د. عبدالعظيم عوض يكتب: لا للرأي الآخر
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
انشغلت وسائل التواصل الاجتماعي خلال هذا الأسبوع بالإجراءات التي اتخذتها إحدي القنوات الفضائية السودانية بحق بعض منسوبيها لما اعتبرته أدارةُ القناة تجاوزا لخطوط سياستها التحريرية خاصةً ماتعلق منها بالأمن الوطني في ظل أوضاع العدوان الحالي الذي تواجهه بلادنا حاليا .
لاحظت أثناء الجدل حول هذا الموضوع ان بعض المتداخلين أبدوا اعتراضا علي الإجراء باعتباره من شأنه تكميم الافواه وإبعاد الرأي الآخر ، مما يُعدُ – من وجهة نظرهم- مساسا بالحريات الاعلامية .
من المؤكد اننا نُقدّر هذا الحرص علي إعمال مبادئ الحريات الاعلامية وحق الإنسان في التعبير الذي تبنته كل المواثيق والتشريعات الاعلامية في حالة السلم وفي ظل الأوضاع العادية ، لكن في اوقات الحرب قطعا تتبدل تلك المعايير وتتغير وفقا لمعطيات الأوضاع الامنية وماتفرضه مطلوبات الدفاع عن الوطن ومواطنيه ، ولا خلاف في أن ما يشهده السودان حاليا ليس حربا بالمعنى المتعارف عليه ، إنما هو عدوان يستهدف وجود الدولة السودانية وهُوية شعبها وكيانها عبر التاريخ ، ويستخدم العدو في عدوانه هذا كل أدوات الدمار والسلاح وحشود المرتزقة ، فضلا عن السند الدعائي والمعنوي المنتشر داخل وخارج السودان ، وسط هذه الأوضاع العدوانية التي لم يشهد لها السودان مثيلا من قبل ، يبقي الحديث عن رأي ورأي آخر لا يعدو أن يكون سوى غفلة واستغفال ، ولا بد أن يكون لكل مقام مقال ولكل حدث حديث .
من الطبيعي أن تكون استراتيجية الإعلام السوداني في هذه المرحلة قائمة علي منهج اعلام الحرب بكل متطلباته النظرية والعملية بالقدر الذي يجعل الإعلام الوطني في ذات الخندق مع المقاتلين بالسلاح وأحيانا يتقدم الصفوف عبر آليات التوجيه والإرشاد بهدف حشد كل طاقات الأمة نحو التعريف بابعاد العدوان وغرس روح التضحية والفداء والانتماء للوطن .
وسط كل هذا الحشد الوطني لامكان لكلمات حقٍ يُرادُ بها باطل مثل الرأي الآخر والحريات وغيرها من نظريات اعلام الأوضاع الطبيعية التي يحفها الأمن والامان وكل معطيات السلم الاجتماعي .
والحال هكذا فإن إعلامنا الان يجب أن تكون وجهته واحدة ورؤيته موحّدة نحو غاية رئيسية هي الجيش والشعب والوطن ، بحيث يتمكن من بناء جبهة داخلية موحَّدة ومتماسكة تقود للنصر الذي يتطلع اليه المواطن بإذن الله ثم بعزيمة جيشه ومقاتليه من القوات المشتركة والمستنفرين والمجاهدين .
ويجب أن نضع في الاعتبار الموجهات التالية :
● الحد من الآثار الضارة لوسائل التواصل الاجتماعي من خلال سن التشريعات والاوامر المحلية المفضية الي إجراءاتٍ رادعة ،
● محاربة الاخبار الزائفة والشائعات fake news عبر إطلاع الرأي العام علي المستجدات أولا بأول وبالسرعة المطلوبة .
● مواجهة الشعارات الفارغة مثل ( لا للحرب) لأن المؤكد أن وقف الحرب يكون بإعداد القوة ووسائل الردع لا بالشعارات والهتافات الحنجورية .
● محاربة خطاب الكراهية عبر كافة الوسائل المتاحة ، بما في ذلك أدوات القوة الناعمة من غناء وموسيقى ودراما .
وأخيرا نذكّر دعاة الرأي الآخر في ازمان الحرب بقول الشاعر ..
وجُرحُ السيفِ يأسُوُه المُدَاوي
وجُرحُ القولِ طولَ الدّهرِ دامي
جراحاتُ السنانٍ لها التئامٌ
ولا يلتامُ ماجَرح اللسانُ ..
