الجزيرة:
2025-02-02@23:55:29 GMT

علاقات إسرائيل الرقمية وتوظيفها في الحرب على غزة

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

علاقات إسرائيل الرقمية وتوظيفها في الحرب على غزة

لا تعد جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة سابقة من نوعها على أرض فلسطين منذ 1948، لكنها أخذت في التصاعد منذ فك الارتباط والإجلاء القسري للمستوطنين عام 2005، حين واجه الجيش الإسرائيلي مقاومة من جانب الفصائل الفلسطينية دفعته إلى فرض حصار على غزة عام 2007 وشن سلسلة من الحروب بلغ عددها 7 منذ حرب الفرقان (الرصاص المصبوب) عام 2008-2009 وحتى طوفان الأقصى (السيوف الحديدية) عام 2023.

وإن خدمت هذه الحروب مصالح عسكرية وسياسية إسرائيلية محتملة، فإنها أضرت من الناحية الأخرى بالصورة الذهنية التي لطالما روّجت لها الدعاية الإسرائيلية (الهاسبارا) عن "المظلومية الأبدية للشعب الإسرائيلي"، و"الشرعية التاريخية على أرض فلسطين"، "وأخلاقية المبادئ الصهيونية" وغيرها، فقد بدأت هذه الصورة تتآكل تدريجيا لدى الوعي العام العالمي، خاصة مع الزخم على مواقع التواصل الاجتماعي الكاشف لجرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الإستراتيجية الإيرانية في لبنان بعد فقدان سورياlist 2 of 2أستير.. مشروع اليمين الأميركي لإسكات أنصار القضية الفلسطينيةend of list

ولجأت إسرائيل إلى توظيف شبكة من العلاقات العامة الرقمية لمواجهة المد الافتراضي للسردية المضادة لها، والتي بات فيها المستخدم متلقيا وشريكا في صناعة الحملات الإعلامية غير التقليدية. ولعل صفحة الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي من أبرز تجسيدات السياسة الإسرائيلية في مجال العلاقات العامة الرقمية، التي تسعى لرسم صورة ذهنية إيجابية للاحتلال في الرأي العام العربي.

إعلان

وقد كشفت دراسة إعلامية للباحثة في العلاقات العامة نيفين علاونة، وأستاذ الإعلام أسامة عبد الله، نشرها مركز الجزيرة للدراسات وحملت عنوان "إستراتيجية العلاقات العامة الرقمية ووظائفها في الحروب الإسرائيلية على غزة (2021-2022-2023)"، عن الرابط بين العلاقات العامة والدعاية وانحياز كليهما إلى المؤسسة الإسرائيلية الحاضنة لهما، كما حللت الدراسة منشورات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على فيسبوك، والإستراتيجية التي استخدمها في الحروب الثلاثة للترويج لوجهة نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وما نتج عنها.

وجمعت الدراسة نحو 95 منشورا لأدرعي على منصة فيسبوك خلال الحروب الثلاثة، وعرضتها على 4 متخصصين في مجال العلاقات العامة والإعلام والأدب العربي، وناقشت مع كل منهم وظائف العلاقات العامة وارتباطاتها التاريخية بالأنظمة الاستعمارية، خاصة في حالة الاحتلال الإسرائيلي، كما رصدت الأشكال المختلفة للمنشورات (نص، صورة، فيديو.. وغيرها) وأنماط تفاعل المستخدمين مع تلك المنشورات.

مساحة للتأثير

تعرّف العلاقات العامة الرقمية بالمعنى العام على أنها "الاتصال بين منظمة ما وجماهيرها على الإنترنت"، لبناء تواصل ثنائي فعال مع المستخدمين باستعمال الوسائط الرقمية. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت القناة الأكثر توظيفا في مجال العلاقات العامة، فهي تسهل على الخبراء والمحترفين بدء محادثات في الوقت الفعلي مع المستخدمين، وتحويلهم إلى مشاركين فاعلين.

وجدت النظم السياسية المهيمنة (احتلال، دكتاتوريات وغيرها) في العلاقات العامة الرقمية وسيلة لتمرير أفكارها والترويج لأجندتها وكسب ثقة جمهورها، كما استعملت في الاتجاه المعاكس لمقاومة تلك النظم وحشد الرأي العام لمعارضتها وإنهائها. وترى الدراسة أن العلاقات العامة التقليدية والرقمية هي الوارث الطبيعي لمجال "البروباغاندا"، فهي تتداخل وظيفيا مع السياسات الاستعمارية الجديدة للقطب العالمي الأوحد، الولايات المتحدة.

