جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-03@12:22:36 GMT

الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تأتي بخمس

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تأتي بخمس

سلطان بن ناصر القاسمي
الحياة ليست مجرد أيام تمضي ولا أحداث تتكرر؛ بل هي كتاب مفتوح يخط فيه كل إنسان قصته الخاصة. في هذا الكتاب، تأتي الخيارات مثل مفترقات الطرق، بعضها يضيء الدرب ويقود إلى الازدهار والسعادة، وبعضها ينحدر إلى ما يطفئ البصيرة ويثقل القلب بالندم. 
وبين هذه الطرق، تظهر لنا تلك الخمس التي تأتينا بخمس أخرى، لتفتح لنا أبواب الفهم والبصيرة.

فما أروع أن نعي هذه الحقائق، ونتأمل في دلالاتها، ونستفيد من مكنوناتها لنرسم حياتنا بألوان الحكمة والجمال.
وتستمر الأحداث في مسلسل الأيام التي نعيشها، لتعلمنا من دروسها العبر والمواعظ، وليستفيق ذو الألباب من يعي تلك الدروس ويفهمها، ويسقط من لا يدرك ويعي تلك الدروس في مسلسل الأحداث اليومية. لتأتينا هذه المرة بخمس، فأول تلك الخمس هو الاستغفار الذي يأتي بالرزق، وهذا لا يعني أنه بمجرد حصول الاستغفار يحصل الرزق للمستغفر مباشرة، فهذا ليس هو المقصود؛ بل المقصود: أن الاستغفار سبب في حصول الرزق، ولا يلزم من وجود السبب وجود المسبب، فقد يكون هناك مانع، ومن موانع الرزق: المعاصي، والمؤمن الذي يُكثر من الاستغفار يجعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. والاستغفار يكون سببًا لنور القلب ومن أسباب استجابة الدعاء؛ حيث كان الاستغفار من ورد سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، لذلك تجدنا نحن كمسلمين ملتزمين بأن نبدأ وردنا اليومي بالاستغفار لنستغفر 100 مرة كل يوم في الصباح والمساء.
كما أن غض البصر يأتي بالفراسة، والفراسة عند العرب تعني علمًا من علوم الطبيعة يُعرف به أخلاق وطبائع الناس الباطنية من النظر إلى أحوالهم الظاهرة كاللون والأشكال أو حتى الأعضاء، أو تعتبر الاستدلال بالأخلاق الظاهرة على الأخلاق الباطنة. وتعتبر الفراسة مهارة ممتازة لمن يمتلكها، كما أن غض البصر يعتبر الطريق الوحيد لسد باب الفتنة وعدم الوقوع في المحرمات. والله سبحانه وتعالى أمرنا بغض البصر؛ حيث قال: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].
لنأتي إلى شيء آخر يأتي بالخير، وهو الحياء. الحياء يعتبر زينة المؤمنين؛ حيث يمنع الإنسان من إتيان القبيح. لذلك قيل عن المرء بحيائه ولا إيمان لمن لا حياء له. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «استحيوا من الله حق الحياء». قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذاك. ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء». ولذلك علينا أن نفرق بين الحياء والخجل، فالثاني يظهر في ملامح الوجه؛ حيث تتغير به هيبة الإنسان ويظهر عليه الريبة عند ذهاب الحجة. أما الحياء فيعني الارتداع بقوة الحياء عن الوقوع في المحرمات، لأن الإنسان لا تتغير هيبته، وبالتالي يقال الإنسان يستحي في الحال أن يفعل كذا، ولا يقال يخجل أن يفعله، والسبب أن هيبته تتغير منه قبل أن يفعله، وبالتالي الخجل مما كان والحياء مما يكون.
لنكمل الخمس بلين الكلام الذي يأتي بالمسألة. وعلينا أن نتجنب الكلمات الجافة الجارحة عند مخاطبة الآخرين. لذلك، يتكرر في حياتنا مواقف نرى فيها أثر الكلمة عندما تُقال في غير محلها، حتى وإن كانت على سبيل المزاح أو الطرافة. فكلمة واحدة قد تتسبب في إحراج الآخرين أو جرح مشاعرهم دون قصد، مما يؤدي إلى سوء تفاهم قد يترك أثرًا عميقًا. لذا، من الحكمة أن نزن كلماتنا ونختارها بعناية، لأن الكلمة الطيبة ليست فقط وسيلة للتواصل؛ بل هي جسر يبني العلاقات ويمنع الانقسامات.
لذلك أنصح كل من يقرأ مقالي هذا بتجنب الكلمات الجافة الجارحة، فمن بسوء كلمة أشعلت حروب، وتخاصمت دول، وتنازعت قبائل، وتشرذمت أسر، وتهاجر أقارب، وتفرق أصحاب وأحباب. لذلك حثنا المولى عز وجل على الكلام الطيب فقال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83] وقال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء: 53]. فمعاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من إطعام الطعام أو إعطاء المال. فقال صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة من ودعه، أو تركه الناس اتقاء فحشه» (رواه البخاري ومسلم). لذلك يعتبر لين الكلام من حسن الخلق لدى الإنسان.
لنكمل مسيرة الخمس التي تأتينا بخمس وهو الحديث عن الغضب الذي يقودنا إلى الندم. الغضب يعتبر انفعالًا أو تغييرًا نتيجة غليان الدم في جسم الإنسان. لذلك نجد الإنسان عند الغضب تتسارع دقات قلبه، ويعبر عن غضبه من خلال الصراخ والإفراط في الحركة، مما يفقد الإنسان السيطرة على مشاعره، ويقوده إلى الندم بعد الهدوء من موجة الغضب التي تحدث له. وهذه الحالة تحدث عند الأشخاص الذين يعجزون عن الدفاع عن أنفسهم أو آرائهم وأفكارهم أثناء الجدال في غالب الأحيان. وعليه، السيطرة والهدوء يبعدانك عن الوقوع في الندم في كثير من المواقف الحياتية. والغضب يجلب للإنسان العداوة والبغضاء من قبل الآخرين، مما يتولد بعد ذلك الندم والانكسار تجاه الغير.
وفي الختام.. الحياة مليئة بالدروس التي تأتي إلينا مغلفة بالتجارب اليومية، وتلك الخمس التي تأتي بخمس أخرى هي واحدة من أعظم الرسائل التي تمنحنا الحكمة والبصيرة. فإننا حين نتمسك بالاستغفار، وغض البصر، والحياء، ولين الكلام، ونتجنب الغضب، نصنعُ لأنفسنا طريقًا مليئًا بالسلام والتوازن. 
لنجعل من هذه الخمس دليلًا لحياتنا، ولنحيا بعقل وإدراك، كي نزرع بذور الخير في قلوبنا وفيمن حولنا؛ فالعيش بحكمةٍ هو السبيلُ إلى حياة مليئة بالنجاح والسكينة.
 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: التی تأتی الذی ی