د. عبدالعظيم عوض
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
التباين والتوازن المجتمعي مع الدكتور مجدي إسحق
شهد النادي الاجتماعي السوداني بأبوظبي، مساء الخميس 06/02/2025، ندوة حول "التباين والتوازن المجتمعي" قدمها الدكتور مجدي إسحق، استشاري الأمراض العصبية والنفسية والباحث في قضايا علم النفس السياسي.
حظيت الندوة بحضور جماهيري كبير من الجالية السودانية بأبوظبي، خاصة من العنصر النسائي، وشهدت مناقشات وحوارات أدارها ببراعة الدكتور فتحي خليل، رئيس المنتدى الثقافي بالنادي السوداني.
ناقشت الندوة تداعيات تفكك الروابط التقليدية التي كانت تعمل على صيانة النسيج الاجتماعي السوداني في الماضي. كما تناولت تجربة التعايش والتمازج بين قبيلتي المسيرية الرعوية ودينكا نقوك في منطقة أبيي، والتي قادها كلٌّ من بابو نمر والسلطان دينق مجوك. لم يكتفِ هذان القائدان بحل المشكلات الناجمة عن تداخل المراعي بين القبيلتين بحكمة وتجرد، بل أسَّسا علاقات إنسانية طيبة، حتى صار عهدهما مرجعًا في التعايش السلمي بين مختلف الإثنيات. إلا أن عدم تناولهما لجذور الأزمة وأسباب القهر الأخرى، بعد نجاحهما في معالجة القهر الاقتصادي، مثل التعالي العرقي وعدم احترام الاختلاف، أدى إلى انهيار العقد الاجتماعي بين المكونين الإثنيين، وهو ما لعبت عليه لاحقاً المصالح الحزبية الضيقة التي فرضت واقعاً من التعايش القسري، مما أدى إلى إشعال الحروب وفتح الباب واسعاً للتدخلات الأجنبية.
كما تطرق الدكتور مجدي إسحق إلى تأثير الإقصاء، وغياب الشفافية، وعدم تقبل الآخر المختلف، وفرض ثقافة المركز، وهي عوامل أدت إلى خلق واقع جديد تتحكم فيه القوة والصراع على الموارد. وقد أدى ذلك إلى تفاقم النزاعات بين المكونات المجتمعية، وازدياد مهددات الانقسام أكثر من أي وقت مضى.
ومن بين المحاور التي تناولها الدكتور مجدي إسحق، أسباب فشل التحالفات في تحقيق أهدافها، مستشهدًا بتحالف الحرية والتغيير كنموذج، حيث أرجع ذلك إلى غياب تقبل الاختلاف والتنوع، وغياب احترام كل طرف لدور الآخر المختلف.
وأكد الدكتور على الحاجة الملحة لتحقيق التوازن المجتمعي، مشيراً إلى صعوبة تحقيقه في بيئة يغذيها العنف والخوف. وأوضح أن استعادة هذا التوازن تتطلب إعادة النظر في مفاهيم العدالة، والمواطنة، والتعايش، بعيدًا عن النزعات الإقصائية والولاءات الضيقة. وهنا يأتي دور علم النفس السياسي في كشف العوامل النفسية التي تغذي الصراعات، سواء كانت نابعة من الإحساس بالظلم، أو الروايات التاريخية المتضاربة، أو التصورات الخاطئة عن الآخر.
وقد لامت الندوى قضايا حساسة في الوعي الجمعي السوداني يتجنب كثيرون التطرق إليها، مثل الهوية، والتاريخ المشترك، والتفاوت الاقتصادي بين الأقاليم، وغياب المشروع الوطني والعقد الاجتماعي. إلا أن تجاوز هذه القضايا دون معالجتها ليس خياراً إذا كان الهدف هو بناء مجتمع متوازن ومستقر. إن المراجعة النقدية للمسلَّمات الاجتماعية والسياسية، حتى وإن أثارت مقاومة، هي المدخل الحقيقي لأي تحول إيجابي، حيث يمكن استبدال القناعات المتحجرة برؤى أكثر انفتاحاً وتسامحاً، مما يمهد الطريق لسودان أكثر عدالةً وتماسكاً.
الانتقاد الوحيد الذي يمكن توجيهه لمنظمي الندوة هو عدم تسجيلها ونشرها، مما حال دون وصولها إلى قطاع أوسع من السودانيين الذين يعانون، بسبب ظروف الحرب والنزوح، من اختلالات عميقة في بنيتهم الاجتماعية، حيث زادت حدة التباينات العرقية، والجهوية، والاقتصادية في ظل هذه الحرب العبثية.
atifgassim@gmail.com