الاغتصاب والعنف يدفعان نازحات نيالا إلى التخلي عن العودة لمنازلهن
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
شهدت مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، موجة من العنف الوحشي الذي استهدف المدنيين من جميع الأعمار، خصوصًا النساء، في ظل النزاع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. توثق العديد من الشهادات الحية من الضحايا والمواطنين النازحين جريمة الاغتصاب والاختفاء القسري، بالإضافة إلى المجازر والتهجير القسري جراء القصف الجوي.
وتتصاعد هذه الانتهاكات في وقت لا يزال فيه السكان في مأساة، إذ تبقى العديد من الأسر مشردة ومنهكة جراء الأوضاع الأمنية المتدهورة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على الشهادات المرعبة للنساء في نيالا، وكيف أثرت هذه الجرائم على حياتهن وحياة أسرهن، فضلًا عن ردود الفعل المحلية والدولية على هذه الانتهاكات
التغيير: كمبالا
“أغمي عليّ من الصدمة بعد أن وضعوا السلاح فوق رأس زوجي، حتى يأتي بالبنات لاغتصابهن، وكان الهدف من ذلك تشريدنا من منزلنا” هكذا تقول إحدى السيدات النازحات بمدينة نيالا التي أصبحت فارغة إلا من القليل من السكان.
العديد من سكان نيالا خاصة النساء كانوا يرغبون في العودة إلى منازلهم بعد حالة الاستقرار النسبي في المدينة عقب انسحاب الجيش من المدينة، ولكن حالات الاغتصاب وجرائم الخطف والسرقة وضرب الطيران أجبر الكثيرين علي البقاء في مناطق النزوح.
وفي أكتوبر2023 سيطرت قوات الدعم السريع علي رئاسة الفرقة “16” بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور بعد معارك طاحنة مع الجيش السوداني استمرت لشهور نزح خلالها الآلاف المواطنين من المدينة التي تعتبر الثانية في السودان من حيث عدد السكان بعد العاصمة الخرطوم حيث يقدر سكانها بـ 6 مليون مواطن نزح منهم أكثر من 4مليون بحسب تقارير محلية.
ووفقا لتقارير الأمم المتحدة، فإن هناك حوالي 6.7 مليون امرأة في السودان يحتاج إلى الخدمات بسبب العنف القائم على النوع بجانب نزوح 5.8 مليون امرأة داخليا وخارجيا نتيجة لسوء المعاملة.
حالات اغتصاب موثقةالمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أكد أنه وثق 125 حالة اغتصاب في ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور نتج عن بعضها حالات حمل، واتهم جنود من الدعم السريع بارتكابها.
ووثق تقرير للمركز تعرض 14 امرأة و فتاة للاغتصاب في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، منهن 6 حالات حملن؛ بسبب عدم حصولهن على الرعاية الطبية، ثلاث منهن أُجريت لهن عمليات إجهاض.
ويقول المركز، إن عدد ضحايا الاغتصاب اللاتي خضعن لعمليات إجهاض في مدينة نيالا، أكثر مما تم الإبلاغ عنه بسبب وصمة العار.
وتتوقع المنظمات الحقوقية والإنسانية أن أعداد ضحايا العنف الجنسي المرتبط بالنزاع أعلى من المعلن بكثير، نظرًا لطبيعة المجتمع السوداني المحافظ وارتباط هذا النوع الجرائم بمسألة الشرف ووصمة العار.
تهجير قسريتقول (م. ح) التي تسكن حي الجمهورية بمدينة نيالا بولاية جنوب دارفور في إفادتها لـ”التغيير” منذ بداية الحرب في 15 أبريل تعرضنا للذخائر الطائشة والدانات بالمنزل لكن ما تعرضنا له من قبل قوات الدعم السريع لا يوصف وفوق تصور العقل.
تضيف (م): “في إحدى ليالي الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتحديدًا عقب صلاة العشاء، تسللت مجموعة من أفراد الدعم السريع إلى منزلنا عبر تسلق الحائط. واجههم زوجي عند دخولهما، لكنهم اتهموه بأنه ‘ابلداي’، وهو ما يعني ‘جياشي’. قاموا بضربه بقسوة وسط صرخات ونحيب بناتي. حينها وقفت إحدى بناتي أمامهم محاولة حمايته بنفسها، وطلبت منهم أن يضربوها بدلاً منه. في تلك اللحظة، توقفوا عن الضرب، لكنهم أمروا بإخراج البنات من المنزل”.
تضيف (م): “وقالوا لنا صراحة إنهم يريدون البنات، في إشارة إلى نيتهم اغتصابهن. لم أتحمل الموقف واندفعت بسرعة لحماية ابنتي، لكنهم أوقفوني وطالبوني بإخراج بقية البنات من الداخل فورًا. وضعوا السلاح على رأس زوجي وقالوا لي: ‘إما أن تخرجي البنات أو نقتله’. لم أستطع احتمال هذا التهديد وسقطت مغشيًا عليّ من هول الصدمة”.
تضيف (م): “عندما أفقت، علمت أنهم قد غادروا، لكنهم اشترطوا علينا أن نترك المنزل. أمهلونا حتى الصباح للمغادرة. لم يكن يهمني حينها سوى سلامة بناتي وزوجي. بالفعل، غادرنا منزلنا مكرهين ونزحنا خارج مدينة نيالا، ولم نستطع العودة مرة أخرى. لا يزال السكان الذين بقوا هناك يعانون من الانتهاكات والظروف القاسية.”
بدورها تقول (م، أ) لـ”التغيير”: “أسكن في حي الوادي غرباً بمدينة نيالا، وكنا في مرمى النيران. بعد ازدياد القصف، اضطررنا إلى مغادرة منزلنا والعودة بعد أيام. لكن حدة الاشتباكات تصاعدت، مما دفع أفراداً من الجيش السوداني إلى إخلاء النساء والأطفال جنوباً نحو المدارس لضمان سلامتهم.”
وتضيف (م.أ): “لاحقاً، قامت قوات الدعم السريع بإخراج الرجال من المنازل، وعندما نفد ما لدينا من مؤن وغذاء، عدنا إلى المنزل لأخذ بقية الأغراض والمواد التموينية. لكننا وجدنا أن قوات الدعم السريع قد احتلت منزلنا، وبدأوا يستفسرون منا عن أسباب العودة.”
وتتابع: “كررنا المجيء والذهاب عدة مرات، لكنهم في النهاية رفضوا أن نعود إلى المنزل. فكرت في العودة بأي طريقة لأخذ بقية أغراضي، لكن ما حدث لجارتي جعلني أتراجع عن الفكرة. فقد ذهبت هي وبناتها الثلاث إلى المنزل، ولكن، والله العظيم، اغتصبوهم جميعاً، الأم والبنات. حينها قررنا عدم العودة مرة أخرى. بعد انسحاب الجيش وسقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع، وجدنا البيوت قد نُهبت بالكامل، حتى الأبواب والشبابيك تم خلعها. وإلى الآن، لم نستطع العودة.”
تقول “ف-ع” لـ”التغيير”: “كنا نسمع أن قوات الدعم السريع تغتصب النساء، لكنني لم أصدق، واعتقدت أنها مجرد شماعة يستخدمها البعض لعدم العودة إلى منازلهم القريبة من مناطق الاشتباكات. ولكن ما حدث معي لا يمكن وصفه”.
وتضيف: “بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة وهدوء الأوضاع الأمنية، قررنا العودة إلى منزلنا، رغم تحذيرات الجيران والأهل من خطورة قذائف الطيران وخطر الاغتصاب. كان معنا شقيقي الأصغر، وعند اقترابنا من المنزل، استوقفنا أفراد من قوات الدعم السريع وسألونا عن وجهتنا. أخبرناهم بأننا نريد العودة إلى منزلنا في حي المطار. عندها اعتقلوا شقيقي، واعتدوا علينا، واغتصبوا شقيقتي، موجهين لنا اتهاماً عنصرياً بأننا ‘فلنقايات الجيش'”.
وتتابع: “عاد شقيقي بعد شهرين، ولكنه كان مصاباً في ظهره بسبب كثرة الضرب، وما حدث لنا ترك أثراً لا يُمحى”.
ضد العنف الموجهأصدرت جهات داخلية وخارجية بيانات عديدة تدين العنف المفرط ضد المدنيين، من بينها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، التي شجبت بشدة المجازر البشعة التي تشهدها مدينة نيالا بين الحين والآخر.
وأشارت التنسيقية إلى أن القصف الجوي المكثف لطيران القوات المسلحة يستهدف الأسواق وعددًا من الأحياء السكنية، بما في ذلك حي الرياض، حي الخرطوم بالليل، وحي الوادي، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى تشريد السكان من منازلهم.
وأكدت التنسيقية أن هذه الممارسات تشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان وتفاقم الأوضاع الإنسانية في المدينة، داعية إلى وقف فوري للعمليات العسكرية وحماية المدنيين.
من جهته اتهم مصطفى محمد إبراهيم، مستشار قوات الدعم السريع، طيران الجيش السوداني بتهجير سكان مدينة نيالا، حيث قال في تصريحات صحفية إن الغارات الجوية المتكررة على المدينة أجبرت السكان على ترك منازلهم بعد أن أسفرت عن مقتل المئات وتدمير العديد من المنازل.
وفي تعليق على الاتهامات المتعلقة بالاغتصاب على الأساس العرقي، سخر إبراهيم من هذه الادعاءات، قائلاً إن هذه الاتهامات تُروّج من قبل إعلام “الكيزان” وصفحات “الفلول”. وأكد قائلاً: “من أراد معرفة الحقيقة عليه أن يأتي إلى دارفور ليستمع إلى روايات أهلها”.
حالات انتحاركشفت منظمة تطوير المرأة، المعروفة بـ “زينب”، وهي منظمة تطوعية شعبية، عن توثيق 530 حالة انتحار للنساء بسبب الاغتصاب، بالإضافة إلى 1140 حالة اختفاء قسري نتيجة لنفس الجريمة.
وفي تصريح لـ”التغيير”، أكدت رئيسة منظمة تطوير المرأة (زينب)، فاطمة مصطفى أحمد، على ضرورة إطلاق حملات مستمرة لمناهضة العنف ضد المرأة. وشددت على أهمية تسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد النساء في سياق الحرب، مؤكدة على ضرورة اتخاذ جميع التدابير لإيصال أصوات الضحايا. وأضافت فاطمة أن ما تعرضت له المرأة في حرب السودان لم يحدث في أي حرب أخرى.
الوسومالجرائم والانتهاكات العنف المرتبط بالنزاع حرب الجيش والدعم السريع نيالاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجرائم والانتهاكات العنف المرتبط بالنزاع حرب الجيش والدعم السريع نيالا قوات الدعم السریع الجیش السودانی بمدینة نیالا مدینة نیالا جنوب دارفور العودة إلى لـ التغییر العدید من
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يقترب من استرداد القصر الرئاسي .. قال إنه صدّ هجوماً كبيراً شنته «الدعم السريع» في شمال كردفان
اقترب الجيش السوداني من استرداد القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، الذي تسيطر عليه «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023. وتتقدم قوات الجيش باتجاه القصر من عدة محاور، بينما استردّت قواته، المسماة «متحرك الصياد»، مدينة أم روابة؛ ثانية كبرى مدن ولاية شمال كردفان في غرب السودان. كما أعلن الجيش صد هجوم «قوات الدعم السريع» على مدينة أو روابة، الأربعاء، وألحق بها «خسائر فادحة»، وأن طيرانه الحربي «يلاحق القوات الهاربة».
ومنذ عدة أيام، يواصل الجيش هجماته على مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع» في محاور مختلفة، حيث أحرز تقدماً سريعاً.
وقال شهود في الخرطوم إن قوات قادمة من مقر القيادة العامة للجيش تخوض قتالاً شرساً مع «قوات الدعم السريع»، وتتقدم في شارعَي «الجمهورية» و«الجامعة» باتجاه القصر الرئاسي الذي يبعد عن مقر قيادة الجيش نحو كيلومترين. وتوقعت مصادر أن يسترد الجيش القصر الرئاسي في وقت قريب، إذا واصل تقدمه بوتيرته الحالية.
ووفقاً لشهود ومنصات للتواصل الاجتماعي، فإن قوات الجيش دخلت حي «العزبة» في مدينة بحري، إحدى مدن العاصمة الثلاث، بعد أن استردت حي «دردوق» وحي «نبتة»، واقتربت من حي «الشقلة» في منطقة شرق النيل بمدينة بحري. كما حقق الجيش تقدماً في منطقة أم بدة بمدينة أم درمان.
تقاسم العاصمة المثلثة
ويتقاسم طرفا الحرب مناطق متداخلة في العاصمة المثلثة «الخرطوم الكبرى» التي تتكون من مدينة الخرطوم، ومدينة أم درمان، ومدينة بحري. وكان الجيش قد أعلن، يوم الأربعاء، بسط سيطرته على جسر «المك نمر» من جهة مدينة بحري، ويتقدم نحو وسط المدينة. لكن «قوات الدعم السريع» لا تزال تسيطر على أحياء كافوري، وكوبر، وشرق النيل، وسوبا، وغيرها، مع وجود جيوب مقاومة ببعض المناطق الأخرى.
وفي مدينة الخرطوم، استعاد الجيش سيطرته على أحياء الرميلة، والحلة الجديدة، وبعض أنحاء حي جبرة، بينما تسيطر «قوات الدعم السريع» على المنطقة الواقعة شرق مقر «القيادة العامة» للجيش وعلى مطار الخرطوم، وأحياء الصحافة والخرطوم 2، والخرطوم 3، وامتداد الدرجة الثالثة، وأركويت، والرياض، والطائف، والمنشية، والجريف، والبراري.
كما لا تزال «الدعم السريع» تسيطر على الأحياء الجنوبية من مدينة الخرطوم، بما في ذلك السوق المركزية وأحياء السلمة، وسوبا، ومايو، وعد حسين، والكلاكلات، وتمتد سيطرته حتى شرق ضاحية جبل الأولياء.
وفي مدينة أم درمان، استطاع الجيش استرداد أجزاء كبيرة من المدينة، باستثناء جنوبها وغربها، بينما تبقت بعض أحياء محلية أم بدة، والسوق الشعبية، والمربعات، والشقلة، وصالحة، وتمتد جنوباً حتى ضاحية جبل الأولياء من جهة الغرب.
معارك الغرب
وفي ولاية شمال كردفان، ذكر شهود أيضاً أن قوات الجيش، القادمة من جهة الشرق باتجاه مدينة أم روابة، ثانية كبرى ولايات شمال كردفان، حققت تقدماً مكّنها من استرداد المدينة من سيطرة «قوات الدعم السريع». من جانبه، أعلن الجيش، على صفحته في منصة «فيسبوك»، أن قواته المدعومة بالطيران الحربي دحرت هجوماً كبيراً شنته «قوات الدعم السريع» على المدينة، يوم الأربعاء، وألحقت بها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، في معركةٍ استمرت أكثر من خمس ساعات.
وأضاف الجيش أن الطيران الحربي يلاحق ما تبقّى من «قوات الدعم السريع» الفارة، لكن هذه القوات الفارة «استهدفت أحياء المدينة وبعض مراكز الإيواء بالقصف المدفعي»، نتج عنه مقتل ثلاثة مواطنين وجرح ثمانية.
وتبعد مدينة أم روّابة عن العاصمة الخرطوم بنحو 300 كيلومتر، وهي مركز تجاري مهم وسوق كبيرة للحبوب الزيتية، كما أنها تُعد ملتقى طرق حديدية وبرية تربط ولايات غرب السودان وجنوب كردفان بالخرطوم وبميناء بورتسودان.
كمبالا: الشرق الأوسط: أحمد يونس