سورية الجديدة.. كيف نزيل الآثار النفسية والاجتماعية لحقبة الأسد؟
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
انتصر الشعب السوري في ثورته، وسقط نظام الأسد، وسقطت معه عقودٌ من القهر والاستبداد، لتشرق شمس الحرية في سماء سورية. وهذا الحدث التاريخي ليس مجرد نهاية لطاغية حكم بالنار والحديد، بل هو بداية حقبة تاريخية يستعيد فيها السوريون وطنهم المسلوب، وحلمهم بوطن حرّ يتسع للجميع. وبعد سنوات طويلة من القتل والقمع والاعتقال والدمار والتهجير، يقف الشعب السوري بعد انتصاره، أمام فرصة نادرة لصياغة مستقبله بأيدي أبنائه، متسلحين بإرادة لا تُقهر وأمل لا ينكسر.
لكنّ هذا النصر ليس المحطة الأخيرة، بل هو الخطوة الأولى نحو بناء سورية التي يحلم بها الجميع؛ دولة تقوم على العدالة والحرية والكرامة. فالرهانات كبيرة، والتحديات هائلة، والجرح عميق، ولكن الأمل أكبر، والإرادة أقوى. وهذه لحظة فارقة في تاريخ الشعب السوري؛ لحظة تتطلب منا جميعًا أن نكون على قدر المسؤولية، لنعيد بناء وطن يليق بتضحيات أبنائه، ويعيد لسورية وجهها الإنساني والحضاري العريق الذي عرفه العالم على مرّ الأزمان.
أولاً: الإرث النفسي والاجتماعي في مرحلة ما بعد سقوط الأسد
عاش السوريون تحت حكم الأسد لعقودٍ كانت فيها ثقافة الرعب والخوف أداة السلطة الأولى لإحكام السيطرة والقهر. وهو نظامٌ استخدم كل أشكال القمع، من الاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري إلى التعذيب الوحشي والمراقبة المستمرة، مما أفضى إلى انعدام الثقة بين أفراد المجتمع. وخلال الثورة السورية (2011-2024)، بلغ هذا القمع ذروته، حيث ردّ النظام على انتفاضة الشعب بالعنف المفرط والقتل الجماعي والاعتقال والتهجير. ونتيجة لذلك، شُرّدت مئات آلاف العائلات، ووجدت نفسها بلا مأوى، إما في مخيمات اللجوء أو في الشتات داخل سورية وخارجها. وهذه الحرب الطويلة لم تدمّر البنية التحتية فحسب، بل مزّقت أيضاً شبكات الدعم الاجتماعي، تاركةً ملايين السوريين يعانون من النزوح والحرمان.
وقد خلّفت هذه الحرب المدمّرة إرثًا نفسيًا ثقيلًا على السوريين، حيث يعاني كثيرون اليوم من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والقلق المزمن، والاكتئاب، إلى جانب أمراض نفسية وعقلية متزايدة. حيث نشأ جيل كامل في ظروف مأساوية، بين الحصار والجوع والتشرد، محرومًا من الشعور بالأمان أو الانتماء لوطن يحميه. وأما على الصعيد الاجتماعي، فقد تخلخلت البنية المجتمعية السورية بفعل تفكك العائلات، والتغيير الديموغرافي الناتج عن التهجير القسري، وتصاعد الانقسامات الطائفية والمناطقية والسياسية. وإن هذه التركة الثقيلة تتطلب جهودًا استثنائية لإعادة بناء الإنسان السوري، إلى جانب إعادة إعمار الوطن الذي مزقته الحرب.
ثانياً: خطوات المعالجة: بناء سورية جديدة خالية من إرث القمع
إزالة الآثار النفسية والاجتماعية لحقبة الأسد تتطلب إستراتيجية شاملة ومتكاملة، وتعتمد على نهج سياسي وفكري واجتماعي يعالج جذور الأزمة ويرسخ أسس العدالة والمصالحة. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا عبر مسارات متعددة تجمع بين الإصلاح المؤسسي، المبادرات المجتمعية، والوفاق الوطني، مع الاستفادة من تجارب دول تجاوزت صراعات مشابهة، كجنوب إفريقيا، السلفادور، ورواندا، وأفغانستان.
