لجريدة عمان:
2025-04-27@08:30:03 GMT

مصير مجموعة بريكس في ظل إدارة ترامب الثانية

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

في الثلاثين من نوفمبر سنة 2024، أدلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب بتصريح مدوّ عبر موقع إكس «تويتر سابقًا»، معلنا أن دول مجموعة بريكس تبتعد عن الدولار «بينما نقف مكتفين بالفرجة وهذا انتهى». لم يتزامن هذا التصريح فقط بعد شهر واحد من حضور كبار الشخصيات من ستة وثلاثين دولة وست منظمات دولية لقمة مجموعة بريكس السادسة عشرة التي عقدت في قازان بروسيا، بل أكد أيضا أن هذه الدول سوف تواجه «تعريفات جمركية بنسبة 100٪» سواء أكانت تنوي استعمال عملة مجموعة بريكس أو أي عملة أخرى بدلا من الدولار.

يأتي تهديد ترامب الجريء هذا في مرحلة حرجة في العلاقات الاقتصادية الدولية، إذ جاهر العديد من زعماء العالم من قبيل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانتقاد دور الدولار بوصفه «سلاحًا». فضلا عن أن دعوة ترامب لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك و10% على الصين تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المجموعة الجديدة من التعريفات قادرة على حماية تفوق الدولار والهيمنة المالية الأساسية لمؤسسات مجموعة السبع.

بعد أن كان بريكس مجرد اسم مستعار ورد في تقرير جيم أونيل المصرفي في جولدمان ساكس سنة 2001 فأثار مخاوف بشأن تحالف من البلاد قد يتحدى، إن لم يحل محل دول مجموعة السبع، توسعت المجموعة الآن وأطلقت مجموعة مؤسسات موازية بديلا للنظام الدولي الليبرالي متاحا للدول الصغيرة ومتوسطة القوة. واعتبارا من عام 2024، بلغت حصة دول مجموعة بريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث تعادل القوة الشرائية 34.9% مقارنة بنسبة 30.05% لمجموعة السبع، بينما بلغت حصة مجموعة السبع 43.28% في عام 2000، ولم تشكل مجموعة بريكس سوى 21.37%.

أثارت أيضا عودة ترامب إلى البيت الأبيض مخاوف بشأن ما إذا كانت دول مجموعة السبع، بقيادة زعيم يجاهر بالانعزالية في واشنطن، قادرة على الصمود في مواجهة كتلة بريكس. ففي أحد تجمعات حملته الانتخابية في ولاية ويسكونسن في الثامن من سبتمبر 2024، أدان ترامب بشدة اللادولرة في التجارة العالمية، مصرحا بوضوح بأنه «إذا تركتم الدولار فلن تتمكنوا من التعامل مع الولايات المتحدة لأننا سنفرض على بضائعكم تعريفة جمركية بنسبة 100%». ويفسر هذا التهديد سبب سعي الدول المتحالفة مع مجموعة بريكس إلى إيجاد بدائل للدولار على مدى السنوات الست عشرة الماضية. والواقع أن عضو مجلس الدولة الصيني يانج جيتشي قد أشار في نوفمبر 2017 خلال إدارة ترامب الأولى كيف أصبح «من الصعب بشكل متزايد على مفاهيم الحكم الغربية وأنظمته ونماذجه أن تواكب الوضع الدولي الجديد»، بل إنه ذهب إلى أن الحكم العالمي غرب القيادة قد «أخفق» وبلغ حدا «تعذر الإصلاح».

