سواليف:
2025-01-04@03:39:56 GMT

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. تلك الرائحة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

#تلك_الرائحة

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ … 29 / 4 / 2017

في بيتنا حوض نعناع، ومزراب كََفّ عن البكاء منذ غياب الشتاء، وزجاج دُهن باللون الأزرق خوفاً من غارة جوية ذات حرب، وأسراب نمل كثيرة تنقل خزينها على مهل من كيس ما زال ينزفُ حَبّاً بعد أن ثقبه “مسمار” تاجر لم يعجبه كثيراً امتلاء القمح لهذا العام، النملُ لصّ شريف يسرق في وضح النهار يسرق ليعيش، يسرق ليطعم مملكته، لكنه لا يخونها أو يأكل خيراتها وإن مات جوعاً.


كنت أمضي ساعات بين حوض النعناع وشجرة التوت، محاولاً أن أكوّن صداقات مع بعض النملات الدؤوبة التي لا تعرف الهزل أو الابتسامة، كنت أضع قدمي في طريقها لتتسلّق جلدي الطري وتدغدغ أطراف أصابعي ثم تنزل دون أن تؤذيني متّجهة إلى بيوتها الغائرة في التراب، كنت أحب هذه الكائنات الكادحة التي تنقل ما يسقط من ثرثرات الغربال من قشّ وزِوَان وقمح ضعيف إلى مخازنها المخفية تحت أقدامنا، لا شيء يدّلني إلى تلك البيوت التي تشبه بؤبؤ العين سوى التراب الناعم المندلق خارجها وبعض العاملات الطالعات للتو من عتمة المكان يعملن ويعملن لا يطالبن بزيادة الأجر أو تحديد ساعات العمل أبداً.
لا أصدقاء لي في الطفولة، سوى النمل على الأرض والغيم في السماء، عندما أفقد السرب الأسود أو أضيع خارطة البيوت وثقوب الطين، أنظر إلى الفضاء طويلاً كانت تدهشني خراف الغيم البيضاء الصغيرة التي تقفز في بحر المدى وتلتحم مع بعضها بعضاً لتصبح شيخاً مسنّاً، هكذا أنا، كنت مجنوناً أبدد طفولتي في الخيال، أمضي وقتي بين جماد يرتفع مئات الأميال ولا يراني، وكائنات صامتة جادة مفرطة في الصغر لا تراني أيضاَ، لا أدري ربما كان تصرّفاً لا إراديا في إشغال وقتي حتى لا أشتاق إلى أبي المسافر، كي لا أحن إلى عينيه العسليتين المتدفقتين طيبة، ولا أبتسم توقاً كلما تذكّرت لحيته الشوكية وهو تدغدغ خدّي الصغير.

مقالات ذات صلة الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية بصاروخ أرض – جو في أجواء مأرب / فيديو 2025/01/01

من فرط طفولتي نسيتُ أن أقول له إني أحبك، بصراحة لم يكن لديّ وقتها مفردات كافية لأقولها، أو ربما كنت خجولاً متردداً، ترددت كثيراً بالبوح بها، وعندما أتقنت لغة الكلام مات أبي.
من فرط طفولتي نسيتُ أن أحبَّ أبي، نسيت التعلّق به كما يفعل كل من هم في سنّي، من يكتبون رقم “3” بالمقلوب، ويفشلون في تعرجات الــ”4″، لم أكن أملك في ذلك العمر مفردات كافية لأقول له إني أحبّك، لكنّي فعلاً كنت أحبه، كنت أحب طيات جبهته عندما يقول لي “لا”، وأعشق ابتسامته التي كانت تطلع رغم شقائه كما تطلع الوردة من قلب الصخر، كنت أحبّه أكثر من خِراف الغيم وأكثر من صديقاتي النملات، كنت أحبّه أن يبقى قريباً منّي، أن ينام قريباً من فراشي على بعد خطوتين أو ثلاث، المهم أن أرى ظل ركبته على الحائط في الليل مثل جبل شاهق، لا أدري لماذا ترددت كثيراً أن أقول له: أحبّك، كما يفعل ابني الآن معي.

ما أجبنني! من فرط طفولتي نسيتُ أن أقول له إني أحبك، بصراحة لم يكن لديّ وقتها مفردات كافية لأقولها، أو ربما كنت خجولاً متردداً، ترددت كثيراً بالبوح بها، وعندما أتقنت لغة الكلام مات أبي.

كان يحزنني غيابه كثيراً وأنا عاجز عن التعبير، تماماً كما يعجز الرضيع أن يشير إلى وجعه، هو فقط يبكي، والبكاء تشخيص في كثير من الأحيان، لذا كنت ألهي نفسي بالزحف وراء سرب النمل الأسود أو بالركض وراء سرب الغيم الأبيض كالهرب من الليل والنهار، كي لا أبكي، وكي لا ينكشف التشخيص.

