بعد سقوط النظام السوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على مقاليد الحكم في دمشق، شعرت إسرائيل بأن في ذلك أهم تعويض لها عما جرى لمكانتها في أثناء حرب طوفان الأقصى. واعتبرت أن سقوط النظام وصَمْت المدافع في لبنان وفّر لها فرصة تاريخية ليس فقط لاحتلال مناطق حيوية في سوريا، ولا تدمير كل قدرات سوريا الإستراتيجية، وإنما لا يقل أهمية في نظرها سقوط محور المقاومة وطوق النار الإيراني.
ومن المؤكد أن الشريط الذي يمتد من هضبة الجولان إلى ريف درعا قرب الحدود الأردنية يضم عشرات القرى ويحوي مئات آلاف السكان. وإذا كان الحكم الجديد في دمشق منشغلا حتى الآن بترتيبات الاستقرار الداخلي فإن الحياة تحت حكم الاحتلال تخلق واقعا جديدا في نظر المواطنين السوريين هناك الذين باتوا على صدام مباشر مع القوات الإسرائيلية. وهذا ما حذر منه قادة إسرائيليون طالبوا بعدم الاستخفاف بالروح الوطنية السورية وعدم الركون إلى الهدوء القائم حاليا. وبالفعل بدأت في الأسبوع الأخير تظاهرات لمواطنين سوريين احتجاجا على احتلال الجيش لأراضيهم ومطالبته لهم بتسليم ما لديهم من أسلحة شخصية. وتتزايد التقديرات بأنها مسألة وقت قبل أن يتغير الواقع في المناطق المحتلة هذه من الهدوء إلى المقاومة. ونشرت "يديعوت أحرونوت" في هذا السياق تقدير موقف أشار فيه ضباط إلى أنها "مسألة وقت فقط قبل أن نتعرض هنا إلى صاروخ مضاد للدروع مفاجئ أو قذيفة هاون على قواتنا، فيقتل بضعة جنود لا سمح الله، وكل شيء حينها سيتغير. من الصعب الشرح للجنود معنى المهمة هنا. إذ لا يوجد هنا عدو ونحن لا نقوم بأي هجوم أو مهام عملياتية ذات قيمة طوال اليوم. فقد خرج المقاتلون عن روتين مكثف من القتال والمبادرة في جنوب لبنان ضد حزب الله وقبل ذلك في غزة حيال حماس، والآن هم ينظرون أساسا إلى فلاحين سوريين يفلحون أراضيهم ولا يرون أي عدو، وليس فقط عبر المناظير. هذا الحضور الصاخب لنا هنا، مع دبابات تجتاز قرى كل يوم، من شأنه أن يجتذب هنا خلايا ومجموعات مسلحة كأثر معاكس".
نتنياهو برفقة وزير دفاعه كاتس بجولة عند خطوط وقف إطلاق النار بالجولان السوري المحتل، عقب سقوط نظام الأسد(مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي)
كذلك، ورغم مرور قرابة شهر على سقوط النظام واستغلال إسرائيل الفرصة لتدمير المطارات العسكرية والطائرات ومخازن الأسلحة ومعسكرات الجيش والخنادق والأنفاق والمصانع العسكرية وكذلك الموانئ وأسطول سوريا البحري فإنها لم تكتف حتى الآن. وفقط يوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول أغارت على مستودعات أسلحة في عدرا مما أدى إلى تدمير المنشأة في المنطقة الصناعية واستشهاد ما لا يقل عن 11 سوريا. وهذه مجرد واحدة من غارات تكاد لا تتوقف حتى الآن على كل ما يمكن أن يفيد سوريا مستقبلا أو يساهم في تعزيز قدراتها الدفاعية. فقد سبقتها غارات متواصلة على المنافذ الحدودية، وعلى ميناء طرطوس بشكل فائق العنف دفع البعض للقول إن ذلك تجربة تفجير نووي صغير. وتتباهى إسرائيل وسلاحها الجوي، بأنها أفلحت خلال فترة قصيرة في تدمير واحدة من أهم القوات العسكرية في المنطقة وواحدة من أهم منظومات الدفاع الجوي في العالم.
ومن جهة أخرى، فإن قوات مشاة ومدرعات تابعة للجيش الإسرائيلي دخلت قبل يومين إلى عمق مدينة القنيطرة، وسيطرت على مواقع، وبدأت بالبحث عن أسلحة وذخائر. وهذا يعني أن إسرائيل لا تكتفي بما احتلته حتى الآن من الأراضي السورية وهي لا تزال تتطلع للتمدد في مناطق واسعة وعلى أمل الاقتراب أكثر من جبل الدروز حيث لديها مخططات مستقبلية بهذا الشأن. وهي تراهن على ما تعتبره شكوكا متبادلة بين الطوائف السورية بفعل تجربة الماضي وتنامي الخطر الداعشي.
