عربي21:
2025-01-03@23:13:50 GMT

سوريا فرص ومخاطر

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

تفرض الأحداث في سوريا نفسها في واقعنا المعاصر، بل وفي المستقبل القريب والبعيد، فبعد انهيار نظام حكم البعث وأسرة الأسد، وحكم دام لأكثر من نصف قرن أصاب فيه الشعب السوري ما أصابه من ظلم وقهر وفقر، جاء الفتح الجديد لسورية ليعيد الذاكرة إلى تاريخ فتح الشام والتطورات التي مرت بها، وكانت منطلقا لتغيير حال الأمة حينما أصابها الضعف والهوان، مع امتدادها الجغرافي مصر.



وإذا كان طوفان الأقصى مثل دافعا لحركة التغيير في سوريا وهيأ الظروف لذلك، فإن التغيير في سوريا بوضعه الطبيعي لن يتوقف عندها، وستمتد فتوحاته لدول أخرى إن عاجلا أو آجلا، وبه سيتغير وجه المنطقة والعالم. ومع ذلك، فإن المتابع للقائمين على أمر الحكم في سوريا وفي مقدمتهم القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يجد سلوكا سياسيا تسوقه الحكمة والمرونة، وفهم الواقع، والتهديدات الخارجية والداخلية.

ورغم العداوة الظاهرة والباطنة للتجربة السورية الوليدة، فإن هذه التجربة سيكتب لها الاستمرار والنجاح بإذنه تعالى، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها بثورات الربيع العربي الأخرى وخاصة الثورة المصرية وتولي الرئيس محمد مرسي -رحمه الله- رئاسة مصر. فالثورة المصرية وغيرها لم تكن تملك سوى دعم شعبي عاجز فاقد للقوة، وكانت القوة العسكرية على الأرض بيد العسكر وأذرعته من قوة مدنية ممثلة في الدولة العميقة،لا تنمية اقتصادية إلا بإصلاح سياسي، ولا إصلاح سياسيا إلا بتحقيق أمن يظله الحرية والعدل، والحق إذا لم تكن له قوة تحميه يركبه الباطل ويدوس عليه، ولذا جعل القرآن الكريم الحديد حامي للكتاب والميزان الذي به يتم العدل بينما الدولة السورية الآن تملك مقومات القوة العسكرية على الأرض وتسعى لتحقيق الأمن المادي والنفسي في المجتمع والتخلص من الدولة العميقة، ومحاسبة فلول النظام السابق الذين ولغوا في الدماء والأعراض والأموال.

إنه لا تنمية اقتصادية إلا بإصلاح سياسي، ولا إصلاح سياسيا إلا بتحقيق أمن يظله الحرية والعدل، والحق إذا لم تكن له قوة تحميه يركبه الباطل ويدوس عليه، ولذا جعل القرآن الكريم الحديد حامي للكتاب والميزان الذي به يتم العدل فقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحديد: 25).

إنه رغم المخاطر التي تحيط بالدولة السورية الوليدة لا سيما التآمر الذي لن يتوقف من الخارج والداخل وإنفاق الأموال الطائلة لمحاربة تلك التجربة، ولكن ظني أن الحكومة الجديدة لها من التجربة ما يصقل دورها لا سيما تجربتها في إدارة إدلب، وهي تجربة وإن كانت مصغرة لإدارة الدولة، ولكنها تجربة ناجحة ويبنى عليها، لا سيما وأن سوريا تملك مقومات الاعتماد على نفسها من عمالة ماهرة لها قدرة على التكيف والإنتاج بجودة عالية والتنوع الإنتاجي في كل مكان تذهب إليه، فكيف إذا كان ذلك في أرض الوطن، وعادت العقول والأيادي المهاجرة؟!

كما أن سوريا تمتلك موارد طبيعية تمكنها من الاعتماد على ذاتها لا سيما في إنتاجها الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وهو أمر قد حققته من قبل، كما أن فيها نفطا وغازا، وتنوعا في التصنيع، وسياحة تجمع بين عبق الماضي وتطور الحاضر، كما يتميز السوريون بالملاءة المالية حتى أن بعض التقديرات تقدر أموال السوريين في الخارج بنحو 100 مليار دولار.

ومن خلال حكمة الحكومة الظاهرة ومحاولتها تصفير المشاكل مع الدول الأخرى، يمكنها الاستفادة من العلاقات التي تبنيها مع الدول العربية والإسلامية ودول العالم لتأسيس مؤتمر للمانحين من أجل تعمير سوريا وسرعة عودة اللاجئين، وهو أمر سيجد طريقه للدعم من الدول الغربية والمؤسسات الدولية، على أن يكون ذلك في إطار المصالح المتبادلة ودون تنازلات تمس بسيادة الحكم الجديد لسوريا.

