تفاصيل مثيرة.. هكذا لاحق حافظ الأسد ياسر عرفات في لبنان!
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً تحت عنوان: "حافظ الأسد والعداء لعرفات.. تاريخ موجز لمجزرة طرابلس"، وجاء فيه: شكّل انقلاب آذار 1963 نقطة تحول في مسيرة الرئيس السوري حافظ الأسد الذي كان آنذاك يشغل منصب قائد القوات الجوية ويتمتع بنفوذ واسع داخل جهاز المخابرات العسكرية.
وكان حزب البعث، الذي ارتقى الأسد على أكتافه، يتبنى مبدأ حق الفلسطينيين في مقاومة إسرائيل، وقد سعى الحزب إلى احتضان حركات المقاومة الفلسطينية التي بدأت بالتشكل في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، وعلى رأسها حركة فتح بقيادة ياسر عرفات، وكان صلاح جديد، أحد قادة انقلاب البعث، من أشد المؤيدين لتدريب الفلسطينيين وتسليحهم.
غير أن اللافت للنظر هو موقف حافظ الأسد تحديدًا الذي اتسم بالعداء الشديد تجاه حركة فتح الناشئة وزعيمها عرفات منذ ظهوره في الساحة السياسية في ستينيات القرن الماضي. ودأب الأسد على استهداف المقاومة الفلسطينية ومن ثم منظمة التحرير، في الوقت الذي كانت فيه هذه الحركة تسعى لإيجاد منطقة لانطلاق عملياتها الفدائية والعسكرية ضد إسرائيل والأراضي المحتلة آنذاك.
عداء الأسد لعرفات وفي عام 1964، وأثناء استعدادات حركة "فتح" للمعركة، نجح عرفات في نقل شحنة متفجرات من لبنان إلى الأردن. وخلال عبوره الأراضي السورية، ألقي القبض عليه وسجنته المخابرات العسكرية السورية بذريعة القيام بأعمال تخريبية في سوريا.
وعند الاستفسار عن سبب اعتقاله، خاصة أن ما يجري كان يتم من خلال التنسيق مع قيادة حزب البعث في سوريا وعلى رأسها صلاح جديد، اتضح أن المخابرات العسكرية التي ألقت القبض عليه قد جاءتها الأوامر من قائد القوات الجوية وقتئذ اللواء حافظ الأسد.
يشير حنا بطاطو في كتابه "فلاحو سوريا" إلى أنه بعد ساعات أُطلق سراح عرفات الذي أدرك هو وباقي قادة التشكيلات الفلسطينية أن أي تحرك داخل سوريا واتخاذها منطقة عبور صوب الأردن ومنها إلى الأراضي المحتلة لن يتم إلا من خلال موافقة حافظ الأسد صاحب النفوذ العسكري الأقوى آنذاك. وقد شكلت هذه الحادثة شرارة الخلاف والعداء بين الرجلين، خاصة مع محاولة اغتيال عرفات بعد عامين فقط -في عام 1966- خلال اجتماع كان من المزمع عقده مع أحمد جبريل زعيم الحركة الشعبية لتحرير فلسطين وذلك في العاصمة دمشق.
ووفقا للصحفي آلان هارت في كتابه "عرفات.. السيرة السياسية" فإن اللافت في الأمر أن عرفات علم بما كان يُحاك له من خلال أحد المتآمرين الذين رجعوا في اللحظة الأخيرة، فغاب عن الاجتماع وهو ما جعل عملية اغتياله تبوء بالفشل. وفي العام نفسه، سعت الهيئة العليا لحزب البعث -خاصة بعد نجاح انقلاب صلاح جديد وحافظ الأسد وسليم حاطوم- إلى السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية لاستخدامها كورقة لتثبيت سلطة المجموعة الحاكمة الجديدة في المنطقة، وهو الأمر الذي رفضه قادة المنظمة وعلى رأسهم عرفات، مما أشعل العداوة بين الجانبين.
وبحسب الصحفي الأميركي سيمور هيرش في كتابه "ثمن القوة"، فقد جاءت الضربة التالية لعرفات في أثناء أحداث أيلول الأسود عام 1970 حين رفض حافظ الأسد أن ينطلق سلاح الجو السوري لدعم الفلسطينيين في هذه المعركة، وهو ما أدى إلى هزيمة ثقيلة لرفيقه صلاح جديد بالإضافة إلى ياسر عرفات والفصائل الفلسطينية، واضطر عرفات إلى الهرب متخفيًا صوب القاهرة.
