عربي21:
2025-01-03@13:29:51 GMT

الاستقرار.. من المنظورين السياسي والطبي

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

يحلو لي تشبيه الوضع السياسي للحكومات في عالمنا العربي بالحالة الصحية لمريض وضعوه في غرفة الإنعاش وهو يعاني من أمراض شتى، وكلما سئل أهله عن حالته قالوا لهم الحمد لله الحالة مستقرة.. هذا المريض غير قادر على أداء أي مهمة، وكلما أراد النهوض من فوق سريره في غرفة الإنعاش أو العناية المركزة يسقط على الفور فيضغط على زر استدعاء الطبيب أو التمريض كي يسعفوه، وكل ما يمكنهم فعله ساعتها هو إعادته إلى السرير وتكرار النصيحة له بالقول: "يا حاج قلنا لك ألف مرة لا تتحرك من السرير وحدك لأنك تحتاج إلى المساعدة".



معظم حكومات العالم العربي تعيش في غرفة العناية المركزة تحت إشراف الطبيب الغربي الذي يقوم بدوره في تعليق المحاليل الطبية المغذية له مع بعض المسكنات والمقويات، لكي يبقى أطول فترة ممكنة على قيد الحياة، وكلما زاره أقرباءه للاطمئنان عليه قال لهم الطبيب: "زي ما نتوا شايفين المريض عايش وحالته مستقرة والحمد لله".

معظم حكومات العالم العربي تعيش في غرفة العناية المركزة تحت إشراف الطبيب الغربي الذي يقوم بدوره في تعليق المحاليل الطبية المغذية له مع بعض المسكنات والمقويات، لكي يبقى أطول فترة ممكنة على قيد الحياة
صحيح أن المريض عايش ولكن على المحاليل والمقويات.. صحيح أن المريض على قيد الحياة، ولكنه لا يتحرك ولا يمشي ولا حتى قادر على تمييز ما يدور من حوله.. صحيح أن المريض على قيد الحياة، ولكن بقاءه على هذه الحالة مكلف بالنسبة لأهل بيته؛ فلا هو ميت فيدفنوه ولا هو حي كما بقية الأحياء يمارس دوره في الحياة.

وأخطر ما في الأمر هو التعبير الشائع "حالته مستقرة يا فندم"، وطبيا حين توصف حالة مريض في غرفة الإنعاش بأنها مستقرة فإن ذلك يعني أنه لا جديد، وأن كلمة مستقرة تعني بالضبط كلمة "بيموت" وإن طالت حالة الاستقرار تلك، فطالما المريض في الإنعاش فهذا يعني خطورة الحالة وطالما طالت مدة بقائه فيها فهذا يعني أن الحالة تتدهور، فما فائدة القول بأن الحالة مستقرة؟

في السياسة يطيب للقادة الفسدة والمستبدين المقارنة بين الفوضى والاستقرار، فإما الاستقرار الذي يعني البقاء في غرفة الإنعاش أو الفوضى التي هي في رأيهم انهيار الدولة بكل ما فيها ومن عليها. لا يوجد لدى الساسة العرب حلول وسطى أو أخرى لأنهم يتاجرون بكلمة الاستقرار التي تعني أنه لا داعي لفتح بطن المريض وإن كانت هناك فرص للعلاج، ويفضلون بقاء الدول في غرفة الإنعاش حتى يأتي أمر الله.

معظم الدول العربية تحتاج إلى جراحة في أقرب وقت، وهي بالرغم من خطورة التدخل الجراحي بشكل عام لكن أحيانا ما تكون الجراحة وحدها هي الحل الناجع والبديل الصائب لمثل تلك الحالات؛ التي وإن بقيت "مستقرة" لسنوات في غرفة الإنعاش فلن تعود مرة أخرى للحياة بشكل طبيعي.

معظم الدول العربية بحاجة إلى عملية فتح بطن بعد أن أثبتت كل الفحوصات أن معظم الأجهزة الحيوية فيها تعاني، وأن هناك انسدادا في الشرايين الرئيسية للقلب وانسدادا معويا حادا وحصوة مرارية وفشلا كلويا، ناهيك عن مشكلات التنفس والرئتين. فكل الأجهزة عاطلة عن العمل، وفوق ذلك وقبله فإن المخ مشتت لا يستطيع التفكير إلا في شيء واحد هو كيفية إنقاذ النظام والحفاظ على مقام الحاكم بأمره.

