كان لابد من علاج فوري لهذه المعضلة الكبيرة لأنه سيحضر مجموعة من كبار المسؤولين الذين سيجلسون بجانب الضيف الكبير في الصف الأمامي ولابد من إبعاد هؤلاء عن المقاعد الأمامية. اجتمع المسؤولون عن الحفل خلف كواليس المسرح لمناقشة هذه المشكلة الطارئة التي أعيتهم. اختفت عبارة “محجوز” التي وُضِعت على المقاعد تحت أرجل الجالسين، ولا يملك أي أحد من المنظّمين الشجاعة الكافية لطرد واحدٍ من هؤلاء عن مقعده لأن النتيجة ستكون حرباً شعواء قد تنتهي بالمستشفى أو السجن بدلاً من التكريم في نهاية الحفل.
كل شخص من هؤلاء المحتلّين للمقاعد الأمامية، يرى نفسه شيخ قبيلة لا يُشق له غبار والذي لا يرضى الإهانة في قبول أن يأتي أحدٌ ما ويطلب منه التخلّي عن مقعده لشخص آخر. هكذا هو الحال في مهرجانات الإبل، وشيلات أم رقيبة القديمة، أو عبر الشاشات الصحراوية، أو اليوتيوب، أو مقاطع الواتس أب، أو التيك توك التي تبث قصائد الكرامة والمجد ليل نهار تمنعهم من قبول أن يتنازل الإنسان عن الكرامة العربية التي لا تُقدّر بثمن.
“لديّ الحل!” قال كبيرهم الذي علّمهم أصول البروتوكول في استقبال الشخصيات المهمة. “سوف أطلب منهم أن يقوموا من مقاعدهم والتحرك إلى الأمام قليلاً بعيداً عن أماكنهم للسلام على الضيف الكبير الذي وصل، وسيقوم بالسلام على كل واحد فيهم. طبعاً، لن يصل أحد، لكن هذه هي الطريقة التي من خلالها يمكن أن يتخلّوا عن مقاعدهم، وأريد منكم في الوقت نفسه أن تنتشروا حول المقاعد لإحداث جلبة وفوضى أمام وحول المقاعد، ثم تحتلون أماكنهم عندما يتحرّكون في اللحظة المناسبة.”
كما هو مخطّط له، جاءت سيارة سوداء فارهة ووقفت بعيداً هناك، فأعلن صاحبنا هذا بصوته الجهوري المعروف أن الضيف الكبير قد وصل وأن عليهم، أي الجالسين في الصف الأمامي التحرك إلى الأمام قليلا لمواجهة الضيف المهم والسلام عليه إذ من العيب الكبير وقلة الذوق أن يظلوا جالسين هكذا من دون الوقوف والتحرك بعيداً عن مقاعدهم.
تحرّك الجميع بإثارة كبيرة لنيل شرف استقبال الضيف الكبير واختلط الحابل بالنابل ومدّوا رؤوسهم ينظرون إلى الأفق؛ لكنهم ما لبثوا أن فهموا الّلعبة بعد أن لاحظوا اندفاع البعض نحو المقاعد الخالية. لقد تعرّضوا لمكيدة كبيرة يصعب نسيانها وسوف تنغّص عليهم أي إحساس بالفرح في ليلة يُفترض أنها لإحياء الفرح. أي هزيمة مذلّة هذه التي تعرّضوا لها! ماذا لو شاهدت فتاة الأحلام الوردية هذا المشهد؟ يا لها من فضيحة مدوّية! كيف سيواجهون العالم لو انتشر هذا المقطع في التيك توك أو سناب شات أو الواتس أب أو اليوتيوب وتناقله الناس عبر هواتفهم المحمولة؟ أي ماء للوجه يمكن أن يبقى؟ تراجعوا يجرجرون عباءاتهم الصفراء والسوداء نحو الكراسي الباقية مخافة ضياع الكرامة العربية. لكم أن تتخيّلوا صورة الأشخاص الذين فقدوا مواقعهم وهم يدورون في حلقة مفرغة بحثاً عن المقاعد التي ذهبت لآخرين. يتجه الواحد منهم بسرعة ممسكاً عقاله مخافة أن يقع وبشته نحو المقعد الخالي ليجد شخصاً آخر قد سبقه إليه. تنازلت كرامتهم صفاً واحداً أو صفّين وتراجعوا عن مواقفهم الأولى بسبب قسوة الواقع الذي يفرض عليهم إبقاء الموضوع برمّته طي الكتمان حتى لا ينفضح أحد. التراجع صفّاً واحداً أو صّفين ليس نهاية العالم.
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
مركز نداء الكرامة يدين جريمة مرتزقة العدوان بمأرب بحق المواطن عبد اللطيف الجميلي
الثورة نت|
أدان مركز نداء الكرامة الجريمة البشعة التي ارتكبها مرتزقة العدوان في مأرب بحق المواطن عبد اللطيف جميل راشد الجميلي.
وأوضح المركز في بيان صادر عنه اليوم، أنه تم العثور على جثة المواطن عبداللطيف الجميلي يوم الأحد الماضي ملفوفاً في بطانية، ومرمياً في أحد شوارع مدينة مارب بعد أن فارق الحياة.
وأشار إلى أنه وبعد المتابعة لتداعيات الجريمة اتضح أنه تم اعتقال المجني عليه والزج به في سجون ما يسمى الأمن السياسي في مأرب قبل ثلاثة أشهر، وتم تعذيبه هناك بأشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي حتى الموت.
واستغرب مركز نداء الكرامة من استمرار أدوات التحالف السعودي الإماراتي في مأرب بارتكاب جرائمهم الوحشية بحق المسافرين والمارة والأسرى دون إدانة واضحة من المنظمات المعنية لتلك الجرائم الموثقة التي تدل آثارها وبصماتها على تجرد كامل من كافة القيّم والمبادئ الإنسانية والأخلاق والدين.
واعتبر استمرار هذه الجرائم بحق الأسرى والمسافرين والمواطنين انتهاكاً صارخاً وواضحاً لكافة القوانين الدولية والإنسانية، وتعد امتدادا لجرائم كثيرة سبقتها بحق الأسرى والمعتقلين والمسافرين.
ولفت إلى أن آخر جرائم مرتزقة العدوان بمأرب، الجريمة التي ارتكبها المرتزقة بحق الشاعر راشد الحطام، الذي تم تعذيبه حتى الموت بسبب رفعه شعارات معادية لأمريكا عقب الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في فلسطين خلال يناير الماضي، وكذا وفاة الأسير المحرر من سجونهم مراد البحري بعد تعرضه لأصناف التعذيب في سجون ما يسمى بالأمن السياسي في مأرب وإهماله وعدم معالجته حتى أصيب بمرض خبيث أدى إلى وفاته.
وجدد المركز الدعوة لكل المنظمات الحقوقية الدولية والإنسانية لتحمل مسؤوليتها الإنسانية وإدانة هذه الجرائم والنزول لإجراء تحقيقات تكشف ملابسات كل الجرائم الوحشية التي يفقد فيها المعتقلون حياتهم في سجون مأرب.
كما دعا مجلس الأمن الدولي ومنظمات الأمم المتحدة للتحرك الفعّال والجاد لإيقاف كافة أشكال العدوان والحصار على اليمن لتتوقف مثل هذه الجرائم المرّوعة المرتكبة بحق الشعب اليمني.