وعقب هزيمة الفصائل الفلسطينية في الأردن، اضطرت هذه الفصائل للجوء إلى لبنان، ومن اللافت أن حافظ الأسد كان عازمًا على إزاحة عرفات والتخلص منه بأي وسيلة؛ بهدف السيطرة الكاملة على الفصائل الفلسطينية وإخضاعها لسلطته.
الحرب الأهلية اللبنانية واستمرار نهج الأسد في عام 1971، فرض حافظ الأسد حظرا على انضمام السوريين إلى حركة فتح، وقيّد نشاط الفدائيين المنتمين إليها أو لأي فصيل فلسطيني آخر داخل الأراضي الفلسطينية، كما منع المقاتلين الفلسطينيين من تقديم الدعم لرفاقهم الذين كانوا يتعرضون لهجوم عسكري شرس بالمدفعية والدبابات من قبل الجيش الأردني في آخر معاقلهم بالأردن.
وفي عام 1974، حظيت منظمة التحرير الفلسطينية باعتراف عربي كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ففتح ذلك الباب أمامها لتلقي مساعدات مالية كبيرة من دول الخليج، بالإضافة إلى الحصول على أسلحة مباشرة من الاتحاد السوفياتي، فأهّلها ذلك لإقامة تحالف مع الأحزاب والجماعات اليسارية والقومية التي توحدت ضمن الكتلة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط.
ومع اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان 1975، تدخل الجيش السوري لدعم الجبهة اللبنانية ضد المقاومة اللبنانية الفلسطينية التي كانت تتمتع بتفوق عسكري في تلك الفترة. وفي ذلك الوقت، مارس حافظ الأسد ضغوطا كبيرة على الإمام موسى الصدر لدفعه إلى الانسحاب من الكتلة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط، وذلك بعد فشله في إخضاع جنبلاط نفسه لسيطرته. وبحسب بطاطو في كتابه السابق، فإن انحياز الأسد للموارنة جاء نتيجة تلقيه رسالة من الجانب الأميركي تدعوه لإيجاد "حل متوازن في لبنان"، مقابل موافقة إسرائيل على التدخل السوري.
وعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وزيارة الرئيس المصري أنور السادات لتل أبيب عام 1978، شهدت العلاقة بين ياسر عرفات وحافظ الأسد تقاربا، إذ شكّلا معا جبهة أطلقوا عليها اسم "جبهة الصمود والتصدي"، بمشاركة ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي.
ورغم هذا التقارب لم تقم سوريا بأي تدخل عسكري خلال الحملة الإسرائيلية على المواقع الفلسطينية في جنوب لبنان عام 1978، واكتفت بالدفاع عن المخيمات الفلسطينية ضد الغارات الجوية باستخدام صواريخ سام.
حافظ الأسد وتفخيخ المقاومة الفلسطينية قبيل الاجتياح الإسرائيلي الشهير للبنان عام 1982، قدم حافظ الأسد وعودا بتقديم دعم جوي وقوات مشاة للمقاومة الفلسطينية، إلا أنه سرعان ما تنصل من تلك التعهدات، بل كان من اللافت سحبه صواريخ سام من المخيمات الفلسطينية قبل 15 يوما فقط من قيام إسرائيل بتدمير سلاح الجو السوري في لبنان، مما أدى إلى خسارة سوريا 90 طائرة.
ورغم فداحة الخسائر، لم يردّ الأسد على الهجوم، وصرّح قائلا إنه لن يخوض حربا إلا في الوقت الذي يختاره هو، بل إنه أبلغ المبعوث الجزائري قائلا "هذه الحرب ليست حربي".
وخلال الحصار الإسرائيلي لبيروت، اكتفى الأسد بمراقبة ما يجري من قصف وحصار على الفلسطينيين، مما دفع ياسر عرفات لوصف الأسد بأنه "مثل الأصفار العربية الاثنين وعشرين"، في إشارة إلى العجز العربي آنذاك.
