الأسبوع:
2025-02-03@12:08:05 GMT

مأساة قطاع غزة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

مأساة قطاع غزة

أودّع، 2024، وأستقبل عامًا جديدًا، لكن تظل صور ومشاهد الألم التي رصدتها عن قرب كارثة قطاع غزة عالقة بالذاكرة. مساحة جغرافية كانت آمنة نسبيًا، تحولت خلال الـ15 شهرًا الماضية إلى مسرح للمآسي الإنسانية، التي تكشف عن خلل في منظومة العلاقات الدولية، والمؤسسات الأممية والإقليمية التي تقف عاجزة أمام جبروت آلة الحرب الإسرائيلية.

عام كامل من الرصد والتوثيق لمظاهر الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع يكشف عن واقع مرير، حيث تدمير المرافق الأساسية وتحول الحياة إلى جحيم لا يُطاق، كان الوصول إلى التفاصيل محفوفًا بالمخاطر، بالخوف على مصادري الذين ينتشرون من شمال غزة إلى جنوبها. كانت الضرورة الأخلاقية قبل المهنية دافعي في استكمال الحملة الموسعة لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، دفعتني لتجاوز العقبات اللوجستية، والتواصل مع العائلات والأسر والمسئولين الذين يعيشون وضعًا كارثيًا على مدار الساعة.

في زمن يُفترض أن يكون عصر التقدم والتكنولوجيا، يعود قطاع غزة إلى الزمن البدائي، جراء مبادرة إسرائيل بقطع الاتصالات، هذا العزل ليس مجرد إجراء تقني، بل هو أداة حرب تهدف إلى إسكات الأصوات ومنع العالم من رؤية الحقيقة، تحولت عمليات التواصل مع العائلات والأسر والمسئولين التنفيذيين على الأرض إلى مهمة شاقة، تتعطل وسائل الاتصال بشكل متكرر، مما يجعل مهمة نقل المعاناة الإنسانية إلى العالم أكثر صعوبة.

رغم تعدد العقبات خلال محاولات نقل الصورة الحقيقية، وفرض عُزلة مطلقة على غزة، كنت أتواصل مع حالات عدة في مناطق متفرقة عند معالجة المواد الصحفية، ليس شكًا في مكلومين يضحون بكل شيء من أجل التمسك بالأرض، بالتاريخ، بالحق في الحياة، بل لتوثيق كل كلمة، والبعد قدر الإمكان عن المبالغة، رغم أن ما تقوم به إسرائيل في غزة يتجاوز حد المعقول.

غزة التي كانت يومًا مركزًا للحياة والنشاط تحولت إلى مدينة أشباح، البنية التحتية المدمرة، انقطاع الكهرباء، نقص المياه الصالحة للشرب، وانهيار النظام الصحي، كلها عوامل تجبر السكان على العيش في ظروف لا إنسانية، المدارس والمستشفيات لم تعد قادرة على أداء دورها، والأسر تضطر إلى الاعتماد على الوسائل البدائية لتلبية احتياجاتها اليومية.

كنت أتابع تدريجيًا مدينة عامرة تتحول إلى أنقاض، فآلة الحرب الغاشمة تجتث البشر، والشجر، والمؤسسات. في غزة، لا يشبه الصباح غيره. كل يوم يحمل وعدًا جديدًا بالألم، المستشفيات شبه معطلة، مرافق المياه والصرف الصحي مدمرة، والشوارع تغص بأنقاض الأحلام المحطمة، حتى الأطفال لا يرسمون بالطباشير على الأرصفة، بل يحملون آثار الجراح على وجوههم وأجسادهم.

