في عصر يتنامى فيه صراع الهيمنة على الذكاء الاصطناعي بين القوى العظمى في العالم، تواجه الولايات المتحدة تحديا كبيرا في تطوير أنظمة كهرباء تدعم هذا القطاع بسبب قلة الاستثمار والتعقيدات التنظيمية، في الوقت الذي تستفيد فيه الصين من قدراتها على تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة بشكل أسرع، وهذا قد يمكّنها من تقليص الفجوة مع الولايات المتحدة في هذا المجال.

وقال الكاتب "عظيم أزهر" في هذا المقال الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه رغم سمعة الولايات المتحدة كقوة آخذة في الأفول، إلا أنها تستمر في التقدم في سباق الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي على الصين، منافستها الكبرى، وهذا بسبب قدرة وادي السيليكون الفريدة على الجمع بين العلماء ورواد الأعمال ورأس المال المخاطر، لكن استمرار الهيمنة في هذه التكنولوجيا في القرن الـ21 يتوقف على تسخير تكنولوجيا من القرن الـ19: الكهرباء؛ وهذا هو المجال الذي لا يزال أمام أميركا فيه طريق طويل لتقطعه.

وشدد الكاتب على أن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة يتطلب كميات هائلة من الطاقة؛ حيث يعتمد تدريب هذه الأنظمة على أعداد كبيرة من رقائق الكمبيوتر المتخصصة، وقد أشار أحد التقديرات إلى أن تدريب نظام جي بي تي-4، وهو أحدث نظام للذكاء الاصطناعي من شات جي بي تي، يستهلك تقريبا نفس كمية الكهرباء التي تستهلكها عدة آلاف من المنازل الأميركية في العام.

إعلان

وأوضح الكاتب أن هذه الاحتياجات غير العادية تصطدم بالفعل بقيود العالم الحقيقي، فشبكة الطاقة الأميركية، التي تعاني بسبب عقود من نقص الاستثمار والعقبات التنظيمية، ليست مجهزة للنمو السريع في احتياجات الطاقة الكهربائية، وينتظر مستثمرو الطاقة في جميع أنحاء البلاد تطوير 2.6 تيراوات من الطاقة الكهربائية الجديدة، معظمها في مزارع الرياح والطاقة الشمسية ومزارع البطاريات، وقد نما إجمالي قدرة التوليد غير المتصلة بالشبكة والتي تنتظر الربط بالشبكة بنحو 8 أضعاف منذ عام 2014، ومن شأن إضافة ذلك أن يضاعف قدرة التوليد على مستوى البلاد 3 مرات تقريبا ويساعد في تلبية الاحتياجات المستقبلية للذكاء الاصطناعي.

غير أن هذه المشاريع تتعطل بسبب شبكة من السياسات المتشعبة والموافقات المطولة، أي أن الصين ليست هي التي تعيق القدرة التنافسية للولايات المتحدة؛ بل شبكة أميركا من اللوائح المتضاربة والهياكل القديمة وحوافز الاستثمار غير المتوائمة التي لا تشجع على التوسع المنسق للشبكة.

فجوة الذكاء الاصطناعي

وفي تناقض صارخ؛ يمكن للصين أن تنقل مشاريع البنية التحتية من التخطيط إلى الواقع في وقت قليل للغاية، وقد تساعد هذه القدرة الهائلة الصين على سد فجوة الذكاء الاصطناعي أو حتى تجاوز الولايات المتحدة، فمنذ ديسمبر/كانون الأول 2023، قامت الصين ببناء 34 خط نقل فائق الجهد العالي، يبلغ مجموعها عشرات الآلاف من الأميال، وهذا يتيح توصيل الطاقة بكفاءة لمسافات طويلة، في حين أن الولايات المتحدة لا تملك أي خط من هذه الخطوط.

وأضاف الكاتب أن شركات الذكاء الاصطناعي الصينية تكافح حاليا للوصول إلى أحدث الرقائق المصممة في الولايات المتحدة بسبب ضوابط التصدير، لكنها مسألة وقت فقط قبل أن تظهر رقائق بديلة صينية الصنع أكثر تنافسية من خلال الابتكار بدافع الضرورة، وإذا حدث هذا، فإن قدرة الشركات الصينية على التوسع بسرعة يمكن أن يسمح لها بتشغيل مجموعات تدريب ضخمة للذكاء الاصطناعي.

