علاقات إسرائيل الرقمية وتوظيفها في الحرب على غزة
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
لا تعد جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة سابقة من نوعها على أرض فلسطين منذ 1948، لكنها أخذت في التصاعد منذ فك الارتباط والإجلاء القسري للمستوطنين عام 2005، حين واجه الجيش الإسرائيلي مقاومة من جانب الفصائل الفلسطينية دفعته إلى فرض حصار على غزة عام 2007 وشن سلسلة من الحروب بلغ عددها 7 منذ حرب الفرقان (الرصاص المصبوب) عام 2008-2009 وحتى طوفان الأقصى (السيوف الحديدية) عام 2023.
وإن خدمت هذه الحروب مصالح عسكرية وسياسية إسرائيلية محتملة، فإنها أضرت من الناحية الأخرى بالصورة الذهنية التي لطالما روّجت لها الدعاية الإسرائيلية (الهاسبارا) عن "المظلومية الأبدية للشعب الإسرائيلي"، و"الشرعية التاريخية على أرض فلسطين"، "وأخلاقية المبادئ الصهيونية" وغيرها، فقد بدأت هذه الصورة تتآكل تدريجيا لدى الوعي العام العالمي، خاصة مع الزخم على مواقع التواصل الاجتماعي الكاشف لجرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الإستراتيجية الإيرانية في لبنان بعد فقدان سورياlist 2 of 2أستير.. مشروع اليمين الأميركي لإسكات أنصار القضية الفلسطينيةend of listولجأت إسرائيل إلى توظيف شبكة من العلاقات العامة الرقمية لمواجهة المد الافتراضي للسردية المضادة لها، والتي بات فيها المستخدم متلقيا وشريكا في صناعة الحملات الإعلامية غير التقليدية. ولعل صفحة الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي من أبرز تجسيدات السياسة الإسرائيلية في مجال العلاقات العامة الرقمية، التي تسعى لرسم صورة ذهنية إيجابية للاحتلال في الرأي العام العربي.
إعلانوقد كشفت دراسة إعلامية للباحثة في العلاقات العامة نيفين علاونة، وأستاذ الإعلام أسامة عبد الله، نشرها مركز الجزيرة للدراسات وحملت عنوان "إستراتيجية العلاقات العامة الرقمية ووظائفها في الحروب الإسرائيلية على غزة (2021-2022-2023)"، عن الرابط بين العلاقات العامة والدعاية وانحياز كليهما إلى المؤسسة الإسرائيلية الحاضنة لهما، كما حللت الدراسة منشورات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي على فيسبوك، والإستراتيجية التي استخدمها في الحروب الثلاثة للترويج لوجهة نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وما نتج عنها.
وجمعت الدراسة نحو 95 منشورا لأدرعي على منصة فيسبوك خلال الحروب الثلاثة، وعرضتها على 4 متخصصين في مجال العلاقات العامة والإعلام والأدب العربي، وناقشت مع كل منهم وظائف العلاقات العامة وارتباطاتها التاريخية بالأنظمة الاستعمارية، خاصة في حالة الاحتلال الإسرائيلي، كما رصدت الأشكال المختلفة للمنشورات (نص، صورة، فيديو.. وغيرها) وأنماط تفاعل المستخدمين مع تلك المنشورات.
مساحة للتأثيرتعرّف العلاقات العامة الرقمية بالمعنى العام على أنها "الاتصال بين منظمة ما وجماهيرها على الإنترنت"، لبناء تواصل ثنائي فعال مع المستخدمين باستعمال الوسائط الرقمية. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت القناة الأكثر توظيفا في مجال العلاقات العامة، فهي تسهل على الخبراء والمحترفين بدء محادثات في الوقت الفعلي مع المستخدمين، وتحويلهم إلى مشاركين فاعلين.
وجدت النظم السياسية المهيمنة (احتلال، دكتاتوريات وغيرها) في العلاقات العامة الرقمية وسيلة لتمرير أفكارها والترويج لأجندتها وكسب ثقة جمهورها، كما استعملت في الاتجاه المعاكس لمقاومة تلك النظم وحشد الرأي العام لمعارضتها وإنهائها. وترى الدراسة أن العلاقات العامة التقليدية والرقمية هي الوارث الطبيعي لمجال "البروباغاندا"، فهي تتداخل وظيفيا مع السياسات الاستعمارية الجديدة للقطب العالمي الأوحد، الولايات المتحدة.