إعلانونظرا لتجربة السوريين في هضبة الجولان لعام 1967 حيث تم طرد سكانها السوريين منها عدا 5 قرى درزيه وعلوية، يخشون أن يتم طردهم أيضا من المناطق المحتلة حديثا. ويدور الحديث حاليا عن عشرات القرى وتجاور مع مدن كبيرة. فضمن المناطق المحتلة توجد مثلا مدينة القنيطرة ووصل الاحتلال إلى مشارف مدينة قطنة القريبة من دمشق كما أنه يحتل العديد من قرى ريف درعا. ويوحي الجيش الإسرائيلي بأنه باحتلاله هذه المناطق الواسعة وتهديده لدمشق يحقق لإسرائيل غايات مختلفة. فهو من جهة يحمي المستوطنات في هضبة الجولان ومن جهة ثانية يستعد لمواجهة أية مخاطر تهدد الأردن من سوريا، والأهم أنه يراقب الوضع في دمشق على أمل امتلاك قدرات للتأثير في الوجهة المقبلة للأمور.
وتعتقد إسرائيل أن هيئة تحرير الشام ليست نظاما يمكن لها أن تركن إليه وهي تحذر أميركا وربما دولا عربية معتدلة من التشجيع على التعامل معه. وقد أعربت مرارا عن مواقف مشابهة ولكن أشدها صراحة كان موقف وزير الخارجية غدعون ساعر. ففي اجتماع سري للجنة الخارجية والأمن في الكنيست نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عنه قوله إن "الحكم لجديد في دمشق ليس سوى نسخة عن الحكم الذي كان قائما في إدلب، لا يضم كل القوى في سوريا. وحكومة الجولاني الجديدة تضم إسلاميين متطرفين. إنهم يسوّقون أنفسهم لدى الغرب كما لو أنهم معتدلون، ودول الغرب لها مصلحة في قبول هذا التوصيف. في نهاية المطاف هذه الدول تريد حكومة مقبولة في دمشق كي يستطيعوا إعادة اللاجئين إلى سوريا من بلادهم". ووصف ساعر الحكومة السورية الجديدة بأنها "عصابة إرهابية كانت في إدلب وسيطرت على العاصمة دمشق". ورفض فكرة تقبل العالم لهذه الحكومة لأنها في نظره تواجه مشكلات أهمها أنها ليست منتخبة ولا تمثل الشعب السوري وهي على صراع مع العلويين فضلا عن تهديدات أردوغان للأكراد بتصفية مناطق حكمهم الذاتي، و"تنكيل بالمسيحيين".
إعلانولا يروق الموقف الإسرائيلي هذا للأميركيين الذين يبدون تفهما أكبر للإسلاميين في هذه الظروف. وكشفت صحيفة "إسرائيل اليوم" النقاب عن مناقشات بشأن سوريا بين إسرائيل وأميركا حول حكومة الجولاني. وأشارت الصحيفة إلى أن الأميركيين طلبوا من إسرائيل أيضا منح الجولاني فرصة ومحاولة الحديث معه.
ساعر: حكومة دمشق نسخة من حكومة إدلب (أسوشيتد برس)وكتب المعلق العسكري للصحيفة أن "لإسرائيل كل الأسباب في العالم لعمل هذا: من تقليص تهديدات محتملة في الحدود الشمالية – الشرقية، عبر تقييد النفوذ الخطير لتركيا على سوريا المستقبلية وحتى التأكد من أن إيران ستبقى خارج دوائر العمل في سوريا. السؤال هو كم سيكون الزعيم السوري الجديد مستعدا لمثل هذه الخطوة؟ على هذا توجد 3 أجوبة محتملة. الأول: أن يرفض بأدب. والمعاذير سيجدها بوفرة؛ من استمرار احتلال الجولان وحتى استمرار الحرب في غزة. الإمكانية الثانية هي أن يوافق. احتمال ذلك يبدو ضعيفا هذه اللحظة. الإمكانية الثالثة هي أن يوافق جزئيا، بمعنى أن يتسلى سرا مع الفكرة ويحاول أن يستخلص منها أقصى وأفضل ما يكون. مثلا، مساعدة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة ضد من يمكن أن يهدد حكمه: إيران وفروعها من جهة، داعش وفروعها -الذين أعلنوا أن الجولاني خان طريق الإسلام- من الجهة الأخرى. الربح المتبادل هنا سيكون كبيرا؛ للجولاني هو كفيل بأن يطيل حياته، ولإسرائيل سيقلل آلام الرأس".