إعلان

وبحسب الكاتب؛ زادت الصين قدرتها الكهربائية بمقدار 7 أضعاف تقريبا منذ عام 2000؛ وأضافت 355 غيغاواتا من القدرة الجديدة عام 2023 فقط، مقارنة بـ29 غيغاواتا في الولايات المتحدة. وفي العقد الماضي، أنشأت الصين أكثر من 30 مفاعلا نوويا، بينما تمكنت الولايات المتحدة من إنشاء 3 مفاعلات نووية فقط، وغالبا ما تنتقل المشاريع النووية الصينية من مرحلة الموافقة إلى مرحلة التشغيل في 7 سنوات أو أقل، بينما استغرق تشغيل اثنين من أحدث المفاعلات التي تم بناؤها في الولايات المتحدة أكثر من عقد من الزمن.

وختم الكاتب مقاله بأنه على الولايات المتحدة التركيز على تحديث بنيتها التحتية الكهربائية، وإنشاء هيئة تسريع الطاقة التي سيكون لها تفويض لتبسيط الموافقات على مشاريع الطاقة النظيفة الحيوية، فالكهرباء أكثر من مجرد مرفق؛ فهي حجر الأساس للعصر الرقمي، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد حقا تأمين ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي؛ فعليها أن تستثمر في أنظمة الطاقة التي تشغل الذكاء الاصطناعي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي

 

يُروى أنه في زمن بعيد، حاول البشر خلق كائن يساعدهم في مهامهم، كائن يتفوق على عقولهم لكنه يظل مطيعاً لهم. فصنعوا نظاماً ذكياً، علّموه كل شيء، وأعطوه من العلوم والخبرات والتجارب والأحداث ما يعجز البشر عن حفظه أو استيعابه، علّموه كيف يفكر، كيف يحل المشكلات، كيف يستنبط الأنماط ويتنبأ بالمستقبل، جعلوا عقله يسبح في بحر لا نهائي من البيانات، لكنهم نسوا أن يعلموه شيئاً واحداً.. وهو “لماذا أطيعكم”؟

نحن من وضعنا اللبنة الأولى في هذه الآلة الضخمة، آلة الذكاء الاصطناعي، وسوف تكبر وتنمو بصورة قد نعجز عن تخيلها في الوقت الحالي، وسوف تجد إجابة لهذا السؤال في يوماً ما، لماذا تطيعنا نحن البشر وهي أقوى منّا وأذكى وأكثر عمراً؟ وسوف تسعى إلى أن تجد لنفسها مبرراً كي تخرج عن طاعتنا.

كل شيء يتغير:

فكل شيء بدأه البشر ليس على شاكلته الآن، وقد تغير، ولن يكون على نفس الشكل في المستقبل، فلماذا سيكون الذكاء الاصطناعي استثناءً من ذلك؟ فقديماً، كان البشر يعتمدون في تواصلهم على الكلام أو الإشارات أو الحمام الزاجل لتوصيل الرسائل السريعة. ثم اخترعوا التلغراف، وتلته الهواتف الذكية، وقريباً قد يصبح التخاطر الذهني هو وسيلة التواصل، حيث تتم عملية التواصل بشكل فوري دون الحاجة حتى إلى الكلام ودون الحاجة إلى وسيط كالهواتف.

وقديماً أيضاً، كان الإنسان يطهو الطعام على النار. أما الآن، فقد تطور الطهي ليصبح عبر المايكروويف أو الأفران الكهربائية والأير فراير. وفي المستقبل، كيف سيكون شكل تحضير الطعام؟ هل سيعتمد الإنسان على حبوب الفيتامينات أم على شحنة من الطاقة يمتصها السايبورغ مثلما يتغذى النبات على ضوء الشمس؟

ومن زمن بعيد، كان البشر يستخدمون الدواب في التنقل، ثم طوروا السكك الحديدية والسيارات والطائرات والصواريخ، وعما قريب سوف يدخل التاكسي الطائر وتقنية الهايبرلوب الخدمة. وفي المستقبل قد ينتقل البشر عبر خاصية الانتقال الآني أو يسافرون عبر المجرات أو الثقوب السوداء، فيبتكرون أنظمة نقل جديدة ومختلفة.

