(سلسلة الأرض المقدسة.. معركة اليمن المفصلية) -2-
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
المرحلة مفصلية وتاريخية ومصيرية
ولها أهميتها وآثارها المستقبلية
من كلمة للسيد القائد ـ في 21 مارس 2024 م .
* * *
( عمليتا استهداف هدفين عسكريين للعدو الإسرائيلي في منطقتي “يافا وعسقلان” في فلسطين المحتلة )
إنها السابعة صباح يوم الاثنين 23 ديسمبر 2024
تبدو الأجواء الصباحية في مدينة عسقلان الفلسطينية المحتلة البحرية رطبة للغاية مع نزول بعض رذاذ الأمطار.
يشاهد الأجواء من نافذة محصنة لمصنع عسكري عمدة مدينة عسقلان الفلسطينية المحتلة تومر جلام اليهودي ذو الأصول الأشكنازية
تنزل قطرات المطر من على النافذة يتابعها تومر جلام ذو الستين عاماً وهو يفكر في المدينة الأكثر شهرة والتصاقاً بمدينة غزة المحتلة .
عسقلان.. من أقدم مدن العالم سكنها العرب قبل 5 آلاف سنة
كانت مدينة عسقلان (المجدل) على مدى تاريخها الطويل ذات شأن اقتصادي كونها ميناء بحريا، ونظرا لموقعها الاستراتيجي القريب من غزة ومصر ومواجهتها للقادمين من البحر تجارا وغزاة، فقد كانت منذ القدم محطة هامة من سلسلة المحطات الممتدة على طول السهل الساحلي الفلسطيني، حيث اعتادت القوافل التجارية والحملات العسكرية المرور بها للراحة والتزود بالمؤن.
وتقع عسقلان جنوب فلسطين التاريخية، على ساحل البحر المتوسط، على بعد 13 كيلومترا إلى الشمال من قطاع غزة، على بعد 65 كلم غربي القدس، وخلال التاريخ القديم كانت عسقلان عبارة عن قرية تُسمى “المجدل”. والمجدل كلمة آرامية بمعنى البرج والقلعة والمكان العالي المشرف، وهي بلدة كنعانية قديمة كانت تسمى “مجدل جاد” وجاد هو إله الحظ عند الكنعانيين.
وتعد عسقلان واحدة من أقدم مدن العالم وفقا لما عثر عليه في الحفريات الآثارية التي قام بها لورنس ستاغهار من جامعة هارفرد الأمريكية عام 1985م، الذي أكد أن أول من أسس المدينة كان العرب الكنعانيون في العام 3000 قبل الميلاد تقريبا. وقد عثر على بقايا المدينة الكنعانية في عمق 15 مترا، وقدر عدد سكان المدينة في ذلك الحين بنحو 15 ألف نسمة، وأن المدينة كانت محاطة بسور عريض.
ويوجد في عسقلان خط الأنابيب الإسرائيلي، الذي يحضر المنتجات النفطية من إيلات إلى محطة تصدير في الميناء.
ويعمل الاحتلال على مشروع خط “دبي عسقلان” الذي يبلغ طوله 158 ميلا، من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث سيوفر بديلا أرخص لقناة السويس المصرية، عبر شبكة خطوط أنابيب ستنقل النفط والغاز، ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تصل إلى كل العالم، وهو ما سيلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد المصري.
* * *
يواصل عمدة عسقلان المحتلة تومر جلام – صاحب الوجه المكتنز والجسد المترهل – مشاهدة المدينة من نافذة المصنع العسكري المحصنة ويتمنى اليوم الذي سيأتي لينام جيدا هو والمستوطنين المحتلين للمدينة بدون ترقب أي هجوم محتمل ضدهم.. متى سينتهي رعب صافرات الإنذار المعلنة عن هجوم جديد آخر، ترقب الهجوم ينهكهم أكثر.. وأكثر..
* * *
الساعة التاسعة صباح الاثنين 23 ديسمبر 2024 م.
داخل خيمة بالية في مخيم البركة بمواصي خان يونس في غزة، تواصل الأم مريم طرف دموعها في صمت حتى لا توقظ طفليها التوأم ذي العامين وهي تتذكر زوجها وأبناءها الكبيرين اللذين استشهدا بغارة جوية تتذكر منزلهم المدمر وحالة ابنيها التوأم اللذين يعانيان من فقر دم وتدعو الله دعاء المظلومة الموجوعة.
