سقوط الأسد ضربة لطموحات بوتين بإفريقيا.. كيف تعيد روسيا تموضعها العسكري في دولة عربية؟
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
(CNN)-- في الأسابيع التي تلت الإطاحة ببشار الأسد من سوريا، أطلقت روسيا رحلات جوية متعددة إلى قاعدة جوية في الصحراء الليبية.
ويبدو أن هدف موسكو يتلخص في إيجاد محطة توقف بديلة لتدخلها العسكري المتنامي في إفريقيا ــ ووسيلة للاحتفاظ بحضورها العسكري في البحر الأبيض المتوسط. فعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان، خدمت قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية على الساحل السوري كلا الغرضين.
والآن أصبحت دولة ليبيا، الواقعة في شمال إفريقيا والتي مزقتها الصراعات، محورية في الجهود الروسية الرامية إلى فرض قوتها في البحر الأبيض المتوسط.
وتظهر بيانات تتبع الرحلات الجوية التي حللتها شبكة CNN أكثر من رحلة واحدة يوميًا منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول - بواسطة طائرات النقل العملاقة من طراز أنتونوف AN-124 التابعة لموسكو، بالإضافة إلى طائرات إليوشن IL-76 - من حميميم إلى الخادم، وهي قاعدة بالقرب من بنغازي في شرق ليبيا.
وفي وقت سابق من شهر ديسمبر، قال مسؤولون أمريكيون وغربيون لشبكة CNN إن روسيا بدأت في سحب كمية كبيرة من المعدات العسكرية والقوات من سوريا.
وقد تكون المعدات المنقولة قد تضمنت أنظمة دفاع جوي روسية متقدمة. وقد شاهدت شبكة CNN صورًا لهذه الأنظمة وهي تنتظر نقلها جوًا من سوريا قبل وقت قصير من بدء الرحلات الجوية الروسية.
في 28 ديسمبر/كانون الأول، عادت طائرة أنتونوف إلى حميميم قادمة من ليبيا.
وقال جلال حرشاوي، وهو زميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) ومقره لندن، لشبكة CNN، إن هناك "ارتفاعًا لا يمكن إنكاره في هبوط الطائرات الروسية في ليبيا من سوريا وروسيا وبيلاروسيا" في الأسابيع الأخيرة.
لقد كانت قاعدة حميميم بمثابة المركز الذي تنطلق منه عمليات المرتزقة الروس في إفريقيا ــ في البداية في جمهورية إفريقيا الوسطى ثم في السودان وليبيا ومالي وبوركينا فاسو.
وقال حرشاوي إن موسكو، من خلال تعزيز وجودها في ليبيا، ربما تحتفظ بقدر كاف من القدرة على متابعة طموحاتها الأوسع نطاقا إلى الجنوب في إفريقيا، وامتصاص التكاليف الجديدة المرتبطة حتما بسقوط الأسد.
ويظهر مقطع فيديو تم تحديد موقعه جغرافيا أن واحدة على الأقل من الطائرات التي وصلت مؤخرا إلى قاعدة الخادم طارت إلى باماكو في مالي، حيث حلت روسيا مؤخرا محل النفوذ الفرنسي الذي طال أمده.
وقال محللون في مشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد "أميركان إنتربرايز" في مذكرة إحاطة: "إن الرحلات الجوية الروسية إلى باماكو عبر ليبيا تظهر أن روسيا اتجهت بالفعل إلى ليبيا كبديل لقواعدها السورية".
وأضافت أن هذه الرحلات لا تتسق مع النمط السابق لتناوب قوات فيلق إفريقيا الروسي على باماكو. ويعد فيلق إفريقيا الروسي، تحت رعاية وزارة الدفاع، خليفة لمجموعة فاغنر الروسية المرتزقة في إفريقيا.
كان للروس موطئ قدم في قاعدة الخادم لعدة سنوات، بينما كانوا يزودون المقاتلين المرتزقة والأسلحة لدعم الجنرال خليفة حفتر، الحاكم المعلن لجزء كبير من شرق ليبيا. وفي وقت سابق من عام 2024، أفاد موقع All Eyes on Wagner الاستقصائي أنه تم بناء مجمع آمن بالقرب من القاعدة للأفراد الروس الذين ينتقلون إلى أجزاء أخرى من إفريقيا.
أجرى نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف عدة زيارات إلى ليبيا لتعزيز العلاقات مع حفتر خلال العامين الماضيين. وقد تتعمق هذه العلاقة إذا كانت البحرية الروسية تتطلع إلى ميناء تحت سيطرة حفتر كبديل لمينائها في طرطوس في سوريا.
