لجريدة عمان:
2025-01-03@17:34:51 GMT

«المجهول المعروف» في مهارات الابتكار

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

في بداية كل عام، تزخر مواقع المدونات الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي بالمنشورات الموجهة لبناء الذات، وتطوير المهارات، وإدارة المخاطر، وهي جميعها تحمل رسائل إيجابية، وإن كانت في الواقع ليست سوى أحد الأساليب التقليدية التي تكافئ قصص النجاح، وتمتدح الإنجازات القائمة على انعدام هامش الخطأ، ولكن عالم الابتكار والإبداع يتطلب الكثير من المحاولات، ويحتمل الكثير من الإخفاقات، فهل حان الوقت لتبنّي نهج مختلف يتعامل مع مهارات الابتكار من منظور معاكس؟

إذا تأملنا الاقتباسات التي تتم مشاركتها عن النجاح في الابتكار وريادة الأعمال، سنجد معظمها إما مقولات قصيرة، أو أجزاء من تصريحات المبتكرين والمخترعين البارزين، وأصحاب الإنجازات اللامعة، وقادة الأعمال الذين يتصدرون المراتب المتقدمة من التصنيفات العالمية، وهذا يعكس بجلاء ما يطلق عليه اصطلاحًا «العداء الثقافي» للفشل، وفي المقابل، تثبت الأبحاث العلمية بأن هناك إمكانات إبداعية خفية في كل محاولة غير ناجحة للابتكار، مما أدى إلى تنامي التوجهات والأصوات التي تنادي بتسليط الضوء على «الأخطاء الإبداعية» كمصدر للتعلم والنجاح في المستقبل، وباعتبارها الأساس في التطور، وهذه الأخطاء هي ليست سوى فجوات في الجهود الابتكارية وتسببت في التعثر في مرحلةٍ ما من العمل، وجاء الاهتمام بهذا المحور من أجل إنصاف المساعي والموارد التي تم استثمارها في المحاولة من مبدأ الإدراك بأهمية إيجاد بيئة متوازنة في التعامل مع الفشل والإخفاق، وتعزيز أهم مهارات الابتكار وريادة الأعمال؛ وهي التعلم من الأخطاء، وتجاوز الخوف من إعادة المحاولة، وتسخير جميع المعطيات لتكون قوة دافعة للالتزام في الابتكار والإبداع، وهي ليست مهارات جديدة فرضتها متطلبات الوقت الراهن، فهي راسخة ومعروفة حتى لدى المبتكرين الناشئين، ولكنها أسهل قولًا من الفعل.

وهنا وجبت الإشارة إلى أن استشراف الخبراء بشأن أبرز التقنيات التي تشكل ملامح الجهود الابتكارية المستقبلية تتمحور حول مجالات الذكاء الاصطناعي، وتطوير البرمجيات، وتعزيز الأمن السيبراني، ومن جهة أخرى يتزايد الاهتمام على حلول التكنولوجيا المالية، وتقنيات الاستدامة البيئية، والنقل، والطاقة، وهي جميعها مجالات معقدة وتتطلب مدخلات عديدة بجانب الجهود الابتكارية مثل تكامل البيانات، وتوفر الكفاءات المنافسة، ووجود القيادة، والثقافة التنظيمية الداعمة للتطوير من جهة، والقادرة على إدارة التغيير، وإيجاد الفرص الريادية لمخرجات الجهود الابتكارية من جهة أخرى، مما يعني أن حزمة المهارات المطلوبة لتمكين الالتزام بالابتكار والإبداع ممتدة على طول سلسلة القيمة الابتكارية، وتستوجب في المقام الأول تعريف فجوات المهارات، وتصنيفها، ثم وضع آليات لتوجيه بعضها لدعم سلسلة القيمة، والاستفادة منها، فليست كل فجوة مهارية هي معضلة يجب حلها، ومع تنوع متطلبات عالم الابتكار فإنه من الأهمية بمكان تغيير الطريقة التي نفكر بها في التحديات والفجوات، والتعامل معها باعتباره أمرًا طبيعيًّا وضروريًّا للنجاح في الابتكار والتغيير، وليس عبئًا يعيق عملية الابتكار.

وعلى سبيل المثال، هناك حالات كثيرة من فجوات المهارات المتعلقة بسلوكيات المبتكرين الناجحين الذين يواجهون حالات «الشك الذاتي»، وهي غالبًا ما ترافق الإنجازات الكبيرة المفاجئة والتي تنجم عنها حالة من عدم التصديق، ووضع افتراضات من أن سبب النجاح قد يعود إلى الحظ، أو جهود خارجية، وليس العمل الحقيقي الذي قام به الفريق، وهي وإن كانت فجوة في السمات الأساسية وهي الثقة الذاتية؛ إلا أنه يمكن معالجة هذه الفجوة مع توظيف جوانبها المفيدة مثل الاستثمار في مهارات التوقع والتخيل، والحس العالي في إدارة المخاطر الحقيقية منها أو المتصورة، والقدرة على طرح الأسئلة الحرجة، وتحليل السيناريوهات المتعددة لأي نتيجة، وبذلك فإن المفتاح هو التعامل مع جميع مكونات البيئة الابتكارية من فرص أو تحديات بمنظور عكسي وغير تقليدي، لاكتشاف جميع الإمكانات، وإعادة صياغتها لصالح الأهداف المنشودة.

لهذا السبب، ينظر المفكرون إلى «الأخطاء الإبداعية» باعتبارها فرصة للنمو، وهي بمثابة البداية الحقيقية في دورة الابتكار والإبداع وليست النهاية، وهذا التفهم الواعي لا يعني التساهل مع الأخطاء الجسيمة، أو تبرير التقصير في تنفيذ الأفكار كما يجب، ولكنه يرتبط بالأخطاء التي تحدث في ظروف استثنائية عندما يبذل فريق العمل كل ما في وسعه، ولكن الجهود لا تُثمر بالشكل المطلوب، مما يعني وجود فرصة التعلم من الجهود السابقة، والوصول إلى مكامن الانحراف عن تحقيق الهدف المخطط له، وهي مهارة ذات أهمية قصوى في عالمنا سريع التغييرات، فالتحولات السريعة في التكنولوجيا تتطلب مهارات المثابرة، وإعادة المحاولة، ومواجهة الفشل، وبناء القدرات الذهنية والفكرية اللازمة لعقلية التعلم المستمر، وتقبل الإخفاق كمرحلة ضمن مسيرة التطوير والابتكار، ومحطة يجب تجاوزها، وليست وصمة مأساوية تستدعي التهرب، وعدم إعادة المحاولة، وعلى الرغم من أن معظم الثقافات العالمية تزخر بالحكم والأمثال التي تقدم رؤى متوازنة عن النجاح والفشل فإن مجتمع الممارسات بحاجة إلى إعادة تذكير بأن القليل من التحديات هو أمر مطلوب لاستكشاف فرص جديدة، والانتقال بالجهود الابتكارية إلى مراحل أكثر إنتاجًا.

ومع مطلع عام 2025م، فإن قراءة المشهد الابتكاري يجب ألا تقتصر على استشراف التقنيات القادرة على إعادة تشكيل الصناعات الحيوية في الاقتصاد، وتغيير حياة الإنسان لسنوات طويلة قادمة، ولكن عليها أن تعيد فهم التقدم العلمي الاستثنائي الذي دخلته البشرية بعد الجائحة، وترسم تطلعات على قدر كبير من «الأنسنة»، فالقفزات الهائلة في العلوم والتكنولوجية بحاجة إلى خطوط متوازية من دعم الثقافة الإيجابية، والتركيز على بناء المهارات المطلوبة لتعزيز دورات الابتكار، والبحث عن المنظور المعاكس في القناعات الراسخة حاليًّا، وتوجيهها إلى إحداث تغيير ثقافي داعم للقيم الأساسية مثل الثقة الذاتية، والتعلم المستمر، والمثابرة في محاولات التطوير، وذلك بحيث يتم التعامل مع الالتزام الإبداعي بشكل واعٍ ومنصف، حتى لو لم تنجح المحاولات لتصل إلى منتجات أو خدمات ابتكارية، وتقع على الجهات الحاضنة للابتكار والإبداع مسؤولية إعادة تشكيل ثقافة وممارسات وسلوكيات التعامل مع مخرجات الجهود التطويرية، وتبنّي أساليب غير تقليدية لتحفيز التثمين العالي للفكر الكامن وراء محاولات الابتكار، والعمل على إذكاء المهارات الحاسمة في رفع الكفاءة الإبداعية، وضمان الاستغلال الأمثل لجميع إمكانات المبتكرين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الابتکار والإبداع التعامل مع

إقرأ أيضاً:

انطلاق قافلة "الثقافة والإبداع" ببرج العرب.. السبت

يشهد قصر ثقافة برج العرب، بمحافظة الإسكندرية، بعد غد السبت، في العاشرة صباحا، انطلاق فعاليات القافلة الثقافية لدعم وتمكين المرأة تحت عنوان "الثقافة والابداع"، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، وتنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة.

الكاتب محمد ناصف

تتضمن القافلة عددا من اللقاءات التثقيفية والتوعوية بمشاركة نخبة من الأكاديميين المتخصصين، منها "صحة المرأة بعد سن الثلاثين"، "الأمان النفسي والتوازن العاطفي"، "التسويق الإلكتروني وعمل مشروع صغير"، بالإضافة إلى مجموعة من ورش العمل لتمكين المرأة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ومنها "تطوير المهارات التواصل"، "الحفاظ على الصحة"، و"الزراعة المنزلية".

كما تشهد الفعاليات تنفيذ مجموعة من الورش الفنية، بجانب عدد من الأنشطة الترفيهية، والعروض الفنية.

