لبنان... نكران المأساة واللهو السياسي
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
التغيير الذي شهدته سنة 2024 فاق كل التوقعات، وما جرى كان يعدّ سابقاً ضرباً من الخيال السياسي يحتاج إلى عقود ليتحقق. وبمعزل عن الحسنات والسيئات الناتجة عن الزلازل الجيو-سياسية وارتداداتها في كل من غزة ولبنان وسوريا، ستحدد آثارها بوصلة السياسة في غالبية دول الإقليم.
«طوفان الأقصى» كان الشرارة التي أشعلت تفاعلات مدوية، وحركت طموحات لدى إسرائيل، أبرزها القضاء على نفوذ إيران في دول الجوار وتهديده لها، وكسر الطوق الذي فرضته على المنطقة الميليشيات والمنظمات الخارجة عن الدولة.حرب غزة قضت على «حماس» عسكرياً وسياسياً، وحرب لبنان قضت على مقدرات «حزب الله» العسكرية، وقوضته سياسياً، وتوجت بسقوط نظام الأسد في سوريا.
لا شك أن ارتدادات هذه الأحداث المزلزلة سترافق سنة 2025، وستنعكس نتائجها في موازين قوى جديدة تعيد تشكيل السلطة السياسية في غزة وسوريا. ومن المرجح أنها ستكون سنة تعبيد مسارات السلام والتهدئة في المنطقة، خصوصاً إذا سوّي الوضع في غزة، وتمكنت إدارة دونالد ترامب من لجم إسرائيل وإطلاق مسار التسوية، وتمت إحاطة سوريا الجديدة عربياً ودولياً، واحتواؤها بهدف انخراطها في الاعتدال العربي، وهي مهمة صعبة إنما ممكنة.
أما لبنان، فيبقى عصياً على التغيير بسبب سطحية غالبية المسؤولين والسياسيين وقصورهم عن فهم المتغيرات التي حصلت في الداخل، ومن حولهم القريب، فتراهم يتابعونها وكأن بلادهم على كوكب آخر، وعاجزين، كما عهدهم دوماً، عن الإفادة من محطات تاريخية مفصلية.
مضى أكثر من شهر على اتفاق وقف العمليات القتالية بين «حزب الله» وإسرائيل، ولم يبقَ سوى أقل من شهر لتنسحب إسرائيل من الجنوب، ويخرج مقاتلو الحزب وسلاحه من جنوب نهر الليطاني ليحل الجيش اللبناني مكانهما، على أن يلي ذلك تسليم كل السلاح اللاشرعي إلى الدولة تطبيقاً للقرار 1701 بكل مندرجاته حسبما ورد في الاتفاق.
لا بد من التذكير أن الاتفاق تم بين إسرائيل و«حزب الله» بواسطة نبيه بري، ليس بصفته رئيس البرلمان، إنما «حليف الحزب الرئيس»، وتبنته الحكومة اللبنانية وبات يلزم الدولة، علماً أنه لم يمر بالأصول الدستورية، ولم يمهر من قِبَل السلطة المخولة بذلك أي رئيس الجمهورية لفراغ المنصب.
حتى اليوم، ما زالت حكومة «تصريف الأعمال» تلهو وتناور في تنفيذ الاتفاق، ومظاهر لهوها كثيرة، بدءاً من عدم إصدار تكليف واضح وصريح للجيش اللبناني بتسلم الأمن في الجنوب كقوة وحيدة مسلحة، والمباشرة في مصادرة السلاح غير الشرعي في البلاد، وتحديداً سلاح «حزب الله»، وحتى اليوم لم تتم مصادرة مخزن أسلحة واحد للحزب. بدأ الجيش اللبناني بتفكيك مراكز عسكرية فلسطينية خارج المخيمات، والخشية من أن يكتفي بذلك دون المساس بسلاح الحزب، ما يترك لبنان مجدداً تحت رحمة تجدد الحرب أو الغارات الإسرائيلية، وآخرها حصل الأسبوع الماضي في البقاع.
وتظهر عدم جدية الحكومة أيضاً بإحجامها عن الرد على كلام الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، بشأن حصر تنفيذ الاتفاق بمنطقة جنوب الليطاني، وإصراره على الاحتفاظ بسلاحه في الداخل، وتمسكه بثلاثية «الشعب، الجيش، المقاومة»، مؤكداً استمرار المقاومة. وسكوتها حيال كلام القائد الآخر في الحزب، محمود قماطي، حول ضرورة وضع استراتيجية دفاعية لحماية لبنان يكون سلاح الحزب ضمنها، مُنصّباً حزبه شريكاً للدولة لا جزءاً منها. وما زالت تتجاهل أنشطة الحزب المستمرة بصفته كياناً يعمل خارج إطار القوانين اللبنانية، وخصوصاً لجهة شبكاته الاقتصادية غير الشرعية، وعدم مساءلته عن أموال التعويضات التي وزعها على المتضررين من أبناء بيئته أو وعد بتوزيعها.
