سودانايل:
2024-12-25@01:41:25 GMT

الإنسانية ما بين النبل والجنوح

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

حاشية:
في جريمة قتل الأب في "الإخوة كارامازوف" أو الإخوة الأعداء، كتب سيجموند فرويد ما يلي::
" أما الجانب الأخلاقي عند دستويفسكي فهو أكثر الجوانب قابلية للتناول. فإذا أردنا أن نضعه في مكانة عالية كأخلاقي، بحجة أن الإنسان الذي عرف الخطيئة بعمق هو الذي يستطيع فحسب أن يبلغ أعلى درجات الأخلاق، فإننا نتسرَّع في الحكم؛ حيث نجد أنفسنا أمام تساؤل عميق، فالأخلاقي هو من يتفاعل مع الإغراء بمجرد أن يشعر به، ولكن من دون أن يستجيب له.

أما من يخطئ بصورة مستمرة، ثم يقدِّم خلال توبته متطلبات أخلاقية عالية، فإنه يترك نفسه عرضة لنقد يقول إنه جعل الأمر سهلاً. لأنه لم يحقق ما يتطلبه منه جوهر الأخلاق، الذي هو الأحجام.
فالسلوك الأخلاقي في الحياة له أهمية عملية بالنسبة للإنسانية. أمَّا صاحبنا فيذكرنا بالبرابرة وبغزواتهم، فهم يقتلون ثمَّ يقيمون الكفَّارة. ما يجعل الكفَّارة مجرد وسيلة لتبرير القتل. وقد كان ايفان الرهيب يفعل الشيء نفسه تمامًا، ونسجِّل هنا أن هذا الشكل من السلوك الأخلاقي هو سمة روسية بامتياز. كما أن النتيجة النهائية للصراع الأخلاقي لدستويفسكي لم تكن شيئًا عظيمًا على الإطلاق.
لأنه بعد كلِّ تلك الصراعات الحادة التي حاول من خلالها التوفيق بين المتطلبات الغريزية للفرد والمتطلبات الجماعية، نراه يصل إلى حالة انطواء، تجلت بخضوعه التام لكلا السلطتين الزمنية والروحية، أي إلى توقير القيصر والإله المسيحي من منظور المفهوم الضيق للقومية. وهي حالة كان قد توصل إليها ضعاف العقول بمجهود أقل. وهذه هي نقطة الضعف الأساسية لتلك الشخصية العظيمة.
النص:
يقول هوبز أن الأنسان كائن شهوانيٌّ فتَّاك مجبولٌ بطبيعته على الرغائبية (لو ديزيغ).. كائن مفترس جامح.. وأنه لا يدّخرُ جهدا من أجل إشباع تلك النزوات المفترسة والضارية.. إذا ما أطلق في سبيل ذلك العنان لرغباته. فهو لا يتورع إذا ما تطلب الأمر شن العدوان وسفك الدماء وتخريب مصالح نظرائه في الإنسانية، بل في مواجهة الوجود بأكمله دون استثناء.
لذلك فإنه يرى، أي هوبز، أن الإنسان يلزمه أن يُدركه الوعي بوجود سقف للحد من التمادي وراء تلك الطموحات الرغائبية الضارية ومطاردتها.. وهنا يأتي دور الدين ككابح قديم.. الإيمان في مقابل الإلحاد.. فكرة الثواب والعقاب في اليوم الآخِر من عدمهما. كرادع ربما سبق تشكُّل السلطة العشائرية ثم يأتي من بعده نشوء الدولة ثم نضجها في العصور الحديثة، في مواجهة تعاظم الطموحات الرغائبية. لذلك حتى في المجتمعات الحديثة فطالما رافقَت الفراغات التي يخلفها غياب طارئ لسلطة الدولة أو تقاصر لظل العدالة فيها، إنفلاتات وعمليات بطش وتخريب عدواني وعنف واسع النطاق. إذن فإن الإنسان بطبيعته كائن ضارٍ، لكنه تهذب وانضوى، طوعا أو كرها، تحت قيود تتمثل في كيانات ذات ضوابط وانماط أخلاقية ودينية، وعقود اجتماعية تتحكم فيه وتكف بأسه عن نفسه، وعن نظرائه وضحاياه.
يظل الأمر على تلك الحال بينما يتطور الرقي الأخلاقي بسبب الرسالات السماوية والأديان، بل يكتمل نضج التجارب الإنسانية في اتجاه الكون نحو المثال كمتناهية إفتراضية، من خلال تخلُّص الإنسان من الرغائبية ومن صفاته الطبيعية الضارية، واتجاهه نحو المثال والنضج المعرفي والتعايش. وعبر هذه الصيرورة المزمنة يتفاوت الناس حظا ما بين سفوح للإنحطاط وقمم للتسامي، بين من يرتد طرفة عين إلى ذلك الذئب البدائي الذي طالما سكنه وتحكم في دواخله، وبين آخر يبقى على إنسانيته وجنوحه للتلطف والرُقيّ، يظل عليهما لا يبرحهما أبدا، حتى إذا ما تم تحريره حينا من الدهر، من لجام السلطة الزمنية، أو من لجام الدين، أو كليهما.
إن الترقي في معارج الإنسانية وكسالكها، والتآخي والسعي لتبني المُثلِ وتنزُّلِها في سلوكيات الناس ومآلاتهم، يبلغ بفعله الإنسان حدا من النضج بحيث يظل على إنسانيته ونضجه الخلقي، حتى بافتراض إنقشاع فكرة الخوف من السلطة، فكرة الإيمان بالله أو فكرة الثواب والعقاب.. فغاية القوانين والأديان هي تهذيب هذا الكائن وقولبته وإصلاحه، تشذيبه ونضجه كإنسان.. وان ذلك التهذيب والقولبة قد أخذتا دهورا متعددة، آلافا من السنوات الطويلة.. تفاوتت فيها كما اسلفنا المجتمعات الإنسانية في حظها وأنصبتها في سلم الترقي الإنساني.. فمنها من يرتد إذا ما تراخت سلطة الرقيب إلى غلوائه وضراوته، ومنها من يظل حتى في غياب الرقيب، أو حتى في انتفاء فكرتي الثواب والعقاب، أو شحوبهما يبقى مُحسنا، متطوعا باذلا للخير والإحسان، يغرس غرسا حتى لو قامت الساعة، أو لم تقم.. أن نبادر دون تردد بالسعى لإغاثة ملهوف، لإطعام الجوعى، لإماطة الأذى، ولإيواء المُشرّدين والأسرى وأبناء السبيل، أو لإنقاذ كلبٍ جريحٍ كادت أن تدهسه سيارات عابرة.. دون أن يستدعيَ ذلك أن ننتظر بُرهة حتى يضمن لنا الفقهاء والكهنةُ ما يقابل ذلك من ثمار الجنة ومن عطاياها.
لذلك فإن هوبز يرى أن فكرة الإلحاد فكرة منافية لوجود الإنسانية وترقيها وسموُّها الأخلاقي، لأن الإنسان في غياب فكرة الإله أو في تراجع فكرتي الثواب والعقاب، قد يرتد لما كان عليه قبلهما من بأس وشكيمة لا حدود لها، لرغائبيته وطموحاته ، أن يعود لقطيع الذئاب الذي كانه وتمثَّلَهُ ذات يوم. إن من شأن ذلك أن يجعل من الكون مكانا غير لائقٍ للسُكنى.
إنتهى
nagibabiker@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إذا ما