إعلان

وتتبع إسرائيل تماما أسلوب حليفتها عندما يتعلق الأمر بصراعها السياسي والعسكري الدائر في المنطقة منذ أكثر من 70 عاما. ووجدت في مواقع التواصل الاجتماعي امتدادا عميقا لوسائل الإعلام التقليدية، بدأت عبرها في استعمال اللغة العربية لتعزيز صورتها كدولة "سلام ومحبة وتسامح" منفتحة على اللغات والثقافات الأخرى، وهو أسلوب لا يتبعه أدرعي وحده، بل وزارة الخارجية وديوان رئيس الوزراء والشرطة والجيش وغيرها.

فمثلا، استعان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالدبلوماسي والسياسي أوفير جندلمان -وهو أيضا المتحدث باسم رئيس الوزراء- لمخاطبة الجمهور العربي عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، كما شجع صانعي القرار الإسرائيليين على تعلم اللغة العربية لتعزيز الصورة الذهنية لإسرائيل لدى المواطن العربي.

ويعود مصطلح الصورة الذهنية إلى أواخر القرن الـ19، إذ أدرك القادة أهمية فهم صورتهم الذهنية لدى الجماهير، وقدم ويليام بينو في عام 1997 ما سمي "خيارات الرسائل أثناء الأزمات" لإصلاح سمعة مؤسسة ما، مثل إستراتيجية الإنكار، والتهرب من المسؤولية، والحد من إساءة الحدث والتخفيف من حدته وغيرها.

ويرتبط الإقناع بصورة مباشرة مع إستراتيجيات إصلاح الصورة الذهنية، فهو في إحدى صوره عبارة عن عملية محاججة تقوم على 3 عناصر تحكم العلاقة الديناميكية بين المتصل والمتلقي، يسميها أرسطو "البراهين الفنية"، وهي "سمعة المتكلم"، و"العاطفة المستخدمة"، و"المنطق"، وهو ما يوظفه أردعي في منشوراته للتلاعب بعقول المستخدمين وعواطفهم، لنقل صورة سلمية عن الاحتلال وإلقاء اللوم على الفلسطينيين ضمن إطار الاستعمار الثقافي.

أفيخاي أدرعي نموذجا

لا توفر صفحة أدرعي الحقائق الإحصائية لحجم متابعة منشوراتها، مما يسمح للقائمين عليها بالتعامل مع الواقع الاتصالي بطريقة انطباعية بحتة، مثل "المتابعة المليونية للصفحة"، وهو ما يتيح إعادة تأطير المادة الإعلامية بحرية أكبر. بكلمات أخرى، يحاول القائمون على الصفحات تغييب الحقائق "كاستمالة إقناعية" لتصدير "الاستمالة العاطفية"ّ بدلا عنها، وهو ما يساعد على تثبيت (أو محاولة تثبيت) فرضية "المظلومية الأبدية لشعب إسرائيل" مقابل فرضية "العدائية الأبدية لشعب فلسطين غير المنضبط أخلاقيا ونفسيا".

إعلان

فعلى سبيل المثال، لا يمكن الاطلاع على حجم المتابعة لتغطية أدرعي لحرب "طوفان الأقصى"، وهناك احتمال عال جدا أن ادعاءاته حول المتابعة العالية لمنشوراته غير صحيحة، فقد ظهرت بعض التفاعلات المجهولة المصدر، كما أن بعضها يعود للتعليقات السلبية والتفاعلات الغاضبة من قبل الجمهور الفلسطيني، وهو ما يرفع التفاعل على صفحته.

ويحرص أدرعي على استخدام شكل "نص وصورة" أو "نص وفيديو" في منشوراته على فيسبوك، ليسمح للمستخدم بمتابعة الحجج التي يقدمها أدرعي وربطها بصريا من خلال المادة الإعلامية المعروضة، فتلعب المادة المعروضة دور الدليل على الحقائق التي يكتبها أدرعي في منشوره.

ويقوم خطاب أدرعي في منصات التواصل على إبراز الثنائيات المتضادة، مثل (مدافع/مهاجم)، (مسالم/إرهابي)، (محب للحياة/محب للموت) وغيرها، كما أنه يتبع إستراتيجيات تواصلية أخرى من قبيل "الإنكار" و"التهرب من المسؤولية" و"التقليل من شأن الحدث"، عبر حجج تزيد من مصداقية المتحدث وتستميل عاطفة المستمع، لترسخ في النهاية شرعية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

[يمكنكم الاطلاع على الدراسة الإعلامية كاملة وما تضمنته من أرقام وبيانات، من خلال هذا الرابط في موقع الجزيرة للدراسات].

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات العلاقات العامة الرقمیة التواصل الاجتماعی الصورة الذهنیة وهو ما

إقرأ أيضاً:

من الأنس إلى التباهي: دعوة لكسر قيد المظاهر والبهرجة

خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام، وخلق له حواء لتكون له السكن والرفيقة والزوجة الحبيبة.

منذ ذلك الحين، والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع العيش بمفرده.

كما قال أرسطو: “الإنسان مدني بطبعه”، وأكدت مقولة ابن خلدون أن الإنسان لا يستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي دون التعاون والتآزر مع الآخرين.

