حسين عبدالجليل

رغم أن التمنيط سواء كان تمنيطا سلبيا أو أيجابيا هو مما لايعول عليه علميا في فهم الشخصية التي يتم تنميطها, الا أن هنالك بعض القواسم المشتركة التي يتشارك في كثير منها أفراد شعب بعينه. فهنالك شعوب يمكن القول بأن الدافع الرئيسي لكثير من أفرادها هو المال, لذا فالفرد منهم علي استعداد تام لأن يخسر أقرب الاقربين له لو ظن أن ذلك الشخص سلبه ولو نصف جنيه.

مايهمني هنا هو الشخصية السودانية أو بالاصح محاولة لفهم مفاتيح شخصية المواطن السوداني. كما قلت فهذا ليس بمقال علمي الا أنه مجرد انطباعات و خواطر يمكن لعزيزي القاريئ أن يتفق معي او يختلف معي حولها.

و قبل أن ادلو بدلوي المتواضع حول هذا الأمر فدعونا نري ماذا قال أحد "أهل الذكر" حول موضوعنا هذا. يعتبر المرحوم الدكتور مالك بدري, بموجب عشرات البحوث و الكتب التي نشرها, واحدا من أهم الباحثين في علم النفس في العوالم الاسلامية و الافريقية و العربية, فالعشرات من كتبه بالانجليزية مازالت تباع بمتجر أمازون للكتب و تستخدم كمراجع للباحيثن في مختلف أرجاء العالم.

أعتقد أن مالك بدري هو صاحب القدح المعلي في تحليل الشخصية السودانية , فهو القائل بأن "الكرامة" هي الدافع الرئيسي للشخصية السودانية . بمعني أن الشخصية السودانية لاترضي الحقارة أبدا, وهذه الخصلة هي المحفز الرئيسي لشخصيتنا, وقد عرفت الشعوب العربية و جيراننا من الأفارقة تلك الخصلة في الشخصية السودانية. وفي حديث له مع طالبات الاحفاد , تحدث دكتور مالك بدري عما سماه بداء "الشخصية المرقوتية", لدينا معشر السودانيين, و بالمرقوتية فهو يشير الي النكتة المشهورة : وهي أن امراة قال لها الناس وهي في السوق , يافلانة الحقي! قطيتك أتحرقت , فردت عليهم ب "عجبني للمرقوت " (والمرقوت لغير الناطقين بها هي حشرة صغيرة مزعجة مثل القراد). أي أن تلك المرأة لم يكن لديها مانع أبدا في حرق قطيتها طالما أن عدوها المرقوت سيحرق أيضا.

و هل مانعاني منه حاليا في هذه الحرب الضروس المدمرة ماهو الا متلازمة الشخصية المرقوتية في ابرز تجلياتها!

و المرض المرقوتي يجعلنا فاشلين في أي عمل جماعي منظم مستدام, فكل أحزابنا تتكاثر كحيوان الاميبيا عن طريق التشظي المستمر. فكل حزب ينشأ واحدا ثم يتشظي لأثنين ثم الي أربعة ثم الي ثمانية وهكذا. نفس هذا المرض اللعين سافرنا به للمهاجر, فجالياتنا هناك ايضا منقسمة و معظمها غثاء لافائدة منها.

أيضا من الأشياء الغريبة في الشخصية السودانية, اهتمامها و أتقانها للفضاء الخاص بها مع اهمالها بل و تدميرها للفضاء العام, فمثلا نجد أن منازلنا نظيفة جدا ولكن ما أن تخرج مترا من ذلك المنزل النظيف الا و تصدمك القمامة الملقاة قرب المنزل وفي جميع أنحاء الفضاء العام الذي تتشارك فيه تلك الابنية الجميلة النظيفة من الداخل. و لايجد أصحاب تلك المنازل الجميلة والنظيفة من الداخل أي غضاضة في رمي أي قاذورات في الفضاء العام حول منزلها, فذلك لايعنيها ابدا.

