26 سبتمبر نت: علي الشراعي |
أكد الرئيس الأمريكي : ( أنه كان هناك شبه اجماع بين قادة هذه الدول على وجوب الاطاحة بالنظام القائم في سوريا ) .
لم تكن المرة الأولى وليست الأخيرة التي تهدد تركيا أراضي وأمن واستقرار سوريا , فقد جعلت من نفسها شرطي وحارس للمصالح الأمريكية في المنطقة . كيف لا ؟! وتركيا عضو في حلف الناتو منذ عام 1952م , وثاني دولة إسلامية اعترفت بالعدو الصهيوني عام1950 م , واقامت معه علاقات دبلوماسية وعسكرية وسياسية واقتصادية وتسعى جاهدة للانضمام للاتحاد الأوروبي حاليا .
- مبدأ ايزنهاور جاء في رسالة الرئيس الامريكي " دوايت ايزنهاور" للكونجرس بخصوص سياسته الجديدة تجاه الشرق الأوسط في تاريخ 5 يناير 1957م : ( أن
الولايات المتحدة الأمريكية مصممة على تقديم العون أو استخدام القوة المسلحة لمساعدة أية دولة عندما تطلب العون ضد العدوان المسلح من جانب أي قطر خاضع للشيوعية الدولية ) . وقد استهدفت تلك السياسة الجديدة احلال نفوذ الولايات المتحدة محل نفوذ كل نت بريطانيا وفرنسا في المنطقة . وقد استعرض الرئيس الأمريكي في خطابه إلى الكونجرس أهمية منطقة الشرق الأوسط بحكم كونها تمثل همزة الوصل بين قارات أوروبا وآسيا وأفريقيا , فضلا عما تحويه أراضيها من إحتياطيات هائلة من البترول كسلعة ذات أهمية حيوية بالنسبة للعالم الغربي إلى جانب الأهمية الروحية والدينية للمنطقة . لهذا جاء مبدأ ايزنهاور في صورة إعلان رسمي من جانب الحكومة الأمريكية لكى تظهر عزمها واصرارها على التصدي للسياسة السوفيتية بمختلف الوسائل المتاحة . وفي اعقاب إقرار الكونجرس للسياسة الجديدة وتصديق الرئيس عليها في 9 مارس 1957م , أرسل الرئيس ايزنهاور مبعوثه الخاص " جيمس ريتشاردز " إلى منطقة الشرق الأوسط في محاولة لإقناع قادة دول المنطقة بتأييد مبدأ ايزنهاور . -موقف موسكو مع الاعلان عن مبدأ ايزنهاور وجد السوفيت انفسهم في مواجهة التحدي الأمريكي المعارض لتطلعاتهم . ومن ثم فقد اخذت موسكو تندد به حيث أعلن الاتحاد السوفيتي آنذاك في 12 يناير 1957م : ( أن الإعلان عن مبدأ أيزنهاور يعد إحياء للأفكار الإمبريالية القديمة ) كما وصفوه : ( بأنه ذو طبيعة عدوانية , وأن الولايات المتحدة تعود مرة أخرى إلى اللجوء إلى سياسة القوة التي اثبتت تجربة السويس عدم جدواها ) , وفي تحرك مضاد قام السوفيت بحملة معادية لمبدأ ايزنهاور في محاولة لإقناع دولة المنطقة بعدم تأييده , كما تقدم الاتحاد السوفيتي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في فبراير 1957م , بطلب مناقشة مبدأ أيزنهاور باعتباره يشكل تهديدا للسلام العالمي . -الأزمة السورية استخدمت الولايات المتحدة الامريكية "مبدأ ايزنهاور" تجاه سوريا ليس بصورته التقليدية كسياسية تهدف للإبقاء على الوضع القائم وانما بصورة تصحيحية تهدف إلى التعديل في الوضع القائم الذي لا يتفق مع مصالحها , وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تتدخل بصورة مباشرة لتطبيق مبدأ ايزنهاور وإنما لجأت إلى حليفاتها من القوى الاقليمية لكى تقوم بذلك الدور نيابة عنها . ترجع بدايات الأزمة السورية إلى النصف الأول من عام 1957م , حيث كانت الضغوط الخارجية التي تعرضت لها سوريا قد أدت إلى تكوين مجلس ثوري يضم كل الاتجاهات السياسية في الجيش السوري . ونتيجة للضغوط التي تعرضت لها سوريا من جانب العراق الذي كان لا يزال يتطلع إلى ضم سوريا إلى حلف بغداد تدهورت علاقات سوريا بالمعسكر الغربي ونتيجة لذلك وفي ظل الحرب الباردة بين بين المعسكرين الغربي واشنطن والشرقي موسكو أدى ذلك إلى تحسن العلاقات السورية - السوفيتية حيث تم التوقيع في أغسطس 1957م , على اتفاقية للتعاون العسكري والاقتصادي مع الاتحاد السوفيتي آنذاك .