شهد عام 2024 عددًا من التحولات الجذرية في السياسة العالمية، حيث اجتاحت موجة من التغيرات السياسية الكبرى العديد من الدول عبر القارات شهد فيه الناخبون في أنحاء مختلفة من العالم زلازل انتخابية أطاحت بحكومات كانت تسيطر على السلطة لفترات طويلة.

هذه الانتخابات كانت بمثابة اختبار كبير لنفوذ الحكومات القائمة وأحزابها السياسية، وكان لها تأثير مباشر على المشهد السياسي الداخلي والخارجي وبالأخص عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.



من أبرز العوامل التي أثرت في هذه التحولات كان التحدي الاقتصادي الكبير، والانتقادات للسياسات الخارجية، بالإضافة إلى ملفات الهجرة والأمن. عام 2024 كان عامًا يشير إلى بداية تغيرات قد تكون لها تأثيرات عميقة في السنوات القادمة، حيث تواصل الشعوب في أوروبا وأمريكا البحث عن سياسات أكثر توازنًا واستجابة لاحتياجاتهم المتزايدة.

ووجه عام 2024 رسائل قوية للقادة حول العالم لضرورة تلبية احتياجات المواطن والتفاعل مع الأزمات التي يشهدها العالم، الرضوخ لصوت الشعوب.


أبرز الحكومات التي اهتزت حتى سقطت في عام 2024 بفعل الانتخابات:

سوريا: نهاية حقبة الأسد وبداية جديدة في 2024
أبى عام 2024 أن ينتهي قبل أن يعوض ملايين السوريين عن سنوات الانكسار والتشريد فكان عامًا فارقًا في تاريخ سوريا، وشهد نهاية حقبة بشار الأسد، الذي استنزف العديد من أرواح السوريين ودمر البنية التحتية، بعد ما يقرب من 13 عامًا من الحرب.

في نهاية عام 2024، تمكنت القوات السورية المعارضة من تحقيق انتصارات حاسمة على الأرض، وفقد النظام السوري بقيادة بشار الأسد السيطرة على العديد من المناطق الحيوية في البلاد، سواء في العاصمة دمشق أو المناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرته لعقود طويلة، مما أدي إلى سقوطه.

كانت نهاية عام 2024 بمثابة بداية مرحلة جديدة لسوريا والسوريين، حيث تولت قوى المعارضة المسلحة، مدعومةً بقاعدة شعبية واسعة، زمام الأمور، وشهدت المنطقة تحركات لتشكيل حكومة انتقالية، وحقق العام جزء كبير من أحلام السوريين الذين صبروا لسنوات طويلة وسط الحرب والدمار، حيث بدأت الثورة السورية بمطالب بسيطة للحرية والعدالة، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى نضال مستمر ضد النظام القمعي، لتصل إلى لحظة تاريخية نهاية 2024، حين استطاعت القوى الثورية والمعارضة إسقاط النظام وتحقيق تغيير سياسي في البلاد.

عن احتفالات السوريين هذا اليوم.
لن يدرك حجم فرحة السوريين إلا من عاش المعاناة تحت وطأة نظام بوليسي متوحّش، وأسرة تألّه فيها الأب والابن، بل الأخ وبقية العصابة أيضا.
لم تكن دولة. كانت مزرعة يُمعن مالكها في ازدراء الناس عبر انتخابات تافهة، ومؤسّسة أمنية تُسرف في قمع الناس وإهانتهم. pic.twitter.com/X2lI3gxgWM — ياسر الزعاترة (@YZaatreh) December 13, 2024
الولايات المتحدة: بايدن وتحدي حرب غزة
في الولايات المتحدة، جاء عام 2024 ليُظهر مدى تأثير الأزمات الداخلية والخارجية على فرص إعادة انتخاب الرئيس جو بايدن، وواجه بايدن العديد من التحديات التي شكلت أعباءً كبيرة على حكومته. أولها كانت الحرب الروسية في أوكرانيا كانت إحدى الأزمات التي استنزفت الموارد الأمريكية، وجعلت الشعب الأمريكي يشكك في حكمة السياسات الخارجية للإدارة الحالية.