يُتم الطفولة، ظمأ دائم، بعده لا يمكن الارتواء أبدا، مثلاً قد أنسى أشياء كثيرة في حياتي إخفاقي نجاحي أعدائي أصدقائي، لكنني لا أستطيع أن أنسى رائحة المسافات في “جاكيت” أبي الرمادي، ولا رائحة الدخان المتغلغل في ملابسه الشتوية، لا أستطيع أن أنسى ملوحة عرقه التي التصقت بشفتيّ عندما قبّلت يده آخر مرّة عاد فيها، كان منهكاً، يلهث كثيراً، لكنه ابتسم لنا ونحن نحيط به، كان مثل الغيم لا يشكو التعب حتى لا يخدش الشوق وفرح اللقاء.

ليس جنوناً إن قلت إنني حتى اللحظة ما زلت أشتاقه وأتخيّل طرقة الباب من يده، وأشتاق إلى تلك الرائحة التي لا تستطيع أي أنفاس أن تنتجها أو تشبهها، لكنني في نفس الوقت أحزن كثيراً لأنني لم أقل له “أحبّك” بما فيه الكفاية!

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

مضى #184يوما … بقي #92يوما

#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي

#سجين_الوطن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سجين الوطن حسن الزعبی کنت أحب

إقرأ أيضاً:

خاص 24.. أسلوب الكاتب يستحوذ على الإعجاب في 2024

في مطلع عام جديد يواصل 24 استطلاع آراء عدد من المثقفين حول أفضل كتاب نال إعجابهم في العام المنصرم، وبماذا تميز هذا الكتاب، حتى استحق الأفضلية، وما الكتاب الذي يطمحون لقراءته في مطلع العام الجديد.

أكد عدد من الكتَاب أن القراءة ليست مجرد شغف عابر، بل هي غذاء للروح، ثقافة وفنون ونبع لا ينضب للعقل والقلب، وأوضحوا أن الكتب التي تربعت على قائمة الأفضلية لديهم أثناء العام الماضي، هي الكتب التي تميزت بأسلوب سلس وعميق، ومزجت بين البساطة الفلسفية والحكمة العميقة، أيضا الكتب التي عكست صدق المشاعر وعمق تجربة أصحابها، 
يقول الكاتب والباحث السوري أحمد عبد القادر الرفاعي: "القراءة بالنسبة لي ليست مجرد شغف عابر، بل هي غذاء الروح، نبع لا ينضب للعقل والقلب، في عام 2024، كان لي مع القراءة لقاءات ثرية متنوعة، تحمل كل منها عالماً من السحر والمعرفة، قرأت روايات متميزة مثل " أم الدويس، وتل الصنم، وقوس الرمل، ورحلة ابن الخراز، وغافة العذبة، وقلق الياسمين"، وغصت في مجموعات قصصية ساحرة مثل "سبع رسائل منقرضة في بريد الفراغ، وربطة عنق"  أما المسرح، فقد أضاءت ذاكرتي مسرحية "علبة الثقاب. "ومن الكتب النقدية، أبحرت في قضايا المكان الروائي، ومتاهة المكان في السرد الروائي، بينما وجدت في كتب التراث مثل توظيف الموروث في الأدب الإماراتي، والتناص في الأمثال الشعبية الإماراتية، صدىً عميقاً للهوية والذاكرة، ولم تغب الشعرية عن رحلتي، إذ تأملت دواوين "أراك عكسك، ورحلة لا بد منها، ومليء بالرمل مليء بالمرايا".

