التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بين المد والجزر
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
#سواليف
#التغييرات_الجيوسياسية في #الشرق_الأوسط بين المد والجزر
د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي
منذ بداية الأحداث الجيوسياسية في المنطقة والتحولات كبرى في سوريا في اسقاط نظام بشار الاسد كان “محور المقاومة” يشكل أحد الأعمدة الرئيسية في الاستراتيجيات الإقليمية لمواجهة النفوذ الغربي والصهيوني.
في البداية، كانت لبنان وسوريا والعراق واليمن تشكل نقاط قوة لهذا المحور. لبنان، بوجود حزب الله، كان يمثل نقطة محورية في المواجهة مع إسرائيل، بينما كانت سوريا مركزًا لتمركز القوى الإيرانية والفصائل التابعة لها. أما العراق فقد شهد تدخلات إيرانية مكثفة من خلال دعم فصائل الحشد الشعبي. لكن اليوم، يبدو أن العديد من هذه الجبهات قد توقفت أو على الأقل تراجعت قوتها.
في لبنان، تراجع الدور الفعّال للمقاومة بشكل كبير نتيجة للأزمات الداخلية والخارجية، حيث تتزايد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها حزب الله. هذه الأزمات جعلت من الصعب الحفاظ على استمرارية دعم المقاومة اللبنانية في وجه التحديات المتزايدة.
أما في العراق، فقد شهدت الساحة السياسية والعسكرية تطورات كبيرة بعد الانسحاب العسكري الأمريكي وتغيير الأولويات الإقليمية. إذ تبين أن الدعم الإيراني في العراق لم يعد كما كان في السابق، وهو ما جعل محور المقاومة العراقي يواجه صعوبات جمّة. على الرغم من استمرار بعض المجموعات المسلحة، فإن تأثير إيران على الساحة العراقية بدأ يتراجع بشكل ملحوظ.
في سوريا كان الدعم الكبير الذي تقدمه إيران للنظام السوري في مواجهة الثورة كبير جدا فإن الوضع الداخلي المعقد وصراعات القوى الدولية والإقليمية قد جعلت من الصعب الحفاظ على مستوى الدعم العسكري والتواجد الإيراني كما كان في السابق إلى تقييد قدرة إيران على تعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة بعد انهيار النظام في دمشق.
في اليمن، ورغم استمرار دعم إيران للحوثيين، يظل الوضع هناك مختلفًا. يُعتبر اليمن جبهة مهمة للمقاومة، لكن الصراع الطويل مع التحالف العربي جعل هذه الجبهة بعيدة عن الأنظار الدولية. الفوضى المستمرة في البلاد تمنع تحقيق أي مكاسب استراتيجية حاسمة.
هذه التغيرات في سياق “محور المقاومة” تطرح تساؤلات حيوية حول كيفية تأثير ذلك على القضايا الأهم في المنطقة، القضية الفلسطينية. منذ توقف الدعم اللبناني والعراقي، باتت غزة تمثل الجبهة الأساسية التي تعتمد عليها فصائل المقاومة الفلسطينية. لكن، مع تراجع الدعم العسكري والمالي من هذه الجبهات، كيف ستتمكن غزة من الصمود أمام الضغوط المتزايدة؟
الورقة الفلسطينية الآن في موقف صعب للغاية، حيث تواجه تحديات اقتصادية وعسكرية متزايدة في ظل تراجع الدعم الخارجي. بعد الانهيار المحتمل لجبهات المقاومة في لبنان والعراق وسوريا، أصبح من الواضح أن غزة، رغم قوتها وصمودها، ستواجه ضغطًا هائلًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. التحديات الكبرى تشمل النقص في الموارد والدعم اللوجستي، فضلاً عن عدم وضوح الاتجاهات المستقبلية لهذه المقاومة في غياب الدعم الكافي من محور المقاومة الذي كان يعتمد عليه الفلسطينيون.
إيران، التي لا تزال تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة لتطوير استراتيجيات جديدة لمساندة غزة بشكل غير تقليدي. أما الدول الأخرى في محور المقاومة، فقد تجد صعوبة في تقديم الدعم الفعّال في ظل الوضع الإقليمي المتأزم.
ختامًا مبادرة السلام العربية لعام 2002 تمثل إطاراً مهماً لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال منح الاعتراف العربي بإسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تواجه صعوبات كبيرة في ظل التطورات الراهنة، حيث تشهد العديد من الدول العربية خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل، مما قد يؤثر سلبًا على الدعم العربي لقضية فلسطين. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن أن تظل فكرة “الأرض مقابل السلام” قائمة، أم أنها ستختفي في ظل الظروف المتغيرة؟يُعتبر “محور المقاومة” اليوم في مرحلة تحول حرجة. رغم توقف الجبهات الأساسية مثل لبنان والعراق وسوريا إلا أن القضية الفلسطينية قد تظل محور التركيز.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الشرق الأوسط محور المقاومة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
ماذا يخطط ترامب لمنطقة الشرق الأوسط!؟
يمانيون../
من يشاهد الفيلم التسويقي عن غزة والذي يلعب بطولته كل من ترامب وملهمه آيلون ماسك وذراعه التنفيذي نتنياهو، مع ما يتضمنه من مشاهد خيالية عن أبنية مرتفعة بنماذج ناطحات سحاب، أو من مشاهد ولا في الاحلام لمنتجعات سياحية بنماذج غربية، مع مروحة من الصور غير الواقعية يحاول أن يرسمها هذا الفيلم ، لا يمكن إلا أن يتوقف حول الهدف من هذا التسويق، والذي لا يمكن أن يكون فقط للدعابة أو للتسلية، وخاصة في هذا التوقيت الاستثنائي من المشاريع السياسية الصادمة التي يروج لها ترامب، والتي يعمل فعلياً على السير بها وتنفيذها.