لكن القضية التي أثرت بشكل كبير في شعبية بايدن كانت حرب غزة، التي اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 2023، وأدت إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.

تعرضت إدارة بايدن إلى انتقادات داخلية وخارجية جراء دعمها اللامحدود لـ"إسرائيل" في عدوانها على الشعب الفلسطيني في غزة؛، في الداخل، اعتبر العديد من الأمريكيين أن دعم الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" خلال الهجوم على غزة يتناقض مع القيم الأمريكية حول حقوق الإنسان، أما في الخارج، فقد كانت هذه السياسات تضر بالعلاقات الأمريكية مع بعض الحلفاء حيث تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد تدخل الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، تفاقم الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا في معدلات التضخم، مما جعل الطبقات المتوسطة والفقيرة تشعر بالضيق، كانت هذه الأزمات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، هي العامل الرئيسي في تراجع شعبية بايدن، مما أدى في النهاية إلى خسارته في الانتخابات 2024.

فوكس نيوز تعلن فوز دونالد ترامب بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري 2024 بولاية نيوهامشير. pic.twitter.com/8UDxT3ylfr — ????????محمد|MFU (@mfu46) January 24, 2024


المملكة المتحدة: حكومة المحافظين في أزمة
في المملكة المتحدة، كان عام 2024 بمثابة اختبار حقيقي لحكومة ريشي سوناك وحزب المحافظين بعد سنوات من تراجع الشعبية التي أثرت بشكل سلبي على فوزهم في الانتخابات.

وأدت أزمة بريكست، التي سببت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى مزيد من الاستقطاب في البلاد. بينما كانت الحكومة تحاول جاهدًا إعادة تنظيم الوضع الاقتصادي، كانت أزمة تكلفة المعيشة هي المعضلة الكبرى.

شعر المواطنون البريطانيون بالعبء الاقتصادي الناتج عن سياسات التقشف، بما في ذلك ارتفاع الأسعار والضرائب التي كانت تفرضها حكومة سوناك، وفي الوقت نفسه، كانت هناك قضايا أخرى مثل ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد حالات البطالة في بعض القطاعات، ودعم الاحتلال الإسرائيلي للاستياء الشعبي الذي دفع العديد من الناخبين إلى تغيير خياراتهم السياسية، ليجد حزب العمال بقيادة كير ستارمر الفرصة للظهور كبديل قوي، حيث استقطب دعمًا واسعًا من الطبقات المتوسطة والفقيرة.

وفي النهاية كانت النتيجة واضحة بفوز حزب العمال في الانتخابات العامة 2024، وهو ما كان بمثابة نكسة شديدة لحكومة المحافظين بعد سنوات من السيطرة على البرلمان البريطاني.

ردة فعل مذيعي سكاي نيوز بعد الفوز الساحق لحزب العمال في الانتخابات البريطانية ???????? : pic.twitter.com/65BX9FRTSZ — ????????محمد|MFU (@mfu46) July 4, 2024
هولندا: اليمين المتطرف يصعد على حساب اليسار
في هولندا، لم يكن هناك صراع بين الأحزاب التقليدية فحسب، بل كانت هناك تحول كبير في خريطة السياسة الهولندية، وكانت انتخابات 2024 بمثابة ضربة للأحزاب اليسارية التي فشلت في معالجة العديد من القضايا التي كانت تشغل الرأي العام الهولندي.

ومن أبرز القضايا التي سادت الأجواء السياسية في هولندا كانت قضية الهجرة، حيث كانت هناك زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين إلى البلاد، مما أثار قلقًا واسعًا لدى الكثير من الهولنديين.

اليسار الهولندي، الذي كان يعبر دائمًا عن مواقف متساهلة تجاه قضايا الهجرة، واجه انتقادات حادة بسبب ما وصفه الناخبون بتبني سياسات "مفتوحة" تسببت في زيادة الضغوط على نظام الرعاية الاجتماعية والاقتصاد الوطني، ومع تصاعد قضايا الأمن الداخلي، تزايد دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي قدمت وعودًا مشددة بخصوص إغلاق الحدود.