إقرأ أيضاً:

ختام الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم تحت عنوان “مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام”

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 اختتمت فعاليات الأسبوع الثقافي في 17 مسجد بواقع مسجد من كل إدارة بمديرية أوقاف الفيوم اليوم الأربعاء، بعد صلاة العشاء مباشرة، حيث تناول الأسبوع الثقافي الحديث عن: "مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام "، وذلك بتوجيهات من الدكتور أسامة السيد الأزهري، وزير الأوقاف، وبرعاية من الدكتور محمود الشيمي، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم، وبمشاركة ‏نخبة من كبار العلماء ‏والأئمة المتميزين مع نخبة من كبار القراء والمبتهلين.

وخلال هذه اللقاءات، أكد العلماء أن الله تبارك وتعالى ختم رسالات السماء برسالة القرآن وجعله رحمة للعالمين جميعاً، وزخرت آياته بتكريم الإنسان قال تعالي:﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ وقال عز وجل:" بني آدم"،ولم يقل الإنسان ليوضح ما في القرآن من طبيعة خلق آدم- عليه السلام- وطبيعة ما حدث له من مظاهر التكريم ليذكرنا بالخلق الأول؛ حيث إن الله -عز وجل- خلق آدم بيديه وأسجد له ملائكته، فسجد الملائكة طاعة لأمر الله في أبينا آدم -عليه السلام- فكان اصطفاء هذا اللفظ هو المشير إلى ذلك والدال عليه.

كما أشار العلماء، إلي  أن الإنسان في الإسلام مكرم بأصل خلقه، ورسخت الرسالة المحمدية كون هذا التكريم ليس خاصًّا بعنصر دون عنصر، ولا بجنس دون جنس، ولا بلون دون لون، ولا بدين دون دين.. وما إلى ذلك، بل البشرية جمعاء سواء في حق التكريم، وانطلاقًا مما تقدم فإن الكرامة الإنسانية قد قررها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بدون تمييز أو استثناء لكل من يتحقق فيه معنى الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • خطيب الجامع الأزهر: ظلم الإنسان لنفسه ذكر في القرآن 28 مرة لعظم أمره.. فيديو
  • دار الإفتاء توضح الحكمة من قراءة سورة الإنسان في صلاة فجر الجمعة
  • لمسات مفيدة في الحياة نخط بها البدايات لسنة 2025.
  • ختام الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم تحت عنوان “مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام”
  • الأنبا توما يترأس قداس العام الجديد بمقر المطرانية
  • أوقاف الفيوم.. ختام الأسبوع الثقافي بالإدارات الفرعية
  • حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
  • ليلة استثنائية عاشها عشرات الآلاف في رأس الخيمة
  • جمهورية إيران التي أرجو لها أن تكون إسلامية!