وأشار عدد من المؤرخين من بينهم حازم صاغية في كتابه "البعث السوري.. تاريخ موجز" إلى أن حافظ الأسد كان يتبع نهجا مزدوجا في تعامله مع منظمة التحرير الفلسطينية بهدف تفخيخها وإدخالها في حروب لا شأن لها بها لإضعافها وتقويض قيمتها وقوتها، وقد اتبع حافظ مسارين متوازيين:
الأول علني، كان يتمثل في إرسال رسائل تدعو للوحدة بين الأطراف الفلسطينية وتقدير الظروف الصعبة التي تواجهها سوريا ومنظمة التحرير. والثاني سري، حيث كان يدعم أطرافا داخل حركة فتح للتحريض على الانشقاق. وقد نجحت خطته هذه في أوائل عام 1983، إذ انشق عدد من قيادات حركة فتح، بقيادة نمر صالح (أبو صالح)، وسعيد مراغة (أبو موسى)، وموسى العملة (أبو خالد)، وسميح أبو كويك (قدري)، وأسسوا تنظيما جديدا تحت اسم "فتح الانتفاضة"، حظي بدعم ورعاية قوية من حافظ لعداوته الواضحة لياسر عرفات. وعندما عاد عرفات سرا إلى طرابلس في أيلول 1983، سارعت سوريا إلى توجيه تشكيلات فتح الانتفاضة، إلى جانب الجبهة الشعبية-القيادة العامة وقوات الصاعقة، لشن هجمات مكثفة على الثكنات والمخيمات الموالية لعرفات في طرابلس، بهدف القضاء على ما تبقى من قوات الثورة الفلسطينية في المدينة بعد خروج قيادتها. وبحسب ما وورد في النشرة السياسية الأسبوعية للجيش والقوات المسلحة السورية، فإن الهدف كان القضاء على ياسر عرفات والتخلص منه للأبد. وفي قلب مدينة طرابلس اللبنانية، وجد عرفات والقوات الفلسطينية الموالية له أنفسهم في مواجهة تفوق عددي وعسكري هائل للجيش السوري، إلى جانب القوات المنشقة عن فتح مثل "فتح الانتفاضة" بقيادة سعيد مراغة الموالي للأسد.
مجزرة طرابلس لبنان وأمام هذا الهجوم الكاسح من قبل قوات حافظ الأسد والقوات الفلسطينية الموالية له، لم يجد ياسر عرفات بدًّا من التحالف مع حركة التوحيد الإسلامي في طرابلس، بقيادة الشيخ سعيد شعبان والشيخ خليل عكاوي.
وكان الشيخان شعبان وعكاوي يكنّان عداء شديدًا لحافظ الأسد بسبب جرائمه في سوريا، وخاصة مجزرة حماة، فضلًا عن دوره في الحرب الأهلية اللبنانية وإضعافه لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية المواجهة للاحتلال الإسرائيلي.
وفي أوائل تشرين الثاني 1983، تشكلت القوات المناهضة لعرفات من مجموعات مختلفة، شملت أتباع سعيد مراغة (أبو موسى)، والجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية-القيادة العامة، وقوات الصاعقة، وجيش التحرير الفلسطيني، بلغ إجمالي قوات الحصار حوالي 10 آلاف جندي سوري و6 آلاف مقاتل فلسطيني من هذه الفصائل، بالإضافة إلى 100 دبابة وراجمة صواريخ.
وعلى الفور أصدر حافظ الأسد أوامره بقصف طرابلس بالمدفعية وإلقاء الحمم عليها، الأمر الذي كان يؤدي إلى زيادة عدد الضحايا. وبحسب جريدة اللواء اللبنانية في ذلك الوقت، فقد سقط في الساعات الأولى من المعركة عشرات القتلى من المقاتلين الموالين لعرفات في مخيمي نهر البارد والبداوي في طرابلس.
ولم يقتصر الأمر على ضرب هذين المخيمين بالمدفعية والدبابات والقنص، بل أطبقت قوات الأسد والقوات الفلسطينية الموالية لها الحصار على المدينة حتى بلغ الجوع بالناس مبلغه.
وطوال 20 يومًا كان القصف لا يهدأ، وأعداد الضحايا في ارتفاع، وأمام هذه الخسائر الفادحة وحمم النيران القوية سقط مخيم نهر البارد ثم مخيم البداوي الذي كان يضم قوات وأفراد من الموالين لعرفات، وقدّرتهم المصادر بحوالي أكثر من 5 آلاف مقاتل، سقط منهم حوالي ألف قتيل.