قصص أهالي القطاع تجسيد للصمود الإنساني في وجه القهر. تحدثني أم فلسطينية عن فقدها الزوج والأبناء، وفي نهاية حديثها تقول بكل ثقة: «متمسكون بأرضنا». أخرى فقدت أسرتها كاملة، وثالثة، ورابعة، وخامسة تتبنى الموقف نفسه. لا يذرفون دموع الانكسار، يدخرون مشاعرهم للثأر. الرجال عنوان للصبر والجلد، إرادة حقيقية تمشي على الأرض. يحدثونني عن واقع أليم، عن جثث تُدفن كما هي، بلا أكفان، في مقابر جماعية، لأنه لم يعد هناك أكفان أو أماكن مهيأة للدفن.

فرق الإنقاذ التي تحاول إنقاذ الأرواح تحت الأنقاض تواجه صعوبات جمة بسبب نقص المعدات والوقود، ناهيك عن الاستهداف المباشر من قبل القوات الإسرائيلية. قصص الأبطال الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين تذكرنا بقوة الروح الإنسانية، لكنها أيضًا تذكرنا بالثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون في هذه الحرب غير المتكافئة، وأنا أتواصل مع مسئولي الدفاع المدني في القطاع، الذين كانوا دائمًا خط الدفاع الأول في المشكلات والأزمات، باتوا عاجزين أمام الكارثة التي خلفها العدوان الإسرائيلي.

لم يعد بمقدورهم القيام بدورهم، ليست المسألة نقص المعدات فقط، بل الاستهداف المباشر والمتكرر من قبل آلة الحرب الإسرائيلية. كثيرًا ما سمعت منهم: «نخرج لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لكننا لا نعلم إن كنا سنعود أحياء. أصبحت عملياتنا أشبه بمهام انتحارية. لا نعلم أين نذهب، من نساعد أولاً، ومع من نتواصل بسبب الانقطاع المتكرر للاتصالات. تصبح الأمور فوضوية بالكامل، لكننا نحاول أن نعمل بما نستطيع». ومع ذلك، فأصواتهم المرهقة لا تخلو من مظاهر الإصرار على الاستمرار في العمل مهما كان الثمن.

غزة اليوم ليست فقط عنوانًا للمعاناة، بل مرآة تعكس كيف يمكن أن يتحول العالم إلى مكان متوحش، يتبدى العبث مع كل قذيفة تسقط، تسقط معها قطعة من إنسانيتنا المشتركة ومع كل روح تُزهق، الحديث عن غزة ليس مجرد وصف لما يحدث، بل نداء لضمير عالمي بدا أنه تبلد.لا يمكن لمشهد عائلة تبحث بين الركام عن جثة طفلها أن يُعتبر خبرًا عابرًا، ولا يمكن لصورة مستشفى يُخلي مرضاه تحت القصف أن تُقرأ بدون أن تهز القلوب، في كل مرة حاولت فيها أن أروي قصة غزة، كنت أكتشف أن الكلمات تخونني. لا شيء يمكن أن يعبر عن هذا الجرح المفتوح.

ليس صحيحًا أنها أزمة العواصم العربية، سواء الفاعل منها أو من اختار منذ عقود أن يظل على هامش الأحداث، فقد بادرت دول عدة عربية وإسلامية بتقديم مساعدات متنوعة قدر طاقتها وجهدها. كانت، مصر، في الصدارة، رغم الحملة المشبوهة التي حاولت التلاعب بالرأي العام، لتبرة إسرائيل من التعنت، من تعمد استخدامها سلاح التجويع لتركيع أهال القطاع.

عام كامل من المعاناة في غزة يكشف عن فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الكارثة الإنسانية. القطاع الذي يعيش تحت الحصار منذ سنوات يشهد اليوم تدهورًا غير مسبوق في كل جوانب الحياة. الأصوات التي تنادي بالسلام والعدالة تتعرض للإسكات، لكن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد.على العالم أن يستيقظ، أن يرى ما يحدث في غزة، وأن يتحرك لوقف هذه المأساة. لأن الصمت ليس خيارًا عندما يتعلق الأمر بالإنسانية.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم

نشر موقع "موندويس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على مؤسسة "هند رجب" التي تأسّست عقب استشهاد الطفلة هند رجب في غزة، بقصف للاحتلال الإسرائيلي، مبرزا أنها تسعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مستندة إلى أدلة تشمل منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الطريقة التي قُتلت بها الطفلة هند رجب مروعة؛ حيث وُجدت بالمقاعد الخلفية من سيارة محطمة، على بعد أمتار من دبابة ميركافا إسرائيلية"، مضيفا: "وُجدت عمتها وعمها مقتولين في المقعدين الأماميين، وأربعة من أبناء عمومتها ينزفون بجانبها".

