سودانايل:
2024-07-03@01:41:44 GMT

الإنسانية ما بين النبل والجنوح

تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT

حاشية:
في جريمة قتل الأب في "الإخوة كارامازوف" أو الإخوة الأعداء، كتب سيجموند فرويد ما يلي::
" أما الجانب الأخلاقي عند دستويفسكي فهو أكثر الجوانب قابلية للتناول. فإذا أردنا أن نضعه في مكانة عالية كأخلاقي، بحجة أن الإنسان الذي عرف الخطيئة بعمق هو الذي يستطيع فحسب أن يبلغ أعلى درجات الأخلاق، فإننا نتسرَّع في الحكم؛ حيث نجد أنفسنا أمام تساؤل عميق، فالأخلاقي هو من يتفاعل مع الإغراء بمجرد أن يشعر به، ولكن من دون أن يستجيب له.

أما من يخطئ بصورة مستمرة، ثم يقدِّم خلال توبته متطلبات أخلاقية عالية، فإنه يترك نفسه عرضة لنقد يقول إنه جعل الأمر سهلاً. لأنه لم يحقق ما يتطلبه منه جوهر الأخلاق، الذي هو الأحجام.
فالسلوك الأخلاقي في الحياة له أهمية عملية بالنسبة للإنسانية. أمَّا صاحبنا فيذكرنا بالبرابرة وبغزواتهم، فهم يقتلون ثمَّ يقيمون الكفَّارة. ما يجعل الكفَّارة مجرد وسيلة لتبرير القتل. وقد كان ايفان الرهيب يفعل الشيء نفسه تمامًا، ونسجِّل هنا أن هذا الشكل من السلوك الأخلاقي هو سمة روسية بامتياز. كما أن النتيجة النهائية للصراع الأخلاقي لدستويفسكي لم تكن شيئًا عظيمًا على الإطلاق.
لأنه بعد كلِّ تلك الصراعات الحادة التي حاول من خلالها التوفيق بين المتطلبات الغريزية للفرد والمتطلبات الجماعية، نراه يصل إلى حالة انطواء، تجلت بخضوعه التام لكلا السلطتين الزمنية والروحية، أي إلى توقير القيصر والإله المسيحي من منظور المفهوم الضيق للقومية. وهي حالة كان قد توصل إليها ضعاف العقول بمجهود أقل. وهذه هي نقطة الضعف الأساسية لتلك الشخصية العظيمة.
النص:
يقول هوبز أن الأنسان كائن شهوانيٌّ فتَّاك مجبولٌ بطبيعته على الرغائبية (لو ديزيغ).. كائن مفترس جامح.. وأنه لا يدّخرُ جهدا من أجل إشباع تلك النزوات المفترسة والضارية.. إذا ما أطلق في سبيل ذلك العنان لرغباته. فهو لا يتورع إذا ما تطلب الأمر شن العدوان وسفك الدماء وتخريب مصالح نظرائه في الإنسانية، بل في مواجهة الوجود بأكمله دون استثناء.
لذلك فإنه يرى، أي هوبز، أن الإنسان يلزمه أن يُدركه الوعي بوجود سقف للحد من التمادي وراء تلك الطموحات الرغائبية الضارية ومطاردتها.. وهنا يأتي دور الدين ككابح قديم.. الإيمان في مقابل الإلحاد.. فكرة الثواب والعقاب في اليوم الآخِر من عدمهما. كرادع ربما سبق تشكُّل السلطة العشائرية ثم يأتي من بعده نشوء الدولة ثم نضجها في العصور الحديثة، في مواجهة تعاظم الطموحات الرغائبية. لذلك حتى في المجتمعات الحديثة فطالما رافقَت الفراغات التي يخلفها غياب طارئ لسلطة الدولة أو تقاصر لظل العدالة فيها، إنفلاتات وعمليات بطش وتخريب عدواني وعنف واسع النطاق. إذن فإن الإنسان بطبيعته كائن ضارٍ، لكنه تهذب وانضوى، طوعا أو كرها، تحت قيود تتمثل في كيانات ذات ضوابط وانماط أخلاقية ودينية، وعقود اجتماعية تتحكم فيه وتكف بأسه عن نفسه، وعن نظرائه وضحاياه.