وتحت وطأة الهجمات المتكررة من القوات السورية والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها، ومع غياب الدعم الفعلي من الدول الأخرى، اضطر ياسر عرفات في النهاية إلى قبول وقف إطلاق النار واتفاق إجلاء من طرابلس ولبنان كافة في أواخر تشرين الثاني. وبعد تلقيه وعودا من الولايات المتحدة والدول العربية بعدم التعرض لقواته أثناء انسحابها، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة طرابلس.
ورغم ذلك تأجل تنفيذ الإجلاء بسبب قصف البحرية الإسرائيلية لطرابلس، وفي إطار الاتفاق وافقت قوات عرفات على ترك أسلحتها الثقيلة، بما في ذلك راجمات صواريخ الكاتيوشا، والبنادق العديمة الارتداد، والمدافع المضادة للطائرات، التي تم تسليمها للجيش اللبناني.
وفي 20 كانون الأول 1983، أجلي نحو 4,700 من مقاتلي منظمة التحرير الموالين لعرفات، بينهم عشرات الجرحى، بواسطة 5 سفن يونانية تحت حماية البحرية الفرنسية، بما في ذلك حاملة الطائرات "كليمنصو". وعند صعود عرفات إلى السفينة، لوّح للحشود المودّعة له في الميناء، واستُقبل بتحية من أتباعه ومقاتلي حركة التوحيد الإسلامي المتحالفين معه.
وتم توزيع المقاتلين الموالين لمنظمة التحرير على دول عدة، منها الجزائر، واليمن الشمالي، وتونس، والسودان، بينما نُقل حوالي 500 شخص إلى قبرص ومن ثم جوًّا إلى العراق، وبهذا نجحت سوريا والفصائل الفلسطينية المعارضة لعرفات في طرد أتباعه من كامل الأراضي اللبنانية. (الجزيرة نت)
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: منظمة التحریر الفلسطینیة المقاومة الفلسطینیة الفصائل الفلسطینیة حافظ الأسد یاسر عرفات صلاح جدید فی کتابه حرکة فتح الذی کان عرفات فی فی ذلک فی عام
إقرأ أيضاً:
وثائق بريطانية: دعم الأسد للمقاومة الفلسطينية مجرد كلام.. وهذا موقف لندن وواشنطن
بعد أربع سنوات فقط من تولي بشار الأسد حكم سوريا، قررت الولايات المتحدة أنه لا أمل في إمكانية أن يتغير أو يغير سياسته إلا بالضغط المستمر. حتى دعمه لجماعات المقاومة الفلسطينية، كان "كلاميا"، حسبما تكشف وثائق بريطانية، أفرج عنها حديثا.
وتؤكد الوثائق، التي حصلت عليها "عربي21"، وجود خلافات بين الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن أفضل سبل التعامل مع نظام الرئيس السوري المخلوع وحمله على التغيُر والإصلاح.
تولى بشار حكم سوريا في منتصف عام 2000 بعد وفاة والده حافظ الديكتاتور الذي حكم البلاد بقضبة من حديد لنحو ثلاثين عاما. وبعد أقل من عام ونصف، زار توني بلير رئيس وزراء بريطانيا دمشق، ليكون أول زعيم بريطاني يقدم على هذه الخطوة.
ولم يمر سوى 14 شهرا، حتى وصل الأسد وزوجته أسماء إلى المملكة المتحدة بدعوة رسمية في زيارة دولة، التقى خلالها بملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، وولي عهدها السابق (الملك الحالي) تشارلز. كما استقبله بلير في 10 دواننغ ستريت أمام الكاميرات، ليكون بشار، أول رئيس سوري يزور المملكة المتحدة.
وفي مواجهة الانتقادات، أبدت حكومة بلير تفاؤلا بما اعتبرته استعدادا من جانب الأسد للإصلاح والتغيير مخالفا ميراث والده السلطوي في سوريا، والانفتاح على الغرب. وحينها، أكدت الحكومة البريطانية ميلها إلى بذل أقصى ما تستطيع لدعم ما وصفته بمساعي بشار الإصلاحية.
غير أن وثائق رئاسة الحكومة البريطانية تكشف عن خلافات جدية بين حكومة بلير وإدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش آنذاك بشأن التعامل مع نظام بشار. رأت لندن أن "التواصل الفعال مع بشار" سوف يساعد في حل قضايا الشرق الأوسط. إلا أن الإدارة الأميركية أصرت على أن الضغوط المستمرة هي الطريقة الوحيدة الأكثر فعالية للدفع باتجاه تغيير حقيقي في سوريا.
