6 ممرات مائية حيوية للتجارة العالمية تواجه تحديات في 2025
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - متابعة
تكتسب الممرات المائية أهميتها من الطبيعة الجغرافية للكوكب الذي نعيش عليه، إذ تُعتبر نقطة وصل بين البحار والمحيطات المختلفة التي تغطي نحو 70% من مساحة الأرض، ويبحر عبرها نحو 80% من حجم التجارة العالمية.
ولكن بعض المضائق والممرات المائية تكتسب حالياً أهمية متزايدة بسبب المخاطر التي تواجهها، والتي تتنوع من التغير المناخي، إلى التوترات السياسية.
في ما يلي أبرز المضائق والممرات المائية التي قد تواجه تحديات خلال العام المقبل:
مضيق “ملقا” ومعضلة الجغرافيا
يُعتبر هذا المضيق الذي يربط بين المحيطين الهندي والهادئ، ويقع بين سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، أهم نقطة اختناق بحرية في العالم.
يمر عبر هذا المضيق نحو 94 ألف سفينة سنوياً، وهو ما يمثل نحو 30% من حجم التجارة العالمية، من بينها نحو ثلثي تجارة الصين، و80% من وارداتها النفطية.
موقع هذا المضيق جعله معرضاً للمخاطر، إذ تحتاج السفن عادةً لأن تبطئ خلال العبور، ما يزيد سهولة صعود القراصنة على متنها.
أفاد “المكتب البحري الدولي” في تقرير عن القرصنة شمل الفترة من يناير وحتى سبتمبر الماضي، بتسجيل 79 حادثة، 45 منها في جنوب شرقي آسيا، و12 في شبه الجزيرة الهندية.
بالإضافة إلى أخطار القرصنة، فإن توقف عدد كبير من السفن في سنغافورة إما لتسليم البضائع أو التزود في الوقود، يزيد من خطر حدوث اصطدامات، نظراً لتقاطع مسارات الناقلات مع سفن الصيد.
وكان رئيس وزراء تايلندا سريثا ثافيسين، كشف في نوفمبر الماضي، وقوع أكثر من 60 حادثاً بحرياً سنوياً في الممر الملاحي.
التحدي الأهم أمام هذا المضيق، أنه قد يصل إلى سعته القصوى بحلول 2030، خصوصاً مع نمو حركة الشحن البحرية بنسبة 2% على أساس سنوي.
وكمحاولة لحل هذه المعضلة، تحاول تايلندا إنشاء “جسر بري” بطول 100 كيلومتر في أضيق جزء من شبه جزيرة الملايو، حيث يمكن تفريغ البضائع ونقلها بالسكك الحديدية والطرق، وتجنب المضيق.
وفي نوفمبر الماضي، أطلع ثافيسين المستثمرين في سان فرانسيسكو على هذا المشروع الذي يتوقع أن تبلغ تكلفته 28 مليار دولار، مؤكداً أنه سيختصر مدة الرحلة بمتوسط 4 أيام، ويخفض تكلفة الشحن بنسبة 15%.
مضيق “هرمز” وخطر الإغلاق
يُعتبر هذا المضيق من بين الأهم في العالم، خصوصاً أن 30% من تجارة النفط العالمية تمر من خلاله.
في الربع الأول من السنة الجارية، شحنت الناقلات نحو 15.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات من السعودية والعراق والكويت والإمارات وإيران، كما مر منه أكثر من خُمس إمدادات العالم من الغاز الطبيعي المسال خلال الفترة نفسها، وفق “بلومبرغ”.
حتى الآن لا يُوجد أي تهديد فعلي على المضيق، ولكن مع قدوم الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى السلطة مجدداً، وتعهده بفرض سياسة “الضغط القصوى” على إيران، فإن ذلك من شأنه أن يعيد التوترات إلى هذا المضيق.
يبلغ طول المضيق نحو 161 كيلومتراً، وعرضه 33 كيلومتراً عند أضيق نقطة، في حين أن عرض ممرات الشحن لا يتجاوز الثلاثة كيلومترات. هذه الجغرافيا تعني أن السفن المارة بهذا المضيق، معرضة للاستهداف من الصواريخ التي تطلق من اليابسة، بالإضافة إلى سهولة اعتراضها عبر الزوارق أو المروحيات أو حتى الألغام.