يظل الأمر على تلك الحال بينما يتطور الرقي الأخلاقي بسبب الرسالات السماوية والأديان، بل يكتمل نضج التجارب الإنسانية في اتجاه الكون نحو المثال كمتناهية إفتراضية، من خلال تخلُّص الإنسان من الرغائبية ومن صفاته الطبيعية الضارية، واتجاهه نحو المثال والنضج المعرفي والتعايش. وعبر هذه الصيرورة المزمنة يتفاوت الناس حظا ما بين سفوح للإنحطاط وقمم للتسامي، بين من يرتد طرفة عين إلى ذلك الذئب البدائي الذي طالما سكنه وتحكم في دواخله، وبين آخر يبقى على إنسانيته وجنوحه للتلطف والرُقيّ، يظل عليهما لا يبرحهما أبدا، حتى إذا ما تم تحريره حينا من الدهر، من لجام السلطة الزمنية، أو من لجام الدين، أو كليهما.
إن الترقي في معارج الإنسانية وكسالكها، والتآخي والسعي لتبني المُثلِ وتنزُّلِها في سلوكيات الناس ومآلاتهم، يبلغ بفعله الإنسان حدا من النضج بحيث يظل على إنسانيته ونضجه الخلقي، حتى بافتراض إنقشاع فكرة الخوف من السلطة، فكرة الإيمان بالله أو فكرة الثواب والعقاب.. فغاية القوانين والأديان هي تهذيب هذا الكائن وقولبته وإصلاحه، تشذيبه ونضجه كإنسان.. وان ذلك التهذيب والقولبة قد أخذتا دهورا متعددة، آلافا من السنوات الطويلة.. تفاوتت فيها كما اسلفنا المجتمعات الإنسانية في حظها وأنصبتها في سلم الترقي الإنساني.. فمنها من يرتد إذا ما تراخت سلطة الرقيب إلى غلوائه وضراوته، ومنها من يظل حتى في غياب الرقيب، أو حتى في انتفاء فكرتي الثواب والعقاب، أو شحوبهما يبقى مُحسنا، متطوعا باذلا للخير والإحسان، يغرس غرسا حتى لو قامت الساعة، أو لم تقم.. أن نبادر دون تردد بالسعى لإغاثة ملهوف، لإطعام الجوعى، لإماطة الأذى، ولإيواء المُشرّدين والأسرى وأبناء السبيل، أو لإنقاذ كلبٍ جريحٍ كادت أن تدهسه سيارات عابرة.. دون أن يستدعيَ ذلك أن ننتظر بُرهة حتى يضمن لنا الفقهاء والكهنةُ ما يقابل ذلك من ثمار الجنة ومن عطاياها.
لذلك فإن هوبز يرى أن فكرة الإلحاد فكرة منافية لوجود الإنسانية وترقيها وسموُّها الأخلاقي، لأن الإنسان في غياب فكرة الإله أو في تراجع فكرتي الثواب والعقاب، قد يرتد لما كان عليه قبلهما من بأس وشكيمة لا حدود لها، لرغائبيته وطموحاته ، أن يعود لقطيع الذئاب الذي كانه وتمثَّلَهُ ذات يوم. إن من شأن ذلك أن يجعل من الكون مكانا غير لائقٍ للسُكنى.
إنتهى
nagibabiker@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إذا ما

إقرأ أيضاً:

