بعد أكثر من عقد من الحرب التي دمرت سوريا اقتصاديًا، تحاول القيادة الجديدة إعادة بناء البلاد وسط تحديات تشمل العقوبات الدولية، ونقص الخبرة وانعدام السيطرة على الموارد النفطية بحسب ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير حديث.

ووفقًا لتقرير الصحيفة، فإن بوادر انتعاش أولية بدأت بالظهور، لكن الطريق نحو التعافي لا يزال طويلًا ومعقدًا.

تحديات اقتصادية كبرى

وتشير الصحيفة إلى أن الحرب التي استمرت لأكثر من 10 سنوات تركت الاقتصاد السوري في حالة انهيار، حيث فقدت البلاد مليارات الدولارات من عائدات النفط، والتي كانت تشكل تقريبًا نصف إيرادات التصدير السنوية، وبلغت ما تتراوح من 3 إلى 5 مليارات دولار قبل الحرب.

الحرب التي استمرت لأكثر من 10 سنوات تركت الاقتصاد السوري في حالة انهيار (الفرنسية)

ومع تراجع قيمة الليرة السورية، ارتفعت تكلفة السلع الأساسية، وأصبح المواطنون يضطرون إلى حمل أكوام من النقود لدفع ثمن الاحتياجات اليومية.

وحاليًا، يحتاج الدولار الأميركي إلى 13 ألف ليرة سورية، مقارنة بـ 50 ليرة فقط قبل الحرب، مما يبرز تأثير التضخم الهائل بحسب الصحيفة.

ووفقًا للبنك الدولي، يعيش 75% من السكان على أقل من 3.65 دولارات يوميًا، بينما يعيش 33% في فقر مدقع بأقل من 2.15 دولار يوميًا.

وقد أدى ذلك -وفق وول ستريت جورنال- إلى اعتماد متزايد على السوق السوداء لتأمين الوقود والمواد الأساسية.

قطاع النفط والتحديات السياسية

وبحسب الصحيفة فقد خسرت سوريا السيطرة على معظم حقولها النفطية، التي تقع الآن تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي.

إعلان

وأكد طارق عصفور، المسؤول عن إدارة الوقود في الشركة الحكومية المخصصة لتوزيع الوقود، أن استعادة السيطرة على هذه الحقول يمثل أولوية قصوى.

وقال عصفور في حديث للصحيفة: "إذا استعدنا السيطرة على حقول النفط، يمكننا تحقيق قدر من الاستقلال في الطاقة بدلا من الاعتماد شبه الكامل على الواردات".

وترى الصحيفة صعوبة في مسار سوريا الجديدة لرفع العقوبات مع استمرار تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وهو ما يعقد جهود استقطاب الاستثمارات الدولية.

ويشير محمد حلاق، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق إلى أن رفع العقوبات أمر ضروري لإعادة تشغيل النظام المصرفي وتحفيز النمو الاقتصادي، قائلا: "نحتاج إلى الخبرة التقنية، التكنولوجيا، والأهم من ذلك رفع العقوبات لكي نتمكن من المضي قدمًا".

تحسن نسبي في بعض القطاعات

ورغم التحديات، لاحظت وول ستريت جورنال بعض بوادر التحسن في الاقتصاد السوري. على سبيل المثال، أسهمت إزالة الرسوم والرشاوى التي فرضها النظام السابق في خفض الأسعار، كما أصبحت الأدوية المستوردة أكثر توفرًا وأقل تكلفة.

وقالت ريما صبيح، صيدلانية في دمشق: "العملاء سعداء بالحصول على الأدوية الأجنبية بأسعار معقولة الآن. الأدوية السورية كانت تعاني من سمعة بأنها أقل فعالية، لكننا الآن قادرون على توفير خيارات أفضل".

وكما يشير التقرير إلى أن المنتجات الأجنبية، التي كانت تُهرب وتباع سرًا في السابق، تُعرض الآن بشكل علني في المتاجر.

وقال صالح مصطفى، صاحب متجر لبيع التبغ في دمشق، "يمكنك الاختيار مما تشاء، ولم يعد هناك خوف من عرض المنتجات الأجنبية".

