مأزق إيران| سقوط الأسد يغير موازين القوى في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهدت إيران مؤخرًا تطورات جذرية هزت موقعها الإقليمي، وأضعفت شبكة تحالفاتها التقليدية في الشرق الأوسط، لتصبح أكثر عزلة من أي وقت مضى.
فقد بدأت الأحداث تُظهر بوادر انهيار النفوذ الإيراني الذى استمر لعقود، حيث كانت طهران تعتمد على حلفاء ومجموعات مسلحة لتعزيز وجودها الإقليمي، لكن سقوط نظام بشار الأسد، الحليف الأبرز لإيران فى العالم العربي، يعكس تحولًا كبيرًا فى موازين القوى.
ضربة قاصمة لإيران
يُعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد عقود من الحكم ضربة استراتيجية قاسية لإيران. إذ كان الأسد الحليف العربي الأهم لطهران، ومثّل نظامه قناة لدعم حزب الله وحماس، وضمان استمرارية ما يُعرف بـ"محور المقاومة".
إلا أن هذا المحور بدأ فى التفكك، حيث استغرقت المعارضة المسلحة السورية ١١ يومًا فقط للإطاحة بالنظام، رغم الاستثمارات الإيرانية الضخمة.
ووفقًا لإليوت أبرامز، المبعوث الأمريكي السابق لإيران، فإن إيران أنفقت أكثر من ٣٠ مليار دولار لدعم الأسد، ومع ذلك، لم تمنع هذه الجهود سقوط النظام.
سقوط الأسد يشير إلى أن قدرة إيران على الحفاظ على نفوذها الإقليمي قد تراجعت بشكل كبير، خاصة مع تراجع حزب الله كقوة قتالية فعالة.
تصاعد الضغوط الإسرائيليةاستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انهيار النظام السوري لتكثيف العمليات العسكرية ضد الأهداف الإيرانية. وبحسب تقارير، فقد دُمّرت خلال الأسابيع الأخيرة البنية التحتية العسكرية الإيرانية فى سوريا، بما فى ذلك أنظمة الدفاع الجوي S-٣٠٠ التي زودتها روسيا لإيران. هذه الضربات أضعفت قدرة طهران على الردع، وفتحت المجال أمام إسرائيل لتعزيز نفوذها.
ردود فعل القيادة الإيرانيةفى مواجهة هذه الانتكاسات، رفض المرشد الأعلى على خامنئى الاعتراف بخسارة حلفائه، مؤكدًا إمكانية استعادة الأراضي السورية بمساعدة "الشباب السوريين".
ومع ذلك، تتزامن هذه التصريحات مع تراجع شعبية النظام الإيراني داخليًا، إذ أظهر استطلاع رأي أجراه معهد "جامان" الهولندى فى٢٠٢٣ أن ٦٠٪ من الإيرانيين يرغبون فى تغيير النظام الحاكم.
تأثير الاحتجاجات الداخليةالأحداث الأخيرة فى سوريا تتزامن مع موجة احتجاجات داخلية فى إيران، تفاقمت بعد وفاة مهسا جينا أمينى فى ٢٠٢٢.
هذه الاحتجاجات أبرزت السخط الشعبي ضد النظام، وزادت من هشاشته داخليًا وخارجيًا.
فى هذا السياق، يرى محللون أن فقدان الدعم الشعبي قد يجعل النظام أكثر عرضة للانهيار، تمامًا كما حدث مع الاتحاد السوفيتي.
تكلفة التدخل الإيراني فى سوريامنذ بداية الحرب الأهلية السورية فى ٢٠١١، دعمت إيران نظام الأسد عسكريًا وماليًا، إلا أن هذا الدعم جاء بتكلفة باهظة.
وتشير تقارير إلى أن إيران أنفقت ما بين ٣.٥ و٦ مليارات دولار سنويًا لدعم الأسد.
وفى ٢٠٢٣، كشف تقرير سرى أن طهران أنفقت أكثر من ٥٠ مليار دولار فى الحرب السورية، لكنها استردت جزءًا بسيطًا من هذه التكاليف عبر مشاريع اقتصادية محدودة.
تأثير إيران على الأزمة الإنسانية فى سورياكان للدعم الإيراني لنظام الأسد دور كبير فى تفاقم الأزمة الإنسانية. ارتبطت طهران باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية والتهجير القسري، مما أدى إلى مقتل وتشريد ملايين السوريين.
