سواليف:
2025-03-06@12:44:33 GMT

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. تلك الرائحة

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

#تلك_الرائحة

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ … 29 / 4 / 2017

في بيتنا حوض نعناع، ومزراب كََفّ عن البكاء منذ غياب الشتاء، وزجاج دُهن باللون الأزرق خوفاً من غارة جوية ذات حرب، وأسراب نمل كثيرة تنقل خزينها على مهل من كيس ما زال ينزفُ حَبّاً بعد أن ثقبه “مسمار” تاجر لم يعجبه كثيراً امتلاء القمح لهذا العام، النملُ لصّ شريف يسرق في وضح النهار يسرق ليعيش، يسرق ليطعم مملكته، لكنه لا يخونها أو يأكل خيراتها وإن مات جوعاً.


كنت أمضي ساعات بين حوض النعناع وشجرة التوت، محاولاً أن أكوّن صداقات مع بعض النملات الدؤوبة التي لا تعرف الهزل أو الابتسامة، كنت أضع قدمي في طريقها لتتسلّق جلدي الطري وتدغدغ أطراف أصابعي ثم تنزل دون أن تؤذيني متّجهة إلى بيوتها الغائرة في التراب، كنت أحب هذه الكائنات الكادحة التي تنقل ما يسقط من ثرثرات الغربال من قشّ وزِوَان وقمح ضعيف إلى مخازنها المخفية تحت أقدامنا، لا شيء يدّلني إلى تلك البيوت التي تشبه بؤبؤ العين سوى التراب الناعم المندلق خارجها وبعض العاملات الطالعات للتو من عتمة المكان يعملن ويعملن لا يطالبن بزيادة الأجر أو تحديد ساعات العمل أبداً.
لا أصدقاء لي في الطفولة، سوى النمل على الأرض والغيم في السماء، عندما أفقد السرب الأسود أو أضيع خارطة البيوت وثقوب الطين، أنظر إلى الفضاء طويلاً كانت تدهشني خراف الغيم البيضاء الصغيرة التي تقفز في بحر المدى وتلتحم مع بعضها بعضاً لتصبح شيخاً مسنّاً، هكذا أنا، كنت مجنوناً أبدد طفولتي في الخيال، أمضي وقتي بين جماد يرتفع مئات الأميال ولا يراني، وكائنات صامتة جادة مفرطة في الصغر لا تراني أيضاَ، لا أدري ربما كان تصرّفاً لا إراديا في إشغال وقتي حتى لا أشتاق إلى أبي المسافر، كي لا أحن إلى عينيه العسليتين المتدفقتين طيبة، ولا أبتسم توقاً كلما تذكّرت لحيته الشوكية وهو تدغدغ خدّي الصغير.

مقالات ذات صلة الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية بصاروخ أرض – جو في أجواء مأرب / فيديو 2025/01/01

من فرط طفولتي نسيتُ أن أقول له إني أحبك، بصراحة لم يكن لديّ وقتها مفردات كافية لأقولها، أو ربما كنت خجولاً متردداً، ترددت كثيراً بالبوح بها، وعندما أتقنت لغة الكلام مات أبي.
من فرط طفولتي نسيتُ أن أحبَّ أبي، نسيت التعلّق به كما يفعل كل من هم في سنّي، من يكتبون رقم “3” بالمقلوب، ويفشلون في تعرجات الــ”4″، لم أكن أملك في ذلك العمر مفردات كافية لأقول له إني أحبّك، لكنّي فعلاً كنت أحبه، كنت أحب طيات جبهته عندما يقول لي “لا”، وأعشق ابتسامته التي كانت تطلع رغم شقائه كما تطلع الوردة من قلب الصخر، كنت أحبّه أكثر من خِراف الغيم وأكثر من صديقاتي النملات، كنت أحبّه أن يبقى قريباً منّي، أن ينام قريباً من فراشي على بعد خطوتين أو ثلاث، المهم أن أرى ظل ركبته على الحائط في الليل مثل جبل شاهق، لا أدري لماذا ترددت كثيراً أن أقول له: أحبّك، كما يفعل ابني الآن معي.

ما أجبنني! من فرط طفولتي نسيتُ أن أقول له إني أحبك، بصراحة لم يكن لديّ وقتها مفردات كافية لأقولها، أو ربما كنت خجولاً متردداً، ترددت كثيراً بالبوح بها، وعندما أتقنت لغة الكلام مات أبي.

كان يحزنني غيابه كثيراً وأنا عاجز عن التعبير، تماماً كما يعجز الرضيع أن يشير إلى وجعه، هو فقط يبكي، والبكاء تشخيص في كثير من الأحيان، لذا كنت ألهي نفسي بالزحف وراء سرب النمل الأسود أو بالركض وراء سرب الغيم الأبيض كالهرب من الليل والنهار، كي لا أبكي، وكي لا ينكشف التشخيص.