فماذا يمكن أن يكون الهدف أو الرسالة من هذا الفيلم التسويقي؟ وأية رسالة أراد إيصالها الرئيس ترامب؟ وما المشاريع الأميركية الغامضة (حتى الآن) والتي تنتظر منطقة الشرق الأوسط برعاية أميركية؟
بداية، وبكل موضوعية، لا يمكن إلا النظر بجدية إلى المستوى الحاسم بنسبة كبيرة، والذي يفرضه ترامب في أغلب الملفات التي قاربها حتى الآن، وبفترة قصيرة جداً بعد وصوله إلى البيت الأبيض رئيساً غير عادي.
أول هذه الملفات كان التغيير الفوري لاسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا، مع كامل متتمات هذا التغيير في المراجع العلمية والجغرافية المعنية كافة، وذلك حصل خلال رحلة جوية له فوق الخليج المذكور.
ملفات الرسوم الجمركية مع كندا والمكسيك ودول أخرى، والتي دخلت حيز التنفيذ مباشرة بعد توقيعه الأوامر التنفيذية الخاصة بها، بمعزل عما يمكن أن يكون لهذا الملف من ارتدادات سلبية على تجارة الولايات المتحدة نفسها.
ملف التهديد الجدي بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وتداعياته التي ما زالت قائمة، مع ملف التهديد الجدي بالعمل لجعل كندا الولاية 51 للولايات المتحدة الأمريكية.
ملف قناة بنما وفرض انتزاع المميزات التجارية التي كانت الصين قد اكتسبتها من اتفاق رسمي مع سلطات بنما بعد إلغاء الأخيرة الاتفاق.
أهم هذه الملفات أيضًا، والتي فرض الرئيس ترامب تغييرًا دراماتيكيًا فيها بوقت قياسي، هو ملف الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث وضعها على سكة الحل القريب، بعد أن كان البحث في إمكانية إيجاد حل قريب لها مستحيلاً، وذلك بمعزل عن الصفقات التجارية الضخمة (وخاصة في المعادن الحيوية مثل الحديد والصلب أو النادرة مثل الليثيوم) ، والتي يبدو أنه على الطريق لفرضها مع أوكرانيا، واجتماع البيت الأبيض الأخير، العاصف وغير المتوازن مع الرئيس الأوكراني، والذي اضطر مرغمًا لإنهاء زيارته إلى واشنطن بعد أن أهين وهُدّد بعدم العودة إلا بعد إعلان استعداده لقبول الصفقة كما هي، والتي ستكون بديلًا عن استمرار هذه الحرب، ولو على حساب أوكرانيا وأراضيها، وأيضاً ستكون على حساب اقتصاد وموقع الأوروبيين حلفائه التاريخيين في حلف شمال الأطلسي.
أما في ما خص فيلم ترامب التسويقي عن غزة، والمقارنة مع الجدية التي أظهرها في متابعة ومعالجة الملفات الدولية المذكورة أعلاه، فيمكن استنتاج عدة مخططات ومشاريع أميركية مرتقبة، في غزة بشكل خاص، أو في فلسطين وسورية ولبنان بشكل عام، وذلك على الشكل الآتي:
مشروع تهجير أبناء غزة بحجة تسهيل وتنفيذ إعادة الإعمار، رغم ما واجهه من رفض فلسطيني وعربي وإقليمي،ما زال قائماً بنسبة نجاح مرتفعة، والتسريبات حول دعمه قرارًا مرتقبًا لنتنياهو بالانسحاب من تسوية التبادل قبل اكتمالها، بعد فرض شروط جديدة، تؤكد أن ما يُخطط أميركياً وإسرائيلياً لغزة هو أمر خطير، ولتكون المعطيات التي خرجت مؤخراً وقصدًا للإعلام، عن موافقة أميركية سريعة لإسرائيل، لحصولها على صفقة أسلحة وذخائر وقنابل شديدة التدمير على وجه السرعة، تؤشر أيضاً وبقوة، إلى نوايا عدوانية إسرائيلية مبيتة، بدعم أميركي أكيد.
أما بخصوص ما ينتظر سورية من مخططات، يكفي متابعة التوغل الإسرائيلي الوقح في الجنوب السوري، دون حسيب أو رقيب، لا محلي ولا إقليمي ولا دولي، والمترافق مع استهدافات جوية كاسحة لكل ما يمكن اعتباره موقعًا عسكريًا، أساسيًا أو بديلًا أو احتياط، وكل ذلك في ظل تصريحات صادمة لمسؤولين إسرائيليين، بمنع دخول وحدات الإدارة السورية الجديدة إلى كل محافظات الجنوب، وبحظر كل أنواع الأسلحة والذخائر من مختلف المستويات في جنوب سورية، مع التصريح الواضح بتأمين حماية كاملة لأبناء منطقة السويداء دفعاً لهم لخلق إدارة حكم ذاتي مستقل عن الدولة السورية.
أما بخصوص لبنان، فالعربدة الإسرائيلية مستمرة، في ظل الاحتلال والاستهدافات الواسعة وعلى مساحة الجغرافيا اللبنانية، رغم وجود لجنة مراقبة خماسية عسكرية، برئاسة ضابط أميركي وعضوية فرنسي وأممي ولبناني وإسرائيلي. وليكتمل المشهد الغامض (الواضح) حول مخططات الرئيس ترامب المرتقبة للمنطقة، يكفي متابعة تصريح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن تفاؤله بشأن الجهود المبذولة لانضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، مرجحًا أيضاً انضمام لبنان وسورية إلى الاتفاق، بعد الكثير من التغييرات العميقة التي حدثت في البلدين المرتبطين بإيران”.
العهد الاخباري ـ شارل أبي نادر