الأونروا: نقص الوقود يعيق جهود الاستجابة الإنسانية في غزة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكدت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، "لويز ووتريدج"، أن نقص الوقود يعيق جهود الاستجابة الانسانية في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه منذ بداية عام 2024، تم السماح بدخول 14 بالمائة فقط من الوقود (الديزل والبنزين) الذي كان يدخل إلى غزة على أساس شهري قبل أكتوبر 2023.
وبحسب ما ذكره مركز إعلام الأمم المتحدة، اليوم/الاثنين/، فقد قالت "ووتريدج": "ليس لدينا وقود، لذا لا يمكن لجميع العاملين في المجال الإنساني الذهاب إلى أي مكان"، مؤكدة أن عمليات الإغاثة لا تزال تواجه عراقيل بسبب صعوبة جلب الوقود من معبر كرم أبو سالم. 
وأضافت، أنه علاوة على صعوبة الدخول فعليا إلى غزة، تواجه فرق الإغاثة الإنسانية تحديات إزاء ما يمكن أن تفعله لمساعدة المحتاجين في القطاع في ظل نقص الوقود وتضاؤل الإمدادات.
وسلطت "ووتريدج" الضوء على الدمار الذي رأته في قطاع غزة..قائلة:"يمكنك سماع القصف من الشمال والوسط والجنوب غزة الآن أصبحت بمثابة جحيم على وجه الأرض، الجو حار جدا القمامة تتراكم في كل مكان، والناس يعيشون تحت أغطية بلاستيكية حيث ترتفع درجات الحرارة كانت الرحلة عبر خان يونس صادمة - لم أزر المنطقة منذ ما قبل العملية العسكرية في رفح في 6 مايو وكانت مدينة أشباح لأن كل شيء مدمر".
وقالت المسؤولة الأممية:"العديد من العائلات تعيش داخل المباني المدمرة وُضعت بطانيات أو أغطية بلاستيكية لتغطية الجدران المحطمة لذلك من الواضح جدا أن نرى الفرق الذي أحدثه غزو رفح والعمل العسكري المستمر".
وأشارت إلى انهيار القانون والنظام بعد ما يقرب من تسعة أشهر من الحرب على غزة..قائلة في ظل الأوضاع الصعبة يضطر الناس إلى إيقاف شاحنات المساعدات بحثا عن الغذاء بمجرد عبورها إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم،هذا خلافا عن الأنشطة الإجرامية وأعمال السرقة.
ولفتت إلى الأضرار التي لحقت بمنشآت الأمم المتحدة، حيث تسبب القصف الإسرائيلي المتواصل في تدمير بعضها بينما ترك ثقوبا كبيرة لدى البعض الآخر وأصبحت الآن مكشوفة.
وقالت: "تعرضت كافة مرافق الأونروا بما فيها المدارس والمستودعات وأماكن توزيع المواد الغذائية وما إلى ذلك لأضرار جسيمة أو طالها الدمار جدران مليئة بثقوب الرصاص وأخرى محطمة طوابق منهارة فوق بعضها البعض مثل الفطائر لن يكون بوسعك أن تعرف أن هذه كانت منشآت تابعة للأمم المتحدة يحميها القانون الدولي".
 

مقالات مشابهة

  • مصيبة عظيمة
  • "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان": انتهاكات إسرائيل ضد الأسرى الفلسطينيين يندى لها جبين الإنسانية
  • "الأورومتوسطي لحقوق الإنسان": ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون يندى له جبين الإنسانية
  • وفد حقوقي يشيد بجهود مصر لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين
  • وفد فلسطيني يشيد بالجهود المصرية لإدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني
  • القومي لحقوق الإنسان يستقبل وفدًا فلسطينًا لمناقشة الأوضاع الإنسانية بغزة
  • الأونروا: نقص الوقود يعيق جهود الاستجابة الإنسانية في غزة
  • لحفيد الطيب صالح بين فكرة الهِجرة ولا هِجرة..!
  • الصباح يؤكد أهمية تطبيق الهيكل الأخلاقي للذكاء الاصطناعي بكافة مناحي الحياة
  • صراع الأفكار