وتابع: "كانت تتوسل لموظفة فلسطينية على الطرف الآخر من خط هاتف خلوي، وتبكي خوفا، ثم في لمح البصر، تمزقت لأشلاء بوابل طلقات الرشاشات الإسرائيلية"، مردفا: "استشهدت هند رجب قبل سنة، وكانت في السادسة من عمرها، والآن تسعى المؤسسة التي تحمل اسمها إلى تحقيق العدالة".

"ليس فقط من أجل هند، ولكن من أجل عدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي" بحسب التقرير نفسه.


ملاحقة الجنود كأفراد
أضاف الموقع أن المؤسسة لا تلاحق دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تتبع نهجًا مختلفًا بملاحقة الجنود الإسرائيليين كأفراد. وحدّدت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، في ملف قدمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هويّة ألف جندي إسرائيلي تعتقد أنه يجب على المحكمة مقاضاتهم.

وأبرز التقرير: "استنادًا إلى 8000 دليل، بما في ذلك منشورات الجنود أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي من غزة المدمرة"، مشيرا إلى أنه: "من الممارسات التي تباهى بها المجنّدون والضباط الإسرائيليون على فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وتلغرام وغيرها: القصف العشوائي".

"القتل المتعمد للمدنيين، بمن فيهم العاملون بالمجال الطبي والصحفيون والمدنيون الذين يلوحون بالرايات البيضاء؛ والتدمير الوحشي للمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد؛ والتجويع القسري والنهب" أبرز التقرير ما كان يتباهى به المجنّدون والضباط الإسرائيليون.

وأوضح محامي المؤسسة هارون رضا، أنّ: "مؤسسة هند رجب تراقب جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، بمساعدة شبكة من النشطاء والمحامين حول العالم"، مضيفا أنّ: "المؤسسة لديها شبكة كبيرة جدًا من المحققين في الداخل والخارج".

وتركز المؤسسة، وفق المحامي نفسه، على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للجنود الذين خدموا في غزة منذ بدء الحرب، قبل خمسة عشر شهرًا، ويقول هارون إنّ: "جميع هؤلاء الجنود لديهم حسابات على التواصل الاجتماعي، وكان العديد منهم يضعون صورًا جماعية ويُظهرون أماكنهم وممارساتهم خلال الحرب".

إلى ذلك، تقوم المؤسسة بتوثيق التواريخ والأوقات والمواقع في غزة، ثم تقارنها مع منشورات أخرى للجنود، سواء مقاطع الفيديو أو الصور.


توثيق الجرائم
ذكر الموقع أن القادة العسكريين الإسرائيليين أمروا الجنود بالتوقف عن التباهي بجرائمهم خوفًا من تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة القضائية أثناء سفرهم إلى الخارج.

وقال هارون رضا إنّ: "قيادة الجيش لم تطلب من جنودها رسميًا التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكنهم طلبوا منهم التوقف عن نشر تلك الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن القادة يعرفون ما يفعله الجنود ولا يشعرون بالخجل من ذلك، لكنهم لا يريدون أن يتورط الجنود في أي ملاحقات قضائية".

وأضاف رضا أنه: "من المثير للاهتمام أنهم بدأوا يحذفون كل المنشورات، لكنهم لا يعلمون أن الإنترنت له ذاكرة طويلة وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت لتوثيق الجرائم"، مؤكدا أن "المؤسسة لديها قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تم التحقق منها أكثر من مرة، وتلك البيانات تشكل أدلة لرفع قضايا ضد الجنود المتورطين".