كما اتبعت إيران سياسة "التشييع" فى المناطق الاستراتيجية، مثل دمشق الجنوبية ودير الزور، مما زاد من التوترات الطائفية.
التحولات فى السياسات الإقليميةفى ظل انهيار حلفائها الرئيسيين، تجد إيران نفسها مضطرة لإعادة تعريف سياستها الأمنية. يرى محللون أن سقوط نظام الأسد قد يكون بداية لتغيير كبير فى الشرق الأوسط، حيث ستضطر إيران لتقليص تدخلاتها الخارجية والتركيز على حل أزماتها الداخلية.
الدروس المستفادة من سقوط الأسديشير المحلل السياسي جوناثان بيرون إلى أن سقوط الأسد يمثل نقطة تحول فى سياسات إيران الإقليمية.
لطالما اعتُبرت سوريا بوابة إيران إلى البحر المتوسط ومنصة لدعم حزبالله وحماس، إلا أن هذا الدور الاستراتيجي انتهى الآن.
ويؤكد بيرون أن هذه الأحداث تُظهر هشاشة الأنظمة الاستبدادية، التي تبدو قوية من الخارج لكنها تفتقر للدعم الشعبي.
جهود مضنيةوعلى مدار الأربعة عقود الماضية، كرّست إيران أفضل العقول العسكرية لديها، بالإضافة إلى مليارات الدولارات والأسلحة المتطورة، فى مشروع ضخم هدفه مواجهة القوة الأمريكية والإسرائيلية فى منطقة الشرق الأوسط من خلال ما أسمته "محور المقاومة".
وتكوّن هذا التحالف من مجموعات مسلحة وحكومات متشابهة فى التوجهات عبر خمس دول فى المنطقة، ما سمح لإيران بإظهار قوتها حتى البحر الأبيض المتوسط غربًا والبحر العربي جنوبًا، لكن فى وقت قصير للغاية، انهار هذا التحالف إلى حد كبير.
وتمكنت مجموعات المتمردين السوريين من الإطاحة بالديكتاتور بشار الأسد فى أقل من أسبوعين، حيث لم تجد قواته مقاومة تذكر، كما أنحزب الله اللبناني والفصيل الفلسطيني حماس فى غزة تضررا بشدة جراء أكثر من عام من القتال مع إسرائيل.
ولا تزال ميليشيات العراق المرتبطة بإيران وحركة الحوثيين فى اليمن قائمين، لكنهم أصبحوا أقل أهمية فى الصراع مع إسرائيل، لذا، إذا كانت إيران تنوى إعادة بناء تحالفها الإقليمي، فمن المحتمل أن يستغرق ذلك سنوات لتستعيد قوتها السابقة.
وقال روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق فى سوريا وزميل بارز فى معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث فى واشنطن: "أهم تطور إقليمي هو هذه الخسارة الاستراتيجية الإيرانية" فى إشارة إلى الهزائم المتتالية التي تعرض لها حلفاء إيران.
وكانت سوريا تحت حكم الأسد عنصرًا أساسيًا فى هذا التحالف، حيث قدمت ممرًا بريًا لإيران لتزويد حزب الله فى لبنان بالأسلحة والمواد. وكانت إسرائيل تسعى لقطع هذا الطريق. وكان الدفاع عن هذا الممر بالغ الأهمية بالنسبة لإيران. ومع الإطاحة بالأسد ومستقبل القيادة السورية الآن فى تساؤل، بالإضافة إلى التهديد المستمر من إسرائيل بقصف الأسلحة المتجهة إلى لبنان، يبدو من غير المحتمل أن تتمكن إيران من الحفاظ على هذا الممر الاستراتيجي.
مستقبل إيران فى المنطقةمع تدمير حلفائها الرئيسيين أو إضعافهم، تواجه إيران تحديات غير مسبوقة. ستحتاج طهران إلى إعادة تقييم علاقاتها الإقليمية ودورها فى الشرق الأوسط.
كما أن تزايد السخط الداخلي قد يجعل النظام الإيراني أقل قدرة على مواجهة التحديات الخارجية، مما يفتح المجال أمام تغييرات جذرية فى سياساته الداخلية والخارجية.
