الجولاني .. المشاركة للجميع أم الذهاب إلى سيناريو ليبيا؟
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
بات لافتاً أن المشهد في سوريا حالياً بعد سيطرة هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع الملقب بالجولاني منذ ثلاثة أسابيع، وسقوط نظام بشار الأسد مازال يلفه الغموض وحالة الفوضى الجوالة التي تضرب بأطناب الدولة السورية وتنذر بسيناريوهات كارثية، حيث ظهر العنف للأسف طيلة الأيام الماضية بعدد من محافظات الشمال ومناطق الساحل السوري لأسباب طائفية وإثنية.
علاوة على مواجهات متوقعة ومرتقبة لفترات قادمة من الوقت بين قوات الإدارة الجديدة وما يعرف بفلول النظام السابق أو شبيحة قوات بشار، وهؤلاء ليسوا بالأقلية، ناهيك عن مفاجأة معارك المواجهة والفوضى التي ضربت أحياء العاصمة دمشق خاصة حي المزة أكبر وأرقى أحيائها، الأمر الذي يشير إلى أن هناك ناراً تحت الرماد، وأن الأمور من الصعوبة السيطرة عليها بين عشية وضحاها، في بلد تعداد سكانه يتجاوز 24 مليون نسمة، ويتكون من فسيفساء متنوع من الطوائف والأقليات والعرقيات والإثنيات، وبالتالي يتعذر القيادة والحكم من قبل فصيل واحد حتى لو كان هيئة تحرير أو رجلاً في زعامة أبو محمد الجولاني، وقواته التي تتجاوز 30 ألفاً عند دخول العاصمة دمشق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، حيث الإشارات التي وصلت للجميع طيلة الأيام الماضية سلبية وتكشف عن نيات الرجل وجماعته في إدارة هذا البلد، عبر صيغة المغالبة والسيطرة والتمكين، وهذا ما ظهر واضحاً في تشكيل حكومة تصريف الأعمال برئاسة محمد البشير، حيث كل وزراء ورجال تلك الحكومة من مكون واحد وهو جماعة الجولاني فقط، جيء بهم كأصدقاء مقربين لزعيم هيئة تحرير الشام، وهو الأمر إلى أثار حفيظة بقية القوى السياسية في الشارع السوري، بما فيهم جماعة ائتلاف المعارضة السورية في الخارج وهم من الشخصيات الثقات والذين لم يسمح لهم بالعودة حتى الآن.
وبالتالي مايحدث وحدث طيلة الأيام الماضية، ينم عن حالة من الإرباك،بسبب عدم وجود خريطة طريق أو إستراتيجية وطنية، بشأن المرحلة الانتقالية متفق عليها بين كل الفرقاء السوريين، حيث يلاحظ جلياً أن هناك بلداً في الإقليم يقف على مسافة قريبة من جماعة الجولاني، وتولى رعايته طيلة السنوات السبع الماضية، وقدم له العدة والعتاد في معركته الأخيرة، بات هو من يتولى تسيير أمور البلاد في سوريا، ويخطط لسيناريوهات المرحلة عبر جماعة الجولاني المسيطرة حالياً بعديد الفرمانات والقرارات والتكليفات من الخارج، وهو الأمر الذي يثير مخاوف السوريين قبل أشقائه العرب ودول المجتمع الدولي، بأن إيران خرجت من سوريا بعد 30 عاماً مع سقوط نظام بشار، لتكون تركيا صاحبة الحضور الكبير في المشهد السياسي والاقتصادي والأمني القادم في سوريا خاصة في مرحلة البناء الكبرى لإعادة الإعمار، والذي تحتاج سوريا بمقتضاه حسب آخر التقارير الصادرة عن البنك الدولي الأسبوعين الماضيين إلى نحو 600 مليار دولار، منها فقط 200 مليار لإعادة بناء وتجهيز 2 ونصف مليون شقة وبناية، تهدمت وانهارت وخربت بالكامل في الحرب التي شهدتها سوريا طيلة 13 عاماً منذ بداية الثورة في درعا مارس (آذار) عام 2011 وحتى سقوط بشار، بجانب كل مناطق وطرق ومؤسسات البلاد بمختلف أنواعها، علاوة على اقتصادها المنهار الذي يلامس خط الصفر وهذه العملية، تحتاج إلى عشر سنوات كاملة من العمل المتواصل حسب تقرير البنك الدولى، حتى إن الإعلام التركي نقل متعمداً عن مسؤولين أتراك أن أنقرة تستعد في العام الأول من المشاركة في عملية إعادة الإعمار بسوريا إلى جني نحو 40 مليار دولار وصولاً في سنوات قادمة إلى الحصول على مئات المليارات عندما تكتمل مراحل الإعمار.