خلال 2005، و2008، و2011، و2019، أطلقت إيران تهديدات بإغلاق المضيق. ورغم أنها لم تقم بهذه الخطوة أبداً، وأغلب الظن لأن نفطها يمر من هذا المضيق. ولكن طهران استهدفت السفن التجارية هناك مراراً، واحتجزت بعض السفن كوسيلة ضغط في التعامل مع خلافات، كما أن دعمها لجماعة الحوثي في اليمن واستهدافهم السفن التجارية في مضيق باب المندب، يشير إلى وجود استعداد لتعطيل حركة التجارة في حال أحست بالخطر.
مضيق “باب المندب” وأزمة البحر الأحمر
لطالما اعتُبر هذا المضيق مهماً، خصوصاً بعد اكتشاف النفط في دول الخليج في ثلاثينيات القرن العشرين.
ومع تغلغل نفط دول المنطقة في الاقتصاد العالمي، تعاظمت أهمية المضيق، فوفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، شهد النصف الأول من عام 2023، مرور نحو 8.8 مليون برميل يومياً عبر المضيق، مقارنةً بـ7.1 مليون برميل خلال عام 2022 بأكمله. كما بلغ حجم شحنات الغاز الطبيعي المسال نحو 4.1 مليار قدم مكعب، مقارنةً بـ4.5 مليار قدم مكعب في 2022.
شكل عام 1869، حدثاً مفصلياً زاد من أهمية المضيق، إذ أعلنت مصر آنذاك عن افتتاح قناة السويس، ما أعطى السفن المارة في المضيق إمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي شكل ممراً أقصر للوصول إلى أوروبا من شرق آسيا.
ولكن المضيق الذي تمر عبره 15% من التجارة المنقولة بحراً، يشهد تحديات عدة.
أبرز هذه التحديات وأكثرها خطورة يتمثل في استهداف جماعة الحوثي في اليمن لسفن تجارية منذ نوفمبر من العام الماضي، وذلك في إطار ما تقول الجماعة إنه ضغط على إسرائيل لوقف حربها على قطاع غزة.
كنتيجة مُباشرة لذلك، اختارت العديد من شركات الشحن عدم المرور بهذا المضيق، والقيام برحلة أطول حول أفريقيا، للوصول إلى وجهاتها، وهو ما زاد من كلفة وزمن الشحن، وبالتالي أثر على الكثير من الدول والمستهلكين حول العالم.
ظهر هذا التأثير على مصر بشكل خاص، إذ محت اضطرابات البحر الأحمر ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس هذا العام، وفق ما أوضحته الرئاسة المصرية في ديسمبر الجاري.
من غير المعروف متى يمكن لهذه الأزمة أن تحل، خصوصاً أن جماعة الحوثي مصممة على مواصلة عملياتها حتى وقف إسرائيل لحربها على غزة، وهو أمر من غير الواضح ما إذا كان سيتم قريباً.
كما أن هذه الأزمة قد تتعاظم في الأيام والأسابيع المقبلة، خصوصاً مع زيادة معدلات إطلاق جماعة الحوثي للصواريخ على إسرائيل، وهو ما دفع الأخيرة، بالتعاون مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى مهاجمة مواقع تابعة لجماعة الحوثي في اليمن، ما يزيد من عدم اليقين.
هذا الواقع المستجد، شكل هدية لا يحلم بها القراصنة، وخصوصاً أولئك المتواجدون قرب شواطئ الصومال.
في يونيو الماضي، نقلت “بلومبرغ” عن الأميرال إغناسيو فيلانويفا، الذي يقود عملية الاتحاد الأوروبي المكلّفة بكبح القرصنة، إن القراصنة “يعتقدون أن هناك فرصة سانحة بسبب وجود الحوثيين”. ورأى أنهم “يحاولون حقاً الضغط على نطاق عمليات وقدرات التحالف الدولي الغربي”.
وتابع أن العدد المتزايد من الهجمات تنفذه مجموعات “مدججة بالسلاح، ومنظمة، وأكبر عدداً” من أي وقت مضى، مضيفاً: “واجهنا 25 أو 30 قرصاناً في نفس الهجوم. إنهم منسقون بشكل جيد للغاية مع هواتف تعمل بالأقمار الاصطناعية وأسلحةٍ ثقيلة”.
ظهرت هذه المخاطر بوضوح خلال العام الجاري، إذ سجّل “المكتب البحري الدولي” 8 حوادث قرصنة أمام سواحل الصومال. رغم عدم ضخامة الرقم، إلا أن المكتب لم يسجل إلا حالة قرصنة واحدة من هذه المنطقة في الفترة من 2018 وحتى 2023.