إعلانوتتبع إسرائيل تماما أسلوب حليفتها عندما يتعلق الأمر بصراعها السياسي والعسكري الدائر في المنطقة منذ أكثر من 70 عاما. ووجدت في مواقع التواصل الاجتماعي امتدادا عميقا لوسائل الإعلام التقليدية، بدأت عبرها في استعمال اللغة العربية لتعزيز صورتها كدولة "سلام ومحبة وتسامح" منفتحة على اللغات والثقافات الأخرى، وهو أسلوب لا يتبعه أدرعي وحده، بل وزارة الخارجية وديوان رئيس الوزراء والشرطة والجيش وغيرها.
فمثلا، استعان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالدبلوماسي والسياسي أوفير جندلمان -وهو أيضا المتحدث باسم رئيس الوزراء- لمخاطبة الجمهور العربي عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، كما شجع صانعي القرار الإسرائيليين على تعلم اللغة العربية لتعزيز الصورة الذهنية لإسرائيل لدى المواطن العربي.
ويعود مصطلح الصورة الذهنية إلى أواخر القرن الـ19، إذ أدرك القادة أهمية فهم صورتهم الذهنية لدى الجماهير، وقدم ويليام بينو في عام 1997 ما سمي "خيارات الرسائل أثناء الأزمات" لإصلاح سمعة مؤسسة ما، مثل إستراتيجية الإنكار، والتهرب من المسؤولية، والحد من إساءة الحدث والتخفيف من حدته وغيرها.
ويرتبط الإقناع بصورة مباشرة مع إستراتيجيات إصلاح الصورة الذهنية، فهو في إحدى صوره عبارة عن عملية محاججة تقوم على 3 عناصر تحكم العلاقة الديناميكية بين المتصل والمتلقي، يسميها أرسطو "البراهين الفنية"، وهي "سمعة المتكلم"، و"العاطفة المستخدمة"، و"المنطق"، وهو ما يوظفه أردعي في منشوراته للتلاعب بعقول المستخدمين وعواطفهم، لنقل صورة سلمية عن الاحتلال وإلقاء اللوم على الفلسطينيين ضمن إطار الاستعمار الثقافي.
أفيخاي أدرعي نموذجالا توفر صفحة أدرعي الحقائق الإحصائية لحجم متابعة منشوراتها، مما يسمح للقائمين عليها بالتعامل مع الواقع الاتصالي بطريقة انطباعية بحتة، مثل "المتابعة المليونية للصفحة"، وهو ما يتيح إعادة تأطير المادة الإعلامية بحرية أكبر. بكلمات أخرى، يحاول القائمون على الصفحات تغييب الحقائق "كاستمالة إقناعية" لتصدير "الاستمالة العاطفية"ّ بدلا عنها، وهو ما يساعد على تثبيت (أو محاولة تثبيت) فرضية "المظلومية الأبدية لشعب إسرائيل" مقابل فرضية "العدائية الأبدية لشعب فلسطين غير المنضبط أخلاقيا ونفسيا".
إعلانفعلى سبيل المثال، لا يمكن الاطلاع على حجم المتابعة لتغطية أدرعي لحرب "طوفان الأقصى"، وهناك احتمال عال جدا أن ادعاءاته حول المتابعة العالية لمنشوراته غير صحيحة، فقد ظهرت بعض التفاعلات المجهولة المصدر، كما أن بعضها يعود للتعليقات السلبية والتفاعلات الغاضبة من قبل الجمهور الفلسطيني، وهو ما يرفع التفاعل على صفحته.
ويحرص أدرعي على استخدام شكل "نص وصورة" أو "نص وفيديو" في منشوراته على فيسبوك، ليسمح للمستخدم بمتابعة الحجج التي يقدمها أدرعي وربطها بصريا من خلال المادة الإعلامية المعروضة، فتلعب المادة المعروضة دور الدليل على الحقائق التي يكتبها أدرعي في منشوره.