واسترسل: "من بين ألف جندي وردت أسماؤهم في ملف مؤسسة هند رجب للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضباط والقادة، بما في ذلك ثلاثة وثلاثون جنديًا يحملون الجنسية الإسرائيلية وجنسية أخرى، ومنهم أكثر من عشرة جنود من فرنسا والولايات المتحدة، وأربعة من كندا، وثلاثة من المملكة المتحدة، واثنان من هولندا".

إثر ذلك، أرسلت المؤسسة، قائمة بأسماء الجنود الإسرائيليين إلى عشر دول مختلفة يعتبرها الجنود الإسرائيليون وطنهم الأم، أو يتّجهون إليها بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهي دول تمارس الولاية القضائية العالمية على أخطر الجرائم الدولية.

وأوضح رضا أنّ: "المؤسسة تقوم بالتحقق من المناطق التي يسافر إليها الجنود المتورطون، ومن نمط الرحلات الجوية الأكثر شيوعًا، ثم رفع قضايا بحقهم"؛ موضحا أنه: "تم تقديم شكاوى في النمسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وتايلاند والإكوادور".

واعتبر رضا أنه: "رغم فشل العديد من محاولات الاعتقال بعد أن تم إبلاغ الجنود بأنهم ملاحقون ونجحوا في الفرار، فإن نجاح عملية الاعتقال مسألة وقت فحسب".

وتستهدف المؤسسة أيضًا المتواطئين والمحرضين على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة، ومن بين هؤلاء جمهور فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، الذين قاموا بأعمال شغب بأمستردام في الخريف الماضي، وحاخام ينتمي للواء جفعاتي الإسرائيلي، تفاخر بتدمير أحياء كاملة في غزة، وأيّد قصف المدنيين الفلسطينيين.



شعور زائف بالأمان
أضاف رضا بأن "الجنود الإسرائيليين أصبحوا مثل مجرمي الحرب النازيين الذين هربوا إلى باراغواي أو كندا أو أوروبا وكان لديهم شعور زائف بالأمان"، مؤكدا أن "المؤسسة تتعقبهم وتستطيع مقاضاتهم في حال الذهاب إلى أي دولة ذات اختصاص قضائي عالمي أو أي دولة توافق على ملاحقتهم قضائيًا".

ويعتقد هارون أن "المسؤول عن قتل هند رجب سيمثل أمام العدالة، لأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم عندما تكون هناك ولاية قضائية عالمية، وهذا يعني أنه حتى لو تم اكتشاف المسؤولين عن الجريمة بعد عشرين سنة، سوف تتمكن المؤسسة من ملاحقتهم".

إلى ذلك، خلص التقرير بأنّ: "القائمون على المؤسسة بأنهم لن يرتاحوا حتى ينالوا من جميع مرتكبي جرائم الحرب في غزة، بمن فيهم المسؤولون عن مقتل هند رجب".

مقالات مشابهة

  • بعد عودة النازحين.. الأغذية العالمي: الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة هائلة
  • حكومة غزة تتلو تقريرا أوليا عن خسائر الحرب.. منطقة منكوبة
  • قصة أسيرين التقيا أولادهما الذين أنجبوا بنطف مهربة
  • كيف يمكن لترامب أن يكون صانع سلام؟
  • غوتيريش يدعو الحوثيين إلى الإفراج عن المختطفين العاملين في المنظمات الإنسانية
  • منظمات أممية : الاحتياجات الإنسانية في غزة هائلة جدا
  • ماذا حصل مع الفلسطينيين الذين عادوا إلى بيوتهم أخيرا؟
  • تعرف على حجم المساعدات التي وصلت لغزة بعد وقف إطلاق النار
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • عودة إلى الرماد.. مأساة النازحين في شمال غزة بعد أكثر من عام من الحرب