وبالتالي السؤال الذي يثور في أذهان الجميع، هل تفلح خطة أحمد الشرع في حكم وإدارة سوريا مقابل الحصول على مهادنة إسرائيل، من أجل الذهاب في مرحلة قادمة لتوقيع اتفاق سلام وتطبيع معها بعد عودة الاستقرار، كما أكد وألح محافظ دمشق في الأيام الماضية عندما طلب المساعدة من الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل في المستقبل القريب، وبالتالى الاكتفاء بتلك الحاضنتين التركية والإسرائيلية فقط، دون امتداد وحضور أقوى لحاضنته الأكبر والأهم وهى الحاضنة العربية، علاوة على الدعم والتواصل مع المجتمع الدولى للحصول على الشرعية الدولية لحكم سوريا في قادم الأيام ومعالجة بعض القضايا الملحة كرفع العقوبات وقانون قيصر الأمريكي.
في تقديري أن الطريق الذي تسير فيه هيئة تحرير الشام سيؤدي بدمشق الى السير في حائط سد في أقرب الآجال، حيث المطلوب تغيير الأدوات والتكتيكات، وتحويل الأقوال الى أفعال، عبر الرضوخ والقبول لانحيازات وخيارات الشعب السوري أولاً، عبر الإعلان والبدء فوراً في الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني الجامع والشامل لكل مكونات الشعب السوري، دون تهميش أو إقصاء لأي فصيل، بمافيه السماح لقيادات ائتلاف المعارضة السورية وقيادته بالخارج بالعودة إلى سوريا في الحال، والمشاركة بجلسات الحوار الوطنى، لوضع ورسم خريطة المرحلة الانتقالية عبر تشكيل حكومية انتقالية جامعة تتولى تسيير شؤون البلاد لفترة انتقالية لاتتجاوز 8 أشهر حسب القرار الدولي 2254 الصادر عام 2015، على أن يتولى المؤتمر الجامع لكل الطيف السوري تشكيل لجنة تأسيسية لصياغة الدستور الجديد لسوريا، يقوم على مبادئ المواطنة والحقوق الكاملة والمساواة والعدالة والتسامح بإطار زمني محدد لايتجاوز عمر الحكومة الانتقالية، مع الالتزام في هذا المؤتمر بتحديد مواعيد ملزمة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد الانتهاء من وضع الدستور والاستفتاء عليه.