إقرأ أيضاً:

السودان: الأزمة الإنسانية والصحية غير مسبوقة

في ظل الأزمات المتلاحقة التي يمر بها السودان، كشف وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم عن التحديات الجسيمة التي تواجه القطاع الصحي بسبب الاشتباكات المسلحة. وأوضح أن القطاع الصحي تكبد خسائر هائلة تجاوزت 11 مليار دولار، مع فقدان أكثر من 60 من الكوادر الطبية..

التغيير: وكالات

ورغم هذه الظروف القاسية، أكد الوزير أن الكوادر الطبية نجحت في تفادي انهيار كامل للنظام الصحي، مشيرًا إلى أن الوضع استقر نسبيًا بعد نحو عامين من بدء الاشتباكات. كما شدد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين السودان وتركيا، خاصة في المجال الصحي.

أكد وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، أن المواجهات المستمرة منذ قرابة 20 شهرا بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، تسببت في انهيار النظام الصحي بالبلاد.

ويستمر القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في العديد من الولايات في السودان، مما يعرّض السكان لصعوبات متعددة.

وأدت الاشتباكات إلى دمار كبير في البنية التحتية والاقتصاد والتعليم والصحة، وأسفرت عن واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم.

وبدأت المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 بسبب خلافات بين الطرفين بشأن الإصلاح العسكري والدمج.

وانتهت كافة المبادرات المطروحة لاحتواء الأزمة وإنهاء المواجهات بالفشل ولم تسفر عن أي نتائج إيجابية.

وبحسب معطيات الأمم المتحدة، أسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وفرار أكثر من 3 ملايين شخص خارج البلاد، ونزوح نحو 9 ملايين آخرين داخليًا واعتماد أكثر من 25 مليون شخص على المساعدات الإنسانية لإدامة حياتهم.

 أزمة انسانية وصحية

وفي تصريحات للأناضول، أكد وزير الصحة السوداني إبراهيم، أن الأزمة الإنسانية والصحية التي يمر بها السودان غير مسبوقة.