كما كان للحرب في غزة دورًا في تعزيز مواقف الأحزاب اليمينية، حيث تم إلقاء اللوم على السياسات الحكومية في هولندا بعد إدانة بعض القوى السياسية في البلاد للمواقف المتراخية في مواجهة العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. صعود الأحزاب اليمينية في هولندا كان نتيجة مباشرة لهذه التحولات السياسية، رغم تأييدها هي الأخرى للاحتلال ولكن كان تصويتا عقابيا من الناخبين على تصرفات الأحزاب اليسارية.

هذه رسالة سابقة نشرها الهولندي "خيرت فيلدرز" رئيس حزب الحرية اليميني المتطرف الذي فاز في الانتخابات المبكرة في هولندا ليقترب من أن يصبح رئيساً للبلاد.

الرسالة موجهه للأتراك وقال لهم أنتم لستم أوروبيون ولن تصبحوا أوروبيين أبداً ولا نريدكم في بلادنا. pic.twitter.com/l0WZwZCFjQ — إياد الحمود (@Eyaaaad) November 28, 2023
فرنسا: ماكرون بين الاحتجاجات الاقتصادية والتحديات الخارجية
على الرغم من نجاح إيمانويل ماكرون في فرض سياسات اقتصادية في بداية عهده، إلا أن عام 2024 كان عامًا عصيبًا له، حيث واجه عددًا من التحديات الداخلية والخارجية التي أضعفت قبضته على الحكم. في مقدمة هذه التحديات كانت الأزمة الاقتصادية التي عانت منها فرنسا، إذ ارتفعت معدلات البطالة، وكانت ارتفاعات الأسعار تؤثر بشكل كبير على الطبقات العاملة.

حملة ماكرون لزيادة سن التقاعد، التي فرضت عليها الحكومة على الرغم من معارضة واسعة من النقابات والعمال، كانت نقطة تحول. فقد خرجت مظاهرات احتجاجية في الشوارع، وأصبح ماكرون في موقف دفاعي أمام الرأي العام الفرنسي.

من جهة أخرى، كان هناك العديد من الاحتجاجات ضد السياسة الفرنسية في التعامل مع القضية الفلسطينية، حيث اعتبرت العديد من الأطراف أن باريس كانت منحازة بشكل غير مقبول إلى الموقف الإسرائيلي.

نتيجة لهذه الأزمات، فشل ماكرون وحكومته في استقطاب دعم الرأي العام، وتراجعت شعبيته بشكل حاد، مما أدى إلى خسارته في انتخابات البرلمان الفرنسي 2024 ودخل في دوامة تشكيل الحكومة وإسقاطها من قبل البرلمان.

⭕️ أزمة في #فرنسا
البرلمان أسقط الحكومة لأول مرة منذ 62 سنة. ولا أغلبية لأي كتلة بعد انتخابات الصيف المبكرة. وتواجه باريس أزمة مديونية خانقة وتحديات دولية صعبة.#ألمانيا تواجه أزمة حكومية أيضا وتنتظر انتخابات مبكرة، واقتصادها يتراجع.
هذا حال أبرز قوى أوروبا في زمن #بوتين و #ترمب pic.twitter.com/2fD3LTLTqC — حسام شاكر (@Hos_Shaker) December 4, 2024


البرلمان الأوروبي: صعود القوى الشعبوية
في انتخابات البرلمان الأوروبي 2024، كان هناك تحول سياسي ملموس في عدة دول من الاتحاد الأوروبي. كان الصعود الكبير للأحزاب الشعبوية من أبرز معالم هذا العام، حيث استفاد اليمين المتطرف من المواقف الشعبية المعترضة على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الهجرة. كانت القضايا المتعلقة بالأمن، الهجرة، والاقتصاد هي الأكثر تأثيرًا في التصويت الأوروبي، حيث تعهدت الأحزاب الشعبوية بإغلاق الحدود وتعزيز السياسات الأمنية داخل الاتحاد.

وفي الوقت نفسه، كان هناك تراجع ملحوظ للأحزاب التقليدية، خاصة تلك التي تتبنى السياسات الأوروبية التي تفتح الأبواب للهجرة وتدعم التكامل الأوروبي على حساب السيادة الوطنية.