“البوسفور والدردنيل” والعقوبات على روسيا
تسيطر تركيا على المضيقين اللذين يُعتبران الممر الوحيد بين بحري إيجه والأسود. هذا الممر يُعتبر حيوياً بالنسبة للعالم، خصوصاً أنه وسيلة لإيصال المنتجات الروسية والأوكرانية إلى العالم.
قبل بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت الأخيرة مسؤولة عن إنتاج وتصدير 10% من إمدادات القمح العالمية، و15% من الذرة والشعير، و50% من صادرات زيت عباد الشمس.
ولكن مع انطلاق هذه الحرب، هبطت الصادرات الأوكرانية بأكثر من 90%، ما دفع بالأمم المتحدة إلى إطلاق مبادرة الحبوب في البحر الأسود برعاية تركية، بهدف ضمان مرور هذه الإمدادات إلى دول العالم. وبموجب هذه المبادرة، تم تصدير أكثر من 32 مليون طن من السلع الغذائية من 3 موانئ على البحر الأسود، حيث وصلت إلى 45 دولة عبر 3 قارات، وفق الأمم المتحدة.
بطبيعة الحال، فإن التحديات التي تعصف في المضيقين تتمثل في العقوبات المفروضة على روسيا جراء حربها على أوكرانيا.
لجأت روسيا في إطار مواجهة العقوبات الغربية إلى أسطول ظل، بهدف نقل إمدادت الخام إلى العالم. هذا يعني أن ملكية أغلب الناقلات التي تبحر عبر المضيقين، ووضعها التأميني مبهمان، ما يعني ضرراً كبيراً على روسيا وعلى تركيا، في حال حدوث أي حادث في المضيقين.
ونظراً لأن “البوسفور” و”الدردنيل”، يلفهما الضباب، وغالباً ما تعصف بهما تيارات قوية، فإن ذلك يجعلهما عرضة بشكل أكبر لحوادث السفن، أو حدوث أعطال فيهما، خصوصاً أن “البوسفور” يُعتبر أحد أضيق المضائق في العالم، ما يعني أن تعطل أي ناقلة فيه قد يؤدي إلى تعطيل حركة الملاحة.
هذا السيناريو حدث قبل أيام، وتحديداً في 26 ديسمبر، إذ أعلنت السلطات إغلاق مضيق “البوسفور” بعد تعطل محرك ناقلة نفط كانت متوجهة لروسيا، قبل أن تعيد فتحه بعد ساعات.
“قناة بنما” محاصرة بين المناخ وترمب
“قناة بنما” هي ممر مائي اصطناعي طوله 82 كيلومتراً يربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي، ما يوفّر للسفن آلاف الأميال والسفر لأسابيع حول الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية الذي يتعرض لأجواء عاصفة وجليدية.
تتعامل القناة مع 3% تقريباً من حجم التجارة البحرية العالمية، و46% من حاويات الشحن التي تنتقل من شمال شرق آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وتنقل القناة الاصطناعية السفن عبر بحيرة غاتون، التي ترتفع نحو 26 متراً فوق مستوى سطح البحر، عبر سلسلة من الأهوسة المائية. ويتطلب عبور كل سفينة نحو 200 مليون لتر من المياه العذبة.
ولكن تغير المناخ ساهم في خفض مستويات المياه في بحيرة غاتون، ما دفع بالسلطات إلى الحد من عدد السفن التي يمكنها المرور، وفاقم أزمة الاختناق المروري في هذا الممر الحيوي.
حالياً، خفت القيود قليلاً بسبب هطول الأمطار بشكل أكثر من المتوقع في نوفمبر، لكن الحد الأقصى لعدد السفن المارة في اليوم، والبالغ 24 سفينة، لا يزال أقل بكثير من القدرة اليومية قبل الجفاف، والتي كانت تبلغ حوالي 38 سفينة. ومن المتوقع تدهور الوضع مجدداً مع حلول موسم الجفاف.
ولكن التغير المناخي ليس آخر التحديات أمام القناة، إذ افتعل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أزمة مع البلاد، بعدما هدد بمعاودة فرض السيطرة الأميركية على القناة، مشيراً إلى ما قال إنها “رسوم مفرطة لاستخدام القناة، وخطر النفوذ الصيني”.
رفض الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو تهديد ترمب، وقال إن رسوم القناة خضعت للتقييم بعناية وشفافية، وإن هذه الرسوم تحافظ على القناة وساعدت في توسيعها في 2016، مما يعزز حركة المرور والتجارة العالمية.
وأضاف في بيان أن “كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المحيطة بها ملك لبنما وسيبقى كذلك… سيادة بلادنا واستقلالها غير قابلين للتفاوض”.