وأشار إلى أن “الميليشيات” (قوات الدعم السريع) انتهكت المعايير والقوانين والأخلاق الدولية من خلال استهداف المواطنين والمنازل والمرافق الخدمية وشبكات المياه والطاقة والكهرباء والمحاصيل والمستشفيات والإمدادات الطبية.

وأوضح إبراهيم أن شرارة الاشتباكات بدأت في العاصمة الخرطوم، مما أدى إلى أزمة نزوح كبيرة، حيث اضطر بعض الناس إلى النزوح أكثر من مرة.

وأشار إلى أن النظام الصحي تأثر بشكل مباشر وغير مباشر بالمواجهات الدائرة، وأن المستشفيات تعرضت للهجمات واستُخدمت كثكنات عسكرية.

وتابع قائلا: “في اليوم الرابع من الحرب، كنت في مستشفى الخرطوم عندما تم احتلاله من قبل قوات الدعم السريع، وقد أصبحت عدة مستشفيات خارج الخدمة. هذه المستشفيات ليست عادية، بل تشمل مراكز متخصصة في جراحة القلب وزراعة الأعضاء وعلاج الأورام”.

وأضاف أن مخازن تحتوي على أدوية ومستلزمات طبية بقيمة 600 مليون دولار تعرضت للنهب والتدمير، مما أدى إلى نقص حاد في الأدوية.

 الخسائر في القطاع الصحي بلغت 11 مليار دولار

وأوضح إبراهيم أنه تم نهب أكثر من 200 سيارة إسعاف ومركبة طبية، مضيفاً: “وفق التقديرات الأولية، بلغت خسائر القطاع الصحي 11 مليار دولار. كما فقدنا أكثر من 60 من الكوادر الصحية”.

وأردف: “لكننا لم نتوقف عن العمل رغم هذه الظروف لان شعارنا، يجب أن نستمر رغم ما يحدث، ووضعنا استراتيجيات واضحة تشمل خمس أولويات هي، إنقاذ الأرواح وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية وتشغيل المستشفيات ومكافحة الأوبئة ودعم صحة النساء والأطفال”.

 تجنبنا الانهيار الكامل

ولفت إبراهيم إلى أن الاشتباكات أدت إلى انهيار النظام الصحي، لكن الكوادر الطبية نجحت في تجنب الانهيار الكامل، وأن الوضع استقر نسبيا بعد نحو عامين.

واستطرد: “أعدنا تشغيل معظم المستشفيات وأصلحنا العديد من المستشفيات في ولايات مختلفة. لدينا الآن مستشفيات تقدم خدمات جراحة القلب المفتوح والأورام، باستثناء خدمات زراعة الأعضاء التي لم نتمكن من استعادتها”.

وأشار إلى أنه تم استيراد أدوية ومستلزمات طبية بقيمة 200 مليون دولار.

وأوضح أنهم واجهوا أوبئة خطيرة مثل حمى الضنك والكوليرا، وأنهم بالتعاون مع المنظمات الدولية تمكنوا من السيطرة عليها.

وأكد أنه تم توفير أكثر من 12 مليون جرعة من اللقاح المضاد لمرض الكوليرا.

وأضاف إبراهيم أن التحديات الرئيسية تتمثل في صعوبة الوصول إلى جميع مناطق السودان بسبب الأوضاع الأمنية.

وأكد أن هناك تحدٍ آخر يتمثل في نقص التمويل، حيث لا يتجاوز الدعم المقدم 20 بالمئة من الاحتياجات التي تتطلب 4.7 مليار دولار على الأقل.

وشدد إبراهيم على عمق العلاقات بين السودان وتركيا خاصة في المجال الصحي، مشيراً إلى المستشفيات التي أسستها تركيا مثل مستشفى نيالا السوداني التركي ومستشفى الخرطوم التركي، إضافة إلى دعم تركيا في تدريب الكوادر الطبية. وقال إن تركيا قدمت دعماً طبياً وأدوية خلال فترة الحرب.

نقلا عن الأناضول

الوسومالقطاع الصحي في السودان حرب الجيش والدعم السريع وزير الصحة السوداني

مقالات مشابهة

  • حلم بوتين الذي تحول إلى كابوس
  • الأمم المتحدة: "من المستحيل تقريبًا" إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • مسؤول أممي: بات من المستحيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة
  • ماجستير عن "دور الصحافة الإنسانية فى مصر" بجامعة أسيوط
  • السودان: الأزمة الإنسانية والصحية غير مسبوقة
  • من هو كمال عدوان الذي سُمي مستشفى غزة باسمه؟
  • متى تلامس النكبة «العربية» ضمير الإنسانية؟!
  • كاتبة: الأزمة الإنسانية في غزة تزداد سوءاً
  • عبدالله هزازي يحتفل بتوقيع كتابه “عشرون فكرة ملهمة” بمعرض جدة الدولي للكتاب
  • من هو النبي الذي قتل جالوت؟.. تعرف على القصة كاملة