* * *
الساعة العاشرة صباح الاثنين 23 ديسمبر 2024
تدوي صفارات الأمطار سماء مدينة عسقلان المحتلة لتحيل هدوء المدينة لعاصفة من الخوف والترقب
يهرع المستوطنون المحتلون للملاجئ وكلهم خوف وهلع كعادة اليهود
يركض عمدة عسقلان المحتلة تومر جلام لملجأ المصنع العسكري، كان يركض وترتج كرشته المكتنزة ليتعثر في أحد الموظفين ويسقط أرضا . . يصرخ في وجهه ويعاود النهوض بصعوبة
يجر نفسه للوصول لبوابة الملجأ لكنه يهوي إثر صوت انفجار سببه طائرة مسيرة أصابت الهدف بدقة ونجاح .
* * *
الساعة الثامنة مساء الاثنين 23 ديسمبر 2024 م .
تشاهد الأم مريم تجمعاً لبعض الأسر النازحة على شاشة التلفاز تنقل بياناً عسكرياً للقوات المسلحة اليمنية تلاه المتحدث الرسمي العميد يحيى سريع، يعلن تنفيذ القوات المسلحة اليمنية عمليتين عسكريتين على هدفين عسكريين للعدو الإسرائيلي في منطقتي يافا وعسقلان في فلسطين المحتلة.
تبدو الابتسامة على محياها بعد انتهاء البيان العسكري للقوات المسلحة اليمنية رافعة يدها بالدعاء بالنصر والتأييد .
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الاثنین 23 دیسمبر 2024 مدینة عسقلان
إقرأ أيضاً:
الحرب الأوكرانية: كيف كانت في 2024 وإلى أين تتجه في 2025؟
مع بدايات عام 2024، تحديدا في فبراير/شباط، قرر الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" إعفاء القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية "فاليري زالوجني" من منصبه، وتعيين قائد القوات البرية الأوكرانية، الجنرال "أولكسندر سيرسكي"، محله.
في ذلك الوقت، كانت القوات الروسية تثبت تفوقا ميدانيا وتحتفظ لنفسها باليد العليا في مسار الحرب، ما يعطي مبررا للخطوة التي أقدم عليها "زيلينسكي"، حيث كان" زالوجني" متهما على نطاق واسع بالعجز عن تغيير مسار الحرب بشكل فعّال لصالح أوكرانيا خلال عام 2023، كما أنه لم يُحدث تقدما يُذكر منذ أن تقدمت القوات الأوكرانية في مقاطعة "خيرسون" أواخر عام 2022، بيد أن إقالته أثارت قلقا لدى غالبية الأوكرانيين، وبصورة أكبر بين الجنود، خاصة مع الإعلان عن اسم قائد الجيش الجديد وبدء توليه مهمته.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بوتين يهدد بالحرب النووية والأميركيون يكتفون "بالتثاؤب"list 2 of 2الإمام شامل الداغستاني.. لماذا أشاد به رئيس أوكرانيا واعتبره مصدر إلهام؟end of listكان مبعث القلق لدى الجنود هو ما يعرف عن القائد الجديد "سيرسكي" من عدم الاكتراث بالخسائر البشرية واعتبارها آثارا جانبية ضرورية للحرب، خلافا لسلفه "زالوجني"، الذي عرف عنه اهتمامه بالجنود وعائلاتهم وتعزيز ثقافة حفظ الأرواح.
جنرال متفائل وآخر واقعيأما عن أسباب قرار تغيير القيادة العسكرية، فمن المرجح أن إقالة "زالوجني" جاءت على خلفية ميوله الواقعية، التي تمثلت في إعلانه بوضوح عن عدم قدرة أوكرانيا على تحقيق تغيير جذري في الحرب لصالحها، وكان ذلك هو الاختلاف الأكبر بينه وبين رئيس بلاده "زيلينسكي"، الذي ظل حريصا على رفع توقعات الأوكرانيين، والترويج لإمكانية تحقيق نصر حاسم واستعادة الأراضي الأوكرانية بمجرد بدء العمليات المضادة.
