واشنطن- عرف العرب الرئيس الأميركي الراحل جيمي كارتر جيدا نظرا لدوره المحوري الذي بدأ عام 1977 وانتهى به بالإشراف على محادثات السلام بين مصر وإسرائيل في منتجع كامب ديفيد، والتي أدت إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في البيت الأبيض في 26 مارس/آذار 1979.

ويتذكر الشعب الفلسطيني كارتر أول رئيس أميركي يصف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بكونها نظام الأبارتايد (فصل عنصري).

ويعرفه الخليجيون رئيسا فشل في مواجهة تأثير الثورة الإيرانية مما أدى لعداء أميركي لطهران ناهز عمره نصف قرن. كما عرفه السودانيون رئيسا امتلك شجاعة نادرة في الدفاع عن موقف دولتهم عندما تم إدراجها كدولة "راعية للإرهاب".

ومع رحيل كارتر (100 عام) قبيل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، يقف العرب في مفترق طرق في انتظار المجهول من بيت أبيض جديد رغم معرفتهم بتجربة حكم ترامب السابقة لـ4 سنوات بين 2016 و2020.

كارتر وفلسطين

بعد سنين من الحرب بين مصر وإسرائيل، وبتنسيق مع كارتر، سافر الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى إسرائيل في سبتمبر/أيلول 1977، ودعا إلى السلام في خطاب ألقاه أمام الكنيست.

وبعد وصول المحادثات إلى طريق مسدود، تدخل كارتر وضغط على الجانب الإسرائيلي من خلال ما عُرف بـ "مقدمة كارتر". ثم دعا السادات ورئيس وزراء إسرائيل حينذاك مناحيم بيغن إلى قمة في كامب ديفيد، وعمل وسيطا بينهما. ورغم فشل المفاوضات عدة مرات، أصر كارتر على إبقاء المفاوضين في هذا المنتجع حتى تم الاتفاق على مسودة وثيقة واحدة بين الجانبين.

إعلان

وتبخرت أحلام إحلال السلام في المنطقة ولم يتم الاتفاق إلا على إطار معاهدة سلام (اتفاقيات كامب ديفيد) حددت انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وإعادتها التدريجية للسيادة المصرية، إلا إن الاتفاق فشل في وضع مسار للحكم الذاتي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وتم التوقيع على الاتفاقية في مارس/آذار 1979 في حديقة البيت الأبيض.

قادت الاتفاقية بيغن والسادات إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام في عام 1978، ولم تتضمن كارتر لأسباب فنية تعلقت بتأخر ترشيحه. لكنه عاد وفاز بها وحده عام 2002.

لكن لم تحظ معاهدة السلام بشعبية في العالم العربي، حيث كانت الدول غاضبة من انخراط مصر مع إسرائيل ومن حقيقة أن الاتفاق لا يتضمن دولة فلسطينية منفصلة، واغتيل السادات في أكتوبر/تشرين الأول 1981.

كارتر وإيران

في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، استولى طلاب إيرانيون على السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا عشرات الأميركيين رهائن، وبدؤوا أزمة استمرت 444 يوما حددت ملامح السنة الأخيرة من رئاسة كارتر وتسببت في هزيمته أمام منافسه رونالد ريغان في انتخابات 1980.

وتردد كارتر في السماح لمحمد رضا بهلوي، شاه إيران المنفي، بالسفر إلى الولايات المتحدة للعلاج من السرطان. وقاوم ضغوط بعض مستشاريه بهذا الشأن، لكنه رضخ بعد أن علم أن بهلوي لا يمكنه تلقي العلاج اللازم في المكسيك.

ومع وصول الشاه لمدينة نيويورك، في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1979، بدأ الإيرانيون في التظاهر خارج السفارة الأميركية في طهران، إلى أن اجتاحها نحو 3 آلاف منهم، واحتجزوا 66 رهينة. وأُفرج عن أكثر من 12 شخصا بعد نحو أسبوعين، تاركين 52 دبلوماسيا وحارسا وموظفا في السفارة رهائن.