مستقبل الاقتصاد السوري

وتجعل التحديات الاقتصادية والسياسية الهائلة من إعادة الإعمار عملية معقدة. حيث يتطلب الأمر احتياطيات نقدية أجنبية لتثبيت العملة وتمويل الرواتب الحكومية، وهو ما يفتقر إليه البنك المركزي السوري حاليًا.

إعلان

وأشارت رندا سليم، زميلة في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إلى أن "احتياطات البنك المركزي منخفضة للغاية، مما يعرقل جهود إعادة الإعمار ودعم العملة".

رغم ذلك، هناك تفاؤل حذر بشأن المستقبل. حيث تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على تقديم مساعدات إنسانية محدودة دون رفع العقوبات بالكامل، بينما أبدت تركيا اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار لتعزيز صناعاتها ومصالحها الجيوسياسية.

وأشار عمر ضاحي، أستاذ الاقتصاد في كلية هامبشاير إلى أن الوضع الحالي قد يؤدي إلى ظهور "قطاعات عامة متعددة" حيث تمول الدولة مشاريع كبيرة بشكل مستقل عن الحكومة المركزية.

وأضاف ضاحي: "السلام في سوريا هش للغاية، خاصة بالنظر إلى الاحتياجات الاقتصادية الملحة".

ورغم التفاؤل النسبي ببعض التحسن الاقتصادي، فإن استقرار سوريا يتطلب جهودًا دولية منسقة، وتخفيف العقوبات، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد، بحسب الصحيفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات وول ستریت جورنال الاقتصاد السوری السیطرة على إلى أن

إقرأ أيضاً:

أسباب فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني

في منتصف يناير 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان. وأوضحت الوزارة في بيانها أن القرار يعكس التزام الولايات المتحدة بإنهاء النزاع، متهمة الجيش السوداني بتنفيذ هجمات ضد المدنيين.

