كما أيّد مستشارو قائد قوات الدعم السريع الاتجاه الساعي لتشكيل حكومة بمناطق سيطرة القوات، فليقم القائد وفريقه بتكوينها وأن يرأسها هو نفسه، كما يقول الرأي المطروح من أحد مستشاريه والذي وجد قبولاً واسعاً، وسط جماهير الشعب السوداني المتعطشة لحكومة تمثلهم وتقضي حوائجهم، ليست كمثل عصابة بورتسودان العميلة القاصفة لهم بالطيران الحربي الأجير، المانعة إياهم حقوقهم المدنية في الحصول على الوثائق – جواز السفر، فالمساحات التي تقع تحت حماية قوات الدعم السريع هي الأكبر، والأكثر اكتظاظاً بالسكان، فلا يصح أن تحرم النسبة الأعظم من مواطني البلاد وجود إدارة حكومية ترعى شأنهم، مهما كانت المبررات، فالحرب شارفت على إتمام عامها الثاني، والأمل في نهايتها اصبح يتضاءل لدى المتفائلين بتحقيق السلام، وها قد جاء موعد جلوس الممتحنين للشهادة الثانوية، مارست عصابة بورتسودان الاخوانية ابتزازاً خبيثاً بحق المواطنين، بسرقتها للشفرات وكلمات السر الخاصة بالمؤسسات الخدمية والتعليمية المملوكة في الأصل للمواطن، والتي من بينها وزارتي التعليم والداخلية – إدارة السجل المدني، فالشعوب لا تقيم ببلد لا وجود فيه لمنظومة إدارية ترعى شأن الوطن والمواطن، والهاربون من أشاوس الخرطوم – فلول النظام البائد – يريدونها أكثر من دولة، حتى يخلو لهم الجو للاستمرار في نهب ثروات الجغرافيا المتواجدين بها، فهل يكتفي المناصرون لقوات الدعم السريع بهذه الحكومة، المؤمنون بضرورة الانتقال المدني نحو التأسيس الديمقراطي، أم ستواصل القوات المتعهدة ببتر آخر مخلب للفلول، زحفها المقدس لتحرير كل شبر من الأرض التي يتواجد بها المرتزقة والعملاء؟، هذا السؤال تجيب عليه مآلات الأمور بعد التشكيل الحكومي، ويمكن القول بأن الفزع والهلع والفوبيا والعفريت الذي اعتلى رؤوس الخاطفين لقرار الجيش، جراء ارهاصات بزوغ فجر حكومة للدعم السريع، يعكس الاحساس الحقيقي للفلول بالخطر القادم والعاصف بما تبقى من ترسانة عسكرية.
الخطر الذي يهدد مافيا بورتسودان بعد الميلاد المأمول لنظام حكم الدعّامة، هو الاعتراف الدولي والإقليمي الذي ستحظى به الحكومة الجديدة، خاصة وأن القائمين عليها هم الذين يمثلون الشرعية، كونهم آخر الرجال الصامدين في وجه طغيان الكيزان بعد انقلابهم المشؤوم، فمشروعية الحكم القادم تمكّن جيش حكومة الدعّامة من امتلاك الطيران الحربي والتمثيل الدبلوماسي، وفي هذا الخصوص سوف تشهد الكثير من القنصليات والسفارات السودانية اعلان الانسلاخ من عصابة مافيا بورتسودان، والانخراط في المنظومة الحكومية الشرعية الممثلة لسيادة الدولة، ما يسحب البساط من تحت أقدام الخاطفين لقرار الجيش والحكومة والمزورين للسيادة الوطنية، فالخطوة تعتبر (ضربة معلم) في سباق الحرب السياسية بين قوات الدعم السريع وفلول النظام البائد – الاخوان المسلمين، وقد أمهل قائد الدعّامة وفريقه مختطفي مؤسسات الحكم زمناً كافياً، لكن لم يرعو كاهنهم الكبير وزبانيته، فتعنتوا وأخذتهم العزة بالإثم ولم يحترموا جهود الإقليم والعالم في ابتدار المبادرات، واستخفوا بالمنابر الوسيطة في صلف وغرور كبيرين، وقد احتار المبعوثون الدوليون والافارقة والعرب في أمرهم، وتعجبوا في اصرارهم على تدمير وطنهم وانسانه، فلأول مرة كما قال أحد هؤلاء المبعوثين الدوليين يجدوا أشخاصاً لا يأبهون لوطنهم ومواطنيهم، فيقتلونهم ويحرقونهم ويعملون على إطالة أمد حرب حصدت أرواح أمهاتهم وآبائهم وأخواتهم وإخوانهم، وفي هذا السياق سألني مندهشاً أحد الخليجيين: يا أخي ما هذه الفتنة والعنصرية المنتنة التي تفشت بينكم ونحن نعرفكم بسماحة النفس ودماثة الخلق ونقاء السريرة؟، رددت عليه: يا أخي لقد أصرّ بعض اخوتنا الناشزين على نشر غسيلنا للعالم، وكما تعلم أن بكل بيت قذارة يغسلها أهل البيت ويدفنونها داخل بيتهم، أما نحن فيوجد بين صفوفنا من هو أفظع من بن نوح ومن هي أخطر من زوجة لوط.