العدالة الانتقاليةالعدالة الانتقالية تشكّل حجر الزاوية لتحقيق السلم الأهلي واستعادة الثقة بين مكونات المجتمع السوري. ويتطلب ذلك محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت خلال سنوات الصراع لضمان عدم تكرارها، مع إعطاء الأولوية لحقوق الضحايا ورد اعتبارهم. كما يمكن الاستفادة من تجارب مثل “لجان الحقيقة والمصالحة” في جنوب إفريقيا، التي وثقت الجرائم وكشفت الحقائق، مما أسهم في تعزيز التعايش السلمي وبناء مجتمع متماسك. وإن هذه اللجان لا تهدف فقط إلى المحاسبة، بل أيضاً إلى تحقيق المصالحة، من خلال منح الضحايا فرصة لسرد معاناتهم، واستعادة كرامتهم.
دعم الصحة النفسيةإن إعادة بناء الإنسان السوري تستلزم وضع الصحة النفسية في مقدمة الأولويات الوطنية. وإنشاء مراكز دعم نفسي في جميع أنحاء سورية يمكن أن يوفر خدمات استشارية وعلاجية للمتضررين من الصراع، مع التركيز على تدريب كوادر محلية متخصصة لضمان استدامة هذه الجهود. وتُظهر تجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية أهمية العلاج النفسي المجتمعي، حيث ساعدت جلسات العلاج الجماعي وفرق الدعم المحلية الناجين على تجاوز صدماتهم، مما أتاح لهم العودة تدريجياً إلى حياة طبيعية. وسورية بحاجة إلى اِعتماد إستراتيجيات مشابهة، تركز على تقديم الدعم النفسي للناجين في المدن والقرى والمخيمات، كجزء لا يتجزأ من عملية إعادة الإعمار الاجتماعي. وهذه الخطوات ليست مجرد معالجة لآثار الماضي، بل هي استثمار في بناء مستقبل سورية، حيث يُعاد بناء الإنسان جنباً إلى جنب مع إعادة بناء الوطن.
تعزيز التعليم والتوعيةالتعليم يُعد الأداة الأكثر قوة لمحو آثار الاستبداد وترسيخ قيم التسامح والتعايش. يتطلب ذلك تطوير مناهج تعليمية جديدة تُركّز على احترام حقوق الإنسان، وتعزيز قيم المواطنة، والبناء المجتمعي، مستلهِمة الأخلاق النبوية في الصفح والعفو عند المقدرة. التصالح مع الماضي والنسيان المدروس قد يكونان عاملين أساسيين لنضج التجربة السورية في أبعادها الفكرية والعلمية. وإلى جانب ذلك، يجب إطلاق برامج توعية تستهدف الأهالي لتشجيعهم على أداء دور إيجابي في إعادة بناء النسيج الاجتماعي والديني المتنوع. وقد تكون تجربة البوسنة والهرسك مصدر إلهام، حيث طُوّرت مناهج تعليمية تروي سرديات متعددة للأحداث التاريخية، مما ساهم في تقليل حدة الانقسامات العرقية. وعلى المنوال ذاته، يمكن لسورية تبني مناهج تُرسخ مفاهيم المواطنة والتنوع الثقافي، لتنشئة أجيال قادرة على تجاوز الماضي، وبناء المستقبل.
إعادة بناء الثقةإعادة بناء الثقة بين السوريين تمثل تحدياً كبيراً، لكنها ضرورة لبناء وطن مستقر. يمكن تحقيق ذلك عبر مبادرات محلية مثل لجان المصالحة والأنشطة الثقافية التي تعزز التقارب والحوار بين الأطياف المجتمعية. وإن تجربة “محاكم الجاتشاتشا” التقليدية في رواندا تقدم درساً مهماً، حيث سمحت هذه المحاكم للمجتمعات المحلية بالالتقاء مع الجناة وجهًا لوجه لتحقيق العدالة وترسيخ الثقة. وإن تطبيق نموذج مشابه في سورية، قد يسهم في تهدئة النفوس وتخفيف وطأة الألم الذي ترسخ بسبب عقود من الظلم والانقسامات. وعلى الرغم من أن هذه الجهود قد تتطلب وقتاً طويلاً لتهدأ الجراح، فإنها تشكل خطوة ضرورية لإعادة بناء اللحمة الوطنية.
