“الخروج من الأزمة السياسية الليبية سيكون شاقا ومكلفا وطويلاُ لسببين رئيسيين.. الأول أن المسببين للصراع هم جزء من الحل.. والثاني تشابك الأسباب الأصلية للصراع مع التداعيات التي أفرزها أمد الأزمة.. ومن ثم صعوبة الفصل بينها”

تصارع المبعوثة الأممية لليبيا السيدة (ستيفاني خوري) ثلاث تحديات رئيسية إن قُدر لها النجاح في مهمتها (العصية).

. أولها عامل الوقت وحصول توافق مؤقت بين جناحي الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي حول ترتيبات إدارة البعثة خاصة مع إقتراب وصول سيد البيت الأبيض الجديد (القديم) لمكتبه.. وثانيها (تعديل) السلوك السياسي للمعيقين لحل الأزمة الليبية بهدف إستمرار الوضع القائم.. أما الثالث والأهم القدرة على إنهاء المرحلة الإنتقالية وتمكين حدوث تداول سلمي للسلطة عبر تجاوز وتحجيم عقلية ودور الطبقة السياسية المسيطرة على المشهد السياسي التي تتصف بالعناد والإنتهازية والمناورة لمنع أي تغيير سياسي.

وفي محاولاتها للإختلاف عن ميراث ومنهجيات (السلف) من المبعوثين الأممين السابقين التسعة وقبيل إطلالة الذكرى الثالثة لتمييع الإنتخابات الوطنية الليبية المجدولة في 24 ديسمبر 2021، قدمت المبعوثة الأممية إحاطة حول خطتها للخروج من الإنسداد السياسي والتي تضمنت الإجراءات المرتقبة لوضع خارطة طريق تنهي المرحلة الإنتقالية وتفضي في النهاية لتنظيم إنتخابات رئاسية.. ومباشرةً تم إلتقاط الإشارة على الصعيد المحلي من الطرفين السياسيين الرئيسيين مجلس النواب ومجلس الدولة وجاءت الإستجابة الفورية بالتلاقي في المغرب.. لكن المتابع للسلوك السياسي والمناورات (المكررة) لهذين المجلسين يستطيع أن يترجم لقاء المغرب إلى إستشاعرهما المشترك بأن يؤدي حراك البعثة الأممية لحلحلة الإنسداد السياسي إلى سحب تدريجي لأوراق لعبة المماطلة وتمديد المرحلة التي صارت جزء من ثقافة المجلسين .. ولذا اختارت المملكة المغربية عقد الإجتماع بنفس تاريخ الإتفاق السياسي الليبي على أرضها في الصخيرات (17/12/2015) قبل تسع سنوات وذلك في رسالة واضحة للطبقة السياسية بأنكم أضعتم قرابة عقد من الزمن تشاهدون وتشاركون في عمليات نهب وضياع ثروات بلدكم وانتهاء سيادتها واضمحلال تفاعلها وتأثيرها في محيطها الإقليمي والعالمي.. فيما بدا التململ على ثلاثي المجلس الرئاسي واختلاق المبررات والملاحظات.. وارتفع منسوب القلق والتصريحات المتشنجة لدى حكومة الوحدة الوطنية.

تختلف الأطراف السياسية الليبية المسيطرة على العملية السياسية على كل شيء.. ولكنها تتفق على شيء واحد وهو الإستمرار في مواقعها لأطول فترة ممكنة حيث متعة السلطة ونكهة النفوذ والمزايا.. يشجعها على ذلك حالة الإستسلام الشعبي للواقع.. متزامنة مع توافق ضمني للقوي الإقليمية والدولية التي تشكل المشهد السياسي الليبي على نفس المعادلة.. هذا التوصيف للواقع السياسي هو نتاج طبيعي لموروث (مؤسف) من التاريخ السياسي للدولة الليبية وقد بلغت نيف وسبعين عاماً.. فلا مكان أو معنى لمفهوم وآلية التداول السلمي للسلطة.. فالتغيير السياسي في ليبيا له وجهين لا ثالث لهما.. إما صفقة أو صدمة.. فمن يصل للسلطة يمنح الشرعية لنفسه إلى أن تُنتزع منه.. ومع إطلالة مرحلة فبراير صار هناك متلازمة من ثلاث (حاءات) يتقلب بينها المشهد السياسي.. (حرب وحوار وحكومة).. حرب تقود إلى حكومة.. والحكومة تمهد لحرب.. وحوار يمنح الشرعية للمرحلة.. وستثبت الأيام للسيدة (ستيفاني) ومن يخلفها أنه لا مناص من الإسترشاد بهذه الخلاصة من التجربة السياسية الليبية في الإنتقال والتحول.

تحت وطأة الظروف الإقتصادية الخانقة والإستشراء الفاضح للفساد والإنقسام المؤسساتي والجغرافي للدولة الليبية وتآكل السيادة الوطنية أصبحت الأولوية لدى النخب السياسية والثقافية والإجتماعية والقوى الوطنية وعموم الشعب للخروج من حالة الإنسداد السياسي هي غل يد المؤسسات السياسية (الجاثمة) وتشكيل حكومة موحدة (قادرة) على تنظيم الإستحقاقات الإنتخابية لتجديد الشرعية السياسية.. ومن ثم يصبح الدخول إلى مبني رئاسة الوزراء المقر الحكومي العتيق ب (طريق السكة) في طرابلس هدف مشروع لكل الطامحين والطامعين في تولي السلطة في ليبيا.. ومهما تم تطويقه بالتحصينات والأسوار الحديدية والأقواس الأمنية فإن أمواج التغيير قادمة إليه لا محالة.. لأن ذاك المبنى من الزجاج إعتاد أن يرمي الناس بحجارة من التضليل والأوهام بالعيش الكريم.. ولذا لكي يكتب النجاح لمهمة السيدة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة وخطتها المتكاملة للمرحلة السياسية المقبلة فالآلية لوصول رئيس حكومة إلى مبنى طريق السكة لن تكون إلا نتيجة (صفقة) سياسية إقليمية بأدوات محلية.. أو الإنزلاق للتغيير بالصدمة والعنف وفق المدرسة السياسية الليبية للتغيير.

ولتجاوز الصدام والإحتراب كوسيلة لتغيير المشهد السياسي المسدود.. فإن نموذج الرأسين (غسان سلامة – ستيفاني ويليامز) لإدارة البعثة الأممية للدعم قريباً سيكون فاعلاً إذا ما تبنت المبعوثة الحالية مقاربة من ثلاث مراحل متتالية تبدأ من تجربة سابقتها (ستيفاني ويليامز) بـ(الترويض) للطبقة السياسية المسيطرة.. يليها (تفكيك) الكيانات السياسية الثلاثة و(ملحقاتها) المستمدة للشرعية (حصراً) من إتفاق الصخيرات وجنيف وإضعاف روابطها المصلحية.. ثم ترتيب (انقلاب) ناعم عليها بملكية ليبية ورعاية أممية.. وترتيبات جديدة نحو الانتخابات.

المبعوثة الأممية أمامها فرصة للتسوية عبر تلافي أخطاء سابقيها من المبعوثين.. بتصميم العملية السياسية المرتقبة على ستة مرتكزات:

اعتماد آلية ومنهجية رصينة لهيكلة اللجنة الاستشارية تضمن تنوع واسع للأطراف الممثلة في الحوار من القوى المؤثرة (الخشنة) والمتأثرة (الناعمة) بالصراع السياسي.. ليشمل القوى السياسية والأمنية وأطياف واسعة من المجتمع المدني. اختيار أعضاء اللجنة الاستشارية وفق معايير الجدارة والخبرة والكفاءة والنزاهة والابتعاد عن العشوائية والمعايير الهلامية.. ومراعاة الأبعاد الديموغرافية والجغرافية والعمرية والفئوية الرئيسية. عدم الاستفراد بفكرة نزع السلطة التنفيذية (الحكومة) بمعزل عن سحب الشرعية من المؤسسات السياسية الثلاثة الأخرى أو العمل على تجميدها لتفادي استمرار حلقة تغيير الحكومات وإعادة إنتاجها والابتعاد عن إجراء الانتخابات. أن تشتمل أجندة خارطة الطريق للحل السياسي قضايا الحكم المحلي وتوزيع عوائد الموارد السيادية وملف الأمن الوطني. حسم معضلة الأساس الدستوري لتنظيم الانتخابات الوطنية قبل انفضاض ملتقى الحوار السياسي لتفادي قيام السلطة التنفيذية القادمة بإجهاض العملية الإنتخابية نتيجة الفراغ الدستوري والعودة للمربع الأول. وضع ضوابط وإجراءات عملية حاسمة تلجم تغول السلطة التنفيذية وتجاوز مدة ولايتها وتنفيذ سيناريو (ما ذا لو فشلت خارطة الطريق) والتعاطي مع الإخفاق وهو الأمر الذي وقعت في فخه العملية السياسية برمتها.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: السیاسیة اللیبیة المشهد السیاسی

إقرأ أيضاً:

اللافي: المصالحة الوطنية أساس الاستقرار وإجراء الانتخابات في ليبيا

ليبيا – اللافي يؤكد على أهمية المصالحة الوطنية لتحقيق الاستقرار والانتخابات

ملف المصالحة الوطنية أمام التحديات
أكد عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي أهمية ملف المصالحة الوطنية كركيزة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في ليبيا، تمهيدًا لإجراء الانتخابات المنتظرة التي يترقبها الشعب الليبي. جاء ذلك خلال مشاركته في ملتقى الأعيان والمشايخ والحكماء الذي انعقد يوم الأربعاء في طرابلس.

التحديات والخطوات العملية
أوضح اللافي أن ملف المصالحة الوطنية، الذي وصل إلى مراحل متقدمة، واجه العديد من التحديات والصعوبات. وأشار إلى أن المجلس الرئاسي عقد العديد من الملتقيات في المدن الليبية المختلفة، مما ساهم في تعزيز الجهود الرامية لإنجاح المشروع.

قانون المصالحة الوطنية
ذكر اللافي أن قانون المصالحة الوطنية، الذي أعدّه خبراء ليبيون مختصون في المجال القانوني، تم تقديمه لمجلس النواب منذ يناير الماضي لاعتماده. واعتبر أن هذا المشروع يمثل ملكية وطنية للشعب الليبي، داعيًا إلى الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في تنفيذ مشاريع مشابهة.

إشادة بدور الحكماء والأعيان
أكد اللافي أن عقد الملتقى بمشاركة الأعيان والمشايخ والحكماء يعكس إحساسهم العميق بالمسؤولية ودعمهم الكامل لمشروع المصالحة الوطنية. وأشاد بدورهم في تعزيز اللحمة الوطنية ودعم جهود الاستقرار.

ملتقى الأعيان والمشايخ والحكماء
انعقد الملتقى برعاية المجلس الرئاسي بمشاركة عدد كبير من الأعيان والمشايخ والحكماء ورئيس وأعضاء الاتحاد العام الليبي لمنظمات وروابط أسر الشهداء. ركز الملتقى على تعزيز المصالحة الوطنية باعتبارها أداة لتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.

 

 

مقالات مشابهة

  • الشريف: التغيير السياسي في ليبيا له وجهان “إما صفقة أو صدمة”
  • امطيريد يحذر: التصعيد العسكري في ليبيا واقع محتمل مع استمرار الجمود السياسي
  • الكبير: غياب المؤشرات على حل الأزمة السياسية في ليبيا وسط تصاعد الاضطرابات
  • إسماعيل: المشهد السياسي الليبي يتجه نحو التوافق  
  • اللافي: المصالحة الوطنية أساس الاستقرار وإجراء الانتخابات في ليبيا
  • حزب الحركة الوطنية: لا حل للأزمة الليبية دون توافق دولي
  • العرفي: منع البعثة الأممية من رسم خارطة طريق وإبعاد الدبيبة من المشهد شرطان لنجاح الحل الليبي
  • التشابك السياسي بين ليبيا وسوريا: دعم مالي وشكوك حول المرتزقة
  • العرفي: يجب منع البعثة الأممية من رسم خارطة المشهد السياسي الليبي