و كما أبدع الدكتور مالك بدري في تحديده للكرامة و لداء الشخصية المرقوتية – كحافزين رئيسيين للشخصية السودانية- فكذلك فعل الطيب صالح في مشهد رائع من روايته ضو البيت, حيث يصف لنا كيف كان الطفل حمد ود حليمة علي استعداد للدفاع عن كرامته حتي و لو تطلب ذلك منه ايذاء نفسه ليصل بذلك لحالة تمكنه من الحاق الأذي بخصمه. فخصمه مختار كان عكسه شجاعا في مبارزة ضرب السوط, وكان مختار يعير حمد ود حليمه بجبنه ويقول له : “يا ود حليمة متين تبقى راجل تدخل الحلقة مع الرجال؟ "

يقول حمد ود حليمة واصفا كيف استعاد كرامته مستخدما المتلازمة المرقوتية للشخصية السودانية: (يوم من الأيام حزمت أمري موت حياة ما علي شيء وأخير من قولة ود حليمة، أقول لك بني آدم مصيبة معلقة بالسببية إذا دست على طرفه ما يغلب حيله أبدا .بعد الدرس جريت إلى بيتنا، كيس شطة يمكن رطل، شلته وانطلقت فوق الخلاء لحد ما البيوت ظهرت رهاب رهاب، شطة حمراء نار الله الموقدة أكلتها كلها وقلعت عريان ومسحت بيها جسمي كله، العياذ بالله من النار الولعت في بدني، نار الجحيم انطلقت وأنا أصيح بطول حسي واي واي والدنيا خلاء ولا حد سامع وأبرطع وأتمرمغ في التراب، والعرق نازل شل شل .
يا زول ألم أجل الله السامعين شي يمخول العقل، بعد داك لم يهمني أبدا، أدخل النار ما أحس بأي شي، جريت وقميصي في أيدي وعيوني شرار والرأس ورمان قدر الزير .
وصلت السيالة لقيت مختار ود حسب الرسول أل ما يخفى علي راكز عامل عنتر خلص على الجماعة كلهم، تش دخلت ووقفت قدامه وركزت، عاين لي باحتقار قال ود حليمة اليوم بقيت راجل؟
أنا ما أقاشط واحد ولد مره
الله أكبر رمقته بي عيون زي الشرر، قلت له أبقى راجل اضرب، اتبسم وضحك، وعاين جاي وجاي والجماعة يضحكوا صبركم بالله؛ ود مفتاح الخزنة وود رحمة الله ضحكهم عالي، قالوا ود حليمة راح في داهية؛ مسك السوط وختاه بين ايديه الاثنين، وفرقعه في الهوا وج وج، بعدين لف حوالي ونقرني بالسوط نقرات خفيفة هنا وهنا، عاوز يزعزعني، وأنا راسي فيه ستين ألف عفريت، وبعدين ركز وضرب رجله اليمين في الأرض ولولح السوط ونزله، وحياتك نزل علي بردا وسلاما بعد نار الشطة؛ جلدي خدران كأنه ميت، إذا جرحته بالسكين ما يحس، هبدني بالسوط الثاني والثالث وأنا راكز زي الحيطة، إذا كان الباب دا يحس أنا أحس، وقت وصل السوط السابع وقف، زح لي ورا وعاين لي باستغراب
حدرته بنظرة زي سم الله الهاري
بلع ريقه، صاحبي بدا يتزعزع، بعد ما في ضحك، الناس سكتوا بم، ضحك ود مفتاح الخزنة وود رحمة الله يبس في حلوقهم .
عليك أمان الله حسيت زي كان شيطان مارد في بطني بقى يتحرك ويكبر ويفرهد ويفرد جناحاته فوق العالم كله، حسيت كأني جبار شمهورش إذا كان سقف السما وقع أسنده بإيدي
الشطة أجارك الله وحرقة القلب، صرخت فيه يا زول بي صوت ما أعرف جاني من وين، قلت له يا وليد ميمونة، أحقره باسم أمه، أبقى راجل واضرب بالسوط، قسما النهارده يا أنت يا أنا يشيلوه من هنا للجبانة
الناس ساكتة صن
ضربني التامن والتاسع والعاشر، ضرب بي غل، ضرب القوي لما يعرف إنه ضعيف، ضرب الضعيف وقت يعرف إنه ضعيف؛ لما وصل تلاتين، جدك وبندر شاه الله يمسيهم بالخير وقفو، مسكو السوط من أيده، قالوا خلاص انت أخذت حقك، الضرب لي حمد
أنا أخو البنات؛ يا زول، حسيت كأني زي سر عسكر الترك، بقيت أنفخ وأقدل، قلت لهم خلوه يضرب، قسما بسورة كاف لام ميم، شوف عندك جنس قسم، ود ميمونة الليلة لازم يشيلوه جنازة. جدك وبندر شاه قالوا أبدا، تلاتين سوط كفاية. مسكت السوط لقيته مليان دم، الله أكبر. هزيته فوق الحاضرين ولفيت في الحلقة لفتين وأنا أقدل وأتبختر
ود مفتاح الخزنة وود رحمة الله منكمشين يعاينوا للأرض من الخوف، نقرت كل واحد بالسوط فوق راسه، بعدين طلقت الزغاريد..
أيوي أيوي أيويا
عاينت لي مختار ود حسب الرسول لقيته راكز متماسك لكن جبهته ندت بالعرق، بقيت أدور حواليه وأنقبشه بالسوط مرة مرة، وأصرخ وأبرطع بعيد وأجيه راجع، وأقيف قدامه وأنط في الهواء عملت ليه حرب أعصاب، لحد ما اتأكدت زولي خلاص حالته بقت حالة
ود مفتاح الخزنة وود رحمة الله بعد ضحكهم ما كان ضدي بقى معاي، الوحيدين أل بقوا يضحكوا وراي كل ما ضحكت؛ الله يخيبهم، دايما مع الغالب
رفعت السوط فوق ونزلته شر، عليك أمان الله كأنك شرطت لك قماش، مختار ما اتزعزع لكن عينه رمشت
نزلت السوط الثاني سمعته قنت، أنا أخوك يا السمحة
أديته الثالث زح ورا شوية
السوط الرابع اترتع
السوط الخامس وقع بب غمران )