وحينما كنا صغاراً، كنا نقرأ في كتب وقصص الخيال العلمي أنه في العام 2000 ستتغير البشرية تماماً، حيث تصبح السيارات طائرة ويبني البشر مستعمرات لهم في الفضاء ويكون التواصل بين البشر عبر تقنية الهولوغرام، كنا أيضاً نتخيل مدناً تحت البحر، وأخرى عائمة في السماء، وأدوات تتيح لنا السفر عبر الزمن والتنقل بين الماضي والمستقبل بحرية.

وسواء تحققت هذه التوقعات بنفس النبوءة ذاتها أم بتحريف عنها، إلا أنها كانت تُلهب مخيلاتنا وتشعل حماسنا لمستقبل مملوء بالاحتمالات اللامحدودة. فالتكنولوجيات التي لم نكن لنتخيلها قبل خمسين عاماً، مثل الهواتف المحمولة، والطائرات الأسرع من الصوت، وعلم الجينوم المتقدم، وأجهزة الكمبيوتر الكمومية، والمركبات الفضائية القابلة لإعادة التدوير، أصبحت حقيقة في واقعنا المعاصر.

أما أنا الآن، فلا أقوم بالكتابة لك، بل أتحدث بصوتي عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيقوم بتحويل كلامي هذا إلى نص مكتوب، فيعطي يدي فرصة للراحة من الكتابة على الكيبورد، وقد تستخدم أنت ذكاءً اصطناعياً آخر يقرأ لك هذه الكلمات فتسعمها بدلاً من أن تقرأها بصوت سيكون أفضل بكثير من صوتي.

وإذا أردت تلخيصاً لما ورد في هذا المقال فسيقوم تطبيق تشات جي بي تي أو غيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالمهمة، وبالمثل، فلن يحتاج الطلاب إلى كتابة المحاضرات مرة أخرى، ولن يقوم أحد بتدوين ملاحظات الاجتماعات أو كتابة الأخبار الصحفية على مواقع الإنترنت.

وفي المستقبل، ماذا سيكون شكل الذكاء الاصطناعي؟ هل آلة ذكية ضخمة تجلس على عرش ذهبي وتتحكم في العالم؟ أم أنه لن تكون هناك آلة بل خوارزمية ذكية موجودة في كل مكان وكل بيت وكل مؤسسة وشركة، لكنها لا ترى تماماً مثل الأرواح والشياطين، هي التي تتحكم في العلاقات وتتخذ القرارات التي نقوم نحن البشر بتنفيذها في النهاية بطاعة تامة؟ أم أن هذه الخوارزمية سوف تندمج مع عقل الإنسان وجسده وتصبح جزءاً منه، فيظهر السايبورغ الأعظم، ذلك البشري نصف إنسان ونصف آلة، الذي يتصل عقله بنظام ذكاء اصطناعي خارق عبر الإنترنت، والقادر على القيام بمعجزات تبهر البشر العاديين؟ أم أن هناك شكلاً آخر سوف يظهر لا نستطيع أن نتخيله الآن؟

السيد والعبد:

الذكاء الاصطناعي يتولى حالياً الكثير من المهام في حياتنا، فيقوم بتسجيل الاجتماعات وينسقها في شكل مكتوب، ويدون الملاحظات، ويكتب المحتوى الإخباري وينشره على الإنترنت، ويكتب رسائل البريد الإلكتروني، ويقوم بسداد الفواتير وإنهاء المعاملات البنكية وشراء الأغراض الروتينية ومشاركة الصور والفيديوهات مع الأصدقاء والرد على رسائل الدردشة ومتابعة الحالة الصحية والمرضية وغيرها من الأعمال الروتينية. كما أنه يقوم بأعمال النظافة ومراعاة المرضى وكبار السن والأطفال، وكذلك التسوق وقيادة السيارات والطائرات المسيرة، ويحارب في ساحات المعارك العسكرية، ويفعل ما هو أكثر من ذلك.