والحال، أن حركة التجارة العالمية تواجه العديد من الصعوبات مع الدخول إلى العام الجديد. هذه الصعوبات تبدأ بالتغير المناخي ولكنها لا تنتهي بالتوترات الجيوسياسية.
ومن شأن أي توتر في هذه الممرات المائية أن يؤثر على اقتصاد الدول المحيطة، كما حدث مع مصر، أو يمتد للتأثير على العالم بأسره، خصوصاً إذا ما أثر على حركة التجارة المسؤولة بشكل مباشر عن إطعام العالم، إذ “واحدة من كل أربع سعرات حرارية يتم استهلاكها في العالم، تُتداول تجارياً” بحسب ما قالته المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أوكونجو إيويالا في مقابلة في روما ديسمبر الجاري.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار التجارة العالمیة هذا المضیق فی العالم أکثر من ی عتبر
إقرأ أيضاً:
التجارة الرقمية في العراق تتوسع بلا ضوابط وتكشف تحديات تنظيمية
بغداد- يشهد العراق تناميا غير مسبوق في أنشطة البيع عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لتشمل مختلف أنواع السلع والخدمات، بما في ذلك المنتجات الحساسة التي تمس صحة الإنسان، مثل الأدوية ومستحضرات التجميل والأجهزة الطبية.
هذه الطفرة -التي تتزامن مع غياب واضح للرقابة الفعالة وغياب أدوات حماية المستهلك من عمليات الغش- تثير تساؤلات جوهرية بشأن مدى جاهزية الدولة لضبط هذا القطاع المتسارع وتطويعه ضمن الإطار القانوني الرسمي.
خطوة تنظيمية أولىفي 28 يناير/كانون الثاني من العام الجاري وافق مجلس الوزراء العراقي على مشروع نظام تنظيم التجارة الإلكترونية في البلاد، في محاولة لتطوير هذا القطاع وتبسيط إجراءاته من خلال ضبط عمليات البيع والشراء عبر الإنترنت على مستوى العراق.
وصرح المتحدث الرسمي لوزارة التجارة محمد حنون للجزيرة نت بأن هذا النظام الجديد يمثل خطوة حاسمة طال انتظارها، إذ وُضع من قبل الوزارة بالتنسيق مع مجلسي الوزراء وشورى الدولة بهدف إخضاع التجارة الإلكترونية لقواعد واضحة وإدارتها ضمن بنية رسمية ومنظمة.
ويؤكد حنون أن "حجم التجارة الإلكترونية في العراق لا يمكن حصره بدقة حاليا، نظرا لكونها تمارس خارج الأطر الرسمية"، مشيرا إلى أن النظام الجديد سيتيح إنشاء وحدات متخصصة داخل الوزارة لمتابعة ومراقبة هذا النشاط المتنامي بفعالية.
إعلانويتميز مجلس شورى الدولة بالشخصية المعنوية ويرتبط بوزارة العدل، وهي الجهة المعنية بوضع الصيغ القانونية والشرعية للضوابط والقوانين التي تشرعها السلطة التنفيذية، ويتم التصويت عليها لاحقا داخل مجلس الوزراء.
وبحسب حنون، سيتعين على العاملين في قطاع التجارة الإلكترونية الحصول على إجازات رسمية عبر منصة إلكترونية خصصتها الوزارة لهذا الغرض.
كما يُلزم النظام الجديد التجار بتقديم معلومات دقيقة وشفافة عن منتجاتهم وخدماتهم، إضافة إلى حماية بيانات العملاء والإبلاغ الفوري عن أي خرق أمني.
ويضيف حنون "النظام يمنح وزارة التجارة صلاحيات رقابية وتطبيق العقوبات على المخالفين، كما يكلف الهيئة العامة للضرائب والهيئة العامة للجمارك بوضع آليات خاصة لتطبيق الضرائب والرسوم الجمركية على الأنشطة الإلكترونية".
ويؤكد أن النظام يعد "الحجر الأساس في دمج التجارة الإلكترونية في الاقتصاد الرسمي، بما يعود بالنفع على المستهلكين والتجار والموازنات العامة للدولة".
تسارع النمو بعد الجائحةلا شك أن جائحة كورونا لعبت دورا كبيرا في تسريع تبني العراقيين التجارة الإلكترونية، فقد توسعت هذه الممارسات بشكل ملحوظ في مختلف المحافظات، لتصبح مكونا مؤثرا في حركة التجارة الداخلية والخارجية، وتسهم في خلق فرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من الشباب، ولا سيما في مجالات الشحن والنقل والتخزين وافتتاح المكاتب والمخازن الخاصة بالبيع الرقمي.