لا مبالغة في القول إنه إذا لم يسمح بالمشاركة لكل القوى السياسية السورية الحية في صياغة خريطة الطريق للدولة السورية القادمة، وإصرار هيئة تحرير الشام على قاعدة التمكين والمغالبة لا المشاركة، فإن الأوضاع في سوريا من أسف ستذهب إلى طريق واتجاه آخر مهلك، ولدينا الخبرة والدلائل العملياتية بما حدث في العراق وليبيا، حيث إن آلية القيادة الحالية بنفس السمت الطائفي والعرقي لجماعة هيئة تحرير الشام وقيادتها، سيؤدي لا محالة إلى موجات من الغضب والعنف والتقسيم، وربما بصريح العبارة، تبدأ سوريا بالدخول إلى دورة العنف العشرية التي مرت بها بعض دول الربيع العربي مثل ليبيا واليمن، والعراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث عشر سنوات من الحرب الأهلية والطائفية حتى يتعب المحاربون، ثم يقررون العودة والجلوس على طاولة المفاوضات بعد خراب البلاد والعباد، فأيهما يختار الجولاني: المشاركة والحضور للجميع في سوريا، أم الذهاب إلى سيناريو ليبيا الآن، حيث هناك حكومتان وإدارتان، والنتيجة الانقسام العمودي بين الغرب والشرق في ليبيا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الجولاني هیئة تحریر الشام الأیام الماضیة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
بعد فشل اجتماع بعبدا.. هل يتقدّم سيناريو حكومة الأمر الواقع؟!
بمجرّد التئام اجتماع ثلاثي في قصر بعبدا، جمع كلّاً من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، ساد الانطباع بأنّ الحكومة "الموعودة" أصبحت جاهزة، بعد تجاوز معظم العقبات، خصوصًا مع المعلومات عن استدعاء الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، ما شكّل "تأكيدًا" لكثيرين بأنّ الأمور انتهت، وإنّ مراسيم التشكيلة الحكومية الجديدة "قيد الطباعة".لكن، قبل أن يتصاعد الدخان الأبيض المُنتظَر، توالت "المفاجآت"، بدءًا من مغادرة رئيس مجلس النواب القصر الرئاسي من باب خلفيّ، وكأنّه تعمّد تجنّب "المرور" عبر الصحافيين، ليخرج من بعده رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، من دون أن يجيب على أسئلة الصحافيين الكثيرة، ليتبيّن أنّ الاجتماع الذي رفع موجة التفاؤل إلى الحدّ الأقصى، فشل في حلّ كلّ العُقَد، أو ربما أنّ عقدًا جديدة طرأت، وظهرت في اللحظة الأخيرة.
شيئًا فشيئًا، بدأت المعلومات تتوالى عن النقاط العالقة التي منعت ولادة الحكومة، وعلى رأسها ما سُمّيت بـ"عقدة الوزير الشيعي الخامس"، في ظلّ "كباش" بين الرئيسين بري وسلام على هويّته، من دون أن ينجح الرئيس عون في تقريب وجهات النظر بينهما، فهل تعود الأمور إلى "نقطة الصفر" بناءً على ما جرى، خصوصًا في ظلّ الحديث عن محاولة لإحراج "الثنائي"، وربما إخراجه، وهل يمكن أن يذهب سلام إلى حكومة "أمر واقع" في هذه الحالة؟
"عقدة الوزير الشيعي"
مع الإعلان عن الاجتماع الثلاثي في بعبدا، كان من الطبيعيّ أن يسود الاعتقاد بأنّ الأمور انتهت حكوميًا، خصوصًا أنّ هذا الاجتماع جاء بعد يوم على الحديث عن "حلحلة" على مستوى عقدة "القوات اللبنانية"، التي بدا لكثيرين في الأيام الأخيرة، أنها التي تحول دون ولادة الحكومة، ولا سيما أنّها أنهت حالة "الامتعاض" التي عبّر عنها قياديو ومسؤولو "القوات"، ملوّحين بحجب الثقة عن الحكومة، في حال عدم تصحيح رئيسها للمسار المتّبَع.
ولأنّ امتعاض "القوات" وغيرها، كان قائمًا في الأساس على رفض ما سُمّيت بـ"ازدواجية المعايير" التي يعتمدها الرئيس المكلّف، الذي اتُهِم بـ"الإفراط" في مسايرة "الثنائي الشيعي" تحديدًا، وتحقيق كلّ مطالبه، رغم أنّ الأخير لم يسمّه في استشارات بعبدا، لم يكن من المتوقع أن تكون "عقدة الوزير الشيعي الخامس" هي التي ستطيح بالحكومة عن بكرة أبيها، بعد كلّ ما أثيرت عن "تفاهمات مبرمة" بين الجانبين، على التفاصيل.