سكوت الحكومة يشي باستمرار سطوة الحزب في الداخل، ويطرح أسئلة عدة حول صدقية الدولة اللبنانية بتنفيذ الاتفاق الذي يفتح الباب أمام استعادة السيادة. إدانة الغارات الإسرائيلية المستمرة دون قطع دابر مسبباتها لن تنفع من دون حصر السلاح بيد القوى الشرعية دون غيرها.
اللهو الأكبر الذي تمارسه السلطة والمعارضة معاً، يتعلق بانتخابات الرئاسة، بدءاً من الامتنان لقيام الرئيس بري بواجبه وتحديد جلسة انتخاب مفتوحة حتى انتخاب رئيس، «ووعده» بتطبيق الدستور، وصولاً إلى تنافس مسطح وهزلي وشعبوي بين الموارنة على المنصب. المعارضون لـ«حزب الله» يعيبون عليه إنكاره للواقع، وهم يحاكونه ويتعاملون مع هذه المسألة كما أن شيئاً لم يحصل في الداخل أو في الإقليم. ما يفهمونه حصراً من هذه المتغيرات التاريخية التي تجري من حولهم أن حظوظ البعض في الوصول إلى الرئاسة ارتفعت أو انخفضت بحسب التموضع السياسي، متمسكين بعنوان السيادة الفضفاض من دون التعالي فوق المصالح الطائفية والشخصية.
مخاطر وجودية محققة بحاجة إلى حالة طوارئ ذهنية تجترح حلولاً من خارج أزقة السياسات المحلية والطائفية الضيقة، وتكون بحجم الأزمة وتحديات المقبل من الأيام، وأولها مأساة مزدوجة: احتلال إسرائيلي للجنوب، وعودة الحزب إلى معزوفة المقاومة. الجميع يلهو، والمهزلة - المأساة اللبنانية مستمرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد إسرائيل وحزب الله فی الداخل حزب الله
إقرأ أيضاً:
خلفان الرومي.. قامة وطنية خالدة في ذاكرة الإمارات
دبي: يمامة بدوان
أمس الأحد، كانت الذكرى السنوية التاسعة على رحيل خلفان بن محمد الرومي، الذي غادرنا إلى دار البقاء، في 6 إبريل 2016.
قامة وطنية خالدة في ذاكرة الإمارات، وصاحب البصمات الباقية أبد الدهر في كيان إمارات زايد الخير، حيث عاصر بإخلاص مراحل قيام الاتحاد، وشارك في لجان التحضير لتأسيس الدولة، وفي اللجنة التي وضعت دستورها. وكان عضواً في الوفد الذي شارك في اجتماع جامعة الدول العربية، لانضمام الدولة إلى عضويتها، ومناقشة قضية احتلال جزر الإمارات، فضلاً عن دوره الكبير في نهضة مؤسسات الدولة.
ويسجل التاريخ اسم خلفان الرومي، ضمن الرعيل الأول من أبناء الوطن، الذين حملوا على عواتقهم تحويل حلم «الإمارات العربية المتحدة» إلى واقع، حيث عمل - رحمه الله - بجد وإخلاص، كي ينعم المواطن بالرفاهية والسعادة، والوطن بالأمن والأمان. كما قدّم للوطن سنوات طويلة من حياته، ومن عطائه وطاقته واجتهاده، وأورث حب الوطن وخدمته لأبنائه، وواكب مسيرة البناء، وبفضل جهوده، وجهود أبناء جيله، حققت الدولة مكانتها المرموقة عالمياً في مختلف المجالات.
المنشأ والتعليم
ولد خلفان الرومي في 5 يناير 1946، في إمارة الشارقة، ونال بكالوريوس التاريخ من جامعة بغداد عام 1964، وهو من أوائل من حملوا الشهادات الأكاديمية وتلقوا تعليمهم ضمن الطلبة الذين أوفدوا إلى العراق لطلب العلم، حيث شغل عدداً من المواقع بعد عودته إلى الإمارات، وأسندت إليه عشرات المهام الوطنية، بتكليف القيادة الرشيدة، وكان شاهداً على مراحل البناء والتطوير قبل تأسيس الاتحاد عام 1971، وبعده.