وفي أبريل/نيسان عام 2004، تقرر أن يزور بلير واشنطن، وكان الملف السوري ضمن قائمة مباحثاته مع بوش. تلقى بلير نصيحة من مستشاريه بأن يحاول إقناع بوش بأن الحوار المستمر مع بشار قد يؤدي إلى تغيير. وفي تقرير معلوماتي لبلير، نبه سير نايجل شينولد، مستشار رئيس الوزراء البريطاني للسياسة الخارجية والدفاع، إلى رؤية الولايات المتحدة لسوريا، والتي أبلغ الأميركيون البريطانيين بها.
وحسب تقرير سير نايجل، فإن الأميركيين كانوا مؤمنين بأن نظام بشار "لن يتغير" وبأن "تصعيد الضغط هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها فرض هذا التغيير".
وفي هذه الأثناء، مرر الكونغرس الأميركي قانون محاسبة سوريا، الذي فُرضت بمقتضاه عقوبات على نظام بشار. وتوقع البريطانيون ألا تتوقف إدارة بوش عند هذا الحد، وسوف تمارس ضغوطا إضافية تشمل عقوبات على الطيران المدني والتجارة الثنائية على الشركات الأميركية المستثمرة في سوريا.
وجاء في تقرير سيرنايجل أن البريطانيين "يشاركون الولايات المتحدة في وجهة نظرها بأن سوريا فشلت في التعامل بشكل ملائم مع القضايا التي تستحوذ على اهتمامنا". وعدد التقرير هذه القضايا مشيرا إلى "الموقف السوري من العراق، وخاصة أمن الحدود بين البلدين، وأنشطة جماعات الرفض الفلسطينية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، "احتلال" لبنان، وأسلحة الدمار الشامل ، والإصلاح".
غير أن بلير نُصح بأن يشرح لبوش أن الحكومة البريطانية "تقدر بأن التواصل الناقد عالي المستوى مع السوريين، بالتزامن مع الضغوط الأميركية المتزايدة، هو استراتيجية قد تؤتي بنتائج".
كان العراق أكثر ما يشغل الأميركيين والبريطانيين. ووصف التقرير البريطاني هذا الملف بأنه "مصدر قلق رئيسي". وكان بوش في موقف سياسي ضعيف قبل شهور من الانتخابات (التي جرت في نوفمبر/تشرين الأول عام 2004) بسبب تعثر مشروعه في العراق. وتدنت شعبيته إلى أدنى مستوى منذ تولى الرئاسة عام 2000.
وفي تقييمها لوضع بوش، قالت السفارة البريطانية في واشنطن إن العراق قضية بالغة الأهمية لبوش. وخلصت إلى أنه "لا يمكنه الفوز بالانتخابات استنادا إلى العراق فقط، لكنه يمكن أن يخسرها بسببه".
ونصح المستشارون بلير بأن يدرك بأن بوش "في ورطة سياسية" وفي موقف" دفاع سياسي" طوال عام 2004 ، بينما الأحداث في العراق "تضع الإدارة (الأميركية) تحت ضغط حقيقي".
وكانت المعضلة الكبرى في العراق هو تصاعد المقاومة للاحتلال بعد عام تقريبا من الغزو وإسقاط نظام صدام حسين، مع اقتراب الأول من يوليو/تموز عام 2004، الموعد المعلن لإعادة السيادة إلى العراقيين. وفي هذا السياق، قدر البريطانيون أن بوش "يحتاج إلى عملية سياسية ذات مصداقية في العراق في فترة ما قبل إعادة السيادة وبعدها". غير أن ما سماها التحالف المحتل بـ "التمرد السني"، الذي غذاه المقاتلون الأجانب، أثار مشكلة كبرى لقوات الاحتلال. وزادت حاجة الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مساعدة سوريا في خفض التصعيد العسكري والأمني في العراق عن طريق تفعيل الرقابة على الحدود حتى لا يتدفق المقاتلون من الأراضي السورية إلى العراق.
ونبه ماثيو رايكروفت، سكرتير بلير الخاص للشؤون الخارجية والدفاعية، إلى أن التقارير البريطانية تؤكد أن التحالف "خسر رأس مال سياسيا كبيرا في العراق". ونصح بلير بأن يسعى خلال لقائه المنفرد ببوش بأن يسعى إلى الحصول على "اعترافه بهذا وموافقته عليه". وخلص ماثيو، في تقرير معلوماتي إلى بلير، إلى أن واشنطن ولندن "ينبغي عليهما التحكم الكامل في الوضع الأمني"، في العراق.
وهنا، عمل فريق مستشاريي بلير على توجيه رسالتين إلى الأميركيين بشأن سوريا، الأولى هي أن نظام بشار "يجب أن يدرك أن العالم قد تغير، وأن بريطانيا "ليس لديها نية لخفض السقف" في التعامل مع دمشق، والسبب هو أن "تراخيها بشأن عدد من مصادر القلق (الأميركي والبريطاني) غير مقبول".
والرسالة الثانية، هي تأكيد البريطانيين على أهمية تعاون سوريا بشأن قضية "تدفق الإرهابيين" إلى العراق من سوريا. ونُصح بلير بأن يطمئن بوش على أن البريطانيين "يضغطون على السوريين بشدة للمساعدة في وقف التدفق". غير أن البريطانيين أصروا، في الوقت نفسه، على أنه "لا بديل أكثر فعالية عن الحوار بهذا الشأن".
وأشار البريطانيون إلى أنهم ينظرون في سبل للضغط على نظام بشار "لتشديد تدابير الأمن على الحدود" مع العراق. وكانت إحدى السبل هي إقناع السوريين بقبول زيارة لمسؤولين بريطانيين كبار من وزارتي الخارجية والدفاع، وجهاز الاستخبارات الخارجية (إم آي 6) بهدف "بحث التعاون بشأن وقف تدفق الإرهابيين القادمين إلى العراق من سوريا".
في الوقت نفسه، خلصت تقارير بريطانية إلى أن سوريا "بذلت بالفعل بعض الجهد لتحسين الأمن على الحدود. وأبلغ المستشارون بلير بأن الأجهزة الأمريكية المعنية "أقرت بأن هناك زيادة في عديد القوات والخبرات اللازمة على الحدود" بين سوريا والعراق، وبأن التعاون الحدودي "قد تحسن". ومع ذلك، كان لدى البريطانيين اعتقاد بأن سوريا "يمكنها أن تفعل المزيد لملاحقة الأشخاص الموجودين في سوريا الذين يسهلون تحرك الإرهابيين عبر الحدود". ورغم أن البريطانيين "لم يعتقدوا أن النظام متواطيء في هذا الأمر"، فإنهم لم يستبعدوا أن "يكون أفراد فيه مشاركين" في تسهيل المرور عبر الحدود.
وفي سياق الإعداد لبقية القضايا المحتمل مناقشتها، توقع مستشارو بلير أن يثير بوش موقف سوريا من عملية السلام في الشرق الأوسط، إذ كانت علاقات سوريا مع منظمات المقاومة الفلسطينية مثل حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي في فلسطين، مصدر قلق رئيسي لواشنطن ولندن.
وفي مايو/أيار عام 2003، صرح كولين باول وزير الخارجية الأمريكي بأن بشار أبلغه بأنه يتخذ إجراءات بشأن إغلاق مكاتب حماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سوريا. وأضاف باول أن بشار وعد بأن يقيد قدرات هذه الجماعات، التي وصفها البريطانيون بجماعات الرفض بسبب رفضها التسوية مع إسرائيل وفق عملية السلام المطروحة، على التواصل فيما بينها.
غير أن التقييم البريطاني لما نُقل عن بشار اعتبره "مجرد إجراءات تجميلية"، وأن السوريين "حريصون على ألا يشاركوا بشكل مباشر في أنشطة حما س والجهاد ضد إسرائيل".
ونصح المستشارون بلير بأن يشرح للأمريكيين بأن الدعم السوري لهذه الجماعات "كلامي" و"نادرا ما يكون عمليا". إلا أن هذا التقييم اعتبر أن هذا الدعم "استراتيجي"، وإن توقعوا أن "يسقط في حالة دخول سوريا في مفاوضات سلام جادة مع إسرائيل".
ولم يبد البريطانيون تفاؤلا بشأن هذه المفاوضات المأمولة، وأشاروا إلى أنه لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة عابئة بأي مبادرات سلام من جانب سوريا.