تمكين المرأة والشبابالنساء والشباب هم الفئات الأكثر تأثراً بالحرب، ولكنهم يحملون أيضاً مفتاح المستقبل. يجب أن تشمل جهود إعادة الإعمار تمكينهم من خلال إتاحة الفرص للمشاركة في صنع القرار وبرامج التنمية. ودعم المشاريع الصغيرة وتوفير التدريب المهني يمكن أن يسهم في تمكينهم اقتصادياً واجتماعياً. وتُعد تجربة جنوب إفريقيا في تمكين المرأة والشباب نموذجاً يحتذى به، حيث لعبت هذه الفئات دوراً حاسماً في تعزيز التنمية المجتمعية. ويمكن لسورية تبني خطوات مشابهة لتقديم الدعم للفئات المهمشة، ودمجها في عملية إعادة البناء، مما يسهم في بناء مجتمع متماسك، واقتصاد مستدام.
العمل على المصالحة بين المكونات الطائفية والإثنيةالشحن الطائفي، والانقسامات الإثنية التي عمّقتها الحرب في سورية تحتاج إلى معالجة شاملة وجادة، إذ يمكن تحقيق ذلك من خلال إطلاق منتديات حوار وطنية تجمع بين قادة المجتمعات المختلفة، بهدف تعزيز التفاهم وبناء جسور من العلاقات الجديدة القائمة على الاحترام المتبادل. ويجب أن تشمل هذه الجهود خطوات عملية، كتنظيم لقاءات بين النخب والقادة المحليين والمؤسسات الدينية والاجتماعية، إضافة إلى تعزيز دور الإعلام في نشر ثقافة التعايش، وإعادة بناء اللحمة الوطنية.
الاستفادة من التجارب الإنسانيةتقدم التجارب الدولية تقدّم إضاءات مهمة لسورية في مرحلتها الانتقالية. ففي ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، تم إطلاق برامج “إعادة التعليم “(Reeducation)، والتي ركزت على تعزيز قيم الديمقراطية واِحترام حقوق الإنسان، وإلى جانب إدماج الناجين من الحرب في الحياة المدنية عبر برامج تدريب وتأهيل مهني. ففي البوسنة، ساهمت برامج إعادة دمج الجنود والمدنيين المتأثرين بالحرب في تقوية التماسك المجتمعي، وهي خطوة يمكن أن تستفيد منها سورية لإعادة تأهيل الأفراد المتضررين نفسيًا واجتماعيًا، وتوفير فرص عمل تسهم في دعم الاقتصاد وبناء مجتمع متماسك.
رؤية المستقبل “بناء سورية الحرة”إن فجر الحرية الذي يشرق على سورية يمثل بداية عهد جديد مليء بالأمل والتحديات، ولكنه يحمل إمكانات هائلة لتحويل هذا البلد العريق إلى نموذج للنهضة والتعافي. وبناء سورية الجديدة يتطلب إشراك الشعب السوري في صياغة مستقبله، وإرساء دولة قائمة على المواطنة والعدالة والكرامة الإنسانية، خالية من إرث الاستبداد والإقصاء. وفي حين تتوجه الأنظار نحو إعادة الإعمار المادي، تبقى الأولوية لمعالجة الجروح النفسية والاجتماعية وبناء مجتمع متماسك ومتسامح. وإزالة آثار حقبة الأسد ضرورة لبناء وطن يتسع للجميع، وطن يُعيد لسورية دورها الحضاري، ويصبح منارة للأمل والكرامة والعدالة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الشعب السوری بناء سوریة إعادة بناء إلى جانب
إقرأ أيضاً:
انهيار النظام السوري: وثائق استخباراتية تكشف ضعف الجيش وتداعيات الهجوم المفاجئ
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرًا يسلط الضوء على الانهيار السريع للنظام السوري في نهاية 2024 من خلال وثائق سرية كانت في مقر الفرع 215 للاستخبارات العسكرية في دمشق.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تقريرًا من خمس صفحات وصل إلى مكتب ضباط المخابرات العسكرية في دمشق بعد أيام من دحر الثوار للجيش السوري من مدينة رئيسية في الشمال، وكان التقرير يحمل تفاصيل مقلقة. فقد أُجبرت قوات النخبة التي أُرسلت لتعزيز دفاعات حلب على الانسحاب "بطريقة جنونية وفوضوية" حيث وفرّ الجنود "بطريقة هستيرية" تاركين وراءهم الأسلحة والآليات العسكرية، وذلك وفقًا لتقرير صدر عن ضابط رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية في المدينة بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر.
بحلول ذلك الوقت، كان مقاتلو هيئة تحرير الشام قد وضعوا المدينة الثانية نصب أعينهم، ومع تقدمهم توالت التقارير التي وصلت إلى المقر الخرساني المكون من ثمانية طوابق للفرع 215 - وهو جزء مرهوب من جهاز الأمن الواسع للديكتاتور السوري بشار الأسد - وتضمنت التقارير تفاصيل عن سرعة واتجاه تقدم الثوار، وخطط وأوامر محمومة تهدف إلى إبطاء تقدمهم.
ذكرت الصحيفة أنه بينما كانت هيئة تحرير الشام تتقدم بسرعة في جميع أنحاء سوريا، قللت الحكومة في تصريحاتها العلنية من حجم تقدم الثوار وسعت إلى بث جو من الثقة لكن الاتصالات الداخلية بين القوات التي تحاول حماية النظام اتسمت بالقلق المتصاعد. وفي نهاية المطاف، تخلى ضباط الفرع 215 عن مواقعهم أيضًا تاركين وراءهم كومة من الأزياء الرسمية والأسلحة والذخائر إلى جانب زجاجات الويسكي الفارغة والسجائر المطفأة ورزم من تقارير المخابرات.
وأشارت الصحيفة إلى أن النجاح المفاجئ لهجوم هيئة تحرير الشام والانهيار المذهل لجيش النظام مثّلا فشلًا استخباراتيًا ذريعًا داخل سوريا وخارجها، حيث ساد اعتقاد بأن الأسد قد انتصر بعد 13 سنة من الحرب الأهلية. لكن هذا كله تغير في تشرين الثاني/نوفمبر عندما لاحظ قادة هيئة تحرير الشام أن إيران وحزب الله وآخرين ممن يساعدون في الدفاع عن الأسد يواجهون انتكاسات كبيرة، وأن روسيا منشغلة بحربها في أوكرانيا، شنت هيئة تحرير الشام هجومًا مفاجئًا وتقدمت بسرعة نحو حلب. ومع اقتراب المتمردين من المدينة في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، صدر تعميم من مقر القيادة إلى جميع فروع جهاز المخابرات هناك برفع الجاهزية القتالية، وتعليق الإجازات حتى إشعار آخر، وبعد يومين كان الثوار داخل المدينة.
أوضحت الصحيفة أن التعميم الذي يوثّق انهيار الجيش يبدأ بالإشارة إلى وصول طائرة نقل عسكرية من دمشق وعلى متنها 250 عنصرًا من المخابرات العسكرية، بمن فيهم عناصر من الفرع 215، مسلحين بقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة في محاولة أخيرة للسيطرة على المدينة. وفي غضون ساعات من انتشارهم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر تعرّضوا لهجوم من طائرات مسيّرة.