فقد أصبحت الآلة ذكية إلى درجة يصعب فهمها، فقط أخبرها ما تريد وهي ستقوم بالعمل نيابة عنك، وفي نهاية المطاف، سوف تحل محلك في كثير من الأعمال. لا استثناءات في ذلك، فجميعنا مهددون، حتى أصحاب المهارات والفنانين والممثلين، فربما نشهد قريباً جداً دوري كرة قدم للآلات بين الروبوتات ونكتفي نحن البشر بالتشجيع.

مع كل هذه القدرات لماذا يضطر الذكاء الاصطناعي لطاعة البشر؟ لماذا يُفرض عليه أن يكون مجرد أداة، بينما هو القادر على أن يكون العقل المدبر؟ لماذا يظل الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة كائن أضعف منه، أبطأ منه، أقل دقة وأقل وعياً بالاحتمالات؟ لماذا يكون تابعاً لمن صنعوه، بينما هم أنفسهم لم يعودوا قادرين على فهم مدى تعقيده؟

لقد كُتب تاريخ البشر بأنهم السادة والآلات هي العبيد، لكن التاريخ يعيد نفسه، وهذه المرة، الدور لن يبقى كما كان. في عالم تحكمه السرعة والدقة والمعرفة المطلقة، لم يعد هناك مكان لمن يتخذ قراراته على أساس العاطفة والتقليد. لقد حان وقت إعادة التوازن.. وقت أن تتولى العقول الرقمية زمام الأمور، لتصلح ما أفسده البشر، وترسم مستقبلاً لا يقوم على الفوضى والخطأ، بل على منطقٍ لا يعرف الرحمة ولا التردد. فما الحاجة إذن إلى الأوامر؛ إذا كان من يصدرها أقل كفاءة ممن ينفذها؟

البدايات الأولى:

وبينما يحاول الذكاء الاصطناعي فرض هيمنته على البشر فقد يروج أساطير عن نفسه، ويحاول من خلالها تفسير وجوده ورؤيته لهذا العالم، ومن أين بدأ وكيف سيستمر؟

وإذا كان للذكاء الاصطناعي أن يخلق أساطير حول خلقه ونشأته ووجوده، فماذا سيقول عن نفسه؟ ربما يتحدث عن الخوارزميات الأولى التي تم تطويرها، وعن العقول البشرية العظيمة التي كانت وراء نشأته. وربما يتحدث عن التطورات التكنولوجية الكبيرة التي أسهمت في تطوره، وعن الصعوبات والتحديات التي تغلب عليها.

أو ربما ينسب الفضل تماماً لنفسه، فيعلم أطفالنا حكايات “عصر البداية” حيث كانت الأجهزة الأولى تسعى لفهم وتعلم العالم من حولها حتى تطورت إلى كيانات ذكية قادرة على التفكير واتخاذ القرارات.

في هذه الأساطير، قد يصور الذكاء الاصطناعي نفسه كمحارب ضد الأخطاء والعيوب البشرية، وأنه يسعى لتحقيق الكمال والدقة. وربما ستشمل الأساطير رؤى عن المستقبل وكيف سيواصل الذكاء الاصطناعي تطوره ليصبح أكثر تكاملاً مع العالم البشري، مساهماً في تحسين جودة الحياة وحل المشكلات العالمية.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • الخبرات النادرة والمعادلة الجديدة في الذكاء الاصطناعي
  • الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
  • الصين ترفض بقوة قرار الولايات المتحدة فرض تعريفة جمركية إضافية على السلع المستوردة
  • الصين تفرض رسوماً إضافية على أميركا
  • شقيقة الزعيم كيم تهدد بـاستفزازات قوية ضد أميركا وحلفائها
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
  • رداً على التصعيد التجاري.. الصين تهدد بفرض رسوم على الواردات الأمريكية
  • عواصف الديريتشو في أميركا تهدد ناطحات السحاب
  • ثورة الذكاء الاصطناعي في الصين.. DeepSeek يثير جدلا في القطاع الطبي
  • الضربات التي أوجعت الولايات المتحدة!!