فلا غرابة إذن في أن تأسست مجموعة بريكس سنة 2009، أي بعد أزمة عام 2008 المالية العالمية مباشرة. ووفقا لتقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية، تجاوز التبادل التجاري بين اقتصادات مجموعة بريكس التبادل التجاري بين دول المجموعة ومجموعة الدول السبع. ولمجموعة الدول التسع التي تمثل نصف سكان العالم وما بين ربع وثلث الاقتصاد العالمي أربعة أهداف: (1) إنشاء نظام مالي بديل للنظام الغربي، (2) تنسيق السياسة الاقتصادية بشكل أفضل، (3) السعي إلى تمثيل أكبر في الحكم العالمي، و(4) تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي. في حين أن الخطاب الاستراتيجي الذي وضعه المحللون يحاول تقييم تهديدات العواصم الغربية، فإن الأكاديميين الغربيين في مجال العلاقات الدولية أقاموا إطارا أفضل لتفسير هذه الظاهرة الفريدة في ضوء نظرية انتقال القوة. وتفسر نظرية انتقال القوة، التي صاغها أ.ف.ك. أورجانسكي أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميشيجان في عام 1958، كيف أن القوة المهيمنة السائدة في النظام الدولي تجد نفسها في خطر حرب ممنهجة عندما يظهر منافس صاعد ليلحق بقوتها المهيمنة المتضائلة أو يتفوق عليها. يشرح أورجانسكي كيف أن المعتدي يظهر من مجموعة صغيرة من البلاد القوية الساخطة، وتكون القوة الأضعف، لا الأقوى، هي المعتدية. وبتطبيق هذا على دول مجموعة بريكس، فإنه يفسر كيف يمكن لروسيا والصين أن تتناوبا مهمة الاستفادة من الجغرافيا والسكان والثقل الاقتصادي في طرح مجموعة جديدة من المنظمات الدولية العازمة على الحلول محل المؤسسات الغربية بقيادة مجموعة السبع.

في معرض سعيها إلى تحقيق هدف إيجاد نظام مالي بديل، أنشأت دول مجموعة بريكس، من خلال ثقل الصين الاقتصادي، بنك التنمية الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، وترتيب الاحتياطي الطارئ، بهدف تحدي بروز صندوق النقد والبنك الدوليين. ويذهب الأساتذة ساوري كاتادا وسينثيا روبرتس وليزلي إليوت أرميجو في كتابهم «بريكس والحكم المالي الجماعي»، إلى أن هذا النادي الفريد المؤلف من قوى صاعدة قد توحد حول مصلحتها المشتركة في «مراجعة عالمية» من خلال موارد القوة العسكرية والمالية للتأثير في النتائج الدولية من خلال نظرية النادي.

ويوضح الأستاذان ديبورا لارسون وأليكسي شيفتشينكو، في كتابهما «السعي إلى المكانة: السياسة الخارجية الصينية والروسية»، أن علم النفس الاجتماعي يفسر حاجة هاتين القوتين الصاعدتين إلى السعي إلى التفوق في مجال جديد تعزيزا لتحقيقهما مكانة القوى العظمى. ومع وجود هذه المؤسسات الجديدة متعددة الأطراف، فإن تولي إنشاء هذه المؤسسات البديلة يعكس قوتها ومكانتها المتزايدتين، بدافع من الإحباط الناجم عن عدم تلقي الاعتراف المتناسب مع قوة الصين وصعودها.

ومع ذلك، فإن المشككين في مجموعة بريكس وإدارة محور الصين وروسيا لنظام مالي عالمي بديل يسارعون إلى إبراز التفاوتات الهائلة في القدرات الاقتصادية بين دول مجموعة بريكس ومؤسسات مجموعة السبع السائدة. ويعرض باري إيكنجرين، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، هذه القيود بسرده أن عملة الرنمينبي الصينية تمثل أقل من 6٪ من تسويات التبادل التجاري، وأن البنوك الصينية تدير 3٪ فقط من المعاملات اليومية من حيث القيمة لمراكز المقاصة في الولايات المتحدة، وأن قدرة بكين على توفير السيولة والخصوصية وقوانين حماية البيانات تظل غائمة. داخل مجموعة بريكس، ثمة خطوط صدع أمنية وجيوسياسية بين الدول الأعضاء، وتثير هذه شكوكا حول قدرة هذا المنتدى على أن مواتيا لأي نوع من التعاون. فعلى سبيل المثال، ظلت الصين والهند تخطوان بحذر منذ اشتباك جالوان الحدودي عام 2020، الذي أدى إلى مقتل عشرين جنديا هنديا وأربعة جنود صينيين. وقد أدت عواقب هذه الحلقة من الصراع الحدودي على طول الحدود الصينية الهندية إلى تعميق نيودلهي للعلاقات مع الولايات المتحدة، مثلما تبين في زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرسمية إلى واشنطن عام 2023 التي أثمرت أكبر صفقات التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والهند. وقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنه قبل عشرين عاما، لم يكن هناك تعاون دفاعي على الإطلاق، في حين أن البلدين ـ اعتبارا من عام 2023 ـ «تشتركان في إنتاج وتطوير أنظمة رئيسية». فضلا عن ذلك، فإن ضم دول شرق أوسطية من قبيل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة بعد قمة بريكس 2023 يثير تساؤلات حول تماسك بريكس، في ضوء التنافس الإقليمي الذي قد يرثه هذا التجمع الكبير الآن. كما أمن ضم المملكة العربية السعودية أخيرا يثير الشكوك، في ضوء تنافسها الأمني المستمر مع إيران. وقد أوضحت الرياض هذه النقطة خلال قمة بريكس 2024 في قازان، حيث لم يحضر وزير الخارجية السعودي إلا اليوم الأخير فقط، موضحا أن المملكة تتحوط في التزامها بالنادي الذي تعتبره ناديا للقوى المتوسطة.