الحياة المهنية
شغل الراحل الكثير من المناصب، وتمثل عطاؤه السياسي في كثير من الإنجازات داخل الدولة وخارجها، منها مشاركته في أعمال اللجان الاتحادية التي كانت تعد القوانين والأنظمة لقيام دولة الإمارات. كما اختاره المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ليكون عضواً في الهيئة التي كلفت زيارة الدول الخليجية، والعراق، وسوريا، والأردن، ولبنان قبل أشهر قليلة من قيام اتحاد الإمارات، لنقل وجهة نظر الشيخ زايد، في ما يتعلق بمجريات الأمور، وإبلاغ هذه الدول بمشروع قيام الدولة. كما كان عضو الوفد للانضمام لجامعة الدول العربية، ومناقشة قضية الجزر المحتلة، وعضو لجنة إعداد مشروع الدستور الدائم، وعضو لجنة شؤون الموظفين بالدولة، وعضو لجنة التشريعات. وشارك في عضوية لجان مختلفة لمناقشة كثير من القضايا، وفي عدد من المؤتمرات واللقاءات بمعيّة المغفور له الشيخ زايد. وترأس وفوداً رسمية عدة، لدى المنظمات العالمية والعربية، والدول الأخرى.
مناصب عالية
وتولى الفقيد عدداً من أجهزة الدولة، وتسلم مناصب عالية، فخدم الإمارات بإخلاص وتفانٍ، منذ أول منصب تولاه بعد قيام دولة الاتحاد، وكرّس حياته في المثابرة والكفاح بوصفه نموذجاً للتفاني والإخلاص، حيث كان منصب وكيل وزارة التربية والتعليم، هو الأول الذي بدأ به حياته المهنية، إبان تولي الراحل الدكتور عبدالله عمران تريم، وزارة التربية، بعد التشكيل الثاني عام 1973. وتولى منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية عام 1983 وحتى 1990. وفي التشكيل الثالث، كان خلفان الرومي، وزيراً للصحة عام 1977. ثم تولى حقيبة الإعلام والثقافة في التشكيل الخامس عام 1990.
وفي بداية مشواره العملي، عُيّن الراحل مدرساً في مدرسة حطين عام 1968، ثم نائب مدير دائرة المعارف بالشارقة، ومسؤول تعليم الكبار، لتتوالى المناصب التي أسندت إليه.
ارتباط وثيق
توثق الارتباط بين الراحلين المرحوم الدكتور عبدالله عمران تريم، وخلفان الرومي، بعشق بلاط صاحبة الجلالة، الصحافة الإماراتية، التي عملا فيها معاً، وأسساها في دولة الإمارات، حيث أسس الراحل عبدالله عمران جريدة «الخليج»، وجعلها مؤسسة، ومنبراً إعلامياً شامخاً، وعريقاً، كان ولا يزال يؤسس أصول المهنة، ويكرس مبادئها، وأخلاقياتها، ولطالما اجتمعا - رحمهما الله- في دار «الخليج» في جلسات نقاش مهنية واعية، تبادلا فيها الرأي والرؤى، والأفكار، والخطط، فيما نهض خلفان الرومي، بجائزة الصحافة العربية، وكرّس مكانتها على الساحة الإعلامية داخل الدولة وخارجها، حيث استمرت صداقتهما العمر كله، حتى كتب لهما أن يكونا شريكين في الدنيا والآخرة، رحمهما الله.
كما جمعت صداقة وثيقة الركائز والروابط بين الراحلين، فكانا معاً متوحدي الفكر، والتوجه، والكلمة، والمسعى، والهدف، والقرار، واشتركا معاً في إعلاء مكانة الدولة، والنهوض بمقدراتها، بمواقعهما المختلفة التي شغلاها، بقوة، وإخلاص، وتفانٍ، وأمانة. كما كانا متساندين، من دون أن يخل أحدهما بالتزامه الأخوي، والأدبي، تجاه الآخر.
كلمات مؤثرة
قدم صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، واجب العزاء في الرومي، خلال زيارته مجلس العزاء بمنطقة السويحات في الشارقة، وأعرب عن صادق مواساته لأشقاء الفقيد وأبنائه وأسرته.
وفي يوم وفاة الفقيد، نعته القيادة الرشيدة، بكلمات مؤثرة، حيث كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على «إكس»: «خلفان محمد الرومي أعطى للوطن سنوات طويلة من حياته، ومن عطائه وطاقته واجتهاده، وأورث حب الوطن وخدمته لأبنائه».
وفي كلمة تأبين للراحل من سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، قال: معلمي خلفان الرومي، عندما بدأتُ عملي في وزارة الإعلام والثقافة في التسعينات، كنتُ كأي شاب متحمس ومندفع للعمل، كُنتُ أظنني قادراً على تغيير العالم كأي فتى مقبل على الحياة، إلا أنني كنتُ محظوظاً بمدير عاقل خبر الحياة كثيراً، لم يُكسّر طموحاتي على صخرة الواقع، بل تبنّى ذلك الحماس واحتواه، بحكمة الأب، وخبرة المعلم.