إعلانرصدت تقارير عدة هذا التباين الواضح بين رؤية كل من "زيلينسكي" و"زالوجني" فيما يتعلق بحجم الدعم الغربي المطلوب، وأسلوب سير العمليات المضادة، وكذلك الحاجة إلى تعبئة المزيد من الجنود، وصولا إلى رؤية "زالوجني" حول ضرورة تمركز القوات الأوكرانية في وضع الدفاع الإستراتيجي في عام 2024، بدلا من الهجوم.
في المقابل، لم يكن "زيلينسكي" يتحلى بصبر مماثل، وأراد إنهاء حالة الجمود في ساحة المعركة بأي شكل، ووفقا لهذا التصور، كان الجنرال "سيرسكي" اختيارا مناسبا، نظرا لكونه أكثر استعدادا لتبني رؤية رئيسه. وقد أثبتت الأيام ذلك بالفعل، إذ أقدمت القوات الأوكرانية -تحت قيادته- على غزو منطقة "كورسك" الروسية في أغسطس/آب الماضي، وهو ما اعتُبر أكبر انتصار عملياتي للأوكرانيين منذ تحرير "خيرسون" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
غير أن هذا لا يتنافى مع حقيقة أن التوغل في "كورسك" كان أيضا باهظ الثمن بالنسبة للجيش الأوكراني، ويبدو أنه لا يزال يدفع ضريبة هذه المغامرة إلى الآن. فبحسب بيانات وزارة الدفاع الروسية، فقدت أوكرانيا في "كورسك" أكثر من 23 ألف عسكري بين قتيل وجريح، في غضون شهرين، بما قد يعد دليلا على صدق مخاوف الأوكرانيين بشأن الجنرال "سيرسكي" واستعداده للتضحية بموجات بشرية هائلة في مسرح الحرب.
على جانب آخر، أقرّ المشاركون في الهجوم بأنه كان عملية صعبة ومعقدة، وأن الحفاظ على المنطقة تحت السيطرة الأوكرانية يزداد صعوبة مع الوقت، ما دفع بعضهم للتساؤل عن جدواه في وقت تتصاعد خلاله أولوية الدفاع عن المدن والبلدات الرئيسية في شرق البلاد بعد تعرضها لهجوم روسي مكثف، وخصوصا إذا ما وضع في الاعتبار تقلص المساحة التي يسيطر عليها الجيش الأوكراني في "كورسك"، وفقدانه فعليا أكثر من 40% منها بحلول نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، بما يعيد الاعتبار لتصورات "زالوجني" القائد المُقال حول ضرورة التمسك بوضعية الدفاع الإستراتيجي، ويظهر أنه كان يمتلك نظرة أبعد وأدق من خلفه "سيرسكي".
إعلانومن جهة أخرى، فقد أثمر الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا عن تقدم تدريجي منذ بداية عام 2024، بما مثل انكسارا لحالة الجمود التي اتسمت بها خطوط المواجهة في العام الذي سبقه. وإجمالا، يبدو أن القوات الروسية حققت مكاسب أفضل خلال عام 2024، رغم اجتياح منطقة "كورسك".
يتزامن ذلك مع توقعات بشأن اقتراب الطرفين من الجلوس إلى طاولة التفاوض، خصوصا مع بدء الولاية الجديدة للرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، الذي وعد مرارا بإنهاء الحرب فور توليه إدارة البيت الأبيض، وفي الوقت نفسه الذي تبحث فيه موسكو عن انتصار يسهم في ترميم صورتها الذهنية، بعد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط نتيجة تطورات الساحة السورية، وما ترتب على ذلك من وضع سمعة القوة الروسية في موضع مساءلة.
وفي حين تدفع هذه المعطيات الكثيرين لاعتبار أن العام 2025 سيكون عاما حاسما لهذه الحرب المديدة والمعقدة، فإن هذا يعزز من أهمية التساؤلات حول المسارات المحتملة للحرب في 2025، وعن الأهداف الرئيسية لأطرافها المباشرة وغير المباشرة، وكيفية إدارتها مؤخرا لمسرح العمليات بما يتلاءم مع تلك الأهداف.