وتابع الرفاعي: "بالرغم من الخصوصية الفكرية لكل كتاب من الكتب التي ذكرتها في إثراء ثقافتي وتأثيرها على تكويني الإبداعي ألا إنني وجدت في رواية (قوس الرمل) للكاتبة الإماراتية لولوة المنصوري تميزا لذلك سأسهب في ذكر بعض صفاتها التي شدتني إلى قراءتها خلال جلستين. تدور أحداث الرواية في فضاءات أسطورية تحتفي بالماء والرمل والمهد – رموز البدايات واستمراريتها، كما تستلهم الكاتبة من الأنهار الأحفورية المطمورة، تلك الذاكرة المنسية في عمق شبه الجزيرة العربية، لتنسج سرداً يعتمد على 4 روافد متخيلة، حيث يتلاشى الزمن الواقعي ليحل محله الزمن الأسطوري.
وأضاف: "تميزت الرواية بشعرية متدفقة، تتداخل فيها بنية السرد مع لغة شعرية تفيض بالصور الحسية والرموز العميقة، كأنك تقرأ قصائد نثر مستترة في ثنايا السرد، ويعتبر هذا المزج بين النصوص الشعرية والنثرية جوهر الشعرية الأدبية، حيث يتجاوز الأدب فيها حدود الكلام العادي ليصبح فناً جمالياً متفرداً".
ومضى الأديب السوري يقول: "في قوس الرمل، الشعرية ليست مجرد زينة، بل هي نسيج الرواية ذاته، تظهر في وصف الأمكنة، في الشخصيات، وفي حواراتها، سواء كانت حوارات خارجية أو مونولوجات داخلية. كل ذلك يجعل الرواية سيمفونية لغوية تجمع بين الرمز والتاريخ والأسطورة، مستلهمة التراث بعبقرية سردية آسرة".
أما بالنسبة للكتب التي أنوي قراءتها في 2025، بحسب الرفاعي، فأظن أن المكان يضيق عن ذكرها كلها، ولكن هناك خطة محكمة لزيادة الغلة وتنويع موارد القراءة كما تعودت كل عام".
أما الكاتبة والباحثة الأردنية ميرا عابدين فتذكر: "أجمل كتاب قرأته في عام 2024 هو الخيميائي للكاتب باولو كويلو، والذي يتميز بأسلوبه السلس والعميق، حيث يمزج بين البساطة الفلسفية والحكمة العميقة، ويروي قصة بحث الإنسان عن هدفه الحقيقي في الحياة، بأسلوب ملهم يجعلك تعيد التفكير في أولوياتك وأحلامك، أكثر ما جذبني في الكتاب هو كيفية تناوله لفكرة الإيمان بالذات، وكيف أن السعي وراء الشغف يحمل معه معجزات غير متوقعة.
أما بالنسبة لعام 2025، فإنني أضع أولوية لقراءة كتاب، عازفُ الليل "رسائل إلى سلمى" للدكتور رياض أبو طالب، اخترت الكتاب لأنه يقدم تجربة أدبية فريدة من نوعها، حيث يتناول الكاتب من خلال رسائله موضوعات إنسانية عميقة وتأملات فلسفية تعكس خبرته كطبيب وشاعر، يتميز الكتاب بأسلوب أدبي راقي، يلامس القلوب ويثير التفكير، ما يجعله إضافة قيّمة للمكتبة العربية.
وأطمح إلى أن يمنحني هذا الكتاب فهماً أعمق للمشاعر الإنسانية والتجارب الحياتية من منظور مختلف، ما سيساهم في إثراء تجربتي القرائية وتوسيع آفاقي الفكرية.

وفي ذات الإطار يقول الكاتب الإماراتي كرم مبارك: "من الكتب المؤثرة التي اختتمتُ بها عام 2024 كتاب بسيط في حجمه، عظيم في محتواه، يحمل عنوان "أمهات فوق القمم" ، الكتاب لا يتجاوز 100 صفحة، وأُبدِع بقلم مجموعة من الأمهات الملهمات، اللواتي اخترن أن يشاركن قصص كفاحهن مع أطفالهن من أصحاب الهمم، تميَّزت الأمهات بقدرة استثنائية على التعبير عن معاناتهن، والتحديات الكبيرة التي واجهنها في سبيل احتواء أطفالهن وتقديمهم للمجتمع بشكل مشرف، رغم الظروف القاسية التي عاشوها.

وبالرغم من أنهن لسن أديبات محترفات، ولم يمتلكن سابقًا خبرة في كتابة القصص أو الروايات، فإن صدق المشاعر وعمق التجربة أضفيا على الكتاب جاذبية استثنائية، جعلته ينبض بالإنسانية والأمل.
وتابع مبارك بقوله: "أمهات فوق القمم" ليس مجرد كتاب يُقرأ، بل هو تجربة غنية تُلهم القارئ وتدعوه للتأمل في عظمة الأمومة، وقدرة الإنسان على مواجهة التحديات، والانتصار عليها بقوة الإيمان والإرادة".

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … بغداد التي في ذاكرتي ماجدة
  • عاصفة تضامن إلكترونية مع الكاتب الزعبي مساء غد السبت
  • "علمني كثيرا ولكني نسيت".. كتاب جديد لمحمد جاد هزاع
  • خاص 24.. أسلوب الكاتب يستحوذ على الإعجاب في 2024
  • أبو خزام: الرئاسي تلكأ كثيرا في ملف المصالحة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. قرّرتُ الكتابة إليك
  • إهداء من الفنان عمر عدنان العبداللات لأحرار العالم و للكاتب الزعبي
  • الاعيسر: قائد المليشيا كذَّب كثيراً وما يزال يتحرى الكذِب
  • وفد شعبي يزور عائلة الكاتب الزعبي في الرمثا / صور