يمزج بين البساطة الفلسفية والحكمة العميقة، ويروي قصة بحث الإنسان عن هدفه الحقيقي في الحياة، بأسلوب ملهم يجعلك تعيد التفكير في أولوياتك وأحلامك، أكثر ما جذبني في الكتاب هو كيفية تناوله لفكرة الإيمان بالذات، وكيف أن السعي وراء الشغف يحمل معه معجزات غير متوقعة.
أما بالنسبة لعام 2025، فإنني أضع أولوية لقراءة كتاب، عازفُ الليل "رسائل إلى سلمى" للدكتور رياض أبو طالب، اخترت الكتاب لأنه يقدم تجربة أدبية فريدة من نوعها، حيث يتناول الكاتب من خلال رسائله موضوعات إنسانية عميقة وتأملات فلسفية تعكس خبرته كطبيب وشاعر، يتميز الكتاب بأسلوب أدبي راقي، يلامس القلوب ويثير التفكير، ما يجعله إضافة قيّمة للمكتبة العربية.
وأطمح إلى أن يمنحني هذا الكتاب فهماً أعمق للمشاعر الإنسانية والتجارب الحياتية من منظور مختلف، ما سيساهم في إثراء تجربتي القرائية وتوسيع آفاقي الفكرية.

وفي ذات الإطار يقول الكاتب الإماراتي كرم مبارك: "من الكتب المؤثرة التي اختتمتُ بها عام 2024 كتاب بسيط في حجمه، عظيم في محتواه، يحمل عنوان "أمهات فوق القمم" ، الكتاب لا يتجاوز 100 صفحة، وأُبدِع بقلم مجموعة من الأمهات الملهمات، اللواتي اخترن أن يشاركن قصص كفاحهن مع أطفالهن من أصحاب الهمم، تميَّزت الأمهات بقدرة استثنائية على التعبير عن معاناتهن، والتحديات الكبيرة التي واجهنها في سبيل احتواء أطفالهن وتقديمهم للمجتمع بشكل مشرف، رغم الظروف القاسية التي عاشوها.

وبالرغم من أنهن لسن أديبات محترفات، ولم يمتلكن سابقًا خبرة في كتابة القصص أو الروايات، فإن صدق المشاعر وعمق التجربة أضفيا على الكتاب جاذبية استثنائية، جعلته ينبض بالإنسانية والأمل.
وتابع مبارك بقوله: "أمهات فوق القمم" ليس مجرد كتاب يُقرأ، بل هو تجربة غنية تُلهم القارئ وتدعوه للتأمل في عظمة الأمومة، وقدرة الإنسان على مواجهة التحديات، والانتصار عليها بقوة الإيمان والإرادة".

مقالات مشابهة

  • والي الخرطوم يزور عددا من الرموز الفنية بغرض الوقوف على أحوال المبدعين في ظل الحرب
  • ما الذي يخطط له حزب الله؟
  • الكاتب محمد الشحري: السّرد أبلغ من الفنّ في استنطاق الشّخوص والأمكنة والانتقال بين الأزمنة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … بغداد التي في ذاكرتي ماجدة
  • حصاد عام ٢٠٢٤
  • خاص 24.. أسلوب الكاتب يستحوذ على الإعجاب في 2024
  • الكشف عن الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة
  • 2024.. حصاد فلسطين الثقافي غير العادي
  • وداعا بشير الديك.. آخر كلمات الكاتب الذي روى حكايات مصر