مرشحة في انتخابات البرلمان الأوروبي تصوت بالثوب الفلسطيني بأحد اللجان الانتخابية بفرنسا pic.twitter.com/uV70ab2Sgn — الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 9, 2024

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية عام 2024 الانتخابات بشار الأسد بايدن فرنسا فرنسا بشار الأسد بايدن الانتخابات عام 2024 المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی الانتخابات فی البلاد العدید من فی هولندا pic twitter com کان عام عام 2024

إقرأ أيضاً:

فورين بوليسي: فرصة سانحة أمام ترامب والرئيس الصيني لعقد صفقة كبرى وترسيخ نظام عالمي أكثر توازنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ذكرت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية، أنه قبل فترة ليست بالبعيدة، كانت العلاقات الأمريكية الصينية على المستوى الشعبي جيدة، ففي عام 2011، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الناس في كل بلد ينظرون إلى الآخر بشكل إيجابي.. كما أنه اقتصاديا، بدا أن الاقتصاد الأمريكي والصيني لا يمكن فك الارتباط بينهما وقد تجسد مصطلح "صين أمريكا" في ديناميكية: الصين تنتج وتدخر؛ وأمريكا تستهلك وتقترض وتم الاحتفاء بالعلاقة بين الجانبين باعتبارها محرك النمو العالمي، الذي ساعد العالم على التعافي من الأزمة المالية في عام 2008.
بينما اليوم، أصبح مصطلح "صين أمريكا" غائبا منذ فترة طويلة. فقد أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث في عام 2024 أن 81% من الأمريكيين ينظرون إلى الصين بشكل غير إيجابي، مع اعتبار 42% منهم أنها "عدو" للولايات المتحدة.
وترى المجلة الأمريكية، أن نقطة التحول في العلاقات بين الجانبين جاءت عام 2012، عندما ألقى المرشحان الرئاسيان باراك أوباما وميت رومني باللوم على الصين في خسارة الوظائف، وذلك لجذب الناخبين المتأرجحين في ولاية أوهايو، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب –وعلى غير المعتقد- لم يتسبب في الخلاف بين واشنطن وبكين، لكنه حتى الآن لم يبد اهتماما كبيرا بإصلاحه.
ولفتت المجلة إلى أن الولايات المتحدة والصين تسيران على نفس المسار من الإحباط. والفرق بينهما هو أن الولايات المتحدة لديها موارد محلية وعلاقات ودية مع جيران يجعلونها أكثر قدرة على التغلب على تحدياتها، في حين تواجه الصين صعودا أكثر صعوبة بسبب قيود الموارد والجيران المتقلبين.
وتؤكد المجلة الأمريكية أن الاقتصادين الأمريكي والصيني مترابطين ومتخصصين لدرجة أن أي منهما لا يستطيع الانفصال تماما عن الآخر، حيث تمثل الولايات المتحدة والصين معا حوالي 43% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ونحو 48% من الناتج الصناعي العالمي. فيما لا يزال المستهلكون الأمريكيون المصدر الأكثر أهمية للطلب الذي يحافظ على استمرار عمل المصانع الصينية.
لذا، فإن التعريفات الجمركية التي هدد بها ترامب من شأنها أن ترفع الأسعار بالنسبة للأمريكيين وتقلل من التجارة المباشرة بين الولايات المتحدة والصين جزئيا من خلال إعادة توجيه السلع عبر دول ثالثة، ما يعني أن السلع الصينية ستعود إلى سلاسل التوريد العالمية بأسعار أعلى من خلال وسطاء، مثل المكسيك وفيتنام.
ويؤكد الواقع الاقتصادي –وفقا لفورين بوليسي- على عبثية جهود فك الارتباط التي يبذلها صقور واشنطن تجاه الصين ودبلوماسيو بكين المحاربون الذئاب، حيث تظل الصين أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في السلع والخدمات خارج أمريكا الشمالية. ففي عام 2023، على سبيل المثال، بلغ العجز التجاري الأمريكي مع الصين 252 مليار دولار لصالح الأخيرة، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2009. 
وبناء على ذلك، اعتبرت المجلة الأمريكية أن تهديدات ترامب، قبل تنصيبه رئيسا، بفرض تعريفات جمركية جديدة على الصين ينبغي أن ينظر إليها باعتبارها تمهيدا لمفاوضات تجارية مستقبلية وليس باعتبارها أمرا واقعا، حيث من المؤكد أن حربا تجارية متبادلة مع الصين ستكون لعنة على سوق الأوراق المالية ومن شأنها أيضا تقليص نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وهما المؤشران الحساسان بالنسبة لواشنطن، خاصة وأنهما حققا بالفعل أداء جيدا نسبيا في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ويتردد ترامب في الإقرار بذلك.
وحول الصورة الذهنية عن الرئيس الأمريكي وطريقة إدارته للملفات، نبهت "فورين بوليسي" إلى أن أنصار ترامب غالبا ما يطلقون عليه لقب "صانع التغيير"، حيث إنه يعامل الشؤون الخارجية كأنها لعبة احتكار، وينظر إلى الدول باعتبارها ممتلكات يمكن السيطرة عليها أو التجارة معها أو الاستفادة منها للتغلب على المنافسين. ووفقا لقناعاته (ترامب)، لا توجد صداقات دائمة متجذرة في القيم المشتركة، ولا أعداء أيديولوجيين؛ فكل زعيم أجنبي بالنسبة له هو ببساطة لاعب آخر يتنافس على الهيمنة على جانب من اللعبة.
