خطاب لأهل العلم والفقه في وطننا السودان
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
"فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"
خطاب لأهل العلم والفقه في وطننا السودان
بقلم: بروفسير سيف الدين إبراهيم تاج الدين،
الأستاذ سابقاً بجامعة الخرطوم
أتعشم أن أخاطب بهذا المقال الموجز قلوب قومٍ يعقلون حدود ما أنزل الله على رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم)، فاستحقوا بذلك حمل أمانة الفتوى وإسداء النصح للناس في أمور الدنيا والاخرة – وأخص بها أمانة إسداء النصح للقائمين بالأمر في أمر هذه الحرب السجال التي شارفت عامها الثاني ولم تزل تراوح مكانها – وليت شعري، ما الذي يرجوه عقلاء أهل السودان من ديمومة هذه الحرب التي ما فتئت تهلك الحرث والنسل حتى اتسع خرقها على الراتق؟ وأي فقه هذا الذي يدعو الى تأجيج نار الحرب بين المؤمنين بدلاً من التداعي لإطفائها؟
لقد صح الحديث عن نبينا الأكرم ، صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أوتي جوامع الكلم أنه اختزل "الدين" كله في كلمة واحدة بقوله: (الدين النصيحة) – وعندما استُفهم عنها أجاب بقوله (لله ولرسوله وللائمة المسلمين وعامتهم)، وهو بذلك لم يزد على بيان ما أقسم الله تعالى عليه في أقصر سور القرآن: (والعصر، أن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصاحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) – مبيناً أن طريق النجاة من الخسران المبين في الدنيا والآخرة إنما هو التواصي بقبول الحق وإن كان مُراً والصبر عليه وإن كان قاسياً.
فكلمة الحق في أمر هذه الحرب إحدى خيارين لا ثالث لهما: إما التواصي بدوامها حتى بلوغ النصر الحاسم على الطائفة "المعتدية"، مع التواصي بالصبر على تضحيات الحرب ومفاسدها مهما طال الزمن – كما يدعو اليه البعض – وإما التواصي بوقف الحرب والرضى بشروط الصلح، مع التواصي بالصبر على فوات النصر الحاسم حقناً لدماء العباد ودرءً المفاسد عن البلاد؟ والشاهد، أن القاعدة الأصولية المعروفة: "درأ المفاسد أولى من جلب المصالح" تقضي بقبول الخيار الثاني حتى ولو بدا للبعض أن فوات النصر مظنة لفوات مصلحة للدين أو الوطن.
لكن هيهات لحرب يدور رحاها بين قوم يؤمنون بدين واحد وفي وطن واحد أن تنطوي على مصلحة معتبرة لدين أو وطن، سوى أنها فتنة ماحقة بين طائفتين من المؤمنين – بينما القول الفصل في حكمها لا يخرج عن قوله تبارك وتعالى: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ الى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالقسط وأعدلوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)[الحجرات، 9- 10]، وهي دعوة صريحة للمبادرة بالصلح بين الطائفتين والاحتكام فيه بالعدل وترجيح دواعي الأخوة.
ولقائل أن يقول: كيف ينطبق هذا الحكم القرآني على فئتين من المؤمنين ليستا متكافئتين في مقامهما الدستوري/النظامي، نظراً الى أن هذه الحرب اندلعت بين جيش الدولة النظامي وقوة أخرى غير نظامية انفصلت عنه وتمردت عليه لسبب أو آخر؟ فهذا القول، وإن كان هو عمدة المستمسكين بدوام الحرب الى أن تبلغ مداها، لكنه لا يثبت للنظر لا شرعاً ولا عقلاً: وذلك من حيث أنه لا يملك تخصيصاً للعام ولا تقييداً للمطلق في حكم الآية المذكورة، فضلاً عن أنه لا يضع سقفاً معقولاً لحجم التضحيات اللازم بذلها على البلاد والعباد، ثمناً لنصر مفترض!