وللضغط على النظام الجديد في طهران، أوقف كارتر شراء النفط الإيراني وجمّد جميع أصول طهران في الولايات المتحدة. في حين دفعت الثورة الإيرانية واشنطن لبدء تعاملها مع دول الخليج العربي الست كوحدة واحدة.

إعلان

في 24 أبريل/نيسان 1980، أمر كارتر ببدء عملية إنقاذ عسكري للرهائن في طهران، لكن المهمة فشلت مما أدى إلى خسارة كارثية في طائرات الهليكوبتر ومقتل 8 جنود أميركيين في الصحراء الإيرانية. واستقال سايروس فانس وزير خارجية كارتر احتجاجا على ذلك.

وكان إعلان كارتر في خطاب حالة الاتحاد عام 1980 أن "أية محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربي بمنزلة اعتداء على المصالح الحيوية لنا، وستتم مواجهته بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية"، رسالة مباشرة لمن يفكر في الاقتراب عسكريا من الخليج، وهو ما عُرف "بمبدأ كارتر".

ومع إطالة أمد أزمة الرهائن، بدأت حظوظ كارتر الانتخابية في التآكل. وبدأت جهود جديدة ومحمومة لإطلاق سراحهم قبل أيام من نهاية رئاسته. وتوصلت الإدارة إلى اتفاق عام مع إيران، لكن الصفقة تعثرت في الاتفاق على تفاصيل الإفراج عن الأصول الإيرانية الموجودة في بنوك أميركية.

ومع تنصيب رونالد ريغان رئيسا جديدا في 20 يناير/كانون الثاني 1981، أفرجت طهران عن الرهائن. واعتبر المراقبون هذه الخطوة بمنزلة إهانة إيرانية لكارتر حيث أرجأت مغادرتهم إلى ما بعد أداء خليفته اليمين الدستورية.

مواجهة إسرائيل

وفي حين لعب كارتر دور وسيط محايد خلال محادثات كامب ديفيد، عامي 1978 و1979، بين مصر وإسرائيل، فقد أصبح ينتقد إسرائيل بشكل متزايد بعد ترك منصبه، وخاصة في كتاب صدر عام 2006 بعنوان "فلسطين.. سلام لا أبارتايد"، الذي قارن فيه معاملة الاحتلال للفلسطينيين بنظام القمع العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

في الكتاب، جادل كارتر بأن النقاش في الولايات المتحدة حول معاملة إسرائيل للفلسطينيين قد انحرف من قبل جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل وفي افتتاحيات الصحف الأميركية التي نادرا ما تقدم الصورة الكاملة للوضع. وكتب أن إسرائيل مذنبة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، حيث استخدم كلمة "أبارتايد" في العنوان.

إعلان

أثار الكتاب ردود فعل عنيفة بين مؤيدي إسرائيل، واتُهم بالمبالغة في الوضع و"تحريف" بعض الحقائق. واستقال 14 عضوا من المجلس الاستشاري لمركز كارتر احتجاجا عليه، وقالوا في رسالة له "يبدو أنك تحولت إلى المناصرة الخبيثة، لم يعد بإمكاننا تأييد موقفك الحاد والعنيف ضد إسرائيل".

رفض كارتر التراجع، وفي مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، أشار إلى القيود المفروضة على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقال "إسرائيل ترتكب أسوأ حالات الفصل العنصري الذي شهدناه في جنوب أفريقيا".

وفي حديثه في جامعة برانديز، قال كارتر إنه استخدم كلمة فصل عنصري "مع العلم أنه سيكون استفزازا"، لكنه أراد لفت الانتباه إلى الظروف في الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث تبني إسرائيل المستوطنات. وأضاف أنه لم يقصد "مساواة الصهيونية بالعنصرية"، بل الإشارة إلى "أن هذا الاضطهاد الوحشي يتعارض مع مبادئ العقيدة الدينية اليهودية ومع المبادئ الأساسية لدولة إسرائيل".