ويقوم خطاب أدرعي في منصات التواصل على إبراز الثنائيات المتضادة، مثل (مدافع/مهاجم)، (مسالم/إرهابي)، (محب للحياة/محب للموت) وغيرها، كما أنه يتبع إستراتيجيات تواصلية أخرى من قبيل "الإنكار" و"التهرب من المسؤولية" و"التقليل من شأن الحدث"، عبر حجج تزيد من مصداقية المتحدث وتستميل عاطفة المستمع، لترسخ في النهاية شرعية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
[يمكنكم الاطلاع على الدراسة الإعلامية كاملة وما تضمنته من أرقام وبيانات، من خلال هذا الرابط في موقع الجزيرة للدراسات].
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات العلاقات العامة الرقمیة التواصل الاجتماعی الصورة الذهنیة وهو ما
إقرأ أيضاً:
الدمار في غزة.. ارتكاب إسرائيل جرائم حرب ضد البيئة
خلفت الحرب في غزة خسائر فادحة في البيئة، وتلوثت إمدادات المياه، وتدفقت مياه الصرف الصحي الخام إلى البحر الأبيض المتوسط، ودمرت التربة الخصبة، وجردت الأرض من الأشجار.
أدت الحرب إلى قطع إمدادات المياه وتعطيل مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، مما تسبب في تدفق النفايات الخام عبر الأرض، مما أدى إلى تلويث البحر الأبيض المتوسط واحتياطيات المياه الجوفية الضرورية لري المحاصيل.
كما تضرر أكثر من ثلثي الأراضي الزراعية في غزة، بما في ذلك الآبار والدفيئات الزراعية، أو دُمر بسبب القصف والأعمال العسكرية.
وتظهر الصور التفصيلية التي التقطتها الأقمار الصناعية منذ بدء وقف إطلاق النار في التاسع عشر من يناير، أن 80% من أشجار غزة قد ضاعت. فضلاً عن ذلك، عانت الأراضي الرطبة الحيوية، والكثبان الرملية، والمياه الساحلية، والنهر الوحيد المهم، وادي غزة، من أضرار بالغة.
ويحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن تجريد الأشجار والشجيرات والمحاصيل من الأشجار ألحق أضراراً بالغة بالتربة في هذه المنطقة التي كانت خصبة ومتنوعة بيولوجياً وذات مياه وفيرة، مما يجعلها تواجه خطر التصحر على المدى الطويل.
قال سعيد باقري، المحاضر في القانون الدولي بجامعة ريدينج في المملكة المتحدة، إن الطبيعة هي “الضحية الصامتة لحرب إسرائيل على غزة”.
في ظل توقف مرافق المياه، تلجأ الأسر الفلسطينية إلى أخذ المياه من آبار ملوثة محتملة أو من صهاريج غير خاضعة للرقابة.
لجنة دولية لتقصي الحقائق وتقييم الأضرار
وفي الأسبوع الماضي، دعا العالم أحمد حلس، رئيس المعهد الوطني للبيئة والتنمية، وهو مركز أبحاث فلسطيني رائد، إلى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق “لتقييم الأضرار ووضع الأساس لاستعادة البيئة والتعافي على المدى الطويل”.
وقال حلس، هذه اللجنة يجب أن “تعطي الأولوية لإعادة تأهيل مصادر المياه، وإصلاح التربة، واستعادة الأراضي الزراعية”.
وكشف تقرير تفصيلي لمنصة Yale Environment 360، الكثير من الأرقام والحقائق والوثائق والمصادر بشأن ما تتعرض لها البيئة في غزة، حيث تمتد أراضي غزة الفلسطينية على طول 24 ميلاً على طول ساحل شرق البحر الأبيض المتوسط، ورغم صغر مساحتها، فإنها تشكل نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي، حيث تلتقي الحياة البرية من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
وتضم أكثر من 250 نوعًا من الطيور و100 نوع من الثدييات، من القطط البرية والذئاب إلى النمس وجرذان الخلد، وفقًا لأبحاث أجريت على مدى العقدين الماضيين من قبل الخبير الأول في حيوانات ونباتات المنطقة، عبد الفتاح عبد ربه من الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، حيث كانت احتياطيات المياه الجوفية الوفيرة سبباً في دعم الحياة البرية والبشرية في غزة.
فيما قال مارك زيتون، المدير العام لمركز جنيف للمياه، الذي يدافع عن السلام من خلال الدبلوماسية بشأن المياه: “لقد وفرت الآبار الرملية الضحلة إمداداً وفيراً من المياه العذبة التي تمنح الحياة”، وكانت هذه المياه، التي تغطيها تربة خصبة، السبب وراء فرار العديد من الفلسطينيين إلى غزة بعد طردهم من ديارهم على يد الميليشيات في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948.