مخاوف الناتوولكن هذا الاحتمال لا يلقى استحسانًا في عواصم حلف شمال الأطلسي (الناتو). فقد صرح وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو لصحيفة "لا ريبوبليكا" اليومية الإيطالية بأن "السفن والغواصات الروسية في البحر الأبيض المتوسط تشكل مصدر قلق دائم، وخاصة إذا كانت على بعد خطوتين منا بدلًا من أن تكون على بعد ألف كيلومتر".
وربما ليست مصادفة أن يزور رئيس أركان الجيش الإيطالي، الجنرال لوتشيانو بورتولانو، طرابلس قبل أسبوع، والتي تعد معقل منافسي حفتر على حكم ليبيا.
وقال مسؤول كبير في الناتو إن الحلف المكون من 32 دولة يراقب النشاط في طبرق وبنغازي في ليبيا.
وجود موطن للسفن الحربية الروسية في البحر الأبيض المتوسط أمر بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو، إذ لا يُسمح لأسطول البحر الأسود بالمرور عبر مضيق البوسفور بينما تخوض روسيا حربًا مع أوكرانيا.
وقال حرشاوي إن "روسيا لم تنشر سفنًا بحرية في طبرق حتى الآن، وهو أمر ذكي للغاية لأن مثل هذه الخطوة الفجة كان من الممكن أن تؤدي إلى تعبئة حلف شمال الأطلسي قبل الأوان".
يصف البعض حفتر بأنه زعيم متقلب ومتقدم في السن في بلد منقسم ومتقلب بشكل مزمن. وقال أولف ليسينغ، رئيس برنامج الساحل في مؤسسة "كونراد أديناور" في مالي، إن "حفتر يغير ولاءاته في كثير من الأحيان، ولا يسيطر إلا على نصف البلاد، وهو في سن 81 عامًا ليس شخصية شابة".
وأضاف ليسينغ: "لا يوجد اتفاق قانوني مثل الاتفاق مع سوريا، ويمكن لحفتر في أي وقت أن يطرد الروس". وقد يستغل حفتر الوضع للمطالبة بمعدات روسية أكثر تطورًا - وهو ما لا تستطيع موسكو تحمله.
من بعض النواحي، تُعَد ليبيا بديلًا رديئًا لسوريا. فلا يمكن لطائرات النقل أن تصل إلى ليبيا من روسيا عمليًا إلا إذا سُمح لها بالتحليق فوق تركيا، وهو ما يوفر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورقة مساومة سهلة.
دمشق متأرجحةولكن من غير الواضح ما إذا كانت القيادة السورية الجديدة عازمة على طرد القوات العسكرية الروسية من حميميم وطرطوس. فقد قال أحمد الشرع في مقابلة أجريت معه هذا الأسبوع إن الحكومة الجديدة لا تريد أن تغادر روسيا البلاد "بطريقة لا تتناسب مع علاقاتها مع سوريا".
ولكن نظرًا للمسار غير المؤكد الذي تسلكه سوريا، فإن موسكو سوف ترغب في تأمين رهاناتها في منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة.
وقال ليسينغ: "حتى لو سمح حكام سوريا الجدد لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، فسوف يتعين عليها خفض مستويات قواتها ولوجستياتها مثل مخازن الذخيرة في سوريا لأنها لم تعد ضرورية لدعم الأسد".
ويتفق حرشاوي مع هذا الرأي، قائلًا إنه حتى لو أبقت روسيا على بعض الوجود في سوريا، فإن مستوى "الراحة والسهولة اللوجستية والأمن الذي كانت تتمتع به ذات يوم في عهد الأسد لن يعود أبدًا".
وقال ليسينغ إن الإطاحة ببشار الأسد وسقوط نظامه كان بمثابة ضربة حقيقية لطموحات فلاديمير بوتين في إفريقيا.
وأضاف أن الحكومات الإفريقية التي اتجهت نحو موسكو من أجل أمنها "قد تفكر مرتين الآن في مدى موثوقيتها، وهو ما سيعوق قدرتها على إبرام صفقات جديدة مع مرتزقة فيلق إفريقيا"، وأضاف: "لم يمر الأمر دون أن يلاحظه أحد في مالي أو النيجر أن روسيا لم تأت لمساعدة الأسد".
ورغم ذلك، فقد نجحت روسيا في انتشال جمرة من نار سقوط الأسد، على حد قول حرشاوي، مضيفا: "لم يتم تدمير شبكتها اللوجستية أو إضعافها بالكامل؛ بل إنها تعرضت فقط للتدهور وأصبحت أكثر تكلفة، وأكثر غموضًا، وأكثر اهتزازًا".