لكن تحليل إسرائيل للوضع في سوريا يتجه إلى منحى آخر. إسرائيل على قناعة بأن تركيا حلت مكان كل من روسيا وإيران على سدة النفوذ في دمشق وسوريا. وهي في التحليل الإسرائيلي تعتبر الرابح الأكبر من كل ما جرى في سوريا. ولكن المزعج في الأمر من وجهة نظرها هو أن تركيا أردوغان تتطلع للعب دور مهيمن انطلاقا من سوريا في المنطقة العربية وفي غير مصلحة إسرائيل. وكان من أول خطواته في هذا السياق مطالبتها إسرائيل بأخذ مصالحها بالاعتبار عند كل فعل لها في سوريا. وفاجأ هذا الطلب إسرائيل خصوصا أنه كان في السنوات الأخيرة مطلب روسيا. لكن إسرائيل تعاطت مع المطلب الروسي بتفهم خصوصا وأنها لم تتعامل مع الوجود الروسي بعداء وليس هذا هو الحال مع الموقف التركي. في كل حال من الجلي أن بوادر صدامات بين تركيا وإسرائيل في سوريا تظهر تحت الغمام. وهذا يتعلق أيضا بالوجود الأميركي ودعمه للقوات الكردية ومعارضة تركيا لذلك وسعيها لإزالة هذا الخطر.
إسرائيل ترى أن تركيا أردوغان تريد أن تلعب دورا مهيمنا انطلاقا من سوريا (وكالة الأناضول)وأيا يكن الحال، ثمة في إسرائيل من يحذرون من الآن من فتح جبهة جديدة ضد القوات الإسرائيلية قريبا في الأراضي السورية المحتلة. وبين هؤلاء طبعا ساسة وعسكريون يرون النّهَم اليميني نحو إدامة الحرب وعدم التطلع نحو تحقيق السلام في أي اتجاه. صحيح أنه حتى الآن ليست هناك مشاهد مقاومة عُنفيه ولكن بوادر هذه المقاومة لن يطول غيابها وبعض القرى السورية رفضت جمع السلاح وتسليمه رغم إنذارات الجيش الإسرائيلي المتكررة لهم بتسليمه خلال 48 ساعة والتهديد باقتحام هذه القرى.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی المنطقة حتى الآن فی سوریا من سوریا فی دمشق من جهة
إقرأ أيضاً:
حتى لا يكسر العدوان الإسرائيلي معنويات السوريين
كان لافتاً غياب القضية الفلسطينية، سواء في خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع في مؤتمر النصر أول من أمس، أو في خطاب القيادات العسكرية الأخرى التي مثّلت الشرعية الثورية التي نصّبته رئيساً. وهذا ليس مصادفةً، فمنذ دخول الثوار دمشق فاتحين في 08/12/2024، ورغم القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقّف، والاعتداءات الإسرائيلية، والتصريحات الوقحة، ظلّ الصمت “السلاح” الوحيد الذي يردّون به.
شكّل الصمت مادّة خصبة لأنصار النظام الإجرامي المخلوع، وما يسمّى “محور المقاومة”، على اعتبار أن ما جرى في سورية مؤامرة أميركية إسرائيلية لكسر محور “المقاومة”، وهو ما ظلّ يُردَّد منذ انطلاق الثورة السورية. والواقع أن القضية الفلسطينية ظلّت تُستخدَم لقمع الشعوب العربية، وكأنّ سلب حرّيات الشعوب شرطٌ لتحرير الشعب الفلسطيني. لا يحتاج الشعب السوري، ولا الثوار الفاتحون، شهادةً لمعرفة موقفهم الحقيقي من القضية الفلسطينية.
الشعب السوري تأسّس على أن قضية فلسطين هي قضية سورية، والمؤتمر السوري العام الذي عقد في دمشق وأسّس أوّل دولة سورية حديثة (الحكم الفيصلي) ضمّ بلاد الشام كلّها، وحضر ممثّلون عن فلسطين والأردن ولبنان المؤتمرَ السوري العام.
وانخرط السوريون مبكّراً في أعمال المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتهم الشيخ عزّ الدين القسّام، ولم يتوقّف الشعب السوري عن المساهمة في المعركة، وشاركت قياداته السياسية في عام 1948 بكتائب مقاتلة، مثل المراقب العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي، وفوزي القاوقجي (جيش الإنقاذ)، وغيرهم. وبعدها في العدوان الثلاثي، برز اسم الاستشهادي جول جمّال.
كما استشهد سوريون مع المقاومة الفلسطينية من الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، مثل الشهيد عمر بلعة، ابن حماة، وغيره. حتى في ظلّ أسرة الأسد، لم يتردّد الشعب السوري في دعم القضية، وكما سمعتُ من الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، مباشرةً، إن أكبر دعم مالي من الشعوب العربية كان يصل من الشعب السوري.
وجدت الثورة السورية نفسها في مأزق، تماماً كما “حماس”، التي غادرت دمشق حتى لا تكون شاهدةً على جريمة بشّار الأسد، وحافظت على علاقاتٍ متوازنة مع إيران ومحور المقاومة. منذ اليوم الأول للثورة السورية، حُيّدت القضية الفلسطينية من النظام وداعميه من “محور المقاومة” ومن الثوار على السواء، وهذا كنتُ أشاهده بنفسي في المنطقة الجنوبية، التي كانت توجد فيها جبهة النصرة و”داعش” وفصائل الجيش الحرّ وحزب الله والمليشيات الإيرانية كلّها، فلم تكن لهم معركة مع إسرائيل. كانت القضية سورية، يريد الثوار تحرير سورية من النظام القمعي.
وفي المقابل، كان النظام ومن سانده يريدون تطهير سورية من الثوار. وهنا لا علاقة لإسرائيل، فظلّت الجبهة مع الجولان نظيفةً بقرار الطرفَين.
حاولت إيران، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، إحياء الجبهة، لكنّ النظام كان قد اختار إسرائيل، كما كشفت مواقع إسرائيلية وأميركية كثيرة أن النظام السوري باع “محور المقاومة”، واختار المبادرة الإماراتية للدخول في المشروع الإبراهيمي.
وهذا ما أكّدته صحيفة الأخبار المقرّبة من حزب الله في مقال لرئيس تحريرها إبراهيم الأمين. كما عرفتُ من قيادات في “محور المقاومة” أن الاتصال انقطع مع بشّار الأسد في آخر يومين، ولم يتمكّن الإيرانيون من العثور عليه، وانقطع الاتصال بينه وبين شقيقه ماهر، كونه انتقل إلى المربّع الروسي والتطبيع. واختار النظام نفسه ألا يخوض معركة “طوفان الأقصى”.
يسجّل للثوار أنهم اختاروا توقيت المعركة بعد أن وقّع حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار، لم يطعنوا حزب الله في الظهر وهو يقاتل إسرائيل، مع أنه لم يتوقّف عن طعن الثوار في الظهر وهم يحرّرون بلدهم. تمكن مناقشة نظرية “تحييد إسرائيل” إلى أن تتمكّن من تحقيق أولوياتك، ولو افترضنا أن الثوار منذ دخلوا دمشق قالوا إن هدفهم استكمال المعركة مع العدو الصهيوني، فهل كانت النتيجة تحرير الجولان؟ أم ستكون نتيجة دخول الجيش الإسرائيلي مناطق استراتيجية، بما فيها مناطق النفط التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؟
اليوم، من خلال الأولويات الخمسة التي أعلنها الرئيس السوري الجديد، تبدو المعركة مؤجّلة، وليست معركةً ملغاة. هذا ما يتمنّاه الحريصون على الثورة السورية، فلا يمكن أن ينسى السوريون قضية فلسطين، تماماً كما لا يمكن أن ينسوا قضية الجولان، ومليون نازح من بينهم الرئيس الشرع. لا يمكن التفريط بمياه سورية، فشريان الحياة السوري مرتبط بجبل الشيخ وبحيرة طبريا.
الأولوية حالياً هي بناء سورية القوية، القادرة على تحصيل حقّها من العدو الصهيوني، لا يمكن خوض معركة قبل الاستعداد لها. خاض هؤلاء الثوار معركة التحرير ودخلوا دمشق في 8 ديسمبر/ كانون الأول (2024)، لأنهم خطّطوا لهذا اليوم منذ سنوات. لا يمكن فتح معركة مع العدو في الوقت والمكان المناسبين للعدو، الذي يواصل يومياً استفزاز القيادة السورية الجديدة، ومماحكتها، سواء بالإجراءات في الأرض أم بالتصريحات. لا يريد العدو الصهيوني فتح صفحة سلام مع القيادة الجديدة، والعودة إلى “وديعة رابين” لحافظ الأسد، بقدر ما يريدون افتعال مواجهة كبرى يملكون فيها اليد العليا لتنفيذ مخطّطهم في تفكيك سورية، وإعادة تركيبها اعتماداً على حلف الأقليات. بكل وقاحة، تحدّث وزير الحرب الإسرائيلي كاتس عن التحالف مع “قسد” والدروز، وخرجت أصوات سورية علوية تطالب إسرائيل بالتدخّل لحماية السوريين من أبناء الطائفة.
ولعلّ أخطر وأوقح تصريح كان قبل يومين لوزير الأمن كاتس، نقلته هيئة البثّ الإسرائيلية، في أثناء زيارته قمّة جبل الشيخ: “جيش الدفاع الإسرائيلي سيبقى في قمّة جبل الشيخ وفي المنطقة الأمنية لفترة غير محدودة لضمان أمن سكّان دولة إسرائيل… لن نسمح لقوات معادية بالتمركز في المنطقة الأمنية جنوبي سورية من هنا وحتى محور السويداء- دمشق، وسنعمل ضد أي تهديد… سنحافظ على التواصل مع السكان الأصدقاء في المنطقة والتركيز على العدد الكبير من السكان الدروز”.
وبهذا وسّعت دولة الاحتلال “منطقة نفوذها” حتى طريق السويداء – دمشق، وتهدّد بوقاحة الدولة السورية من أيّ تحرّك لبسط نفوذها ونزع السلاح في السويداء. قبل ذلك، وفوقه، شنّ العدو، مع رحيل المجرم الوضيع بشار الأسد، أكبر عدوان جوي له، فقد نفذ سلاح الجو الإسرائيلي في 11 ديسمبر/ كانون الثاني 2024 عمليةً جوّيةً واسعةَ النطاق في سورية، وُصفت بأنها “أكبر عملية في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي”، وشاركت فيها 350 مقاتلة استهدفت مواقعَ تمتدّ من دمشق إلى طرطوس. واستمرت عدّة أيام، وهذا كلّه رسالة واضحة: ممنوع تسلّح النظام الجديد.
يحفل أرشيف يوتيوب بتصريحات فيديو للقائد السوري عن تحرير الأقصى، وليس الجولان فقط
تدرك القيادة الجديدة من دون تكرار أسطوانة النظام السابق (الردّ في الوقت المناسب) أن مهمتها الأساسية لتحرير سورية من نظام الاستبداد قد انتهت، وأن مهمّتها اليوم بناء الدولة السورية الجديدة من ركام المرحلة السابقة، والشرط لبناء سورية رفعها من قائمة العقوبات، وأيّ احتكاكٍ مع الجانب الإسرائيلي يعني بقاء العقوبات الأميركية على البلد برمّته من خلال عقوبات قيصر. ستكون استراتيجية الصمت والصبر والتجاهل صحيحةً من الدولة، رغم أن تصريحاتها في إطار القانون الدولي ليست ممسكاً عليها.
في المقابل، ليس صحيحاً صمت أبناء الوطن الذين يستقوي بهم العدو. على المجتمع أن يتحرّك دعماً لوحدة دولته، تماماً كما حصل في قرى درعا التي حصلت فيها اعتداءات إسرائيلية. مطلوب وضروري أن تخرج أصوات درزية تدين وترفض التصريحات العدوانية، والاعتداءات في الأرض، وهذا يساعد الحكومة في استراتيجية الصمت.
أدق تعبير عن العدوان كان للوزير الأسبق فاروق الشرع الذي فاوض الإسرائيليين في عهد حافظ الأسد، عندما قال في اليوم التالي لهروب الأسد، لتلفزيون سوريا، إن هدف الاعتداءات غداة هروب بشّار: “كسر معنويات السوريين في هذه اللحظة الحسّاسة”، وأعتبر أحمد الشرع لاحقا أن لا “مبرر” بعد خروج القوات الإيرانية من سورية لهذه الاعتداءات. ودعا المجتمع الدولي إلى التدخّل وتحمّل مسؤوليته تجاه هذا التصعيد. وقال إن الوضع المنهك الذي خلّفه نظام بشّار الأسد لا يسمح بالردّ على هذه الاعتداءات، مؤكّداً أن الأولوية هي لإعادة البناء والاستقرار في البلاد.
يحفل أرشيف يوتيوب بتصريحات فيديو للقائد السوري عن تحرير الأقصى، وليس الجولان فقط، فضلاً عن حديث أرفع مسؤول شرعي في هيئة تحرير الشام الشيخ مظهر الويس عن “طوفان الأقصى”، ويدرك الإسرائيليون أن هذا لا يعبّر عن هيئة تحرير الشام فقط، بل هو إجماع سوري من أيّام الشيخ عزالدين القسام ابن جبلة. إذا كان الصمت خيار الدولة، فالمؤكّد أنه ليس خيار الناس.
الشروق الجزائرية