وترى المجلة الأمريكية أن إدارة ترامب لديها الآن فرصة لإبرام صفقة كبرى مع الصين بدلا من الاستمرار في النهج الذي انتهجته الإدارة السابقة. وإن هذه الصفقة لا تعني التنازل عن قضايا أمنية مهمة؛ إذ لا ينبغي للحكومة الأمريكية أن تمنح بكين حق الوصول إلى التكنولوجيات الحساسة أو تغض الطرف عن الإعانات الحكومية التي تمنح المنتجات الصناعية الصينية ميزة غير عادلة، وينبغي أن يكون هدف الصفقة الكبرى إبقاء الصين مستقرة في النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة مع تقاسم المزيد من فوائد التجارة الثنائية.
ولكن من أجل انتزاع تنازلات ذات مغزى من الصين للتوصل إلى اتفاق تجاري، سوف يحتاج ترمب –وفقا للمجلة- إلى الاعتماد على أسلوب مغاير بديل للإكراه والضغط الشديد، حيث من المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية الأعلى على السلع الصينية إلى إثارة ردود أعمال انتقامية، ما يؤدي بدوره إلى زيادة التضخم الاستهلاكي الأمريكي وإلحاق الضرر بالصناعة الأمريكية. لذا، ينبغي على إدارة ترامب أن تتبنى استراتيجية تضمن أن يتماشى النمو الاقتصادي في الصين مع مصالح الولايات المتحدة.
ولكي تنجح المفاوضات التجارية مع الصين، يتعين على إدارة ترامب أيضا –في رأي المجلة- التخلي عن فكرة استخدام التعريفات الجمركية لتقليص العجز التجاري، بل أن تربط صراحة مستويات التعريفات الجمركية بحجم الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة، بمعنى أنه إذا كان الرئيس الصيني شي جين بينج يريد تعريفات جمركية أقل، فإنه يحتاج فقط إلى الاستثمار أكثر في الولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يترك لبكين خيارا واضحا إما: قبول العقوبات على عدم الامتثال أو جني المكافآت للتعاون.
ولمعالجة المخاوف الأمنية المحتملة، ينبغي أن تقتصر الاستثمارات الصينية على صناعات محددة وتخضع لمراجعات صارمة من قبل الحكومة الأمريكية، مع إحباط عمليات الاستحواذ على الشركات الأمريكية القائمة، ومنح الاستثمارات الخضراء مثل المصانع المبنية حديثا والتي تخلق فرص عمل جديدة، والشركات الناشئة في التقنيات غير الحساسة على معاملة تفضيلية.
وفي حين أن المستوى المستهدف للإنفاق والاستثمار الجديد سوف يصبح نقطة محورية للمفاوضات بين الولايات المتحدة والصين، فإن القضية الأكثر ترجيحا لتحطيم الآمال في إمكانية التوصل إلى صفقة كبرى بين الولايات المتحدة والصين هي تايوان. 
واعتبرت "فورين بوليسي" أن القيادة الصينية كانت بطيئة في إدراك أن أهمية تايوان للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين تتشكل في المقام الأول من خلال القرارات المتخذة في بكين، وليس في واشنطن أو تايبيه.
وأوضحت المجلة أن الإشارات المتكررة التي يطلقها الرئيس الصيني إلى "إعادة التوحيد الحتمية" لتايوان، والتي تتخللها تدريبات عسكرية واسعة النطاق حول الجزيرة، تغذي الرواية القائلة بأن الصين تشكل تهديدا عسكريا وشيكا، ما يحفز المشاعر المعادية للصين في واشنطن. 
وعليه، فإن التوصل إلى صفقة كبرى مع الصين أمر ممكن إذا تجنب الجانبان السماح للقضايا الجيوسياسية من التأثير على الشق الاقتصادي، وهو ما يستدعي من إدارة ترامب الحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي في شرق آسيا، وأن يؤكد ترامب مجددا على الموقف الأمريكي الثابت بشأن تايوان وسياسة "الصين الواحدة"، التي تعارض استقلال تايوان مع التزامها بالحل السلمي للخلافات عبر المضيق، فيما يمكن للرئيس الصيني أن يرد بالمثل بإزالة السطر من خطاباته الذي ينص على أن الصين "لن تعد أبدا بالتخلي عن استخدام القوة" فيما يتصل بتايوان.
وأكدت المجلة أهمية عمل مساعدي الزعيمين خلال الفترة المقبلة على ترتيب لقاء لترامب وشي جين بينج؛ لإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، خاصة وأن الانتصارات الرمزية من مثل هذا اللقاء يمكن أن تضع الأساس لإنجازات كبيرة.
وختاما، شددت المجلة الأمريكية على أنه من خلال تأمين اتفاقيات الاستثمار الاقتصادي، وإعادة التأكيد على مركزية الدولار الأمريكي، واستقرار الأوضاع الجيوسياسية، يمكن لترامب وشي إعادة تعريف العلاقات بين الولايات المتحدة والصين لجيل كامل، وأن مثل هذه الصفقة الكبرى لن تحافظ على السلام فحسب، بل ستضع الدولتين أيضا في موقف المهندسين المشاركين في ترسيخ نظام عالمي أكثر توازنا.