 د. دينا هويدي

القافلة تستمر فعالياتها حتى 8 يناير الحالي، وتقدمها الإدارة العامة لثقافة المرأة برئاسة د. دينا هويدي، التابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث برئاسة د.حنان موسى، وبالتعاون مع إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، برئاسة أحمد درويش، وفرع ثفاقة الإسكندرية، ويختتم البرنامج بمعرض فني نتاج الورش، ولقاء خاص حول التجارب الناجحة لعدد من السيدات الملهمات.

 

"نجيب محفوظ بين النص الروائي والعرض البصري" في مجلة "مصر المحروسة"

من ناحية أخرى، صدر العدد الأسبوعي الجديد من المجلة الثقافية الإلكترونية "مصر المحروسة"، المعنية بالآداب والفنون، وتصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة.

في مقال رئيس التحرير تكتب د. هويدا صالح، عن رواية "خطأ غير مقصود" للكاتبة الأردنية عليا أحمد، التي تسلط الضوء على لعبة المصائر التي تشكّل علاقات البشر، معتمدة على حبكة واقعية تقليدية.
ويناقش المقال كيف تميزت الرواية بإبراز الملامح البيئية والاجتماعية للمجتمع الأردني الذي تدور ضمنه الأحداث، من خلال نقل صورة المكان والعادات والزي الرسمي والشخصيات التراثية، مع توضيح أثر ذلك على البنية النفسية للمجتمع.

وفي باب "ملفات وقضايا" يجري مصطفى علي عمار تحقيقا حول "التحول الرقمي وتأثيره في حياة المصريين"، مستطلعا آراء الاقتصاديين ورواد التحول الرقمي في مصر، حول مفهومه، أهميته، والفرص المتاحة والتحديات التي تواجه الدولة، وأثر ذلك على النمو الاقتصادي.

وفي باب "كتاب مصر المحروسة" يواصل أسامة الزغبي استعراض تاريخ الحرب الأهلية الإسبانية، التي تعد الحدث الأكثر دراماتيكية في التاريخ المعاصر، وذلك من خلال سرد الأسباب التي أدت لقيام تلك الحرب المريرة، والديكتاتورية التي نجمت عنها من أجل فهم التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للشعب الإسباني في الوقت الراهن.

ويضم عدد المجلة الصادرة بإشراف الإدارة المركزية للوسائط التكنولوجية برئاسة د. إسلام زكي، عدة أبواب أخرى منها باب "دراسات نقدية" ويكتب خلاله حاتم عبد الهادي، عن الشعر التربوي والعامية المصرية، ووظيفة الشعر من خلال مناقشة ديوان "قاصد كريم" للشاعر حامد مندور الذي يعكس تجربته الذاتية، وتتميز لغته بالوضوح والبساطة مع عمق التعبير، الأمر الذي يجعل القارئ يشعر بالقرب والانسجام مع النص.

وفي باب "سينما" تقدم إيمان السباعي، تغطية لفعاليات مؤتمر الرواية والدراما المرئية، الذي أقيم بالتعاون بين نادي القصة وجمعية أصدقاء مكتبة الإسكندرية، وشهد حضور اسم نجيب محفوظ بقوة خلال الجلسات الحوارية والدراسات التي تناولها، 
بجانب مناقشات حول تأثر محفوظ بالسينما وأثر ذلك على أسلوبه الروائي، وتأثير تحويل النص المكتوب إلى نص مرئي على المتلقي والكاتب على حد سواء.

أما في باب "آثار" يكتب الدكتور حسين عبد البصير "السمسمية والآلات الموسيقية المصرية القديمة"، ويشير خلاله أن السمسمية نتاج تطور ثقافي حديث يعكس التفاعلات التاريخية والثقافية بين مصر والمناطق المجاورة، موضحا كيف أصبحت تلك الآلة رمزا من رموز التراث الشعبي في مدن القناة، وجسدت الروح المصرية في صمودها وقدرتها على التكيف والإبداع.

وفي باب "خواطر وآراء" تواصل الكاتبة أمل زيادة سلسلة مقالاتها "رحلة إلى كوكب تاني"، التي تتناول خلالها قضايا اجتماعية يومية، وتشارك فيها القراء لطرح حلول لها.

مقالات مشابهة

  • 5 مهارات يجب تنميتها في طفلك منذ الصغر
  • مظلات تعزز مهارات التفكير الإيجابي والمرونة بجنوب الشرقية
  • جبريل إبراهيم وسياسات الأزمة-هل تقود السودان إلى المجهول؟
  • كاتم أسرار ملف قيصر يكشف لأول مرة تفاصيل توثيق جرائم نظام الأسد
  • شرطة دبي: الدبلوم التخصصي في الابتكار والقيادات الدولية ينطلق 13 يناير
  • جازان.. إطلاق المرحلة الأولى من مشروع التنس المدرسي لتطوير مهارات الطلبة
  • انطلاق قافلة "الثقافة والإبداع" ببرج العرب.. السبت
  • الجندي المجهول في حياة عمرو دياب.. من هي هدى الناظر زوجة مصطفى شعبان؟
  • "مصر للمعلوماتية" تُطلق مركز الابتكار وريادة الأعمال لتعزيز الاقتصاد الرقمي