جيمي كارتر (يسار) في لقاء مع مسؤولين سودانيين بالخرطوم مطلع عام 2014 (الأناضول) كارتر والسودان

ألقى الكثيرون باللوم على سجل كارتر تجاه ما شهده السودان خلال عقود حكم نظام الرئيس السابق عمر البشير، والتي بدأت عام 1989.

وشارك كارتر ومركزه، "مركز كارتر لمراقبة الانتخابات"، في مراقبة الانتخابات الدورية التي شهدها السودان خلال حكم البشير، وعدّ خبراء ذلك بمنزلة منح شرعية لنظام "ارتكب إبادة جماعية في دارفور، ومنح ملاذا آمنا لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في تسعينيات القرن الماضي".

وشهد كارتر أن انتخابات السودان "جيدة"، وقال إنه لا يرى "أية أسباب لأي قلق بشأنها باستثناء عدد قليل من الحالات المعزولة"، وذلك رغم مقاطعة قوى سياسية عدة لها "لغياب العدالة وإشراف النظام على إدارتها بصورة أمنية محكمة".

إعلان

واعتبر سودانيون كُثر أنه ومن خلال "الادعاء بأن التصويت كان بمنزلة فرصة لهم للمشاركة وعرض آرائهم، فإن كارتر ليس صديقا للشعب السوداني".

في عام 2008، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد عمر البشير بتهمة "ارتكاب الإبادة الجماعية في دارفور". وبعد تصنيف واشنطن السودان دولة "راعية للإرهاب الدولي" عام 1996، قال كارتر إن "الإدراج دوافعه سياسية وليست حقيقية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات کامب دیفید فی طهران

إقرأ أيضاً:

غزة.. بين «فزعة» أمريكا و«فزعة» العرب

بعد أحداث السابع من أكتوبر الفلسطينية التي هزت العالم، وقبل أن تستفيق إسرائيل من صدمتها المدوية، كانت الخزائن الأمريكية مفتوحة لمساعدة الكيان الغاصب، والأساطيل الحربية على أهبة الاستعداد للتدخل، والمليارات تتدفق، والجنود الأمريكيون على فوهة البنادق. تدفقت المساعدات بمليارات الدولارات، وجاءت المعونات بكافة أشكالها، وألوانها، وأنواعها من على بُعد آلاف الأميال لتمد يد العون والمساندة لدولة مغتصبة، همجية، لا تشبه أمريكا إلا في المصالح والمفاهيم المقلوبة. كانت «الفزعة» الأمريكية عاجلة، وغير مترددة، وحاسمة، وما زالت الطائرات، والصواريخ، والقنابل تُرسل بشكل يوميّ لقتل الأطفال، والنساء، والشيوخ في «غزة» دون خجل. وما زال الدعم الأمريكي المعنوي حاضرًا وبقوة ضد أي إدانة أو موقف ضد الكيان المحتل القاتل، بل واتخذت الإدارات الأمريكية إجراءات عدائية ضد كل من سوّلت له نفسه مقاضاة أو محاكمة أي من مجرمي الحرب الإسرائيليين.

في المقابل.. كانت الدول العربية، التي تتوزع على خارطة الجغرافيا، على بُعد عشرات الأمتار من موقع الحدث، يشاهدون المجازر، ويبحثون التداعيات، ويناقشون الأسباب، ويتخيّرون «ألفاظ» الإدانة في مؤتمراتهم واجتماعاتهم، كي لا يخدشوا حياء القتلة. اكتفوا بالتفرّج على إبادة إخوتهم في «غزة»، دون أن يرفعوا أصواتهم بشكل واضح لوقف المجازر. لم يكن الموقف الرسمي العربي مفاجئًا، لكنه كان مخيّبًا لكل الآمال التي كانت تعتقد أن الدم العربي أغلى من أن يُراق على مذابح الكيان القاتل بهذه المجانية والسهولة. وظلت العلاقات الاقتصادية، والتجارية، والعسكرية، والرسمية بين الدول المطبّعة وإسرائيل على ما هي عليه دون أي خدش، وهو ما شكّل دعمًا غير مباشر للكيان الصهيوني لزيادة جرعة الوحشية، والتجرؤ بشكل فاضح على الموقف العربي. ولو أن دولة واحدة اتخذت إجراءً حازمًا وواضحًا، لتغيّرت المعادلة الحالية.

وبغض النظر عن الموقف الرسمي الأمريكي، والغربي البائس تجاه أحداث غزة، إلا أن الموقف الشعبي فـي دول كثيرة كان مغايرا، ومساندا فـي كثير من الأحيان للفلسطينيين، ودفع الكثير من مواطني تلك الدول أثمانا باهظة بسبب مناهضتهم للحرب المجنونة التي تشنها إسرائيل على «غزة»، وكلنا يذكر المظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت فـي جامعات أمريكية، وأوربية عديدة منددة بالمجازر، وحرب الإبادة، وداعمة لـ «غزة»، وكيف تشكّل وعي جمعي جديد ـ نوعا ما ـ فـي العقل الغربي المغيّب تجاه القضية الفلسطينية، بعد أن ظلّت الرواية الإسرائيلية والغربية الرسمية المضللة تقود التوجه الشعبي فـي تلك البلاد، والتي تتبنّى فكرة «المظلومية» اليهودية، و «معاداة السامية»، ونتذكر كيف قاطع الكثير من الغربيين المنتجات التي تساند الكيان الصهيوني، وكان ذلك بمثابة صفعة غير مسبوقة على وجه إسرائيل، ومن يدعمها، بل أن كثيرا من اليهود المنصفـين وقفوا ضد تلك المجازر، ونددوا بها.

وعلى النقيض من الموقف الشعبي الغربي، شهد الموقف الشعبي العربي تراجعا ملحوظا، وخاذلا للقضية الفلسطينية، فبينما خرجت ـ كما ذكرتُ ـ دعوات غربية لمقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني، أخذ كثير من الشعوب العربية موقفا مساندا للمنتجات التي تمد الاحتلال بالدعم المالي، وتسهم فـي قتل أخوانهم الفلسطينيين، بل ولم تتحرك ذرة من ضمير عربي، لنصرة «غزة» ولو بأقل القليل، ولم تهتز شعرة لدى بعض العرب وهم يشاهدون دماء أخوتهم تراق، و «الغزيون» يموتون جوعا، وعطشا، بينما هم يملأون بطونهم بالوجبات السريعة الغربية، ويشترون المنتجات الداعمة للقتلة، وظلّوا يدعمون المجرمين دون حياء، ودون أي وازع إيماني، وأخلاقي تجاه أخوانهم فـي الدم، والعقيدة. هكذا أصبح ضمير العالم يموت فـي مكان قريب من «غزة»، بينما تعود له الحياة فـي أقصى بقعة منها..فـيا لعجب الزمان، وهوانه.

مقالات مشابهة

  • 50 مليار نبضة قلب.. من مملكة القلوب إلى حضن العرب
  • الشمري يعلن من البصرة إنهاء ملف تهريب المخدرات عبر شط العرب
  • زاهي حواس يوقع كتاب توت عنخ آمون من هوارد كارتر الى المدينة الذهبية بالتشيك
  • غانتس: إسرائيل قادرة على مهاجمة إيران.. و"حان وقت التغيير" بالتنسيق مع واشنطن
  • «رحلة إلى الله».. سلسلة إيمانية تنظمها إسلامية دبي
  • غزة.. بين «فزعة» أمريكا و«فزعة» العرب
  • تجنبوا أوتوستراد المدينة الرياضية.. هذا ما يحصل هناك
  • رحلة البحث عن السلام الداخلي
  • النشرة المرورية.. كثافات مرتفعة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة
  • يديعوت أحرونوت: إسرائيل لا تعرف خطوط ترامب الحمراء تجاه إيران