غياب التنظيم يعمق التحدياتبدوره، يرى عبد الله غسان الخبير المتخصص في التجارة الإلكترونية أن العراق يفتقر إلى قوانين حديثة وشاملة تضبط هذا القطاع، مشددا في حديثه للجزيرة نت على ضرورة التمييز بين المتاجر الإلكترونية البحتة وتلك التابعة لمؤسسات تجارية قائمة على أرض الواقع.
ويشير غسان إلى أن "الرقابة الرسمية موجودة على المتاجر التقليدية، في حين تفتقر إليها المتاجر التي تنشط فقط على الإنترنت، مما يؤدي إلى تدخل الجهات المعنية بشكل متأخر، غالبا بعد وقوع الضرر أو ورود شكاوى من المواطنين".
كما حذر من الأثر الاقتصادي السلبي لهذا الخلل، مؤكدا أن "إعفاء هذه المتاجر من الضرائب والإيجارات يضع المتاجر التقليدية في موقف تنافسي ضعيف، وقد يؤدي إلى فقدان مزيد من فرص العمل".
إعلانوأضاف غسان أن القوانين الحالية لحماية المستهلك قديمة ولا تستجيب للتطورات الرقمية، مشيرا إلى أن أغلب التدخلات لمحاربة الاحتيال تستند إلى إجراءات أمنية غير كافية، وغالبا ما تكون بيروقراطية ومحدودة الأثر.
وفي ظل هذا الواقع يعتبر غسان أن عمليات الشراء عبر الإنترنت -ولا سيما للمنتجات الحساسة مثل الأدوية ومستحضرات التجميل- "تشكل مخاطرة يومية للمستهلك"، نظرا لعدم وجود آلية قانونية واضحة لحمايته، إذ تعتمد المعالجات على تقديم الشكاوى وانتظار تحرك الجهات الأمنية أو الصحية.
وأشار إلى أن بعض أصحاب المتاجر الإلكترونية تلجأ إلى أساليب تسويقية مضللة لبناء ثقة غير واقعية لدى المستهلك، مستغلة ضعف الثقة العامة بسلامة المنتجات المعروضة عبر الإنترنت.
وقدّم غسان سلسلة من التوصيات، أبرزها:
إصدار تشريعات خاصة بالتجارة الإلكترونية وتفعيلها عبر مديريات متخصصة تضم خبراء في المجال الرقمي. تسجيل المتاجر الإلكترونية برسوم رمزية لضمان إدماجها في الإطار الرسمي. فرض ملصقات فحص إلزامية على المنتجات المستوردة المعروضة للبيع الإلكتروني تصدرها جهات مختصة كوزارة الصحة. إطلاق حملات توعية لحث المواطنين على التحقق من ملصقات الفحص قبل شراء المنتجات الحساسة. الصيادلة يحذّرونمن جانبه، حذّر المتحدث الرسمي باسم نقابة الصيادلة العراقية محمد شيخان من الانتشار الواسع لاستخدام منتجات دوائية غير مرخصة تسوّق عبر الإنترنت، مستندة إلى إعلانات مضللة غالبا ما يشارك فيها مشاهير وفنانون.
وقال شيخان للجزيرة نت إن "الترخيص الرسمي من وزارة الصحة هو الضمان الوحيد لرصانة وسلامة أي منتج صيدلاني"، داعيا المشاهير إلى الامتناع عن الترويج لمثل هذه المنتجات حماية لصحة الجمهور وتفاديا للمساءلة القانونية.
إعلانوشدد على ضرورة أن تقتصر عمليات الشراء على الصيدليات المرخصة وتحت إشراف صيدلي متخصص، محذرا من الصفحات الوهمية التي تنتحل صفة صيدليات إلكترونية، والتي قد تعرّض المواطنين لأضرار صحية جسيمة نتيجة منتجات رديئة وغير مفحوصة.
ويبقى طريق تنظيم التجارة الإلكترونية في العراق طويلا ومعقدا، فنجاح هذه المنظومة لا يتوقف على إصدار القوانين فقط، بل على تفعيلها ومتابعة تنفيذها، ورفع مستوى الوعي لدى المواطن، وبناء ثقة متبادلة بين البائع والمستهلك ضمن إطار قانوني ورقابي قوي يواكب عصر الاقتصاد الرقمي ويضع مصلحة المجتمع في الصدارة.