الحرب في عامها الثالثيمكن تلخيص أحداث الحرب الأوكرانية في عام 2024 من خلال النظر إلى 3 نقاط تحول رئيسية وما ترتب على كل منها. هذه النقاط هي: تقدم روسيا التدريجي في شرق أوكرانيا، ثم نجاح الأخيرة في الهجوم المضاد داخل منطقة "كورسك" الروسية، علاوة على تداعيات توسع الدعم العسكري الغربي على مسار الحرب تحديدا في الربع الأخير من العام.
الضغط شرقا.. بلا هوادة
منذ مطلع 2024، تدفع موسكو قواتها بشكل منسق في إقليم "دونيتسك"، خاصة أن أوكرانيا فشلت في تطوير مواقع دفاعية محصنة في العديد من المناطق، إضافة إلى تزايد إرهاق القوات الأوكرانية بعد استنزافها على مدار أكثر من عامين، وقيامها بالمغامرة في "كورسك" بغرض تحقيق توازن إستراتيجي، وهو ما سوف نتناوله لاحقا بشكل تفصيلي.
إعلانوبصورة عامة، استمر القتال في عام 2024 عبر قرابة ألف كيلومتر من خط المواجهة الذي يبلغ طوله 3,700 كيلومتر، إضافة إلى تبادل هجمات المسيرات واستهداف بنية الطاقة التحتية الأوكرانية عبر هجمات صاروخية روسية، كذلك استهداف بعض مصافي النفط الروسية غرب البلاد والأسطول الروسي في البحر الأسود من جانب الجيش الأوكراني.
وقد أولت موسكو اهتماما بالسيطرة على مدينة "بوكروفسك" ذات الأهمية الإستراتيجية في شرق أوكرانيا، والتي تُطلق عليها وسائل الإعلام الروسية اسم "بوابة دونيتسك"، نظرا لوقوعها عند تقاطع الطرق الرئيسية والسكك الحديدية، ما يجعلها مركزا لوجستيا بالغ الأهمية بالنسبة للجيش الأوكراني، حيث يستخدمها لتزويد مواقعه الشرقية المحاصرة بالإمدادات.
وعلاوة على إمكانية تعطيل خطوط الإمداد على طول الجبهة الأوكرانية الشرقية بشكل مؤثر، في حالة سقوط "بوكروفسك" في يد القوات الروسية، تسمح المدينة بتعزيز حملة السيطرة على منطقة "تشاسيف يار" ذات التضاريس المرتفعة، الواقعة على الطريق المؤدية إلى تجمع سلوفيانسك-كراماتورسك، بما يوفر سيطرة أفضل على المنطقة، ويقرّب موسكو من هدفها المتمثل في الاستيلاء على منطقة "دونيتسك" بالكامل.
هذه الأهمية تفسر عدم انجرار الروس إلى مواجهة توغل الجيش الأوكراني في "كورسك"، والاستمرار في عملياتهم شرق أوكرانيا دون توقف، مع إيفاد عدد من القوات غير الفاعلة إلى "كورسك"، ومن بينها قرابة 12 ألف جندي من الحليفة كوريا الشمالية، وفق تقديرات أميركية، حيث أعلن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في أكثر من مناسبة أن الأولوية الحالية هي للعمليات الهجومية الروسية في "دونيتسك"، كما وعد باستعادة ما تبقى من منطقة "كورسك" لكنه امتنع عن تقديم جدول زمني دقيق لذلك.
ونتيجة للضغط على "بوكروفسك"، تمكّن الروس من تدمير نحو 80% من البنية التحتية للمدينة بحلول أكتوبر/تشرين أول الماضي، وفق ما أفاد مسؤولون محليون، فيما لا تزال المعارك العنيفة تدور حول المدينة، نظرا إلى أن القوات الروسية ترغب في تطويق الأطراف وإجبار الجيش الأوكراني على التراجع، بدلا من الهجوم المباشر أو نقل القتال إلى داخل المدينة، تجنبا لسقوط القوات الروسية في فخ الحرب الحضرية، بحسب ما أدلى به القائد الإقليمي للجيش الأوكراني "فيكتور تريهوبوف".
إعلانومع ذلك، يُعد محور المدينة في الوقت الحالي أحد أسخن جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا على الإطلاق، إذ تدور خلاله معظم الاشتباكات، ويسقط فيه غالبية القتلى والمصابين من الجانبين.