سوريا تمتلك موارد طبيعية تمكنها من الاعتماد على ذاتها لا سيما في إنتاجها الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وهو أمر قد حققته من قبل، كما أن فيها نفطا وغازا، وتنوعا في التصنيع، وسياحة تجمع بين عبق الماضي وتطور الحاضر، كما يتميز السوريون بالملاءة المالية
كما أن أمام الحكومة فرصة لتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي بصورة تدريجية تجمع بين فقه النص وواقع العصر، بصورة تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية معا، انطلاقا من التمويل الأصغر والأكبر بصورة متوازية، وبعيدا كل البعد عن التجارب المشوهة للاقتصاد الإسلامي التي لا تحمل منه إلا الاسم، ولا تعرف من مضمونه إلا ما يحقق هواها؟ فوجود نظام اقتصادي إسلامي فعلي يتطلب وجود نظام سياسي يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة، وهذا ما تفقده النظم الأخرى التي ترى النظام الإسلامي في صورته الحقيقية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تهديدا لعرشها، لذا جملت نفسها بشكلية إسلامية من خلال قشور مشوهة من الاقتصاد الإسلامي.

لذا أتمنى على حكومة سوريا الجديدة أن تستفيد من خبراتها السابقة، ومن كل مخلص متخصص في سوريا وغيرها، ومن كل دولة تمد لها يد العون بإخلاص، ولتحذر من المستشارين الفشلة الذين ورطوا شعوبهم وأفشلوا ثوراتهم وعلت الآن أصواتهم بالنصح، وكذلك النفعيين الذين صمتت ألسنتهم عن ظلم النظام المخلوع أو ناصروه، ثم جهرت ألسنتهم اليوم من أجل بناء سوريا، فأمثال هؤلاء لا خير فيهم، ولا بناء من ورائهم، فهم لا يعرفون للإخلاص سبيلا، ومن تحركه المنافع الشخصية لن يأتي من ورائه خير، بل ضرره أكثر من نفعه.

وختاما، فإن الأمل معقود في أرض الشام، وهي قادرة في ظل ما تملكه من مواطن القوة والفرص على مواجهة التحديات والمخاطر المحيطة، وبناء نموذج تنموي يكون قدوة للسائرين ورحمة للعالمين، "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40).. حفظ الله سوريا وحماها وعوض أهلها خيرا.

x.com/drdawaba

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات سوريا التغيير الثورة اقتصادية سوريا اقتصاد ثورة تغيير مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا لا سیما کما أن

إقرأ أيضاً:

تعرف على أهم العوامل التي ستتحكم في أسعار النفط في 2025

نشر موقع "أويل برايس" تقريرًا يسلط الضوء على العوامل التي ستؤثر على أسعار النفط في سنة 2025، مشيرًا إلى تغير معدلات العرض والطلب وتزايد الاعتماد على المركبات الكهربائية والسياسات الاقتصادية حول العالم كعوامل رئيسية.

وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن صناعة النفط شهدت في سنة 2024 حالة من التشاؤم المزمن لدى المتداولين بشأن الطلب الصيني وتراجعًا بنفس القدر في مخاطر تعطل الإمدادات، وقد أدى ذلك إلى بعض الاستقرار في الأسعار، وقد يستمر هذا الاستقرار في سنة 2025 في ظل بعض الشروط.

وقد كان السبب الأكبر لهذا الاستقرار غير الطبيعي في أسعار النفط هو التركيز على الصين؛ فقد تصدرت البيانات الاقتصادية الصينية أو أرقام واردات النفط كل تقارير أسعار النفط هذه السنة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الأمر في سنة 2025 وسط موجة من التقارير التي تتوقع وصول نمو الطلب على النفط إلى ذروته من أكبر مستورد للنفط في العالم.


وهذا ما تؤكده شركات النفط الحكومية العملاقة في الصين؛ حيث قالت شركة "سي إن بي سي" في وقت سابق من هذا الشهر إنها تتوقع أن يبلغ نمو الطلب ذروته في سنة 2025، واعتمدت الشركة في توقعاتها على تزايد الاعتماد على السيارات الكهربائية ونمو شاحنات الغاز الطبيعي المسال.

وكانت شركة "سينوبك" هي التالية؛ حيث نشرت تقريرًا قبل أسبوع قالت فيه إن نمو الطلب على النفط في الصين على سيصل إلى ذروته في غضون ثلاث سنوات، وقالت شركة النفط الحكومية الصينية الكبرى إن الذروة ستحدث عند مستوى طلب يومي يبلغ حوالي 16 مليون برميل أو ما مجموعه 800 مليون طن متري، ومن المتوقع أن يصل الطلب الصيني على النفط في السنة الحالية إلى 750 مليون طن متري، وفقًا لشركة سينوبك.