إلا أنّ ما جرى في اجتماع بعبدا، أكد وجود هذه العقدة، ما يعني أنّ ما أثير عن "تفاهمات" بين "الثنائي" والرئيس المكلف لم يكتمل عمليًا، ربما لأنّ كلّ طرف فهم فكرة "التفاهم على الوزير الخامس" على طريقته، فالرئيس المكلّف اعتبر أنّه من يختار هذا الوزير، تكريسًا لمبدأ عدم احتكار "الثنائي" للتمثيل الشيعي في الحكومة، في حين أنّ الأخير اعتبر أنّ المطلوب هو طرح أسماء تكون مقبولة من الطرفين، من دون أن تكون محسوبة عليه بالضرورة.
نحو حكومة "أمر واقع"؟
في كلّ الأحوال، شكّل ما جرى في بعبدا، ما وصفه كثيرون بـ"الانتكاسة"، خصوصًا أنّ كلّ شيء كان محضَّرًا لإعلان ولادة الحكومة، وهو ما أثار "نقزة" لدى كثيرين، وطرح تساؤلات عمّا إذا كانت "العقدة" على وزير من هنا أو هناك، تبرّر إسقاط الحكومة، ولا سيما بعدما أوحت الأجواء بأنّ الممتعضين الآخرين، لن يلجأوا إلى التصعيد، بما فيهم "التيار الوطني الحر" غير الممثَّل في الحكومة، وكذلك نواب كتلة "الاعتدال".
وفي حين سارع الرئيس المكلف إلى التسريب عبر الأوساط المقرّبة منه بأنّه ليس في وارد الاعتذار، وأنّه ماضٍ في مهمّته حتى تشكيل حكومة إصلاحية تنسجم مع المعايير التي طرحها منذ اليوم الأول، كان بعض المحسوبين على "الثنائي" يروّج لمعلوماتٍ مفادها أنّ الأمور تعقّدت، باعتبار أنّ "عقدة الوزير الخامس"، هي أبعد من قصّة اسم، بل تخفي بين طيّاتها نيّة مضمرة بإحراج "الثنائي"، وسط معلومات عن ضغوط دولية لإبعاد "حزب الله" عن الحكومة.
إزاء ذلك، بدأ الحديث في الأوساط السياسية عن السيناريوهات المحتملة للخروج من المأزق المستجدّ، ومن بينها احتمال أن يتمسّك الرئيس المكلّف بالتشكيلة الحكومية التي طرحها، على طريقة "الأمر الواقع"، ولو أدّى ذلك إلى اعتكاف "الثنائي" مثلاً، إلا أنّ مثل هذا الخيار يبقى مُستبعَدًا، أقلّه بانتظار اكتمال المشاورات التي بدأت، والتي يتوقّع أن يلعب رئيس الجمهورية دورًا محوريًا وجوهريًا على خطّها، وهو الذي يسعى لانطلاقة "قوية" للعهد.
صحيح أنّ الكثير من الداعمين للرئيس المكلّف يبدون من المؤيّدين لفكرة حكومة "الأمر الواقع"، من أجل عدم التنازل عمّا يعتبرونه "مكسبًا" تحقّقه بكسر "احتكار" الثنائي للحصّة الشيعية في الحكومة، إلا أنّ الأجواء لا توحي حتى الآن بأنّ الرجل مستعدّ لمثل هذا الخيار، أولاً لأنّ رئيس الجمهورية قد لا يوافق عليه، وثانيًا لأنّه أيضًا لا يريد أن تُحاصَر حكومته سريعًا بالخلافات والانقسامات، التي تُعَد وصفة مثالية لشلّها عن العمل..
المصدر: خاص لبنان24