تقرير: حسن إسحق
في منتصف يناير 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان. وأوضحت الوزارة في بيانها أن القرار يعكس التزام الولايات المتحدة بإنهاء النزاع، متهمة الجيش السوداني بتنفيذ هجمات ضد المدنيين.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تسببت الحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023 في مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني.
وأكدت الوزارة أن العقوبات تأتي ضمن جهود واشنطن لإنهاء الحرب المستعرة بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو "حميدتي". وأثارت هذه الخطوة غضب أنصار الجيش والحركة الإسلامية، لا سيما أنها جاءت بعد أيام من فرض عقوبات مماثلة على قائد قوات الدعم السريع.
رفض الجيش السوداني للعقوبات
رفض الجيش السوداني هذه العقوبات، مؤكداً التزامه بإنهاء الحرب والعنف في البلاد. واعتبر القرار ظالمًا، مشددًا على أنه لا يمكن مساواة الجيش السوداني بقوات الدعم السريع.
اتهامات بارتكاب أعمال عنف
ذكرت مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية أنها وثّقت منذ اندلاع الحرب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وفي يناير 2025، وثقت هجمات عنيفة في بلدة أم القرى بولاية الجزيرة تزامنت مع تقدم الجيش في المنطقة. واتهمت المجموعة الجيش السوداني باعتقال مدنيين، بينهم نساء، وارتكاب انتهاكات شملت القتل خارج نطاق القانون، والاختطاف، والاعتقال غير القانوني، والتعذيب، إضافة إلى الإذلال الجسدي والمعنوي.
إدانة رئيس الوزراء السابق لانتهاكات الجيش
أدان رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، الانتهاكات الجارية في ولاية الجزيرة، واصفًا إياها بالمروعة. ودعا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية المدنيين من "المجازر التي تُرتكب ضد الشعب السوداني". كما حث السودانيين على عدم الانجرار وراء خطاب الكراهية والتعبئة العنصرية التي تعمّق الفتنة بين المكونات الاجتماعية.
رفض حكومة بورتسودان مقترحات التفاوض
يرى بعض المراقبين أن العقوبات فُرضت على البرهان لعدة أسباب، أبرزها رفضه التفاوض مع قوات الدعم السريع لإنهاء الحرب، بالإضافة إلى تنفيذ ضربات جوية على المدنيين العالقين في مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور وكردفان والخرطوم، وحتى ولاية الجزيرة التي سيطر عليها الجيش مؤخرًا.
كما أدى القصف الجوي إلى مقتل عشرات المدنيين، ما عُدّ انتهاكًا خطيرًا. إضافة إلى ذلك، تسببت حملات الاعتقال التعسفية في مناطق سيطرة الجيش، بحجة التعاون مع قوات الدعم السريع أو معارضة حكومة الأمر الواقع، في تسريع فرض العقوبات. كما ألقت الأحداث الأخيرة في مناطق الكنابي بظلالها على الجيش السوداني، مما دفعه إلى إصدار بيان ينفي تورطه، معلنًا فتح تحقيق في المجازر المرتكبة بحق المدنيين.
موقف أنصار الجيش من العقوبات
في المقابل، يعتبر أنصار الجيش السوداني وحكومة بورتسودان أن العقوبات الأمريكية غير عادلة، إذ يرفضون مساواة الجيش بقوات الدعم السريع التي يصفونها بـ"الميليشيا المتمردة". ويرون أن قوات الدعم السريع، وليس الجيش، هي المسؤولة عن حرب 15 أبريل وما تلاها من انتهاكات وجرائم، متهمين القوى السياسية المتحالفة معها بالمشاركة في هذه الفظائع. كما اعتبروا القرار الأمريكي دليلًا على ازدواجية المعايير، مؤكدين أنه لا يخدم جهود إنهاء الحرب.
تأثير العقوبات المحتمل على الجيش
يرى الناشط الحقوقي منتصر محمد عبد الله أن العقوبات الأمريكية قد تساهم في الحد من الانتهاكات ضد المدنيين، مؤكدًا أن الجيش ملزم أخلاقيًا بحمايتهم بدلًا من انتهاك حقوقهم. وأشار إلى أن قادة النظام السابق ما زالوا مطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور، وأن المجتمع الدولي لن يقف متفرجًا على ما يحدث حاليًا من مذابح وتهجير.
وأضاف أن قرار الحكومة بفتح تحقيق في أحداث كمبو طيبة، بعد انتشار مقاطع فيديو وثّقت الفظائع، يُعد تحذيرًا للبرهان، مؤكدًا أن أي جرائم تُرتكب تحت إشراف الجيش ستُحسب عليه. وحذر من أن البرهان قد يواجه المصير نفسه لسلفه، عمر البشير، إذا استمرت هذه الانتهاكات.
وشدد منتصر على ضرورة أن تلعب الأطراف الفاعلة دورًا إيجابيًا في حماية المدنيين بدلاً من تبني سياسات قمعية وإقصائية قد تزيد من عزلة السودان وتضع قياداته في مواجهة مع المؤسسات الحقوقية الدولية.
الدور الأمريكي في إنهاء الصراع
ترى الناشطة المجتمعية انتصار يعقوب أن الإدارة الأمريكية الجديدة، بقيادة دونالد ترامب، يمكنها لعب دور محوري في وقف الانتهاكات بحق المدنيين في دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم، من خلال الضغط على طرفي الصراع لإنهاء الحرب ووقف الانتهاكات المستمرة منذ أبريل 2023.
وحذرت من أن استمرار تعنت طرفي النزاع قد يؤدي إلى تصعيد الأوضاع، مما قد يدفع مجلس الأمن الدولي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الإبادة الجماعية، مؤكدة أن المصير قد يكون شبيهًا بمصير الإدارة السودانية السابقة.

ishaghassan13@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • الرئيس السوري أحمد الشرع يصل الرياض في أول زيارة خارجية له
  • تقرير: الوجود الإسرائيلي في الجولان السوري «طويل الأمد»
  • إسرائيل تُخطط لبقاء طويل الأمد داخل سوريا
  • أسباب فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني
  • وول ستريت جورنال: حماس تحوّل إطلاق سراح الرهائن إلى مشهد مهين لإسرائيل
  • سوريا تفشل في استيراد النفط فتلجأ للوسطاء  
  • سوريا تلجأ لوسطاء لاستيراد النفط
  • “وول ستريت جورنال”: إطلاق سراح الأسرى تحول إلى مشهد مهين لـ “إسرائيل”
  • وول ستريت جورنال: إطلاق سراح الأسرى تحول إلى مشهد مهين لـ إسرائيل
  • نهلة الصعيدي: المرأة القوية التي تحسن تربية الأبناء وتقدر على صنع المستحيل