وفي حين أن لأعضاء بريكس سمات واضحة، من قبيل أنها دول غير غربية، فإن التنافسات الأمنية فيما بينها قد أثبتت أنها تشكل عقبات أمام التحول إلى منظمة كاملة العضوية ملزمة التعاهد ذات أي مظهر من مظاهر الالتزام الأمني. ويسارع الكتاب إلى ربط الافتقار النسبي للثقل الاقتصادي بالمنظمات التي تقودها الولايات المتحدة بالإضافة إلى هذه الطائفة الكبيرة من المنافسين الجيوسياسيين، التي كشفت عيوبا خطيرة، وبخاصة في حالتي التنافس بين الهند والصين وبين إيران والسعودية فضلا عن تأطيرها بوصفها تحالفا مناهضا للغرب.

ما من صيغة واضحة لما يشكل عضوا مثاليا في بريكس، كما أنه ما من مسار واضح لهذه الدول الأعضاء لرسم أي شكل من أشكال التنسيق. ولا تزال التقييمات السلبية لبريكس باعتبارها نمرا من ورق أو بيتا من ورق شائعة في عام 2024 شيوعها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وعقد العشرينيات منه عندما لم يكن لدى المجموعة مؤسساتها متعددة الأطراف صينية القيادة وعندما لم يكن لها القدر نفسه من النفوذ الاقتصادي. وفي حين أن بعض اللاعبين من قبيل نيودلهي وبرازيليا وأنقرة يتحوطون ضد عدم اليقين لكسب المزيد من القوة التفاوضية مع واشنطن، يزعم آخرون أن أعضاء جددا من أمثال مصر وإثيوبيا يعملون ببساطة على تعميق العلاقات مع الأعضاء غير الغربيين، خلافا لروسيا أو إيران. وإدخال ترامب في المعادلة على رأس كتلة مجموعة السبع لا يشير بداهة إلى أي تشديد للتحالف داخل مجموعة بريكس. ومع ذلك، فإنه قد يؤدي إلى تسريع القضايا المشتركة بشأن مخاوف من قبيل التعاون المناخي والحكم المالي لصالح الدول الأعضاء التي تخضع بالفعل لعقوبات شديدة.

ريمون تنوير حسين باحث مساعد في برنامج معهد الشرق الأوسط للتكنولوجيا الاستراتيجية والأمن السيبراني.

عن ذي ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة دول مجموعة بریکس مجموعة السبع فی حین أن من قبیل

إقرأ أيضاً:

ما هي عقيدة القدر المتجلي الخطيرة التي يسعى ترامب إلى إحيائها؟

في مستهلّ ولايته الرئاسية الثانية، وأثناء خطاب تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "من هذا اليوم فصاعدًا، ستزدهر بلادنا وتُحترم مجددًا في جميع أنحاء العالم. سنكون محط غيرة كل أمة، ولن نسمح لأنفسنا أن يستغلّنا أحد بعد اليوم. خلال كل يوم من أيام إدارة ترامب، سأضع ببساطة، أميركا أولًا".

وأضاف: "ستستعاد سيادتنا، وسيُعاد الأمن إلى ربوعنا، وموازين العدالة إلى نصابها. وأولويتنا القصوى ستكون بناء أمة فخورة، مزدهرة، وحرة. ستصبح أميركا قريبًا أعظم، وأقوى، وأكثر تفوقًا من أي وقت مضى".