husseinabdelgalil@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

دراسة ماجستير عن السمات الشخصية لدى ممارسي العلاقات العامة

دراسة ماجستير مبتكرة: 
*  انخفاض توافر السمات الشخصية هو السبب في تراجع الأداء المهني للعلاقات العامة والإعلام

*  تضاؤل توافر السمات الشخصية لدى ممارسي العلاقات العامة إلى أقل من 20%

*  تراجع الأداء المهني لممارسي العلاقات العامة إلى نسب أقل من 25%  


حصل الباحث ناجح حارص محمدين على درجة الماجستير بتقدير عام ممتاز مع التوصية بطبع الرسالة على نفقة الجامعة من قسم الإعلام بجامعة سوهاج عن رسالته "السمــات الشخصيــة لممارسي العلاقات العامـة في المؤسســات الحكومية وعلاقتها بأدائهــم المهني"


    وأشرف على الرسالة كل من الدكتور محمود يوسف السماسيري أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج، والدكتورة نها عبدالمعطي مدرس الإعلام بجامعة سوهاج، وناقشها كل الدكتور فوزي عبد الغني أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج، والدكتور محمد زين أستاذ الإعلام بجامعة بني سويف


وأوضحت الدراسة أن  السمات الشخصية هي  الصفات والمهارات والقدرات التي يُفترض توافرها في المُشتغلين بالعلاقات العامة للقيام بواجباتهم المهنية بشكل أفضل يحقق أهداف المؤسسة التي يعملون بها، وهي سمات نفسية وثقافية واجتماعية واتصالية.


وأظهرت الدراسة انخفاض معدل توافر السمات الشخصية لدى ممارسي العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية بمصر إلى نسب تقل عن 20%، وإن كانت السمات الثقافية والاتصالية متوفرة أكثر بفارق بسيط عن  السمات النفسية والاجتماعية.


كما أظهرت الدراسة أيضا     انخفاض مستوى الأداء المهني لممارسي العلاقات العامة بالمؤسسات الحكومية إلى نسب تقل عن 25%، وإن كانت مهام إجراء البحوث وتقييم الأنشطة أقل من مهام التخطيط والإعلام.