فى النهاية، يبدو أن انهيار نظام الأسد قد يكون بداية نهاية النفوذ الإيراني فى الشرق الأوسط، حيث تجد طهران نفسها مضطرة للتعامل مع واقع جديد، يعيد تشكيل موازين القوى فى المنطقة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: إيران الشرق الأوسط سقوط الأسد الشرق الأوسط نظام الأسد سقوط الأسد فى سوریا
إقرأ أيضاً:
الأولى منذ سقوط الأسد.. ما دلالات الغارة التي نفذها التحالف الدولي في إدلب؟
أثارت الغارة التي نفذتها طائرة تابعة لـ"التحالف الدولي" بقيادة واشنطن الأربعاء في ريف إدلب، تساؤلات لجهة دلالاتها وتوقيتها، وخاصة أنها تعد الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد.
وكانت مصادر سورية قد كشفت عن هوية الشخصين المستهدفين بالغارة على أطراف مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي.
وبيت المصادر أن الطائرة استهدفت بصواريخ دقيقة شخصين كانا يستقلان دراجة نارية، هما محمد فياض الذيبان، من بلدة الشيخ إدريس بريف سراقب شرقي إدلب، ونايف حمود عليوي، من بلدة العنكاوي في منطقة سهل الغاب شمال غربي حماة.
والذيبان الذي تعرض لإصابة قديمة أدت إلى بتر قدمه، وفق المصادر يرتبط بتنظيم الدولة، أما الشخص الثاني فهو مدني.
من جهته، أشار مصدر في حديث خاص لـ"عربي21" إلى أن الذيبان المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تلقى تعليمات لإعادة نشاط خلايا تتبع للتنظيم في إدلب، وكان يخضع للمراقبة من قبل "التحالف الدولي".
خطوة متقدمة ضد "داعش"
ويرى الباحث في الجماعات الإسلامية عرابي عرابي، أن الهجوم يهدف إلى منع خلايا تابعة لتنظيم الدولة من إعادة نشاطها وتجميع صفوفها، موضحا لـ"عربي21" أن "الضربة تعرقل بناء سلسلة القيادة للتنظيم".
وقال الباحث إن الضربة هي "خطوة متقدمة" من التحالف، وذلك بعد أيام من ظهور خلايا التنظيم عبر التخطيط لعملية تفجير داخل مقام السيدة زينب في دمشق، وهو الهجوم الذي أعلنت الأجهزة الاستخباراتية التابعة لـ"إدارة العمليات العسكرية" عن إحباطه الأسبوع الماضي.
وكان مصادر حقوقية سورية قد حذرت من استغلال أطراف إقليمية لخلايا تنظيم الدولة "داعش"، في تفجيرات هدفها إشعال الفتنة بين مكونات الشعب السوري.
ملاحقة المتشددين
يرى الخبير العسكري وعميد كلية العلوم السياسية في "الجامعة الأهلية" عبد الله الأسعد، أن الغارة الأولى من نوعها بعد سقوط النظام، تؤشر إلى استمرار "التحالف الدولي" بملاحقة المتشددين وخلايا التنظيم.
وقال الأسعد لـ"عربي21": يبدو أن هناك حالة من الإصرار من قبل "التحالف الدولي" على استهداف خلايا التنظيم، وعناصر الجماعات المتشددة، رغم التطورات التي حدثت في سوريا.
وأضاف أن "التحالف الدولي" يقول إن "لدينا معرفة واسعة بما يجري في إدلب وغيرها، واستهداف الذيبان المرتبط سابقاً بتنظيم الدولة، هو الدليل".
الفراغ في إدلب
أما المحلل السياسي فواز المفلح، يشير في حديثه لـ"عربي21" إلى المخاوف من استغلال خلايا التنظيم للفراغ في إدلب، بسبب انشغال "هيئة تحرير الشام" بإدارة كل سوريا، بعد تمكنها برفقة الفصائل من إسقاط النظام.
وأوضح أن إدلب من المناطق التي تتواجد بها خلايا تتبع للتنظيم، حيث قتل فيها أكثر من مسؤول بارز، مثل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وخليفته "القرشي".
ويعتقد المفلح أن "التحالف" زاد من مراقبة تحركات التنظيم في إدلب خاصة، وفي سوريا عامة بعد انهيار نظام الأسد.
ووفق مراكز أبحاث غربية، فقد منح انهيار نظام الأسد "المفاجئ" تنظيم الدولة "فرصة جديدة"، حيث استولى على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفها جيش النظام السوري والميليشيات الموالية له، بينما أكد خبراء أن "التنظيم يعمل حاليا على تدريب مجندين جدد وحشد قواته في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعه".