عقد الجامع الأزهر اليوم الاثنين، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "الزينة وعمليات التجميل بين الشرع والطب" وذلك بحضور كل من؛ د.محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث، ود. حسين مجاهد، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وأدار الحوار فضيلة الدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.

في بداية الملتقى قال الدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر للدراسات العليا والبحوث: الحق سبحانه وتعالى أمرنا بالزينة لما فيها من معان جميلة ودلائل راقية "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ"، وإذا نظرنا إلى عمليات التجميل، نجد أنها مباحة في أمور، إذا كان الأمر ناتجا عن تشوه نتيجة حادث أو عيب خلقي أو مرض وتحتاج إلى عمليات تكميلية وتحسينية، فإن الشرع أمرنا بالإصلاح في هذه الحالة، مع ضمان أن تكون العواقب محمودة. 

أما إذا كان الأمر لتغير خلق الله سبحانه وتعالى،  لغير ضرورة، فإنه لا يجوز مطلقًا، لأن فيه تدليسا وتغييرا لخلق الله سبحانه وتعالى، وإظهارا للإنسان على غير صورته الحقيقة، مبينًا أن مخاطر هذه العمليات كبيرة أخطرها هو حالة عدم الرضا لدى الإنسان بالصورة التي خلقة عليها الله سبحانه وتعالى، أو الحالة التي وصل إليها بسبب التقدم في العمر.

وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن عمليات التجميل تسبب إدمان هذا النوع من العمليات بسبب رغبة الشخص في أن يظل دائمًا على حالة ظاهرية تشعره بوهم الرضا، إضافة إلى أن مواد التجميل لا يستمر قوامها في الجسم لفترة طويلة، بل يحدث لها تغير وبالتالي يتأثر شكل الإنسان، كما أنها تصيب الإنسان بتشوهات وأعراض جانبية غير محمودة. 

كما تعتبر علميات التجميل لغير ضرورة طبية وضوابط شرعية نوع من الهوس والهوى النفسي، وما نلاحظه من عمليات الوشم التي يتبعها البعض، تسبب تشوها في شكل الإنسان، لأن الوشم يتسرب إلى الطبقة العميقة من الجلد، ولا يمكن إزالته بدون تدخل جراحي، والحالة التي عليها بعض الشباب من اتباعهم لهذا النمط التجميلي، هي حالة من التشوه تظهر آثارها في المستقبل، ويشعرون بالندم نتيجة لما يصاحبهم من أعراض غير محمودة نتيجة هذا السلوك.

وأضاف صديق أن النبي أمرنا بالزينة وحثنا عليها في كل شيء، ولكن بضوابط تتفق مع طبيعتنا البشرية وفطرتنا النقية، وفي هذا يقول الرافعي في كتابه "وحي القلم" متحدثًا عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهم: تقول أمهات المؤمنين يا رسول "بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل، ونحن على ما تراه من الفاقة والفقر"، فنزل قول الحق سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما " فردت السيدة عائشة قائلة "أفيك وفي الله أختار بل أختار الله ورسوله" ثم تبعها كل نساء النبي ﷺ، وهذا لا يتنافى مع الزينة ولكن بالضوابط التي لا تتعارض مع الشرع، وهو ما يظهر من إباحة تزين الزوجة لزوجها، أو من أخذ الزينة أثناء الذهاب للصلاة.

وبين نائب رئيس جامعة الأزهر أن الإسراف في عمليات التجميل، وإعادة تكرارها أكثر من مرة يتسبب في العديد من الأضرار الطبية، والتي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات، وهو ما يظهر مع بعض عمليات شفط الدهون،  كما أن المواد المستخدمة في عمليات التجميل غير مستدامة وبالتالي تصيب الإنسان بتشوهات، يصعب التخلص منها بعد ذلك، ولا يجب أن نستجيب لهوى النفس في مثل هذه العمليات، لأن الأعراض التي تظهر على جسم الإنسان وشكله بسبب التقدم في العمر هي أمور طبيعية، ولا يجب للإنسان أن يتدخل لإزالتها " الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير"، إضافة إلى أن مواد التجميل تدخل فيها مواد بكتيرية فالإسراف فيها ينتج عنه أضرار، وعلينا جميعا أن نحترم فطرة الله التي فطر الناس عليها وأن لا نتدخل لمحاولة تغييرها. 

من جانبه أكد الدكتور حسين مجاهد، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الإسلام دين يحث على الجمال ويرغب فيه ويدعو إليه، لذلك نجد أن أحد أسماء الله الحسنى "الجميل"، وكما ورد في صحيح الإمام مسلم، أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال الرجل يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا: فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله جميل يحب الجمال"، كما أن النبي ﷺ كان رغب في الجمال قولًا وسلوكًا وعملًا، وكتب السيرة النبوية مليئة بالنماذج التي حث فيها النبي ﷺ على الجمال ومنها، عندما كان النبي ﷺ جالسًا في المسجد، فرأى رجلًا ثائر الرأس واللحية، فأشار عليه النبي ﷺ، وكأنه يأمره بأن يصلح ويهندم مظهره، ففهم الرجل إشارة النبي ﷺ وخرج مهرولًا من المسجد لتنفيذ إشارة رسول الله ﷺ، ثم عاد إلى المسجد بعد أن طيب هيئته، فعندها سر النبي ﷺ وقال "أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس واللحية كأنه شيطان"، مبينًا أن النبي ﷺ كان يتطيب ويحث على الطيب ويقبله إذا أهدي إليه، كما كان يضع الدهن في شعره ليزينه، وكان يقول "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة".  

وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الفقهاء يرون أن الأصل في الزينة الاستحباب، يقول ابن عبدين في حاشيته "ويستحب التجمل وأباح الله الزينة" مستدلًا" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده"، ويقول العلماء أن الجمال والزينة تعتريهم الأحكام التكليفية الخمسة، بمعنى أنه قد يكون التجمل والزينة واجب بمعنى أنه يأثم من تركه ويثاب من فعله، منها قول الحق " خذوا زينتكم عند كل مسجد"، ومن الزينة الواجبة أيضًا تزين الزوجة لزوجها ودليل ذلك "ما رُوِيَ عن بكرة بنت عقبة أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحِفَاف، فقالت: "إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتُصَنِّعيهما أحسن مما هما فيه فافعلي"، كما أن الإسلام أمر الرجل أن يتهيأ لزوجته "ولهن مثل الذي عليهن" ولذلك يقول بن عباس "أتزين لزوجتي كما تتزين لي"، ومن الزينة المباحة أيضًا سنن الفطرة " قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاقُ بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجِم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء والتحلي بالذهب لغير الرجال" والمبالغة من الزينة المباحة أمر مكروه، أما الزينة المحرمة التي حرمها الله سبحانه وتعالى "الذهب والحرير بالنسبة للرجال، والزينة التي تكون فيها معصية لله سبحانه وتعالى.

وأوضح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن هناك ضابطا للتزين والتجميل وضعه العلماء وهو: "كل ما كان فيه رد للأصل ولا يوجد فيه ضرر فهو مباح، وما كان فيه تدليس وتغيير لخلق الله وفيه ضرر يدخل في دائرة الحرام"، والإسلام ليس ضد عمليات التجميل التي فيها رد للأصل ولا يترتب عليها ضرر، كالتي تزيل التشوهات أو العيوب الخلقية أو الأعراض الناتجة عن حادث دنيوي، لذا علينا قياس العمليات التجميلية على هذا الضابط الذي وضعه العلماء لمعرفة مدى حله من حرمته.

واختتم الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، الملتقى قائلًا: الشرع الحكيم أوصانا بالزينة والأخذ بمعاني الجمال في كل شيء، وفق ضوابط محددة، لكنه في نفس الوقت أمرنا بالابتعاد عن الأهواء التي تدفع الإنسان إلى المغالاة في هذه الأمور، لتصل بها إلى حد المعصية، وبخاصة في هذا الوقت الذي انتشرت فيه المغريات، وسن النبي صلى الله عليه وسلم التطيب والزينة أثناء الذهاب إلى المساجد، وبالنظر إلى الكون كله، نجده كله مبني على الجمال، ولكن بضوابط " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب"، وهو دليل من القرآن الكريم على أن الكون كله قائم على معاني الجمال، ولكن الجمال الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نبتعد عن المخالفات التي يظن البعض أنها زينة والحقيقة هي محاولة لتغيير خلق الله سبحانه وتعالى وهو أمر مخالف، وعلى الشباب أن يعلموا أن الجمال الحقيقي في الصورة التي خلقهم عليها الله سبحانه وتعالى، وعلى المتخصصين أن لا يقدموا على عمل مثل هذه العمليات إلا لضرورة تستوجب ذلك.

يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الطب عمليات التجميل أدوات التجميل الأزهر الشريف ملتقى الجامع الأزهر المزيد نائب رئیس جامعة الأزهر الله سبحانه وتعالى عملیات التجمیل بجامعة الأزهر الجامع الأزهر أستاذ الفقه النبی ﷺ ما کان کما أن

إقرأ أيضاً:

١٢٥٠ فرعا بالجمهورية.. الضويني يفتتح رواقا جديدا للجامع الأزهر بالفيوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

افتتح الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، فرعا جديدا للرواق الأزهري بمحافظة الفيوم، بحضور الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، والدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور هاني عودة، المشرف العام على الجامع الأزهر، ولفيف من قيادات المنطقة الازهرية والوعاظ.

وقال وكيل الأزهر، لقد منّ الله علينا أن جعل الأزهر في مصر، فمنذ ما يزيد عن ١٠٨٠ عاما أشرقت أنوار الأزهر في مصر، ومن يومها وهو يحمل مشعل الهداية والوسطية بما يتوافق مع كتاب الله وسنة نبينا في مصر وخارجها، ولم يتوقف علمه ونفحاته الطيبة بل امتد إلى سائر دول العالم وهم ولا يزالون يقصدونه من كل مكان.

وأوضح الضويني أن أبرز اهتمامات الأزهر تنصب على تربية النشء والشباب، فهو لا ينتظر أن يسعى إليه الطلاب ولكن هو من يسعى إليهم، وفاءً لمصر ولأبنائها، مبينا جزء كبير من المعاهد الأزهرية قامت على أكتاف المصريين فبذلوا الكثير من أقواتهم لبناء الكثير من المعاهد الأزهرية، فالأزهر هو نتاجكم وثمار حصادكم، وما يقوم به اليوم هو رد الجميل لشعب مصر.

وأكد أن الأزهر يهتم بتحفيظ القرآن الكريم، فهو من أولى اهتماماتنا أن نقوم على تحفيظ النشء لكتاب الله على مستوى الجمهورية، لذا فقد وجه فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بضرورة تحفيظ النشء لكتاب الله وكان ذلك على عدة مسارات، فعلى مستوى قطاع المعاهد يوجد ١١ ألف مكتب أهلي لتحفيظ كتاب الله، وعلى مستوى الجامع الأزهر أنشيء أروقة للنشء لمن لم يكن له حظ في الانتساب للأزهر الشريف، وقد نجح الجامع في افتتاح ١٢٥٠ رواقا على مستوى الجمهورية والدراسة فيها مجانية للجميع، كما تم افتتاح ١٩٨ رواقا للكبار لتحفيظهم كتاب الله، وقريبا سنحتفل بمجموعة كبيرة من حفظة كتاب الله كاملا ثمرة لهذه الأروقة.

من جانبه أوضح الدكتور عبدالمنعم فؤاد، أن هذا الصرح الجديد يشهد بأن الخير في أمة محمد إلى يوم الدين، فهذا الصريح سيجمع الناس على حفظ كتاب الله، وهو من أنبل الاجتماعات، مبينا أن الأزهر يسعى أن يتلى القرآن في كل مكان، فعندنا ٥٥٣٦ طالبا يتلون كتاب الله في أروقة محافظة الفيوم، و٥٠٠ من كبار السن، وبلغ عدد الأروقة برواق اليوم ٥٤ فرعا.

وفي ذات السياق بيّن الدكتور هاني عودة، أن الأزهر أطلق رواق الأطفال منذ ثلاث أعوام، وبلغ عدد الدارسين فيه هذا العام أكثر من ١٩٠ ألف طالب على مستوى الجمهورية داخل مصر، فضلا عن إنشاء منصة عالمية لتحفيظ لكتاب الله تقدم بها أكثر من ٥ آلاف طالب من ٦٥ دولة في وقت قصير.

مقالات مشابهة

  • لماذا سمي شهر رجب بالأصب والأصم ؟.. علي جمعة يوضح
  • وكيل الأزهر يفتتح رواقًا جديدًا بالجامع الأزهر في الفيوم
  • 1250فرعًا على مستوى الجمهورية.. الضويني يفتتح رواقا جديدا للجامع الأزهر بالفيوم
  • ١٢٥٠ فرعا بالجمهورية.. الضويني يفتتح رواقا جديدا للجامع الأزهر بالفيوم
  • وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية: علينا أن نتمثل بأخلاق النبي ﷺ
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: عمليات التجميل لغير ضرورة طبيَّة وضوابط شرعية نوع من الهوس
  • لماذا سمي شهر رجب بالأصب؟.. لـ3 أسباب فرصة عظيمة لنيل عطايا الجواد
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: عمليات التجميل لغير ضرورة طبيَّة نوع من الهوس
  • الحوادث والعيوب الأبرز.. أزهري يكشف عن حالات جواز إجراء عمليات التجميل