روسياسورياليبيابشار الأسدحلف الناتوفلاديمير بوتيننشر الثلاثاء، 31 ديسمبر / كانون الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: بشار الأسد حلف الناتو فلاديمير بوتين فی البحر الأبیض المتوسط الروسیة فی فی إفریقیا من سوریا
إقرأ أيضاً:
شروط دمشق الجديدة.. هل تغير مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا؟
لا يزال مصير القواعد الجوية الروسية في سوريا غير واضح حتى الساعة، وسط غموض يحيط بمستقبل المفاوضات المتعلقة بها. ومع ذلك، تشير المعطيات إلى أن هذه القواعد قد تبقى ضمن الأراضي السورية، ولكن وفق ترتيبات جديدة قد تشمل شروطًا سياسية واقتصادية من قبل الإدارة السورية الجديدة.
فقد أجرت وكالة "رويترز" مقابلات مع ثمانية مصادر سورية وروسية ودبلوماسية، كشفت تفاصيل من الاجتماع الأول رفيع المستوى بين الشرع ومبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تناولت المباحثات قضايا محورية، من بينها ديون بمليارات الدولارات، ومستقبل الرئيس السابقبشار الأسد، وإعادة الأموال السورية المزعوم وجودها في روسيا.
ما هي شروط الشرع؟خلال الاجتماع الذي عقد في 29 كانون الثاني/يناير بدمشق، طالب الشرع بإلغاء القروض التي أُبرمت مع روسيا في عهد الأسد.
وكان وزير المالية السوري محمد أبازيد قد صرح في وقت سابق أن سوريا، التي كانت خالية تقريبًا من الديون الخارجية قبل الحرب، أصبحت مثقلة بالتزامات تتراوح بين 20 و23 مليار دولار، دون تحديد الحجم الدقيق للديون المستحقة لموسكو.
ووفقاً لـ"رويترز"، تناول اللقاء قضية عودة الأسد إلى سوريا، لكنها لم تُطرح كعقبة كبيرة أمام إعادة بناء العلاقات، وفقًا لمصدرين مطلعين. فيما أشار مصدر روسي رفيع إلى أن موسكو لن توافق على تسليم الأسد، ولم يُطلب منها ذلك خلال المباحثات.
إضافة إلى ذلك، طالب الشرع أيضًا بإعادة الأموال السورية التي يُعتقد أن الأسد أودعها في روسيا، إلا أن الوفد الروسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف نفى وجود أي أموال ذات صلة، بحسب دبلوماسي مطلع على المحادثات.
وفي بيان رسمي عقب الاجتماع، أكدت الحكومة السورية على ضرورة تصحيح الأخطاء السابقة في العلاقات مع موسكو، كما طالبت بتعويضات عن الدمار الذي أحدثه التدخل الروسي في البلاد.
وفي مقابلة سابقة، أقر الشرع بوجود "مصالح استراتيجية" تربط سوريا بروسيا، مشيرًا إلى أن موسكو زودت الجيش السوري بالأسلحة لأجيال طويلة، وساهمت في تمويل مشاريع حيوية مثل محطات الطاقة والسدود والبنية التحتية الرئيسية.
Relatedنتنياهو يتوعد بضرب النظام السوري إذا تعرض لدروز جرمانة جنوب دمشق ويتعهد بحماية هذه الأقلية في سوريانتنياهو يحذر دمشق: على الإدارة الجديدة سحب قواتها من جنوب سوريا ولن نتسامح مع تهديد الطائفة الدرزيةفيلم يوثق زيارة مراسل إسرائيلي إلى دمشق يُعرض الليلة وسط موجة غضب في سورياتكلفة إعادة الإعمار والموقف الروسيتطالب دمشق بتعويضات عن الدمار الذي خلفته الحرب، إذ تُقدّر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" تكلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار.
ومع ذلك، يشير مصدر مطلع على الموقف الروسي لـ"رويترز" إلى أن موسكو من غير المرجح أن تقبل تحمل المسؤولية عن هذا الدمار، لكنها قد تقدم مساعدات إنسانية كبديل.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، اقترح بوتين استخدام القواعد الجوية الروسية في سوريا كمراكز لتوزيع المساعدات الإنسانية، وأكد سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أن التحالف بين موسكو ودمشق "ليس مرتبطًا بأي نظام محدد".
غير أنّ مصدرًا في منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة صرّح بأنه لا يوجد أي دليل على استخدام القواعد الروسية لنقل المساعدات الإنسانية حتى الآن.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية نتنياهو يتوعد بضرب النظام السوري إذا تعرض لدروز جرمانة جنوب دمشق ويتعهد بحماية هذه الأقلية في سوريا إسرائيل تشن غارات على أهداف قرب دمشق وتتوغل بين درعا والقنيطرة جنوب سوريا الشرع: سوريا غير قابلة للتقسيم وليست حقلاً للتجارب سوريافلاديمير بوتينبشار الأسدروسياأبو محمد الجولاني قوات عسكرية