وأردف قائلًا: "من هذه اللحظة فصاعدًا، انتهى انحدار أميركا". مؤكدًا: "لقد أنقذني الله لأجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". كما عبّر عن رغبته في تغيير "اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا"، وأعلن عزمه على "إرسال رواد فضاء أميركيين لغرز العلم الأميركي على كوكب المريخ". وختم مؤكدًا: "نحن شعب واحد، وعائلة واحدة، وأمة مجيدة واحدة تحت قيادة الله".

لكن التصريح الأكثر إثارة للجدل جاء في نهاية يناير/ كانون الثاني 2025، حين كشف ترامب في مقابلة عزمه على استعادة قناة بنما، وقال صراحة: "لقد بنيناها، دفعنا ثمنها، ولن نتنازل عنها للأبد"(رويترز-2025).

كما ألمح إلى إمكانية ضم غرينلاند وكندا قائلًا: "غرينلاند أراضٍ بكر، غنية بالموارد، وهي أقرب إلينا من بعض ولاياتنا" (أسوشيتد برس 27 يناير/ كانون الثاني 2025).

إعلان

من خلال هذا الخطاب، أعاد ترامب إلى الواجهة مفهومًا أيديولوجيًا عميقًا من تاريخ أميركا السياسي، وهو مفهوم "القدر المتجلي" (Manifest Destiny)، الذي برز في أربعينيات القرن التاسع عشر، وتحوّل إلى عقيدة قومية تبرّر التوسع باسم "الإرادة الإلهية".

إعلان ترامب أن "الحقبة الذهبية لأميركا تبدأ الآن"، وغرز العلم الأميركي على المريخ، لم يكن مجرد دعاية انتخابية، بل إحياءً لواحدة من أخطر العقائد الأميركية: "القدر المتجلي"، التي تبرر التوسع الإمبراطوري باسم "الإرادة الإلهية".

جذور الفكرة: من الإبادة إلى الإمبراطورية

نشأت فكرة "القدر المتجلي" على يد الصحفي الأميركي جون أوسوليفان، في عام 1845، الذي دعا الأميركيين إلى اعتبار أنفسهم شعبًا مختارًا من قبل العناية الإلهية، ومكلَّفين بنشر الحضارة (وفق الرؤية الغربية البروتستانتية الأنجلوسكسونية) عبر القارة الأميركية، ومن ثم إلى العالم بأسره.

وفقًا لهذا التصور، فإن "القدر" قد حدد غايته واختار"البيض الأنجلوسكسون البروتستانت" كحاملي هذه الرسالة، ومكّنهم من الهيمنة على الأراضي الهندية أولًا، ثم التوسّع خارج الحدود الجغرافية الطبيعية. إن "القدر"، كما رآه أوسوليفان، يجب أن يُرسم بخط مستقيم يقود نحو مستقبل تتسيّده أميركا كقوة مُخلِّصة ومهيمِنة.

على الرغم من صياغتها بخطاب سياسي وعلماني، حملت هذه العقيدة جوهرًا استعلائيًا عرقيًا ودينيًا، إذ قدمت فكرة أن الرب فضَّل "البيض الأنجلوسكسون البروتستانت"، وجعلهم "شعبًا فوق كل الشعوب"، مما ساهم في تبرير الإبادة ضد السكان الأصليين، والتوسعات الأميركية مثل شراء لويزيانا (1803)، وضم تكساس (1845)، والحرب مع المكسيك (1846-1848)، وضم كاليفورنيا، وأريزونا، ونيو مكسيكو، وصولًا إلى غزو الفلبين، وهاواي، وبورتوريكو في أواخر القرن التاسع عشر.

هكذا أصبحت هذه الفكرة غطاءً أيديولوجيًا يخفي الطموحات التوسعية خلف ستار أخلاقي، يجمع بين التفوق العرقي والإرادة الإلهية.

إعلان على خطى أوسوليفان

ترامب، في إحيائه هذا المفهوم، لم يكتفِ بالرمزية، بل استخدم مفرداته بشكل مباشر: التوسع في الفضاء، إعادة تسمية جغرافيا الآخرين، وتجديد مفاهيم السيطرة القومية.

قد تبدو هذه التصريحات شعبوية، لكنها تُعيد إنتاج خطاب أميركي يرى في بلاده قوة استثنائية، لا تخضع للمعايير العالمية، بل تعيد تشكيلها.

ورغم أن تطبيق هذه الفكرة بدأ قبل تأسيس الدولة الأميركية نفسها، فإن إضفاء الطابع الفكري عليها عبر مبدأ "القدر المتجلي" منح السياسيين لاحقًا غطاءً لشرعنة سياسات الغزو والهيمنة، أو العزلة عند الحاجة.