وبحسب هيئة الأركان الأوكرانية، يشهد المحور نحو 100 اشتباك مباشر يوميا، بما يعادل 50% من اشتباكات الجبهة بأكملها، وعلى الرغم من تبادل الجانبين الإعلان عن الخسائر التي مُني بها الطرف الآخر، لا ينكر الأوكرانيون أن الدفاع عن المدينة بات أمرا صعبا على قواتهم، وأن القوات الروسية تتقدم خلاله بوتيرة بطيئة لكنها ثابتة، ما يدفع مسؤوليهم إلى التشكك في قدرتهم على الاحتفاظ بالمدينة، وإلى الاعتقاد بأن المدينة قد تصبح "باخموت" أخرى، يتم الدفاع عنها بشراسة وبتكلفة باهظة، ثم ينتهي ذلك إلى إخلائها وانسحاب القوات منها لاحقا.
لكن تقدم روسيا الملحوظ في شرق أوكرانيا لم يكن أيضا بلا ثمن، حيث كانت خسائر موسكو في القوات البشرية والمعدات خلال أكتوبر/تشرين أول الماضي أعلى من أي شهر آخر منذ بدء الحرب، وتضمن ذلك نحو 200 دبابة وأكثر من 650 مركبة مدرعة، إضافة لما يقرب من 80 ألف شخص، مقارنة بمعدل وفيات بلغ 36 ألفا في الشهور الأخرى، كما تجاوز عدد الضحايا الروس 125 ألف شخص منذ سبتمبر/أيلول الماضي مقابل تحقيق مكاسب تقدر بنحو 2,700 كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية، وفق تقديرات معهد دراسات الحرب.
وإجمالا، فقدت القوات الروسية 539 دبابة إضافة إلى 1,020 مركبة مشاة قتالية في "بوكروفسك" منذ أكتوبر/تشرين أول 2023. ونظرا إلى تضاؤل مخزونات الدبابات والمركبات المدرعة من الحقبة السوفيتية، وتراجع معدلات إنتاج المركبات المدرعة حاليا في روسيا، فمن المرجح أن يكون تعويض مثل هذه الخسائر صعبا على المدى القريب.
عملية "كورسك".. الاجتياح المضاد
في مقابل هجوم روسيا شرقا، سعت كييف إلى تحقيق قدر من التوازن الإستراتيجي خلال 2024، فيما يبدو أنه استعداد لاحتمالات وصول الطرفين إلى طاولة التفاوض في وقت قريب، وهو ما يفسر إقدامها على مغامرة التوغل في "كورسك" في أوائل أغسطس/آب الماضي، والتي أرادت كييف من خلالها تشتيت الروس عن هجومهم شرق البلاد، وامتلاك ما يمكن من خلاله مساومة موسكو فيما بعد على تبادل الأراضي، إضافة إلى تعزيز الروح المعنوية لدى القوات الأوكرانية.
إعلانرغم ذلك، ثمة خبراء يتبنون رأيا آخر مفاده أن خطوة التوغل في "كورسك" كانت مقامرة وكارثة إستراتيجية على المدى الطويل، وذلك لأسباب عدة، على رأسها: تقييد الوحدات الأوكرانية الأكثر خبرة وفعالية في القتال داخل "كورسك" بينما تواجه أوكرانيا خطر انهيار جبهتها الشرقية، كما تُظهر البيانات أن سيطرة أوكرانيا على كورسك آخذة في التقلص، حيث فقدت بحلول نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قرابة نصف الأراضي التي نجحت في احتلالها خلال أبعد تقدم لها في الهجوم.
وتشير "إيما آشفورد"، كبيرة الباحثين في مركز "ستيمسون" الأميركي، أنه من غير المرجح أن تتمكن القوات الأوكرانية من الاحتفاظ بما استولت عليه، وأن العملية أنتجت في أفضل الأحوال، تحولا سرديا قصير الأمد لصالح "زيلينسكي"، وهو ما أكده رئيس الاتصالات الإستراتيجية السابق في هيئة الأركان العامة الأوكرانية بقوله: إن روسيا تضع "فكوكا قوية" حول جوانب المدينة، وتقوم عبرها بسحق الدفاعات الأوكرانية ببطء حتى تنهار.
