الأسبوع:
2025-01-04@04:43:00 GMT

مأساة قطاع غزة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

مأساة قطاع غزة

أودّع، 2024، وأستقبل عامًا جديدًا، لكن تظل صور ومشاهد الألم التي رصدتها عن قرب كارثة قطاع غزة عالقة بالذاكرة. مساحة جغرافية كانت آمنة نسبيًا، تحولت خلال الـ15 شهرًا الماضية إلى مسرح للمآسي الإنسانية، التي تكشف عن خلل في منظومة العلاقات الدولية، والمؤسسات الأممية والإقليمية التي تقف عاجزة أمام جبروت آلة الحرب الإسرائيلية.

عام كامل من الرصد والتوثيق لمظاهر الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع يكشف عن واقع مرير، حيث تدمير المرافق الأساسية وتحول الحياة إلى جحيم لا يُطاق، كان الوصول إلى التفاصيل محفوفًا بالمخاطر، بالخوف على مصادري الذين ينتشرون من شمال غزة إلى جنوبها. كانت الضرورة الأخلاقية قبل المهنية دافعي في استكمال الحملة الموسعة لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، دفعتني لتجاوز العقبات اللوجستية، والتواصل مع العائلات والأسر والمسئولين الذين يعيشون وضعًا كارثيًا على مدار الساعة.

في زمن يُفترض أن يكون عصر التقدم والتكنولوجيا، يعود قطاع غزة إلى الزمن البدائي، جراء مبادرة إسرائيل بقطع الاتصالات، هذا العزل ليس مجرد إجراء تقني، بل هو أداة حرب تهدف إلى إسكات الأصوات ومنع العالم من رؤية الحقيقة، تحولت عمليات التواصل مع العائلات والأسر والمسئولين التنفيذيين على الأرض إلى مهمة شاقة، تتعطل وسائل الاتصال بشكل متكرر، مما يجعل مهمة نقل المعاناة الإنسانية إلى العالم أكثر صعوبة.

رغم تعدد العقبات خلال محاولات نقل الصورة الحقيقية، وفرض عُزلة مطلقة على غزة، كنت أتواصل مع حالات عدة في مناطق متفرقة عند معالجة المواد الصحفية، ليس شكًا في مكلومين يضحون بكل شيء من أجل التمسك بالأرض، بالتاريخ، بالحق في الحياة، بل لتوثيق كل كلمة، والبعد قدر الإمكان عن المبالغة، رغم أن ما تقوم به إسرائيل في غزة يتجاوز حد المعقول.

غزة التي كانت يومًا مركزًا للحياة والنشاط تحولت إلى مدينة أشباح، البنية التحتية المدمرة، انقطاع الكهرباء، نقص المياه الصالحة للشرب، وانهيار النظام الصحي، كلها عوامل تجبر السكان على العيش في ظروف لا إنسانية، المدارس والمستشفيات لم تعد قادرة على أداء دورها، والأسر تضطر إلى الاعتماد على الوسائل البدائية لتلبية احتياجاتها اليومية.

كنت أتابع تدريجيًا مدينة عامرة تتحول إلى أنقاض، فآلة الحرب الغاشمة تجتث البشر، والشجر، والمؤسسات. في غزة، لا يشبه الصباح غيره. كل يوم يحمل وعدًا جديدًا بالألم، المستشفيات شبه معطلة، مرافق المياه والصرف الصحي مدمرة، والشوارع تغص بأنقاض الأحلام المحطمة، حتى الأطفال لا يرسمون بالطباشير على الأرصفة، بل يحملون آثار الجراح على وجوههم وأجسادهم.

قصص أهالي القطاع تجسيد للصمود الإنساني في وجه القهر. تحدثني أم فلسطينية عن فقدها الزوج والأبناء، وفي نهاية حديثها تقول بكل ثقة: «متمسكون بأرضنا». أخرى فقدت أسرتها كاملة، وثالثة، ورابعة، وخامسة تتبنى الموقف نفسه. لا يذرفون دموع الانكسار، يدخرون مشاعرهم للثأر. الرجال عنوان للصبر والجلد، إرادة حقيقية تمشي على الأرض. يحدثونني عن واقع أليم، عن جثث تُدفن كما هي، بلا أكفان، في مقابر جماعية، لأنه لم يعد هناك أكفان أو أماكن مهيأة للدفن.

فرق الإنقاذ التي تحاول إنقاذ الأرواح تحت الأنقاض تواجه صعوبات جمة بسبب نقص المعدات والوقود، ناهيك عن الاستهداف المباشر من قبل القوات الإسرائيلية. قصص الأبطال الذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الآخرين تذكرنا بقوة الروح الإنسانية، لكنها أيضًا تذكرنا بالثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون في هذه الحرب غير المتكافئة، وأنا أتواصل مع مسئولي الدفاع المدني في القطاع، الذين كانوا دائمًا خط الدفاع الأول في المشكلات والأزمات، باتوا عاجزين أمام الكارثة التي خلفها العدوان الإسرائيلي.

لم يعد بمقدورهم القيام بدورهم، ليست المسألة نقص المعدات فقط، بل الاستهداف المباشر والمتكرر من قبل آلة الحرب الإسرائيلية. كثيرًا ما سمعت منهم: «نخرج لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، لكننا لا نعلم إن كنا سنعود أحياء. أصبحت عملياتنا أشبه بمهام انتحارية. لا نعلم أين نذهب، من نساعد أولاً، ومع من نتواصل بسبب الانقطاع المتكرر للاتصالات. تصبح الأمور فوضوية بالكامل، لكننا نحاول أن نعمل بما نستطيع». ومع ذلك، فأصواتهم المرهقة لا تخلو من مظاهر الإصرار على الاستمرار في العمل مهما كان الثمن.

غزة اليوم ليست فقط عنوانًا للمعاناة، بل مرآة تعكس كيف يمكن أن يتحول العالم إلى مكان متوحش، يتبدى العبث مع كل قذيفة تسقط، تسقط معها قطعة من إنسانيتنا المشتركة ومع كل روح تُزهق، الحديث عن غزة ليس مجرد وصف لما يحدث، بل نداء لضمير عالمي بدا أنه تبلد.لا يمكن لمشهد عائلة تبحث بين الركام عن جثة طفلها أن يُعتبر خبرًا عابرًا، ولا يمكن لصورة مستشفى يُخلي مرضاه تحت القصف أن تُقرأ بدون أن تهز القلوب، في كل مرة حاولت فيها أن أروي قصة غزة، كنت أكتشف أن الكلمات تخونني. لا شيء يمكن أن يعبر عن هذا الجرح المفتوح.

ليس صحيحًا أنها أزمة العواصم العربية، سواء الفاعل منها أو من اختار منذ عقود أن يظل على هامش الأحداث، فقد بادرت دول عدة عربية وإسلامية بتقديم مساعدات متنوعة قدر طاقتها وجهدها. كانت، مصر، في الصدارة، رغم الحملة المشبوهة التي حاولت التلاعب بالرأي العام، لتبرة إسرائيل من التعنت، من تعمد استخدامها سلاح التجويع لتركيع أهال القطاع.

عام كامل من المعاناة في غزة يكشف عن فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الكارثة الإنسانية. القطاع الذي يعيش تحت الحصار منذ سنوات يشهد اليوم تدهورًا غير مسبوق في كل جوانب الحياة. الأصوات التي تنادي بالسلام والعدالة تتعرض للإسكات، لكن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد.على العالم أن يستيقظ، أن يرى ما يحدث في غزة، وأن يتحرك لوقف هذه المأساة. لأن الصمت ليس خيارًا عندما يتعلق الأمر بالإنسانية.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

الكشف عن الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة

ألقت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الضوء على الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيون فى قطاع غزة على أيدى الاحتلال الإسرائيلي، وقالت إن منظمات حقوق الإنسان تصف الوضع فى القطاع بأنه يزداد يأسا.

وقالت الصحيفة، إنه منذ شنت إسرائيل غزوها لغزة حولت عمليات القصف العسكري المدن إلى أرض قاحلة مليئة بالأنقاض، ونزح 90% من سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.1 مليون نسمة مرة واحدة على الأقل.

واشارت الصحيفة إلى أن الوضع الإنساني المتدهور على نحو متزايد أثار موجة من الإدانة اللاذعة من جانب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.