مجمل القول عن كلمة الحق فيما يبدو لنا هو ضرورة التواصي بين العقلاء من أهل العلم والفقه لنصح القائمين بالأمر على وقف هذه الحرب فوراً والصبر على قسوة التفاوض وتحمل مرارة مدخلاته ومخرجاته مع العدو حتى الوصول الى شروط الصلح والتعاهد عليها – عسى أن يفضي ذلك الى إعادة بناء جسور الثقة المفقودة وأواصر الأخوة المقطوعة، ولا غرو أنه من قبيل الجهاد الأكبر لمن يمنون أنفسهم بالجهاد في سيل الحق والوطن – فإذا انعقدت شروط الصلح بالألية المناسبة وشروط الرقابة المتفق عليها، وهي أمور لا يسع هذا المقال للخوص حول حيثياتها وتفاصيلها، فحينئذ فقط يصح دمغ الفئة التي نكثت العهد وأخلت بشروطه بالفئة الباغية، ويصبح الاستنفار والتداعي لقتالها مطلباً مشروعاً.
وعلى الله قصد السبيل
s.i.tageldin@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
في خطاب العام الجديد.. زيلينسكي يعد بالقتال "في الميدان" و"على طاولة المفاوضات"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء الثلاثاء أنه سيتعيّن على بلاده في العام 2025 أن تواصل القتال "في الميدان" لتحقيق مكاسب تمكّنها لاحقا من أن تستثمرها "على طاولة المفاوضات" من أجل إنهاء العملية العسكرية الروسية المتواصلة في أراضيها منذ ثلاث سنوات.
وقال زيلينسكي في خطاب إلى الأمة بمناسبة حلول العام الجديد "في كل يوم من العام المقبل، يجب أن أقاتل وأن نقاتل جميعا، من أجل أوكرانيا قوية بما يكفي، لأن وحدها أوكرانيا مماثلة تحظى بالاحترام وصوتها يُسمع، سواء في ساحة المعركة أو على طاولة المفاوضات".
كما أكد زيلينسكي أن بلاده ستفعل في العام 2025 كل ما بوسعها "لإيقاف روسيا وإنهاء الحرب" المتواصلة منذ ثلاث سنوات.
وأضاف: "أتمنى أن يكون 2025 عامنا. عام أوكرانيا. نحن نعلم أن السلام لن يُمنح لنا كهدية، لكننا سنفعلّ قصارى جهدنا لوقف روسيا وإنهاء الحرب. هذا ما يتمنّاه كل منّا".
وكان 2024 صعبا على كييف التي خسرت خلال هذا العام أمام الجيش الروسي سبعة أضعاف المساحات التي خسرتها في 2023، وفقا لتقييم أجرته وكالة فرانس برس.
ولا يبدو المشهد أفضل لكييف في 2025 إذ إنها مهدّدة بانخفاض الدعم العسكري والسياسي الأميركي لها ما أن يعود دونالد ترامب إلى الرئاسة بعد ثلاثة أسابيع.
وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن الإثنين تقديم حزمة مساعدات أمنية واقتصادية لكييف بقيمة تناهز ستة مليارات دولار، في خطوة بدت فيها واشنطن وكأنها تسابق الزمن لتزويد كييف بما أمكن من الدعم قبل تنصيب ترامب في 20 يناير.
وكان ترامب أعلن أنه سينهي الحرب في أوكرانيا في غضون "24 ساعة" من عودته إلى البيت الأبيض، في وعد أثار مخاوف من أن تضطر أوكرانيا في سبيل تحقيق السلام إلى التخلّي عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا.
وفي خطابه بمناسبة حلول العام الجديد، قال زيلينسكي "ليس لديّ أدنى شكّ في أن الرئيس الأميركي الجديد مستعدّ وقادر على تحقيق السلام ووضع حدّ لعدوان بوتين".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشاد الثلاثاء في خطابه بمناسبة رأس السنة الجديدة بـ"شجاعة الجنود الروس وإقدامهم"، لكن من دون أن يأتي صراحة على ذكر الحرب في أوكرانيا.