الثورة تشبه الجراحة التي تجرى لإنقاذ حياة المريض، صحيح أن الجراحة أو الثورة تحمل مخاطر عدة لكنها قادرة إن تمت بنجاح على أن تعيد المريض إلى الحياة بصورة أفضل بدلا من إبقاء الوضع "المستقر" على ما هو عليه؛ لأن الاستقرار هنا يعني المكوث في غرفة الإنعاش أو العناية المركزة لمدة لا يُعلم مداها، والنتيجة معروفة وهي "البقاء لله".

والثورات مثل الجراحة من زاوية تصنيفها، فهناك ثورات سلمية وأخرى خشنة وثالثة مسلحة، وفي الجراحة هناك عمليات جراحية بسيطة وأخرى متوسطة وثالثة تحتاج إلى مهارة كبرى وخبرة كبرى وقلب جراح ميت؛ يعني أنه لا يهتز كما شباب الجراحين عند رؤية أول قطرة دم عند بداية شق بطن المريض.

الثورات السلمية أُفشلت رغم أنها بسيطة وسريعة ونسبة التعافي منها عالية جدا، لكن أهل المريض رفضوا التعافي المبكر للدولة لأن ذلك يعني تكرار النموذج في أماكن أخرى، كما أن التداوي بالثورة السلمية سيصبح "ترند"، لذا قرروا تفضيل البقاء في الإنعاش تحت وهم الاستقرار على التعافي بالجراحة التي لا تُسيل كثيرا من الدماء، يعني تفضيل الموت البطئ لأن تعريض الدولة للجراحة يحمل مخاطر على الورثة بينما بمقدورهم توزيع الثروة بحجة أن المريض مات دماغيا.

الثورات السلمية أُفشلت رغم أنها بسيطة وسريعة ونسبة التعافي منها عالية جدا، لكن أهل المريض رفضوا التعافي المبكر للدولة لأن ذلك يعني تكرار النموذج في أماكن أخرى، كما أن التداوي بالثورة السلمية سيصبح "ترند"، لذا قرروا تفضيل البقاء في الإنعاش تحت وهم الاستقرار على التعافي بالجراحة التي لا تُسيل كثيرا من الدماء، يعني تفضيل الموت البطئ
ولأن القوم انقلبوا على التغيير السلمي عبر صندوق الانتخابات أو من خلال الثورة السلمية وظنوا أنه بمرور الوقت فإن الشعوب سوف تتأقلم وتتعايش وتحتمل وتصبر من أجل الحفاظ على المريض حيا ولو في غرفة الإنعاش، فقد جاءتهم الثورة المسلحة والتي كان البعض يراها البعض أكثر خطورة من الثورة السلمية، ولكن فوجئ العالم بنجاح ثورة مسلحة في سوريا، بينما وفي اليوم الأول للثورة السلمية في مصر (كانون الثاني/ يناير 2011) تجاوز عدد الشهداء الألف مواطن، وتجاوز عدد شهداء الانقلاب (تموز/ يوليو 2013) الذين قتلوا في اعتصام رابعة والنهضة وفي المجازر التي قام بها الجيش عند الحرس الجمهوري 1 و2 وعند المنصة وفي شارع رمسيس وفوق كوبري 6 أكتوبر وفي العريش والمنصورة وفي محطة مصر؛ الآلاف من الرجال والنساء.

حين رفعت الثورة السورية السلاح في وجه الحاكم الظالم ظن الناس أن الثورة قتلت في مهدها لأنهم اعتقدوا أن تحالف الشر بين الحاكم الظالم والقاتل وبين دول الجوار التي ساندته بالمال والعتاد والرجال؛ سوف يبقيه أمد الدهر، ولكن تبين للجميع أن استمرار الثورة وصمودها كان سببا كافيا لردع كل من تسول نفسه عن الاستمرار في دعم النظام، لذلك ومع أول طلقة في اتجاه تحرير المدن السورية تخلى الجميع عن بشار وحتى جيشه هرب معه، كما هربت المليشيات والمستشارون الأجانب وتجمدت الطائرات الروسية في مرابضها ولم تتحرك لإنقاذ حاكم دمشق؛ لأنهم فهموا الرسالة: "الثوار جاءوا ولن يعودوا وأنتم سوف تذهبون ولن تعودوا، فاخرجوا سالمين قبل أن تعودوا في صناديق".