ونقلت الصحيفة عن فادية ناصر، وهي أرملة لجأت إلى دير البلح في وسط غزة قولها إنها لم تقتات على شيء سوى شطيرة صغيرة من الأعشاب في وجبة الإفطار وطماطم تتقاسمها مع ابنتها في وجبة الغداء على مدى الأسابيع القليلة الماضية.

وعلى بعد أحد عشر ميلاً في مخيم في جنوب غزة، يقول سعيد لولو، الذي اعتاد إدارة كشك قهوة صغير في مدينة غزة، إنه يعاني من آلام بسبب مرض الكلى ولكنه لا يستطيع الوصول إلى المياه النظيفة التي يقول الأطباء إنه يجب أن يشربها لمنع حالته من التدهور.

وتقول الصحيفة إن الحرب في غزة تحرم الأطفال من آبائهم والآباء من أطفالهم، وتقوض النظام الطبيعى للأمور وتدمر الوحدة الأساسية للحياة فى غزة، كما تتسبب الحرب فى أعداد هائلة من الأيتام فى حالة من الفوضى، لا تستطيع أى وكالة أو جماعة إغاثة إحصاءها.

ونقلت الصحيفة عن عاملين في المجال الطبي قولهم إن الأطفال يُترَكون يتجولون في ممرات المستشفيات ويدافعون عن أنفسهم بعد أن يتم نقلهم إلى هناك وهم ملطخون بالدماء وحيدين، “طفل جريح، لا أسرة على قيد الحياة”، كما تصفهم بعض المستشفيات.

وباستخدام طريقة إحصائية مستمدة من تحليل حروب أخرى، يقدر خبراء الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 19 ألف طفل يعيشون الآن بعيدا عن والديهم، سواء مع أقاربهم أو مع مقدمي الرعاية الآخرين أو بمفردهم. لكن الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى.

ويقول جوناثان كريكس، المتحدث باسم اليونيسف إن الحروب الأخرى لم تشهد هذا القدر من القصف وهذا القدر من النزوح في مثل هذا المكان الصغير والمزدحم، مع وجود نسبة عالية من الأطفال.

ورصدت الصحيفة تأثير حرب غزة على الآلاف من الأطفال الفلسطينيين الذين أصبحوا أيتاما بعد أن فقدوا آبائهم جراء العدوان الإسرائيلى المستمر منذ أكثر من عام على القطاع، وأشارت إلى تدخل أقارب هؤلاء الأطفال وموظفى المستشفيات والمتطوعين لرعايتهم، حيث تعرض بعضهم لإصابات بجروج وصدمات نفسية وتطاردهم ذكريات والديهم.

إهلاك اجيال

وقالت الواشنطن بوست  إنه تم منع أكثر من 10 آلاف مريض يحتاجون إلى إجلاء طبي عاجل من مغادرة غزة منذ بداية الحرب، وكذلك صرّحت وزارة الصحة الفلسطينية إن ما يقرب من 1000 مسعف استشهدوا في غزة في العام الماضي فيما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه خسارة لا يمكن تعويضها وضربة قوية للنظام الصحي.

وخلص التقرير إلى أن الهجمات على المرافق الطبية في غزة، خاصة تلك المخصصة لرعاية الأطفال وحديثي الولادة، أدت إلى معاناة لا تُحصى للمرضى الأطفال، بما في ذلك الأطفال حديثي الولادة.

وبمواصلتها لهذه الهجمات، انتهكت إسرائيل حق الأطفال في الحياة، وحرمتهم من الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وفرضت عمداً ظروفاً معيشية يقصد بها إهلاك أجيال من الأطفال الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الأوكراني: دونالد ترامب “قوي ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته”
  • حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة تتجاوز 154 ألف فلسطيني
  • مقتل أكثر من 50 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على غزة
  • قتلى بقصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة وشماله
  • تعنت إسرائيلي.. الجمود يسيطر على مفاوضات إطلاق النار في غزة.. وجيش الاحتلال يواصل إخلاء شمال القطاع
  • بين القصف والبرد.. مأساة أطفال غزة لا تنتهي
  • الكشف عن الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة
  • غزة.. الأمطار تزيد مأساة النازحين وغرق 1500 خيمة
  • أهم أنواع الأسلحة الروسية التي لا يمكن التصدي لها في عام 2024