مقالات مشابهة

  • الدفاع المدني السوري: مجزرة مروعة راح ضحيتها 14 امرأة ورجل واحد، وإصابة 15 امرأة بعضها بليغة ما يرشح عدد الوفيات للارتفاع، وجميعهم من عمال الزراعة، في حصيلة أولية لانفجار السيارة المفخخة بجانب السيارة التي كانت تقلّ العمال المزارعين، على أطراف مدينة منبج
  • المسلماني لجمهور معرض الكتاب: مصر لديها قوة ناعمة كبرى.. ويجب تقديمها للعالم
  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • رئيس حماية المستهلك: اتخاذ العديد من الإجراءات الاقتصادية التي تسهم في وفرة السلع
  • العالم على أعتاب تحولات جذرية في سوق العمل.. أي المجالات ستنمو وأيها ستتراجع؟
  • بالفيديو.. مسؤولون: الهليكوبتر التي تحطمت كانت ضمن وحدة استعداد في حالة هجوم على أمريكا
  • المسلماني: مصر لديها قوة ناعمة كبرى ويجب تقديمها للعالم
  • فورين بوليسي: فرصة سانحة أمام ترامب والرئيس الصيني لعقد صفقة كبرى وترسيخ نظام عالمي أكثر توازنا
  • أهالي حماة يحيون الذكرى السنوية الـ 43 لمجزرة حماة الكبرى التي ارتكبها النظام البائد عام 1982.
  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا