يمانيون../
يقدم العميد شارل أبي نادر في هذا المقال إجابة تحليلية شافية ووافية حول سؤال أساسي يشغل بال الكثيرين هذه الأيام، وهو هل سينسحب جيش الاحتلال “الإسرائيلي” من القرى التي يتمركز فيها تنفيذًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار بعد مرور مهلة الستين يومًا المتفق عليها. ويخلص أبي نادر إلى تأكيد وجود مصلحة للعدو بتنفيذ الانسحاب، مع إمكانية حصول تأخير بسيط، سيضعه العدو في إطار الصعوبات التقنية غير المؤثرة في القرار النهائي بالانسحاب.

وهنا نص المقال:

صدر الكثير من التصريحات المتناقضة مؤخرًا، حول مدى جدية وصدقية قرار العدو بالانسحاب من المناطق الحدودية التي احتلها في لبنان بعد عدوانه الأخير، وفي الوقت الذي لمّحت أو عبّرت فيه عدة مصادر قريبة من دائرة القرار لدى الكيان، بأن مهلة الستين يومًا لانسحاب وحداتهم ليست ثابتة أو مؤكدة، دون أن يصدر إعلان رسمي من جانب العدو، تبقى نهاية المهلة المتبقية (قرابة الشهر) هي المعيار الفعلي للتأكد من انسحاب وحدات الاحتلال أو من عدم انسحابها.

في الواقع، هناك عدة معطيات سياسية وعسكرية وميدانية، تشكل في ما بينها الحيثيات التي على أساسها يُبنى قرار العدو بالانسحاب، أو بعدم الانسحاب في نهاية المهلة المذكورة، وهذه المعطيات يمكن تحديدها بالآتي:

أولاً- لناحية الجانب اللبناني، فهو بكامل مكوناته، من سلطة سياسية أو جيش لبناني أو مقاومة، لا يزال ملتزمًا بما تعهد به من نقاط، استنادًا لتفاهم تطبيق القرار ١٧٠١، رغم مروحة الخروقات الواسعة التي ينفذها العدو، وفي الوقت الذي يعمل الجيش اللبناني بأقصى جهوده لتأمين العديد والعتاد اللازم لتنفيذ الانتشار المطلوب منه في كامل منطقة جنوب الليطاني، وخاصة في الشريط الحدودي الذي ما زالت تحتله وحدات العدو، فإن المقاومة تبدي كامل الاستعداد لتنفيذ المطلوب منها بتسهيل انتشار الجيش وإخلاء أي وجود عسكري لها من كامل جنوب الليطاني، وكل ذلك برعاية سياسية رسمية من السلطات اللبنانية المعنية، وبتنسيق واسع وصريح حول صعوبات ومعوقات التنفيذ، مع لجنة مراقبة تطبيق الاتفاق.

ثانيًا- لناحية اللجنة المذكورة أعلاه، لجنة مراقبة تطبيق الاتفاق، والمؤلفة بالإضافة للجانبين اللبناني و”الإسرائيلي”، من عضو أميركي كرئيس لها ومن عضو فرنسي ومن عضو تابع لقوات “اليونيفيل”، فإنها (اللجنة) حتى الآن، لم تُظهر، وخاصة في ما خص العضوين الأميركي والفرنسي كأطراف صديقة للعدو، أية قدرة مطلوبة لإجبار الأخير على وقف الخروقات التي تخالف بنود اتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى أنها كلجنة مراقبة تطبيق الاتفاق، لم تبرهن أي قدرة للتأثير في العدو، لثنيه عن تنفيذ توغلات ميدانية فاضحة في عمق المناطق الجنوبية، كان قد عجز عن الوصول إليها في أثناء المواجهات مع المقاومة قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار، لتظهر من خلال عملها هذه حتى الآن، بأن دورها لا يتعدى دور المراقب فقط، دون أن تتمتع بأية صلاحية لإجبار الطرف المعتدي(الإسرائيلي) على تنفيذ التزاماته المحددة بالاتفاق.

ثالثًا- أما لناحية الجانب “الإسرائيلي”، والذي هو الطرف الوحيد الذي يتجاوز الاتفاق عبر مروحة واسعة من الخروقات الفاضحة والعدوانية، فيمكن القول إن قراره بتنفيذ الانسحاب مرتبط بالنقاط الآتية:

1- لقد ارتبطت مهلة الستين يومًا لانسحاب وحدات العدو، بتنفيذ الجيش اللبناني انتشارًا ميدانيًا وعسكريًا كاملاً في منطقة جنوب الليطاني حتى الحدود مع فلسطين المحتلة، وبوجود عسكري حصري فقط لهذه الوحدات دون أي وجود عسكري للمقاومة تحت أي عنوان، والتزام الأخيرة بذلك واضح وصريح، الأمر الذي كانت تطالب فيه دائمًا “إسرائيل”، وكان أساسًا من ضمن أهداف عدوانها الأخير على لبنان، وعدم انسحابها استنادًا للاتفاق، يلغي حكمًا التزامات الجانب اللبناني وخاصة المقاومة، الأمر الذي يُبقي الوضعية العسكرية والميدانية نفسها التي كانت موجودة في جنوب الليطاني قبل العدوان الأخير، وبالتالي تبتعد “إسرائيل” عن إمكانية تحقيق أحد أهم أهدافها من العدوان.

2- يبدو أن المستوى الذي تمارسه وحدات العدو اليوم من خروقات، انطلاقًا من احتلالها لشريط حدودي معين حاليًا، وخاصة لناحية التفجيرات، لبعض المنازل أو لبنى تحتية تدّعي أنها بنى عسكرية للمقاومة، بدأ ينخفض هذا المستوى، بسبب الحجم الهائل من التدمير الذي نفذته حتى الآن، وبسبب كشفها القدر الأكبر من البنى التحتية العسكرية للمقاومة في المنطقة الحدودية المحتلة، الأمر الذي يجعل بقاء وحداتها بعد انتهاء مهلة الستين يومًا دون جدوى عملاني، إلا تحت عنوان احتلال فقط، وذلك مقارنة مع ما يمكن أن تحققه من انسحابها الكامل لو طبقته، وخاصة في إبعاد القدرات العسكرية للمقاومة حتى حدود الليطاني.

3- أيضًا، يبقى للعامل الحساس الذي حصل بعد سريان تفاهم وقف إطلاق النار، والمتعلق بالتغيير السياسي والأمني والعسكري في سورية، تأثير كبير في الموقف “الإسرائيلي” من الساحة اللبنانية، وحيث تعتبر “إسرائيل” أن قطع الشريان الأهم للإمداد اللوجستي للمقاومة قد تحقق عبر هذا التغيير، فإن لذلك تأثير مهم لناحية التزامها بتنفيذ انسحابها، كون تعويض المقاومة لقدراتها العسكرية التي خسرتها في المواجهة الأخيرة، سيكون صعبًا وشاقًا، الأمر الذي يرى فيه العدو هامشًا من الأمان، كان يفتقده قبل التغيير الأخير في سورية، ومع هذا الأمان حاليًا، سيسهل على العدو الابتعاد عن الجغرافية المباشرة لمتابعة حركة التسليح لدى المقاومة، والتي طالما سببت لها أرقًا، وكانت دائمًا تشكل لها هاجسًا أمنيًا وعسكريًا.

وأخيرًا، وحيث لا يمكن أن نأخذ أي اعتبار لصدقية الاحتلال أمام الأطراف الدولية التي تتضمنها لجنة المراقبة، والذي لا يراعي بتاتًا موقفه والتزاماته أمام هذه الأطراف، فإن ما ذُكر أعلاه لناحية ما يراه العدو من مصلحة له في الانسحاب، يبقى الدافع الأساسي الذي سوف يرجّح كفة تطبيقه ما التزم به وتنفيذ الانسحاب، مع إمكانية حصول تأخير بسيط ، سيضعه العدو ضمن الصعوبات التقنية غير المؤثرة في القرار النهائي بالانسحاب.

العهد الاخباري ـ شارل أبي نادر

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار جنوب اللیطانی الأمر الذی تطبیق ا

إقرأ أيضاً:

تاريخ يعيد نفسه… أوروبا تلبس ثوب “الرجل المريض” الذي خاطته للعثمانيين

استخدمت أوروبا اليوم نفس العبارة التي كانت قد أطلقتها على الدولة العثمانية قبل 150 عامًا، وهي “الرجل المريض”، ولكن هذه المرة في وصف نفسها. فقد نُشر تحليل لافت في وسائل الإعلام الأوروبية تناول الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، حيث تم وصف أوروبا بـ”الرجل المريض”.

وأشار التحليل إلى أنه في عام 2008، كان الاتحاد الأوروبي يُعد أكبر اقتصاد في العالم، بينما أصبحت اليوم الاقتصاد الأمريكي أكبر من اقتصاد الاتحاد الأوروبي بفارق 9.5 تريليون دولار.

وقد نُشر هذا التحليل على موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، المؤسسة الإعلامية الرسمية للمملكة المتحدة، تحت عنوان “أوروبا: الرجل المريض؟”، حيث سلط الضوء على تراجع مكانة الاتحاد الأوروبي أمام الولايات المتحدة في ظل الحرب الاقتصادية القائمة بين الطرفين.

اقرأ أيضا

رجل أعمال تركي يتبرع بفيلا لغزة

مقالات مشابهة

  • كبير مستشاري ترامب: اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حصر السلاح في يد الدولة
  • سكاف: عدم التزام إسرائيل باتفاق وقف النار يعمل لمصلحة حزب الله
  • لبنان: ضرورة تفعيل لجنة الإشراف على إيقاف إطلاق النار مع إسرائيل
  • تاريخ يعيد نفسه… أوروبا تلبس ثوب “الرجل المريض” الذي خاطته للعثمانيين
  • حماس: تصريحات نتنياهو حول “الانتصار الحاسم” تغطية على فشل جيشه
  • “حماس” تشيد بمقاومة بيتا وتدعو للتصدي لاقتحامات العدو وجرائم المستوطنين
  • حماس” تشيد بمقاومة بيتا وتدعو للتصدي لاقتحامات العدو وجرائم المستوطنين
  • أمن الدولة تصدر أحكامًا بالسجن لعشرين عامًا في قضايا “دعم المقاومة”
  • مايكل ليني رئيسًا للجنة الخماسية لمتابعة وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل
  • دول “بريكس” تدعو إلى مواصلة محادثات وقف إطلاق النار في غزة