ولفت الباحث ناجح حارص إلى أهمية دراسة  السمات الشخصية في كل ميادين العمل الصحفي والإعلامي عامة كحقل بحثي مهم للغاية تتوقف عليه عمليات نجاح أو فشل المؤسسات الصحفية والإعلامية عامة.


وأضاف أن مدخل السمات الشخصية ومدى توافرها عند اختيار العاملين بالمؤسسات الإعلامية هو أهم عامل في تحديد وتفسير مستوى الأداء المهني، وأن الإعلام الحكومي والمؤسسات المملوكة للدولة يجب أن تعيد هيكلتها، ومعايير اختيار قياداتها بناء على مجموعة السمات الشخصية التي يفترض توافرها فيهم.


وأكد الباحث أن المعاملات الإحصائية للدراسة أثبتت وجود علاقة ذات دلالة بين السمات الشخصية ومستوى القيام بالأداء والواجبات المهنية، حيث تبين أن انخفاض مستوى توافر السمات الشخصية أدى إلى تراجع مستوى الأداء المهني سواء كان ذلك على الذكور أو الإناث بأعمارهم ومؤهلاتهم وخبراتهم المتباينة.


وقد توصل الباحث إلى هذه النتائج عبر استقصاء أراء 115 ممارسا للعلاقات العامة في  دواوين بعض المحافظات والجامعات ومديريات الصحة والتربية والتعليم.


واقترح الباحث في توصيات دراسته تصميم مقرر دراسي عن السمات الشخصية اللازمة للمشتغلين بالإعلام  والعلاقات العامة والاتصال الحكومي عامة، وتضمين هذا المقرر مسار تدريبي يؤسس لهذه السمات بحيث تصبح قابلة للتطوير والممارسة الفاعلة داخل وخارج المؤسسات الحكومية.


وكان الباحث بمساعدة المشرف على الرسالة قد صمما مقياسا مهما غير مسبوق يحدد مجموعة السمات الشخصية التي يفترض توافرها في المُشتغلين بالعلاقات العامة والاتصال عامة،  وحدد المقياس السمات النفسية في الاتزان الانفعالي، والثقة بالنفس، والجدية والالتزام، والتواضع وإنكار الذات،  والسمات الثقافية في  الإلمام بعادات وتقاليد وأوضاع المجتمع المحلي، ومتابعة الأحداث الوطنية والدولية.

بينما تحددت السمات الاجتماعية في القدرة على تكوين علاقات فاعلة في محيط العمل، والتعاون مع جمهور ومنسوبي المؤسسة، وتجاوز الخلافات الشخصية لمصلحة العمل، والسمات الاتصالية في  مهارات الاستقبال والترحيب والاستماع الجيد، ومهارات التحدث بطلاقة وإقناع الآخرين والتعامل مع الصحفيين والإعلاميين.

كما شملت الدراسة مقياسا آخر للأداء المهني تمثل في الواجبات الوظيفية التي يفترض أن يقوم بها ممارس العلاقات العامة داخل مؤسسته وخارجها.


وشملت مهام التخطيط وإجراء البحوث والتقييم، وكذلك المهام الإعلامية والصحفية بما فيها توظيف السوشيال ميديا في خدمة المؤسسة.

مقالات مشابهة

  • تيته لـ«حليمة»: مستعدون لدعمكم فنيا لتعزيز فعالية العدالة 
  • خواطر رمضانية
  • حليمة تبحث مع تيته سبل التعاون لدعم وبناء القدرات في مجال حقوق الانسان و العدالة
  • تيته تناقش مع حليمة ظروف الاحتجاز في ليبيا
  • دراسة ماجستير عن السمات الشخصية لدى ممارسي العلاقات العامة
  • مختار جمعة: الصيام وقاية للشباب.. ورمضان شهر الطاعة والبركة
  • مختار جمعة: الصيام حماية من المعاصي وباب من أبواب الخير
  • حليمة تتابع أحوال السجناء الليبيين في الخارج  
  • مختار جمعة: الصالحون كانوا يستعدون لرمضان بالدعاء قبل حلوله بستة أشهر
  • مختار جمعة: الصيام عبادة خالصة لله.. وفضائله تُعادل أجر الحج