هل تصلح الحالة الثورية السورية للتطبيق في بلدان أخرى؟ الإجابة نعم مع بعض التعديلات المناسبة والظروف المؤاتية، فالواضح أن النظم المستبدة مريضة وتعاني وتضع هذه النظم مصيرها من مصير الأوطان وتروج لأكذوبة أن المطلوب هو هدم البلاد وإشاعة الفوضى، بينما المطلوب هو تغيير النظام بالطرق المعتادة، فإن لم يستجب هذا النظام أو ذلك فإن للشعوب القدرة واليد التي تحمي بها البلاد والعباد والدول من الانهيار إن بقي الحاكم منفردا وحيدا يعزف أنشودة الخراب والدمار ويصدر لشعبه أنشودة "إما أنا أو الفوضى".

نعم يمكن تحديث التطبيق الثوري السوري في البلاد التي شاع فيها الظلم وبات شائعا فيها بناء السجون وتفضيل ذلك على بناء المستشفيات والجامعات والمدارس، في مثل هذه الدولة لا يمكن الحديث عن الاستقرار لأن الدولة باتت في غرفة الإنعاش، والاستقرار هنا يعني الموت التدريجي الذي لن يكتشفه أحد إلا بعد أن يأكل النمل منسأة الحاكم وتظهر صورة الدولة على حقيقتها؛ من خراب وتراجع وتخلف ودمار وسجون منتشرة في كل مكان ولصوص مال وشبيحة ومقار أمن ومخابرات ونقاط تفتيش ومراكز تعذيب، فهل ترك الحكم "المستقر" لآل الأسد شيئا يستحق الذكر أو التمجيد غير ما ذكرنا؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العربي الثورة سلمية سوريا الأسد سوريا الأسد ثورة عرب سلمية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك اقتصاد سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العنایة المرکزة فی غرفة الإنعاش الثورة السلمیة على قید الحیاة أن المریض صحیح أن

إقرأ أيضاً:

«حماة الوطن» ينظم جلسة نقاشية حول مشروع قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض

نظم حزب "حماة الوطن"، جلسة نقاشية بشأن مشروع قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، المقدم من الحكومة، وفي ضوء ما أسفرت عنه المناقشات في لجنة الشئون الصحية بالمجلس، من تعديلات، استجابة لمطالب النقابات المهنية الطبية.

واتفق المشاركون في الجسلة، على أهمية قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، في تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وواجبات الأطقم الطبية، وبما يتفق مع المعايير العلمية والأخلاقية المعتمدة.

وأكد المشاركون، خلال الجلسة النقاشية، على أهمية الجوانب القانونية والأخلاقية المرتبطة بالمسئولية الطبية، مع تسليط الضوء على دور القانون في تحقيق العدالة وضمان جودة الخدمات الصحية، في ظل التطورات السريعة في المجال الطبي والتحديات التي تواجه الممارسين.

كما تم التأكيد على أهمية تلاشي كافة الخلافات في مواد مشروع قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، بما يضمن حقوق جميع الأطراف.

وأعلن حماة الوطن، في ختام الجلسة النقاشية، أنه سيقوم بدراسة كافة النقاط والملاحظات التي أبداها ممثلو النقابات المهنية الطبية بشأن مشروع قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، لبلورتها بشكل قانوني يتفق مع الدستور ويحقق التوازن والعدالة بين مقدمي ومتلقي الخدمة.

اقرأ أيضاًأمين حماة الوطن بمطروح: وزير الشباب والرياضة وافق على إنشاء نادي للفروسية والرماية

«حماة الوطن» ينظم الصالون السياسي حول انعكاسات الأزمة السورية على الأمن الإقليمي والدولي

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية فرنسا من دمشق: أمل في سوريا ذات سيادة مستقرة وهادئة
  • «حماة الوطن» ينظم جلسة نقاشية حول مشروع قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض
  • حسن الرداد يحتفل بعيده الـ40: نجاح فني وحياة أسرية مستقرة
  • حماي المريض رمى بسعادتي في الحضيض
  • جامعة قناة السويس تدرب كوادر طب الطوارئ لمواجهة الأزمات والكوارث
  • أبو العلا: قانون المسئولية الطبية يوازن بين حقوق المريض والطبيب
  • مرتفع جوي يفرض أجواء مستقرة وباردة فهل تبشر المؤشرات بعودة الأمطار قريباً (التفاصيل)
  • صحة النواب تستكمل مناقشة قانون المسئولية الطبية وحماية المريض
  • الأرصاد الجوية: أجواء مستقرة نسبيًا مع توقعات بأمطار خفيفة ورياح نشطة في بعض المناطق