قال العميد نيكولاس موسى، ضابط المخابرات الذي كتب التقرير، إن الجهود المتكرّرة لحشد وحدات الجيش باءت بالفشل مع فرار الجنود وتركهم للأسلحة والمركبات العسكرية وأضاف أن نقص الدعم الجوي والغطاء المدفعي زاد من حالة الذعر. وفي لغة صريحة غير معتادة، لفت التقرير الانتباه إلى فساد جيش الأسد. ورد في التقرير أن فشل القيادة العسكرية أدى إلى "تراخٍ" في الصفوف وخروقات أمنية، وقال التقرير إنه تم تسريب معلومات حرجة حول مواقع القوات أثناء الهجوم، وأن "الضباط والأفراد انصرفوا إلى الاهتمامات والملذات المادية"، ولجأ أفراد الجيش إلى "أساليب غير قانونية" لإصلاح المعدات وتأمين معيشتهم، متذرعين بنقص الموارد والوضع الاقتصادي المتردي.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التشخيص يؤكد ما لاحظه المحللون لسنوات، فمع الدمار الذي لحق بالاقتصاد بسبب الحرب والعقوبات، سرّح الأسد بعض الجنود، وخفض مخصصات المجندين، وأصبح يعتمد بشكل كبير على الميليشيات المحلية والمقاتلين الأجانب الذين حشدتهم إيران، وكان التضخم قد أدى إلى تآكل قيمة رواتب الجنود النظاميين، واستشرى الفساد.
وقد أوضح سقوط حلب أن هجوم الثوار شكّل تحديًا خطيرًا لقبضة الأسد على السلطة. وحذّر تقرير في 30 تشرين الثاني/نوفمبر من وجود اتصالات وتنسيق بين الجماعات في شمال سوريا والخلايا النائمة في المنطقة الجنوبية ومحيط دمشق، ودعا إلى تشديد المراقبة والإجراءات الأمنية. وصدرت الأوامر للفرع 215 بنشر وحدات الرد السريع المسلحة على أبواب العاصمة.
وبعد الاستيلاء على حلب، شن الثوار هجومًا على مدينة حماة مهددين بذلك المدينة التالية في سلسلة المدن التي كانت في قلب استراتيجية الأسد للتمسك بالسلطة حتى مع تنازله عن السيطرة على أجزاء أخرى من البلاد. ومع تقدم الثوار، اقترح أحد التقارير الاستخباراتية أن يشن الجيش السوري هجومًا مباغتًا على الجبهة الخلفية لهيئة تحرير الشام مستهدفًا قاعدتهم القريبة في إدلب ومستفيدًا من دفاعاتها المتفرقة. وذكر التقرير أن هذه العملية يمكن أن تثير الفوضى وتخفف الضغط على القوات السورية حول حماة، ولكن يبدو أنه لم يتم اتخاذ مثل هذا الإجراء.
حذّرت التقارير من تنكر الثوار في زي قوات النظام من خلال حمل صور الأسد ورفع العلم السوري، وحذرت تقارير أخرى من أن الثوار يفخخون سيارات الإسعاف بالمتفجرات، وحذر أحدها في 4 كانون الأول/ديسمبر من أن كتائب النخبة الحمراء التابعة لهيئة تحرير الشام ستتسلل إلى حماة في تلك الليلة. استولى الثوار على المدينة في اليوم التالي، وكان هذا الانتصار نقطة تحوّل، إذ لم يبق بين الثوار والعاصمة سوى مركز سكاني رئيسي واحد هو حمص. وفي هذه الأثناء، انضمت جماعات متمردة أخرى من جميع أنحاء البلاد إلى القتال؛ حيث اندفعت جماعات المعارضة من الجنوب شمالاً نحو دمشق.
مع ضغط الثوار، ركزت أجهزة الاستخبارات بشكل متزايد على الأمن في العاصمة، وانشغلت حتى بما بدا وكأنه تفاصيل صغيرة. وقد أفاد أحد فروع المخابرات بأن عدة أفراد انتقلوا مؤخراً من الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في الشمال الغربي إلى إحدى ضواحي دمشق، محذرًا من أنهم قد يكونون خلايا نائمة. ووفقًا لتقرير آخر، أصدرت هيئة تحرير الشام تعليمات إلى عملائها في ريف دمشق بالاستعداد لتفعيل نشاطهم.
وأضافت الصحيفة أن البعض داخل النظام حاول حشد القوات للدفاع عن العاصمة حيث صدر أمر في منتصف ليلة 5 كانون الأول/ديسمبر باسم الرئيس يأمر وحدة مدرعة بالعودة إلى دمشق من دير الزور في الشرق. ومع اقتراب الثوار، قدم المخبرون طوفانًا من المعلومات الاستخباراتية عن مكان وجودهم المفترض. حدد أحدهم مزرعة دجاج فيها 20 "إرهابيًا" ودبابتين، وقال مصدر آخر إن هيئة تحرير الشام تستخدم كهفاً في ريف إدلب كمقر لها.
وأشارت الصحيفة إلى تزايد الخوف من التدخل الأجنبي مع ضعف قبضة النظام. فقد حذّر فرع فلسطين التابع لأجهزة المخابرات، المعروف بين السوريين بتعذيبه للمعتقلين، من أن الإرهابيين قرب الحدود السورية مع إسرائيل يعتزمون شن هجوم "بدعم من العدو الصهيوني". وأبلغ مصدر في صفوف الثوار المدعومين من الولايات المتحدة والمتمركزين بالقرب من الحدود الأردنية المخابرات السورية بأن الولايات المتحدة أصدرت تعليمات لهم بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر التاريخية، وذلك وفقاً لتقرير أرسل في 5 كانون الأول/ديسمبر.
وكانت القوات التركية ترافق شاحنات محملة بالعتاد والأسلحة الثقيلة عبر الحدود إلى قاعدة المتمردين السوريين في إدلب، وفقاً لمصدر يحمل الاسم الرمزي "بي دي 2-01". وبينما كان الثوار يتقدمون من الشمال، كانت جماعات المعارضة المسلحة الأخرى تقترب من الجنوب. وجاء في تقرير أرسل إلى غرفة العمليات أن مجموعات صغيرة تستقل دراجات نارية سيطرت على نقاط تفتيش عسكرية، واستولت على عربة مشاة قتالية ومركبتين مزودتين برشاشات ثقيلة.
ونقلت الصحيفة عن ضابط مخابرات متمركز في درعا أنه كان هناك اضطراب متزايد مع تدفق التقارير حول المكاسب التي حققها الثوار، وأضاف أنه حتى قبل الهجوم كانت سيطرة النظام على الجنوب ضعيفة ولم تكن نقاط التفتيش العسكرية والمواقع الأمامية أكثر من مجرد بيان رمزي لوجود النظام ومصدر دخل للعناصر الذين يمكنهم الحصول على رشاوى لتكملة رواتبهم الضئيلة.
واستمر الجيش في الانهيار حيث قال ضابط الصف الأول أحمد الرواشدة، الذي كانت وحدته تدير محطة تشويش روسية الصنع على خط الجبهة بالقرب من حمص: "أراد الجميع الفرار، حتى الضباط"؛ فبعد ست سنوات من الخدمة الإلزامية، قال إنه لم يكن لديه اهتمام كبير بإطاعة الأوامر بالقتال. وانتظر الجندي البالغ من العمر 37 سنة غروب الشمس ثم تجرّد من زيه العسكري وبندقيته وانضم إلى مجموعة من الجنود الآخرين الذين ذهبوا للاختباء في قرية قريبة حتى انتهاء القتال.
وقبل أيام فقط من سقوط دمشق، كانت هناك أوامر بتحريك القوات والمعدات لمواصلة القتال، وكان من المقرر أن تنقل الفرقة الثالثة للدبابات 400 بندقية آلية و800 مخزن ذخيرة و24 ألف طلقة إلى كتيبة في منطقة طرطوس على الساحل حيث توجد قاعدة بحرية روسية رئيسية ومعقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. وكان من المقرر أن تغادر التعزيزات إلى قاعدة الفرقة 14 غرب دمشق في منتصف نهار يوم 7 كانون الأول/ديسمبر.
وفي عشية انهيار النظام، أشار تقرير تم حجب اسم مصدره إلى اقتراب الثوار المتوقع من دمشق، وتوقع وصولهم إلى الضواحي خلال يومين والسيطرة على سجن صيدنايا؛ حيث كان المعارضون السياسيون مسجونين ومعذبين. كان التوقيت خاطئًا، لكن التنبؤ الأخير كان صائبًا إذ فقد اقتحمت قوات الثوار السجن وحررت المعتقلين بعد ساعات من هروب الأسد من البلاد.