خطوات أميركية بعيدة في 2024وبعيدا عن مقامرة "كورسك"، أدى تزايد التوقعات بشأن اقتراب الطرفين من التفاوض إلى سعي إدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن" لمحاولة الإسهام في تعزيز موقف كييف خلال عام 2024 قبل رحيله من البيت الأبيض. وفي هذا السياق، تلقت أوكرانيا دعما أميركيا غير مسبوق منذ مايو/أيار الماضي، حيث باتت واشنطن تعطي الأولوية لتأمين قدرات الدفاع الجوي الأوكراني على أي دولة أخرى، كما سمحت الإدارة الأميركية للقوات الأوكرانية بشنّ هجمات داخل الأراضي الروسية باستخدام أسلحة أميركية لأول مرة منذ بدء الحرب.
ورغم أن الإذن الأميركي اقترن في بدايته بشرط اقتصار هذه الهجمات قرب مدينة "خاركيف" الحدودية في شمال شرق البلاد، فإن مستشار الأمن القومي الأميركي "جيك سوليفان" صرح في وقت لاحق بأن أوكرانيا يمكنها شن هجوم مضاد في أي مكان على طول الحدود باستخدام أسلحة دولته.
إعلانتلا ذلك تزويد كييف بأنظمة صواريخ متحركة وبعيدة المدى، مثل أتاكمز الأميركية وستورم شادو وسكالب الفرنسية، وقد استخدمها الجيش الأوكراني خلال الشهرين الماضيين في قصف عمق الأراضي الروسية، لأول مرة منذ بدء الحرب، ما أثار غضب موسكو وأدى إلى تلويحها بالقوة النووية، وإعلانها تعديل شروط استخدام أسلحتها النووية لتشمل الهجوم من دولة غير نووية إذا كانت مدعومة من دولة نووية أخرى، كما في حالة أوكرانيا والولايات المتحدة.
ولا تعد هذه هي الخطوة الاستفزازية الوحيدة من جانب واشنطن خلال 2024، حيث تشير التقارير إلى تسارع وتيرة الدعم الأميركي في الشهور الأخيرة، بما يخالف سياسة واشنطن، التي اعتادت تقديم الدعم إلى كييف بشكل محسوب حرصا على عدم استفزاز موسكو، حيث انتهجت إدارة "بايدن" في السابق سياسة تدريج المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب، بما يمنحها القدرة على استكشاف الخطوط الحمراء لدى موسكو، وقياس ردة فعل الروس إزاء كل خطوة دعم جديدة قبل الإقدام على أخرى.
وقد يفسر ذلك باستباق بايدن لقدوم خليفته ترامب الذي يعتقد أنه سيكون أقل حرصا على تقديم الدعم المالي لأوكرانيا، كما أن واشنطن تغامر بذلك في سبيل وضع أوكرانيا في موقف تفاوضي أفضل في حال أجبر ترامب الطرفين على بدء التفاوض.
وهو ما يتضح أيضا من خلال توريد مقاتلات إف-16 إلى كييف، في حين تعهدت دول الناتو بمنح كييف 65 طائرة، وتشير التقديرات إلى أن إنشاء أسطول إستراتيجي يلبي أهداف أوكرانيا في الحرب يتطلب عددا أكبر من ذلك بكثير.
ووفقا لآراء الباحثين في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي، تحتاج أوكرانيا إلى 12 سرب مقاتل، بواقع 18 طائرة في كل سرب، لتحقيق الدعم الجوي اللازم للحرب على الأرض، ما يعني أن عدد مقاتلات إف-16 المطلوب هو 216 طائرة، بالإضافة لضرورة توفر احتياطي لإعادة الإمداد بما يتناسب مع معدلات الخسارة القتالية.
إعلانيعني ذلك أن إرسال إف-16 إلى كييف لم يهدف إلى حسم الحرب، بقدر ما كان يهدف إلى إزعاج الروس وتعريض المزيد من قواتهم للخطر، بما يجبرهم على خفض سقف التوقعات وعدم التعنت في التفاوض.
كما أنها، على جانب آخر، تعد مهمة في دمج كييف في النظام الاقتصادي والدفاعي الأميركي، نظرا إلى أن إعادة تشكيل ترسانة أوكرانيا الحربية من خلال معدات أميركية، بما في ذلك القدرات الجوية والطيران، يترتب عليه أن تبقى كييف في حاجة دائمة إلى سلاسل الإمداد الأميركي، في ما يتعلق بأمور صيانة هذه المعدات وتوفير قطع الغيار.
روسيا تسيطر على بلدات عدة جنوب بوكروفسك وفي دونيتسك من بينها كوراخوف.وزير الدفاع الأميركي يزعم أن روسيا خسرت 700 ألف قتيل وأنفقت 200 مليار دولار منذ بدء غزوها أوكرانيا.الرئيس الأميركي المنتخب "دونالد ترامب" يزعم أن أوكرانيا فقدت 400 ألف عسكري منذ بدء الحرب.روسيا تستعيد السيطرة على مناطق عدة في كورسك.
مسارات محتملةيبدو أن أحد المسارات القريبة المتوقعة لانتهاء الحرب الأوكرانية هو قبول الطرفين بالجلوس إلى طاولة التفاوض في الشهور الأولى من عام 2025، بغض النظر عن حجم التنازلات التي سوف يقبل بها كل طرف.
إلا أن وجود "دونالد ترامب" على رأس البيت الأبيض في 2025، يرجح أن أوكرانيا قد تكون الطرف الأكثر استعدادا للتنازل، نظرا إلى أن "ترامب" سبق أن أعطى وعودا لناخبيه في أكثر من مناسبة انتخابية بإنهاء تورط واشنطن في الحرب التي تستنزف أموال دافعي الضرائب.
وقد تتضمن خطة "ترامب" الضغط على أوكرانيا من خلال تقليص المساعدات، بغرض دفعها إلى التخلي عن شبه جزيرة القرم ودونباس مقابل اتفاق سلام، وهو ما أكده رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" في مارس/آذار الماضي، إذ قال إن "ترامب" يخطط لإنهاء الحرب من خلال التهديد بسحب كل الدعم الأميركي لأوكرانيا.
إعلانوبحسب التقرير الاستشرافي السنوي لمركز ستراتفور لعام 2025، من المرجح أن تهدد إدارة ترامب موسكو بزيادة العقوبات عليها، وتقديم المساعدة العسكرية الإضافية لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه تهدد كييف بخفض الدعم المالي، في محاولة للضغط على الحكومتين للدخول في محادثات وقف إطلاق النار.
ومع ضغوط الحكومات الغربية على كييف لمواصلة المفاوضات وإثبات الدعم الأجنبي لكييف عدم كفايته لوقف التقدم الروسي وسط القيود السياسية والصناعية والمالية، ستزداد احتمالية قبول الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" لبعض مطالب موسكو. كما ستسهم التساؤلات المتزايدة حول جدوى إستراتيجية الحرب الأوكرانية والحاجة إلى خفض سن التعبئة إلى أقل من 25 عاما (وهو ما من شأنه أن يشعل فتيل الهجرة من البلاد) في الضغط المحلي على زيلينسكي.
ونتيجة لهذا، فمن المرجح أن تعقد محادثات وقف إطلاق النار في عام 2025، ولكن في حين من المرجح أن تقبل أوكرانيا بتقديم تنازلات إقليمية لوقف القتال، فإن قضية الضمانات الأمنية الغربية لمنع الهجمات الروسية في المستقبل ستظل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلام أكثر ديمومة.
إن إحجام الغرب عن منح أوكرانيا مسارا نحو عضوية حلف شمال الأطلسي والانقسامات الداخلية داخل الغرب بشأن نشر قوات في أوكرانيا لضمان اتفاق سلام من شأنه أن يؤخر التوصل إلى اتفاق طويل الأمد.
وفي كل الأحوال، إذا حدث وقف إطلاق النار في عام 2025، فمن المرجح أن يكون مؤقتا فقط. وعلى هذه الخلفية، فإن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أوكرانيا -التي كان من المفترض أن تُعقد في عامي 2024 و2023 على التوالي- من غير المرجح أن تجرى ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ورغم أن هذا يبدو التوقع الأقرب للتحقق، لكن ثمة 4 مسارات أخرى تبقى محتملة، بدرجات أقل ومتفاوتة فيما بينها، وهي: استمرار الصراع الاستنزافي بين الطرفين كما هو الآن واختبار حدود تحمل كل جانب، أو القبول بهدنة تعمل على استقرار خط المواجهة حيثما هو، ويبدو أن ذلك المسار قد لا يختلف بالضرورة عن خطة "ترامب" بل ربما يمثّل إطارا لها في لحظة ما.