ولكن عدد سكان غزة ارتفع منذ ذلك الحين إلى أكثر من مليوني نسمة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض ــ وهي تنافس سنغافورة، ولكن من دون ناطحات السحاب.
أدى هذا إلى فرض ضغوط هائلة على المياه الجوفية، وكان الاستخراج قبل الحرب أكبر بثلاث مرات من إعادة تغذية المياه من مياه الأمطار والتسرب من وادي غزة، الذي تقلص بسبب السدود المقامة أعلى النهر في إسرائيل.
المياه الجوفيةوتناولت مضة Yale Environment 360 ، وضع المياه الجوفية وما تسبب فيه من تسلل مياه البحر المالحة إلى طبقة المياه الجوفية، والتي وصلت إلى أن أكثر من 97% من المياه الجوفية التي كانت حلوة ذات يوم في غزة أصبحت مع 2023 غير صالحة للشرب، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، وعلى نحو متزايد، اقتصر استخدام مياه الآبار على ري المحاصيل.
وتأتي إمدادات المياه العامة إلى حد كبير من محطات تحلية مياه البحر التي تم بناؤها بمساعدة دولية، بالإضافة إلى المياه التي يتم توصيلها من إسرائيل عبر ثلاثة خطوط أنابيب عبر الحدود.
ولكن منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، تقلصت الإمدادات العامة بشكل كبير ففي أكتوبر الماضي، أفادت سلطة المياه الفلسطينية بأن 85% من مرافق المياه أصبحت معطلة جزئيا على الأقل، وانخفض إنتاج ابار إمدادات المياه بأكثر من النصف، وتفتقر محطات تحلية المياه إلى الطاقة، في حين قلصت إسرائيل الإمدادات عبر خطوط الأنابيب.
ووجدت دراسة استقصائية، كشفت عنها منصة Yale Environment 360 ، أن 14% فقط من الأسر لا تزال تعتمد على الإمدادات العامة، وكان معظمهم يأخذون المياه من آبار مفتوحة ملوثة أو من صهاريج خاصة غير خاضعة للتنظيم.
وفي سبتمبر، اتهم بيدرو أروجو أجودو، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي، تقييد الوصول إلى المياه النظيفة “بأنه يستخدم بوضوح كسلاح في غزة ضد السكان المدنيين الفلسطينيين”.
بعد بدء الحرب، أصبحت محطات معالجة مياه الصرف الصحي خارج الخدمة، وأظهرت صور الأقمار الصناعية سحبًا من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى البحر.
تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية
وأصبح مصير المياه الجوفية الوفيرة ذات يوم ــ شريان الحياة لكل من الحياة البشرية والطبيعية ــ معلقاً بخيط رفيع.
ومع توقف معظم الآبار حالياً عن الاستخدام في الزراعة المروية، ربما يكون سحب المياه من طبقة المياه الجوفية قد انخفض، ولكن الحرب أدت إلى زيادة تلوث ما تبقى من المياه.
وتتعدد التهديدات، إذ يحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الجهود الإسرائيلية لاستخدام مياه البحر لإغراق ما يقدر بنحو 300 ميل من الأنفاق التي حفرتها حماس تحت غزة قد تؤدي إلى تلويث المياه الجوفية تحتها.
كما تختنق البيئة البحرية بمياه الصرف الصحي، ففي عام 2022، نجح عالم البيئة الإسرائيلي جدعون برومبرج، الذي يرأس منظمة إيكوبيس الشرق الأوسط غير الحكومية العابرة للحدود الوطنية، في إقناع السلطات الأمنية الإسرائيلية بالسماح لغزة باستيراد الأسمنت لبناء ثلاث محطات جديدة لمعالجة مياه الصرف الصحي على طول الساحل.
واكتمل العمل، وفي الصيف التالي، تمكن الفلسطينيون والإسرائيليون، لأول مرة منذ سنوات عديدة، من السباحة بأمان من شواطئهم المتوسطية دون مواجهة مياه الصرف الصحي الخام في غزة.
وعادت الأسماك وتم تسجيل فقمة البحر الأبيض المتوسط لأول مرة على الإطلاق قبالة غزة.