اليوم، لا يُنظر إلى "القدر المتجلي" كذكرى تاريخية، بل كنهج حي يعود بصيغة جديدة في الإدارة الأميركية. ويتجلى هذا الحضور بوضوح في كتاب (American Crusade: Our Fight to Stay Free ) لوزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، حيث يظهر الامتداد الأيديولوجي الواضح للفكرة، وإن لم تُذكر بالاسم.

الهيمنة، السيطرة، واستعادة مؤسسات الدولة (كالتعليم، القضاء، الإعلام…) من "اليسار العدو"، كلها تتجسد في مضمون الكتاب، لتصبح العقيدة القديمة أداة حديثة لإعادة "أمركة أميركا"، وتطهيرها من كل ما لا ينسجم مع النموذج المحافظ والإنجيلي الذي يتبنّاه.

النسخة الترامبية

غير أن النسخة الترامبية من هذه الفكرة تبتعد عن الغطاء الأخلاقي التقليدي الذي استخدمته الإدارات السابقة كذرائع لتدخلاتها. فبدلًا من الشعارات حول "حقوق الإنسان" أو "نشر الديمقراطية"، يصرح ترامب بأن الغاية هي المصلحة القومية، والقوة، والهيمنة.

في هذا السياق، يرى بعض الباحثين أن هذا التحول يُعيد الولايات المتحدة إلى منطق الإمبراطوريات القديمة، حين كان التوسع غاية في حد ذاته، وليس وسيلة لتحقيق مبادئ عُليا.

ويقول المؤرخ الأميركي هاورد زين إن: "القدر المتجلي لم يكن أبدًا بريئًا، بل أداة إمبريالية مغطاة بأخلاق مصطنعة"، ويبدو أن ترامب قد قرر إزالة هذا الغطاء نهائيًا.

إعلان

تبعًا لذلك، فإن "القدر المتجلي" في نسخته الترامبية لا يتوقف عند الحدود الجغرافية، بل يتعداها إلى الفضاء، والتكنولوجيا، وربما الاقتصاد العالمي.

فالدعوة إلى "استعادة" مناطق مثل كندا، وغرينلاند، تعكس تصورًا للقوة ليس قائمًا فقط على النفوذ، بل على الملكية المباشرة. كذلك، فإن تصريحه بأن على أميركا أن تكون "سيدة الفضاء"، يعكس توجهًا نحو عسكرة الفضاء، في تحدٍّ واضح للاتفاقات الدولية التي تمنع تحويل الفضاء إلى ساحة صراع عسكري.

إن هذا التوجه الأميركي الجديد قد يُنتج عواقب دولية خطيرة، من بينها تصاعد النزعة القومية في مناطق أخرى، وسباق تسلّح في الفضاء، وعودة خطاب الاستعمار والضم إلى واجهة العلاقات الدولية.

خلاصة القول: إحياء ترامب مفهوم "القدر المتجلي" ليس مجرد خطاب بلاغي، بل أداة سياسية تعكس فلسفة حُكم قائمة على السيطرة والتفوق، تُعيد صياغة الهيمنة الأميركية بأساليب معاصرة تتجاوز حدود الزمان والمكان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ما هي عقيدة القدر المتجلي الخطيرة التي يسعى ترامب إلى إحيائها؟
  • هل ستكون رئاسة ترامب الثانية ودية تجاه كوريا الشمالية؟
  • أعضاء بالحزب الديمقراطي يطالبون ترامب بوقف الهجمات في اليمن
  • كيف وصف ترامب أوّل 100 يوم من ولايته الثانية؟
  • ترامب يكشف مصير القرم
  • «المشاط»: معدلات التشغيل وتنمية مهارات الشباب أحد أكبر التحديات التي تواجه قارة أفريقيا
  • «ترامب» الابن يزور سول الأسبوع المقبل للاجتماع مع قادة الشركات الكورية الجنوبية
  • جولة تفقدية بمستشفى بركة السبع المركزي للاطمئنان على جودة الخدمات الطبية
  • ترامب يلتقي "بطل" فضية تطبيق سيغنال
  • تحليل :هل ستكون رئاسة ترامب الثانية ودية تجاه كوريا الشمالية؟