وأكد الموقع أن التركيز على الصين ومستوى تراجع الطلب فيها حافظ على استقرار الأسعار في سنة 2024، ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع في سنة 2025 أيضًا، إلا إذا أدت الإجراءات التحفيزية التي تتخذها الحكومة في بكين إلى زيادة الطلب على السلعة الرئيسية، وكما قال أحد المحللين من شركة بيبرستون للوساطة المالية: "الهدوء الظاهر في سوق النفط يخفي تفاعلاً معقدًا بين عوامل الاقتصاد الكلي التي يمكن أن تؤدي إلى تحركات حادة في أي لحظة". 

وقال كوازار إليسونديا لصحيفة وول ستريت جورنال: "تتركز الأنظار على تطور بيانات الاقتصاد الكلي والقرارات المستقبلية لمنظمة أوبك+، والتي ستحدد اتجاه السوق في الأشهر المقبلة". وفي بيانات الاقتصاد الكلي، سيظل التركيز منصبًا على الصين ولكن أيضًا على الهند، التي تتشكل كمحرك رئيسي قادم للطلب على مستوى العالم، وقد توقعت مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال كوموديتي إنسايتس مؤخرًا أن معدل نمو الطلب على النفط في الهند سيتجاوز معدل نمو الطلب على النفط في الصين هذا العام.

وقال كانغ وو، الرئيس العالمي لأبحاث الاقتصاد الكلي والطلب على النفط في شركة إس بي جي سي آي: "ستكون الهند المحرك الرئيسي، إلى جانب جنوب شرق آسيا وأجزاء أخرى من جنوب آسيا، لنمو الطلب على النفط في المنطقة في المستقبل".

وأشار الموقع إلى أن الأسواق الأضعف نموًا مثل الاتحاد الأوروبي لا تزال تشهد نموًا في الطلب على النفط، وقد أظهرت أحدث الأرقام المتاحة للربع الثاني من السنة انخفاضًا في واردات الغاز الطبيعي، ولكن انتعاشًا فيما يصنفه الاتحاد الأوروبي بأنه "زيوت نفطية".


وعلى جانب العرض؛ لا يزال التركيز بالطبع منصبًا على "أوبك+"، حتى مع استمرار التوقعات بنمو كبير في الإنتاج من الدول الكبرى من خارج أوبك مثل الولايات المتحدة وغيانا وكندا والبرازيل، لكن هذه التوقعات بدأت في التراجع فيما يتعلق بالولايات المتحدة؛ حيث تعطي الصناعة إشارات متكررة بأنه لن يكون هناك تنقيب عن النفط لمجرد وجود رئيس مؤيد للنفط في البيت الأبيض.

والوضع مشابه تمامًا مع أوبك+؛ فقد دأب خبراء التوقعات على إثارة قلق المتداولين وتسببوا في توتر المتداولين وهبوط الأسعار لعدة أشهر، مشيرين إلى الطاقة الإنتاجية الفائضة التي يمكن أن تعيدها أوبك إلى العمل عندما تقرر التراجع عن تخفيضات الإنتاج، لكنهم تناسوا أن أوبك وشركائها في أوبك+ قد أوضحوا منذ بداية التخفيضات أن الإنتاج لن يعود إلى العمل إلا عندما ترتفع الأسعار بما فيه الكفاية، وهذا يعني في الأساس أن العديد من عمليات خفض الأسعار في سنة 2024 كانت نتيجة لتوقعات غير واقعية تمامًا.

وختم الموقع بأن السياق الحالي يشير إلى أن العوامل الأساسية متوازنة إلى حد كبير، ويتوقع الكثيرون حدوث وفرة في المعروض في سنة 2025، ولكن هذا يستند إلى افتراضات حول اعتماد السيارات الكهربائية التي تميل إلى أن تكون مخيبة للآمال، وقد تؤدي العقوبات التي فرضها ترامب على إيران إلى مزيد من التضييق على الإمدادات من الشرق الأوسط وإعطاء بعض الزخم التصاعدي للأسعار، ولكن الاحتمالات تشير إلى أن فكرة وجود وسادة كبيرة من الطاقة الفائضة تبلغ 5 ملايين برميل يوميًا أو أكثر ستمنع انفجار السوق مرة أخرى.

مقالات مشابهة

  • انتبه، نشال!: المرأة التي غزت الانترنت لمكافحتها الجريمة بشوارع البندقية
  • لبنان يمنع دخول اللبنانيين من غير حاملي الإقامة السورية إلى سوريا
  • بيونغ يانغ: سيؤول "مشلولة سياسياً وفوضوية"
  • منظمات حقوقية في السليمانية تندد بإغلاق شركة اعلامية وتعده قراراً سياسياً
  • خبراء: حكومة نتنياهو ستنتحر سياسيا إذا تمسكت بمواصلة الحرب
  • نائب وزير الخارجية يستقبل وفداً سورياً رفيع المستوى برئاسة وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة
  • المشهداني: الدماء التي سالت في العراق ولبنان لن تذهب هدرا
  • تعرف على أهم العوامل التي ستتحكم في أسعار النفط في 2025
  • الكشف عن الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيين في غزة