لقد استنفذ الظالمون مهلة الوسطاء والمسهلين والميسرين، وجاءت الخيارات مهرولة نحو الدعّامة، أن لا تثريب عليكم فافعلوا ما بدا لكم من أسباب خدمة المجتمعات التي انهكتها الحرب، الواقعة تحت مظلتكم، فانتظار السفهاء ليس من الحكمة، ولكل بلد حكماؤها، ومهما طال السفر فإنّ للراحلين محطات ينيخون عليها بعيرهم، وينصبون فيها خيامهم، أما وقد تصلب الظالمون في مواقفهم الظالمة، فإنّ للعباد رب يرعى مصالحهم ويخرجهم من جور دولة الكيزان، التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، أورثت الطيبين حرباً شعواء لا يتسبب في اندلاعها إلّا الدعي، الذي لا يبالي وهو يعرّض عرضه للعابرين والسابلة، مثلما تعرضت حرائر السودان للذل والإهانة بالعواصم الافريقية والعربية، حدث كل ذلك بقرار لموتور اسمه علي كرتي ومنحرفين حسبوا الحرب نزهة، أتوقع أن تكون حكومة الدعم السريع ملاذاً للمنتهكة أعراضهم، ونعيماً لمن قهرهم المرتزقة وعملاء الحكم البائد، فسوف تكون حكومة الدعّامة المظلة الظليلة التي يستظل تحتها البؤساء، الذين أرهقهم عنت الحرب ومشقة النزوح والسفر واللجوء، ولعلها ارتكاز للنهوض والانقضاض على رأس الأفعى الرقطاء المندسة تحت أعشاب البحر الأحمر والمختبئة بين حشائش وأشجار النخيل.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
أكثر من 50 قتيلاً في قصف لقوات الدعم السريع على سوق بضواحي الخرطوم
لقي أكثر من 50 شخصًا مصرعهم، السبت، جراء قصف استهدف سوقًا في أم درمان، إحدى ضواحي العاصمة السودانية الخرطوم، في هجوم نسب إلى قوات الدعم السريع، وفق ما أفاد به مصدر طبي لوكالة فرانس برس.
وأوضح المصدر في مستشفى النو، طالبًا عدم الكشف عن هويته، أن عدد الجرحى في تزايد مستمر مع استمرار وصول المصابين إلى المستشفى، مشيرًا إلى أن حصيلة الضحايا ارتفعت إلى 54 قتيلًا، بعدما كانت 40 في وقت سابق.
وفي تطور آخر، لقي مدنيان مصرعهما في جنوب العاصمة جراء ضربة جوية استهدفت محورًا خاضعًا لسيطرة قوات الدعم السريع، بحسب ما أفادت به شبكة متطوعين.
ومنذ اندلاع النزاع في السودان في أبريل 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”, يواجه الطرفان اتهامات بارتكاب جرائم حرب، تشمل استهداف المدنيين، القصف العشوائي، عرقلة المساعدات الإنسانية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وأدى هذا النزاع إلى كارثة إنسانية مدمرة، حيث قُتل عشرات الآلاف، فيما اضطر أكثر من 12 مليون شخص للنزوح، وسط تفاقم أزمة الغذاء التي تهدد الملايين بالمجاعة.
أحد الناجين من القصف في أم درمان روى تفاصيل الهجوم لـ فرانس برس، قائلًا: “القذائف سقطت وسط سوق الخضار في صابرين، ما يفسر العدد الكبير من الضحايا”.
من جانبه، أكد أحد المتطوعين في مستشفى النو الحاجة الماسة إلى أكفان، متبرعين بالدم، ونقالات لنقل الجرحى، في ظل الضغوط الهائلة التي يواجهها المستشفى، الذي يُعد من آخر المرافق الطبية العاملة في المنطقة، رغم تعرضه لهجمات متكررة.
في تطور ميداني لافت، نجح الجيش السوداني الأسبوع الماضي في كسر الحصار الذي فرضته قوات الدعم السريع على مقر قيادته العامة في الخرطوم، كما استعاد السيطرة على مقر سلاح الإشارة ومصفاة الجيلي النفطية شمال العاصمة.
وفي المقابل، توعد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بطرد الجيش من الخرطوم، مقراً – ولأول مرة – بالانتكاسات التي تعرضت لها قواته مؤخرًا، مؤكدًا في خطاب متلفز أن الجيش “لن يتمكن من الاحتفاظ بهذه المواقع طويلًا”.
وتحولت العاصمة السودانية إلى ساحة معركة مفتوحة منذ اندلاع النزاع، حيث تعرضت أحياء سكنية بأكملها للتدمير، بينما فرّ 3.6 ملايين شخص من المدينة، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.
وتشير التقارير إلى أن 26 ألف شخص قتلوا في ولاية الخرطوم وحدها بين أبريل 2023 ويونيو 2024، بحسب دراسة أجرتها كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.
وفي ظل الحصار المستمر والمعارك المتواصلة، يعيش ما لا يقل عن 106 آلاف شخص في العاصمة تحت وطأة المجاعة، بينما يواجه 3.2 ملايين آخرين الجوع عند مستويات حرجة، وفقًا لنظام تصنيف تدعمه وكالات الأمم المتحدة.
وخارج الخرطوم، أعلنت المجاعة رسميًا في خمس مناطق، معظمها في إقليم دارفور، وسط تحذيرات من اتساع نطاق الأزمة ليشمل خمس مناطق إضافية بحلول مايو المقبل.
في تحرك دولي ضد تصاعد الانتهاكات، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عقوبات على عبد الفتاح البرهان، متهمة الجيش السوداني بشن هجمات على مدارس وأسواق ومستشفيات، واستخدام سلاح التجويع ضد المدنيين.
وسبق ذلك، فرض واشنطن عقوبات على محمد حمدان دقلو، متهمة قواته بارتكاب “إبادة جماعية” وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا سيما في دارفور، حيث تحظى قوات الدعم السريع بنفوذ واسع.