لكن مع تقدم الحياة المدنية، تراجعت العلاقات الإنسانية الحقيقية بشكل ملحوظ بسبب الانغماس في المظاهر الزائفة والبهرجة المفرطة.
أصبحت استضافة الضيوف أشبه بسباق محموم بين الأسر، كلٌّ يسعى لإثبات تفوقه في تقديم الأطباق والضيافة الفاخرة، متناسيًا جوهر العلاقة الإنسانية القائمة على الونس والأنس.

تغيرات اجتماعية مؤسفة
ففي الماضي كان الناس يجتمعون ببساطة للاستمتاع بالوقت مع بعضهم البعض، أما اليوم!
فبات الإنسان المعاصر يركز على المظاهر لإثبات مكانته.
نجد البعض يتباهون بسيارات باهظة الثمن ليست ملكهم، بل تم شراؤها بالتقسيط الذي يثقل كاهلهم.
المنازل أصبحت تعج بالمفروشات الفاخرة، لكن تُخصص غرف الضيوف للاستخدام النادر، بينما تضيق الأسرة على نفسها في غرفة المعيشة والمطبخ.

أصبح الإنسان المعاصر رهين المظاهر، يهدر ماله ووقته فقط لإبهار الآخرين.

حيث يستقبل ضيفًا واحدًا بإنفاق مبالغ طائلة على تجهيزات وكأنها لحدث عالمي، من شراء الشوكولاتة الفاخرة إلى الذبائح والمقبلات التي قد تكلفهم معيشة شهر كامل.

تُرى ما هي أسباب الميل للمادية والبهرجة؟

1. السوشيال ميديا: التباهي بما يمتلكه الفرد ونشر التفاصيل اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي.
2. ضعف القيم الحقيقية: تحوّل المجتمع من تقدير البساطة والعلاقات الإنسانية إلى تقدير المظاهر والماديات.
3. المنافسة الاجتماعية: تسابق العائلات لإظهار مستوى معيشتهم العالي.
4. الإعلانات والضغوط الاستهلاكية: تشجيع الناس على شراء الكماليات باعتبارها ضرورة.

ولكن!
ما هي الحلول للحد من هذه الظاهرة؟

1. تعزيز القيم الأصيلة: من نشر الوعي بأهمية البساطة وقيمة العلاقات الإنسانية على المظاهر من قِبل مختصين على وسائل التواصل الإجتماعي.
2. نشر الوعي تنظيم الأولويات المالية: وذلك من قِبل مختصين في المال والاقتصاد وتوعية المجتمع في التركيز على الاستثمار في الضروريات بدلاً من الكماليات.
3. التوعية المجتمعية: تنظيم حملات من مختصي علم الإجتماع من خلال الإعلام التقليدي المرئي والمسموع، والإعلام الجديد على وسائل التواصل الإجتماعي لتشجيع العائلات أن جوهر العلاقات هو الاستمتاع بالوقت مع بعضهم بدلاً من التباهي.
4. التواصل الفعّال: تنظيم حملات من مختصي علم الإجتماع من خلال الإعلام التقليدي المرئي والمسموع، والإعلام الجديد على وسائل التواصل الإجتماعي بتوعية العائلات بالتركيز على بناء علاقات مبنية على الاحترام والمودة بدلًا من التنافس.
5. التربية الواعية: تعليم الأجيال الجديدة وهنا دور الأهل بالتعاون مع وزارة التعليم بالمناهج المدرسية بغرس قيم القناعة والاعتدال.

ختامًا، إن العودة إلى البساطة في العلاقات والاجتماعات الإنسانية كفيلة بإحياء الأنس الحقيقي بين الناس، وتخفيف عبئ المظاهر التي استنزفت القيم المادية والمعنوية على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • هل تذهب تركيا إلى الحرب مع إسرائيل من أجل سوريا؟
  • خبير علاقات دولية: نتنياهو انتهى سياسيًا ويحاول إنقاذ مستقبله بإشعال الضفة
  • خبير علاقات دولية: نتنياهو انتهى سياسيا ويحاول إنقاذ مستقبله بإشعال الضفة
  • خبير علاقات دولية: نتنياهو يريد إشعال الضفة الغربية للحفاظ على صورته سياسيا
  • جيش المليشيات.. كتاب صادم لضابط إسرائيلي يفضح آلة الحرب الإسرائيلية
  • أعضاء من النيابة العامة يشاركون في ورشة حول الأدلة الرقمية ومكافحة الإرهاب في مالطا
  • من الأنس إلى التباهي: دعوة لكسر قيد المظاهر والبهرجة
  • صحة غزة تُصدر آخر إحصائيات الحرب الإسرائيلية على القطاع
  • يديعوت تكشف تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة
  • سنجر: صورة الرئيس السيسي مع إبراهيم رئيسي في جيروزاليم بوست الإسرائيلية تهديد مباشر