ولكن بحلول بداية عام 2024، بعد بضعة أشهر من بدء الحرب، كانت جميع المحطات معطلة وأظهرت صور الأقمار الصناعية أعمدة من مياه الصرف الصحي تتدفق إلى البحر.
تدمير البيئة المبنية في غزة يشكل أيضاً تهديداً للبيئة الطبيعية. وتقدر وكالات الأمم المتحدة، أن الحرب خلفت أكثر من 40 مليون طن من الأنقاض، التي تحتوي على بقايا بشرية، وأسبستوس ومواد خطرة أخرى، وذخائر غير منفجرة.
يؤكد بعض المحامين الدوليين، أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب ضد البيئة الطبيعية في غزة بقدر ما ترتكب جرائم حرب ضد شعبها، وتحظر اتفاقية جنيف الحرب التي قد تسبب “أضراراً واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة للبيئة الطبيعية”.
ووجدت تحليلات صور الأقمار الصناعية التي أجرتها مجموعة Forensic Architecture، وهي مجموعة متعددة التخصصات من الباحثين في كلية جولدسميث، وهي جزء من جامعة لندن، مكرسة لكشف “عنف الدولة والشركات”، أن أكثر من 2000 مزرعة ودفيئة ومواقع زراعية أخرى قد دمرت، “غالبًا لتحل محلها أعمال ترابية عسكرية إسرائيلية”.
ومن بين الكنوز البيئية الأخرى التي لحقت بها أضرار بالغة منطقة المواصي، وهي شريط ضيق خصيب من الكثبان الرملية بالقرب من الحدود مع مصر.
ففي الماضي كانت قليلة السكان وغنية بالحياة البرية التي تجتذبها المستنقعات الصغيرة التي تتشكل وسط الكثبان الرملية حيث تطفو المياه الجوفية على السطح.
وقد سجل 135 نوعاً من الطيور هناك، بما في ذلك العديد من طيور الشمس الفلسطينية، فضلاً عن 14 نوعاً من الثدييات و20 نوعاً من الزواحف، وتكشف صور يين للمنطقة عن فقدان شبه كامل للأشجار منذ مايو، والتي حلت محلها في بعض الأحيان حفر القصف.
كل هذا يشكل نبأ سيئاً ليس فقط بالنسبة للناس، بل وأيضاً بالنسبة للحياة البرية، فالمساحة المتاحة للطبيعة للازدهار في غزة محدودة للغاية، ومع ذلك، فقد توصلت الأبحاث طويلة الأمد التي أجراها عبد ربه إلى أنه على الرغم من الضغوط السكانية البشرية، فقد انتعشت بعض الأنواع في السنوات الأخيرة.
فبعد إخلاء سلسلة من المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة في عام 2005، “تسللت العشرات من الذئاب العربية وغيرها من الحيوانات آكلة اللحوم بشكل متقطع عبر ثغرات في الحدود إلى الشرق من قطاع غزة”.
حفرت الحيوانات جحورًا تحت الأسوار الأمنية الإسرائيلية للوصول إلى الماشية والدواجن المنزلية، بالإضافة إلى الفرائس الصغيرة التي تعيش في مكبات النفايات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي.
ولكن هناك أيضًا عوامل جذب طبيعية للحياة البرية، فوادي غزة، الذي يقسم المنطقة، يعد محطة توقف مهمة للطيور المائية المهاجرة، بما في ذلك طيور البلشون واللقالق وطيور النحام والطيور الجارحة، فضلاً عن كونه موطنًا لطائر الشمس الفلسطيني، الطائر الوطني للمنطقة.
ولا يزال الوادي يتمتع بجاذبية كبيرة على الرغم من معاناته الشديدة في العقود الأخيرة من تحويلات المياه إلى المنبع ومياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها من مخيمات اللاجئين.
وفي عام 2000، جعلت السلطة الفلسطينية من الوادي المحمية الطبيعية الوحيدة في المنطقة، وفي عام 2022، بدأ العمل في مشروع للأمم المتحدة بقيمة 50 مليون دولار للحد من التلوث واستعادة بيئته.
ولكن مع بدء الحرب توقفت هذه الأعمال، وعلى مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية، تحول الوادي مرة أخرى إلى مجاري صرف صحي ومكب نفايات