يُتم الطفولة، ظمأ دائم، بعده لا يمكن الارتواء أبدا، مثلاً قد أنسى أشياء كثيرة في حياتي إخفاقي نجاحي أعدائي أصدقائي، لكنني لا أستطيع أن أنسى رائحة المسافات في “جاكيت” أبي الرمادي، ولا رائحة الدخان المتغلغل في ملابسه الشتوية، لا أستطيع أن أنسى ملوحة عرقه التي التصقت بشفتيّ عندما قبّلت يده آخر مرّة عاد فيها، كان منهكاً، يلهث كثيراً، لكنه ابتسم لنا ونحن نحيط به، كان مثل الغيم لا يشكو التعب حتى لا يخدش الشوق وفرح اللقاء.

ليس جنوناً إن قلت إنني حتى اللحظة ما زلت أشتاقه وأتخيّل طرقة الباب من يده، وأشتاق إلى تلك الرائحة التي لا تستطيع أي أنفاس أن تنتجها أو تشبهها، لكنني في نفس الوقت أحزن كثيراً لأنني لم أقل له “أحبّك” بما فيه الكفاية!

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

مضى #184يوما … بقي #92يوما

#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي

#سجين_الوطن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سجين الوطن حسن الزعبی کنت أحب

إقرأ أيضاً:

المدير العام للمؤسسة العامة للتأمين والمعاشات مشهور محمد الزعبي في تصريح لـ سانا: ‏بتوجيه من وزير المالية السيد محمد أبازيد سيتم خلال الأسبوع القادم صرف معاشات شهر آذار الحالي للمتقاعدين ‏العسكريين المحالين على المعاش والمستحقين عنهم “الورثة”

2025-03-05hadeilسابق نصائح للصائمين للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي انظر ايضاًنصائح للصائمين للحفاظ على صحة الجهاز الهضمي

اللاذقية-سانا تكثر التساؤلات حول كيفية الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي خلال شهر ‏رمضان،

آخر الأخبار 2025-03-05المدير العام للمؤسسة العامة للتأمين والمعاشات مشهور محمد الزعبي في تصريح لـ سانا: ‏بتوجيه من وزير المالية السيد محمد أبازيد سيتم خلال الأسبوع القادم صرف معاشات شهر آذار الحالي للمتقاعدين ‏العسكريين المحالين على المعاش والمستحقين عنهم “الورثة” منذ ما قبل عام ‌‏2011 2025-03-05التجاري… رفع سقف السحب إلى 500 ألف لمرة واحدة أسبوعياً 2025-03-05الأمن العام في حماة يقبض على أفراد عصابة خطف 2025-03-05إيطاليا توافق على حزمة مساعدات عاجلة لسوريا بقيمة 4.5 ملايين يورو 2025-03-05الأردن يعفي اللاجئين السوريين من بعض الرسوم الجمركية لتسهيل عودتهم الطوعية إلى سوريا 2025-03-05المديرية العامة للآثار والمتاحف ومعهد الآثار الألماني يبحثان سبل التعاون المشترك 2025-03-05مديرية الامتحانات العامة بوزارة التربية… عمل متواصل لتحسين جودة العملية الامتحانية 2025-03-05سوق “رمضان الخير” بدمشق يقدم تشكيلة واسعة من المنتجات بأسعار مخفضة 2025-03-05استجابة لشكاوي المواطنين.. مديرية التجارة الداخلية بحماة تضبط مخالفات بعدد من الأفران 2025-03-05خبراء اقتصاديون: تعليق العقوبات خطوة نحو التعافي الاقتصادي مع ‏ضرورة إزالتها بالكامل

صور من سورية منوعات تيك توك تستأنف خدماتها في الولايات المتحدة بفضل ترامب 2025-01-20 الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية إلى الفضاء 2024-12-05فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • لماذا البكاء يا حزب الامة وقد حذرناكم كثيرا (3)
  • الكاتب عمرو دنقل لـ "البوابة نيوز": الرواية تستوعب إبداعي.. وأميل للفلسفة .. ولا أستطيع الكتابة فى شهر رمضان.. ولكنى أقرأ
  • غايا مرباح: “سعدت كثيرا بالعودة للفريق وملاقاة زملائي اللاعبين”
  • غايا مرباح: “سعدت كثيرا بالعودة للفريق وملاقات زملائي اللاعبين”
  • المدير العام للمؤسسة العامة للتأمين والمعاشات مشهور محمد الزعبي في تصريح لـ سانا: ‏بتوجيه من وزير المالية السيد محمد أبازيد سيتم خلال الأسبوع القادم صرف معاشات شهر آذار الحالي للمتقاعدين ‏العسكريين المحالين على المعاش والمستحقين عنهم “الورثة”
  • مارسيلو: تشاجرت مع كريستيانو رونالدو.. وأحب ميسي كثيراً
  • لماذا البكاء اليوم يا حزب الامة ، وقد حذرناكم كثيرا (2)
  • بعد مطالبته بكشف قتلة يحيى موسى.. مليشيا الحوثي تختطف الكاتب الحراسي بذمار
  • أ.د محمد حسن الزعبي يكتب .. فصل الشتاء و فصل الكهرباء
  • فرنسا: روسيا قربت خط المواجهة منا كثيراّ