إعلانوحتى إذا ما تم التوصل إلى هدنة بهذه الصورة، فلن يعني ذلك بالضرورة توقف الحرب تماما في المستقبل، فقد تكون هذه الهدنة على غرار تجربة اتفاقيات مينسك في 2014-2015، التي سعت لإنهاء الحرب في دونباس، وقد ضغطت الدول الغربية لإتمامها باعتبارها طريقا إلى السلام، لكنها أدت فقط إلى خفض الأعمال العدائية بدلا من إنهاء الحرب بشكل كامل.
المسار الثالث يتمثل في تزايد الدعم الأوروبي لأوكرانيا، بغرض إجبار موسكو على العودة إلى خط ترسيم الحدود لما قبل فبراير/شباط 2022، وهو يبدو احتمالا مستبعدا، كما أن الخوض فيه يهدد باتساع نطاق الحرب لما هو أبعد من الأراضي الأوكرانية.
فيما يشير الاحتمال الأخير إلى إلحاق هزيمة صريحة بأوكرانيا، ما سوف يؤدي إلى قبولها شروط الاستسلام الروسية، بما في ذلك تغيير حكومتها ونزع السلاح وضمان الحياد، وهو المسار الأكثر قتامة بالنسبة لكييف، وربما تكون عرضة له في حالة سحب الدعم الغربي مع رفضها تقديم تنازلات أكثر عند التفاوض.
ويشير "جون لوف"، الزميل المشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية ومقره لندن، إلى وجود أسباب قوية تدعم الاعتقاد باستمرار الحرب الاستنزافية بين الطرفين، لأنها باتت حربا وجودية لكل من أوكرانيا ونظام بوتين. ومع ذلك، يقر "لوف" بأن نجاح أي من هذه المسارات يخضع، في المقام الأول، لقدرة حلفاء كييف الغربيين على تقديم الدعم المالي والعسكري، وهو أمر ليس مؤكدا في ظل ولاية "ترامب" الثانية.
والخلاصة أن اتجاه الحرب لا يزال متعلقا -إلى حد كبير- بالموقف الذي سوف تتخذه الإدارة الأميركية القادمة، وهو موقف لن يكون بمعزل عن عوامل أخرى خارجية، تتصدرها المنافسة بين واشنطن وبكين والتي أصبحت العامل الهيكلي الرئيسي في السياسات الدولية.
ومن خلال هذه الزاوية، يبرز تناقض الآراء الأميركية حول طبيعة القرار الأميركي المناسب، ففي حين زعم منتقدو إدارة "بايدن" بأن الموارد الأميركية المخصصة لأوكرانيا يجب أن تتجه إلى ردع الصين، في حين رأى آخرون أن النجاح في خفض تطلعات القوة العسكرية الروسية يصب في صالح إعادة التوازن إلى آسيا، مثلما يرسل إشارة إلى تايوان ودول منطقة المحيطين الهندي والهادئ عن جدية واشنطن في دعم حلفائها، بما يعزز التعاون مستقبلا في مواجهة بكين.
إعلانلكن ذلك يلقى اعتراضا آخر، نظرا إلى أن خيار الحرب المطولة من شأنه أن يعزز نفوذ بكين ويعطيها الفرصة لتطوير تحالفاتها في آسيا، كما أن هذا الرأي القائل باستمرار الدعم الأميركي ومن ثم استمرار الحرب يغفل مخاطر ذلك، ومنها تلويح موسكو مؤخرا باللجوء إلى القوة النووية.
وعلى وجه العموم، فإن مغامرة روسيا التي أقدمت عليها مطلع 2022 بغية إعادة تشكيل نظام الأمن العالمي وتصحيح نتائج الحرب الباردة من وجهة نظر الإستراتيجيين الروس، في عملية خططت لها موسكو لتكون خاطفة وسريعة الحسم، لم تكن كذلك قط، بل تمخضت عن حرب مديدة ليس يقينيا أنها تقترب من فصولها الأخيرة، ولكن في كل الأحوال سوف يتمخض عنها إعادة رسم خطوط النظام الإقليمي الأوروآسيوي، وإن لم يكن معلوما على وجه الدقة لصالح من ستكون تلك الخطوط الجديدة.