وقد حصلت سوريا بمقتضي تلك الاتفاقية على مساعدات اقتصادية بلغت قيمتها 500 مليون دولار . وفي أعقاب تلك الاتفاقية تم الإعلان في دمشق عن كشف مؤامرة لقلب نظام الحكم لعبت السفارة الأمريكية دورا في التمهيد لها وتم اخطار ثلاثة من الدبلوماسيين الأمريكيين بأنهم يعتبرون أشخاصا غير مرغوب فيهم من بينهم الملحق العسكري الأمريكي في دمشق بحجة تآمرهم مع المعارضة السورية لقلب نظام الحكم في دمشق . ومع قيام دمشق بتعيين ضباط سوريين ذو ميول يسارية في مناصب عليا في الجيش السوري أدى ذلك إلى تزايد واردات سوريا من السلاح السوفيتي مما قاد إلى تزايد مخاوف الدول الغربية حيث بات واضحا للدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا أن سوريا توشك على الوقوع في براثن الشيوعية نتيجة لتزايد النفوذ السوفيتي فيما ينطوي على ذلك من اخطار تهدد المصالح الغربية في المنطقة وآمن العدو الصهيوني وحلفائها بالمنطقة ومصالحهم الاقتصادية ومنها وضع أنابيب البترول التي تنقل البترول العراقي إلى دول المعسكر الغربي عبر الأراضي السورية تحت سيطرة السوفيت , فضلا عن أن سقوط سوريا في أيدي موسكو كان يعني حصار تركيا بالخطر السوفيتي من كل حدودها الشمالية . -التدخل الأمريكي لم يكن باستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية أن تقف موقف المتفرج من تزايد نفوذ موسكو في دمشق . إلا أنها مع ذلك لا تستطيع الاستناد إلى مبدأ ايزنهاور باعتبار أن ما يحدث داخل سوريا هو مسألة داخلية لا توجد مبررا لكى تتدخل أمريكا في سوريا . لذا فقد آثرت الولايات المتحدة الأمريكية أن تعتمد على حلفائها في المنطقة لتصدى لذلك التهديد , فأوفدت في أغسطس 1957م , " لوى اندرسون " مساعد وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للتباحث مع قادة كل من العراق والأردن وتركيا ولبنان حول خطورة الموقف في سوريا . ويروي الرئيس الأمريكي " ايزنهاور " في مذكراته عن تلك الفترة : ( أنه كان هناك شبه اجماع بين قادة هذه الدول على وجوب الاطاحة بالنظام القائم في سوريا ) . وقد تم الاتفاق خلال تلك الزيارة على أن تبادر العراق بالهجوم بينما تقوم الدول الثلاث الأخرى بحشد قواتها على الحدود مع سوريا . وقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم الامدادات العسكرية اللازمة لتعويض تلك الدول عن خسائرها , كما تعهدت بحمايتها من أي تدخل عسكري تقوم به أية قوة خارجية , إضافة إلى ذلك فقد اتخذت الولايات المتحدة سلسلة من الاجراءات العسكرية كعنصر من عناصر الردع للسوفيت حيث وضعت قاذفات القنابل الذرية للقيادة الجوية الاستراتيجية في خالة تأهب , بالإضافة إلى نقل طائرات السلاح الجوي الأمريكي من غرب أوروبا إلى جنوب تركيا . كما صدرت التعليمات للأسطول السادس الأمريكي بالتوجه إلى شرق البحر المتوسط تجاه السواحل السورية . كذلك قام العدو الصهيوني بافتعال بعض الحوادث الحدودية مع سوريا . -التهديد الروسي لتأكيد الروس على دورهم كدول عظمي لها مصالح في الشرق الأوسط فقاموا بحملة دعائية للتنديد بالتحركات التي تقوم بها الدول الموالية للغرب في المنطقة ضد سوريا وهددوا بتصعيد حدة المواجهة . كما وجهت الحكومة السوفيتية نداء إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية للامتناع عن استخدام القوة أو التدخل في الشؤون الداخلية لدول منطقة الشرق الأوسط . وبحلول سبتمبر 1957م , وامام التهديد السوفيتي تراجعت الدول العربية المجاورة لسوريا عن مهاجمتها , فقد خشى العراق أن يؤدى اشتراكه في مهاجمة سوريا إلى تفجير خطوط أنابيب بتروله التي تمر عبر الأراضي السورية , كذلك فقد آثر كل من الأردن ولبنان السلامة بعد الحملات الإذاعية التي تعرضا لها من جانب اذاعات القاهرة , كما خشيا أن يؤدى اشتراكهما في مهاجمة سوريا إلى إثارة القلاقل والاضطرابات الداخلية بدولهم من جانب انصار التيار القومي والناصري , وهكذا فلم يبق من بين الدول التي كان قد تم الاتفاق معها مع واشنطن على مهاجنة سوريا سوى تركيا التي حشدت خمسين ألفا من جنودها على الحدود مع سوريا . -التلويح بالنووي إزاء استمرار تجاهل الولايات المتحدة للمصالح السوفيتية في المنطقة , أعلن رئيس الاتحاد السوفيتي " نيكيتا خروتشوف " : ( أن الاتحاد السوفيتي ليس معنيا فحسب بالشرق الأوسط بل أنه مستعد لاستخدام القوة المسلحة إذا لزم الأمر للدفاع عن مصالحه في المنطقة , ثم اتهم " دالاس " بتحريض تركيا على مهاجمة سوريا بعد ما فشلت الولايات المتحدة في حث الدول العربية على مهاجمتها , كما هدد باستخدام الصواريخ النووية السوفيتية إذا ما تعرضت سوريا لهجوم من جانب تركيا أو أي من دول حلف بغداد ) . وعلى صعيد عسكري آخر قامت وحدات من الأسطول السوفيتي بزيارة ميناء اللاذقية السوري كأول زيارة لميناء عربي , وقد استمرت الزيارة من 19 سبتمبر وحتى 2 أكتوبر 1957م . كما جرى الإعلان عن مناورات بحرية سوفيتية ضمت وحدات من أسطول البحر الأسود . من جانب واشنطن فقد سعدت من حدة الأزمة فأعلنت أن تركيا هي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي " الناتو " وحذر " دالاس " وزير الخارجية الأمريكي آنذاك : ( من أن أي هجوم سوفيتي على الأراضي التركية سوف يقابل بضربة انتقامية تقوم بها الولايات المتحدة ضد الأراضي السوفيتية ). -المنافع المشتركة قدمت الولايات المتحدة الامريكية ما بين عام 1946 وحتى 1949م , مساعدات عسكرية إلى تركيا بلغت قيمتها الإجمالية حوالى " 13,8 مليار دولار ( 5, 8مليار دولار على شكل هبات مالية , و6, 5مليار دولار على شكل قروض ) ومع انطلاق الشرارة الأولى للحرب الباردة , انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي " الناتو " عام 1952م , انطلاقا من مبدأ " المنافع المشتركة " وقبلها اعترفت تركيا بالعدو الصهيوني عام 1950م , وبدأ الأتراك يتلقون الضمانات الأمنية ضد أي عدوان سوفيتي محتمل , من هنا تمكنت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من نشر قواتها العسكرية في تركيا لحماية مصالحها وجمع المعلومات اللوجستية وعملت على تقوية السيطرة التركية على مضيقي البسفور والدردنيل لمنع وصول السوفيت إلى البحر الأبيض المتوسط . -أروقة الأمم المتحدة انتقلت المواجهة بين القطبين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت تعقد آنذاك دورتها الثانية عشرة حيث أعلن " دالاس " في 19 سبتمبر 1957م , : ( أن تركيا تتعرض الآن لخطر عسكري من جراء تزايد الوجود السوفيتي في سوريا ) . وفي اليوم التالي مباشرة أعلن " أندريه جروميكو " وزير خارجية الاتحاد السوفيتي آنذاك : ( إن الاتحاد السوفيتي لن يقف موقفا سلبيا بينما تتحول المنطقة الملاصقة لحدوده الجنوبية إلى بؤرة للصراعات المسلحة ) وبذلك استطاعت سوريا بمساندة الاتحاد السوفيتي آنذاك أن تتقدم بشكواها ضد تركيا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة , كما أيدت موسكو اقتراح سوريا إرسال لجنة لتقصى الحقائق على الحدود التركية - السورية . وإزاء المناخ العام المساند لسوريا تراجعت الولايات المتحدة عن حث تركيا على مهاجمة الأراضي السورية وأعلن دالاس : ( إن الولايات المتحدة لا ترى ضرورة لتطبيق مبدأ ايزنهاور فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في سوريا وأنها ستلجأ إلى الوسائل التفاوضية ) .. -افشال الانقلاب حقيقة الأمر تكشف أن تركيا لم تكن قادرة بمفردها على القيام بهجوم عسكري ضد سوريا بعد تراجع بقية الدول العربية عن الاشتراك في الهجوم لأن معنى ذلك أنها كانت ستعرض نفسها لهجوم سوفيتي عبر حدودها الممتدة مع الاتحاد السوفيتي . وهكذا فقد انتهت الأزمة السورية وما ترتب عليها من مخاطر قلب نظام الحكم في دمشق بنهاية سبتمبر 1957م , إلا أنه على الرغم من انتهاء الأزمة فقد أعلن عبدالناصر في 13 أكتوبر عن إرسال قوات مصرية لمساندة سوريا في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها . كما أعلن السوفيت في 24 اكتوبر عن مناورات سوفيتية برية – بحرية مشتركة في منطقة القوقاز ومنطقة البحر الأسود . وقد أدت هذه التحركات إلى تدعيم وبقاء سلطة دمشق في سوريا وافشال واحباط المخطط الأمريكي - التركي بقلب نظام الحكم في سوريا الموالي للاتحاد السوفيتي آنذاك .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية:
الولایات المتحدة الأمریکیة
الأزمة السوریة
الشرق الأوسط
فی المنطقة
نظام الحکم
فی سوریا
فی دمشق
من جانب
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي يتحدث عن "أكبر الهزائم" التي منيت بها موسكو
اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، أن توقف تصدير الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية يشكل أكبر الهزائم التي منيت بها موسكو.
وقال زيلينسكي في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي: "عندما تولى (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين السلطة في روسيا قبل 25 عاما، كان يُضخ أكثر من 130 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى أوروبا عبر أوكرانيا".
وأضاف: "اليوم، باتت هذه الكمية صفر. يعد ذلك من بين أكبر الهزائم التي منيت بها موسكو".
كانت شركة غاز بروم الروسية قد أوقفت إمدادت الغاز إلى أوروبا، عبر أراضي أوكرانيا، وأرجعت الشركة، الخطوة لانتهاء عقد مرور الغاز، الموقع مع كييف عام 2019، ورفض الأخيرة تجديده.
وأمضت روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفياتي 50 عاما تقريبا في بناء حصة رئيسية من سوق الغاز الأوروبية، والتي بلغت في ذروتها 35 بالمئة، ولكن الحرب في أوكرانيا دمرت كل هذا العمل لشركة غازبروم العملاقة للغاز التي تسيطر عليها الدولة الروسية.
وفقدت موسكو حصتها أمام منافسين مثل النرويج والولايات المتحدة وقطر منذ حربها ضد أوكرانيا في عام 2022، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى خفض اعتماده على الغاز الروسي.
وأدى انخفاض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا إلى ارتفاع أسعاره إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق وزيادة التضخم ورفع تكاليف المعيشة في أنحاء أوروبا.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي إنه لم يتبق وقت كاف هذا العام لتوقيع اتفاق جديد لنقل الغاز عبر أوكرانيا، واتهم كييف بالمسؤولية عن ذلك لرفضها تمديد الاتفاق.
وكانت شركة غازبروم سجلت خسائر صافية قدرها سبعة مليارات دولار في عام 2023، وهي أول خسارة سنوية لها منذ عام 1999 بسبب تراجع شحناتها لأسواق الغاز في الاتحاد الأوروبي.
وذكر زيلينسكي في وقت سابق من هذا الشهر أن أوكرانيا قد تفكر في استمرار نقل الغاز الروسي لأوروبا بشرط ألا تتلقى موسكو أموالا مقابل هذه الشحنات إلا بعد انتهاء الحرب.