2025.. ربع قرن من الخدع والأكاذيب في عمر الألفية الثانية!
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يدخل العالم نهاية مرحلة ربع القرن الأول من الألفية الثانية مع حلول العام الجديد 2025. وقد حملت المرحلة الزمنية الماضية في جعبتها أحداثاً تاريخية مهولة انطبعت في ذاكرة الدول والشعوب، وشكلت منعطفاً لتغيرات كارثية شهدها العالم على مختلف الأصعدة خلال عقدين ونصف من القرن الحادي والعشرين.
ولم يكد العالم يلتقط أنفاسه من الحرب على العراق حتى انطلقت الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في يوليو 2006 وكان هدفها القضاء على حزب الله ونقل لبنان من محور الممانعة والرفض للمشروع الأمريكي إلى محور التبعية الكاملة له. واستصدرت أمريكا مع بقية حلفائها القرار 1559 الذي يخدم مصلحة الكيان المحتل واختصر المسألة بتغيير النظام في لبنان، وعزل سوريا وتجريد حزب الله من سلاحه؛ والأمران الأخيران هما بيت القصيد حيث سعت الدولة العبرية لتحقيقه منذ 2000 ونفذته في 2024.
ولم تكن المنطقة العربية قد لملمت جراحها وتجاوزت خسائرها عندما بدأت أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة في 2007 والتي سرعان ما تحولت إلى زلزال اقتصادي عالمي مع حلول 2008. ولعبت العولمة الكريهة دورها في انتقال الأزمة بسرعة البرق إلى مختلف دول العالم ولم ينج من عدوى تنين العولمة أحد.
وجاء بعد ذلك الزلزال الذي رسم خريطة الشرق الأوسط الحديث مع أول شرارة لـ"الربيع العربي" أطلقها "البوعزيزي" في تونس عندما أشعل النيران في نفسه يوم 17 ديسمبر 2010، لتمتد بعد ذلك الأحداث إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين. وتلتها موجات أخرى في السودان ولبنان. وما زالت تداعياتها المدمرة على المنطقة العربية مستمرة وتحولت خلالها الأحلام إلى كوابيس، وغرقت معظم الدول في الصراعات والأزمات والديون. ثم أجهزت جائحة كورونا على ما تبقى من مقومات الصمود. ولحقتها الحرب الأوكرانية، ثم الحرب على غزة ولبنان انتهاءً بسوريا وسقوط نظام الأسد والخطة الآن تدمير ما تبقى من اليمن.
وبالعودة إلى مثل هذا اليوم قبل 25 عاما عندما كان العالم يحتفل بولادة قرن جديد، لم يكن يشغله سوى فكرة أن أجهزة الكمبيوتر ستفشل بشكل كارثي مع حلول العام 2000 وعاشت شعوب العالم حالة من الرعب واحتلت هذه القضية قمة أجندة الدول وأجهزتها الأمنية والعسكرية على امتداد سنوات بسبب احتمالات الأعطال نتيجة إضافة "صفر الألفية الثانية". وعندما أصبح من الواضح أن الكارثة لن تقع، ظهر بعض المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات ليقولوا إن الأمر كله كان ذعرًا لا طائل منه وإهدارًا هائلاً للمال حيث أنفق حوالي 300 مليار دولار لخطط التصدي للمجهول، وهذه في نظر هؤلاء كانت مجرد "خدعة" لتحقيق مكاسب ضخمة لشركات تكنولوجيا عالمية.
وأذكر أني كنت أعمل في ذلك الوقت في جريدة "العالم اليوم" الاقتصادية التي ترجمت مقالاً أثار هلع الرأي العام العالمي في ذلك الوقت عام 1993 نشرته مجلة عالم الكمبيوتر تحت عنوان "نهاية العالم عام 2000". ويطرح مخاوف متخصصي تكنولوجيا المعلومات من احتمالات كارثة لأن أجهزة الكمبيوتر تخزّن التواريخ المكونة من ستة أرقام لكن مع اللحظة الأولى في الألفية الثانية قد تعتقد الأجهزة أن التاريخ هو الأول من يناير 1900 بدلا من عام 2000 مما قد يتسبب في أخطاء في أنظمتها.
لكن كما تعلمون لم يحدث شيء من تلك المخاطر، ونشرت الصحف خبراً صباح الألفية الجديدة عن حدوث أعطال محدودة في بعض الأجهزة الطبية في عدد من الدول. واتضح كالعادة أنه موسم من مواسم الذعر(panic)، أصبحنا نعرفها جيدا الآن بعد مرور 25 عاما من الخدع والكذب؛ وهو هلع "بفلوس"، بمعنى أن الفزاعة تتيح صرف مليارات من الدولارات -تكفي لتسد جوع فقراء العالم- تحت دعاوى مختلفة في كل مرة منها تحديث الأنظمة، وإنقاذ العالم من كيمياوي صدام، وإنقاذ البشرية من فيروس قاتل وهكذا الدعاوى لا تنتهي. وهي استخدام لنظرية الدومينو في كل مرة حيث يتم نشر الخوف والترويج بأنه إذا سقطت قطعة من الدومينو ستنهار بقية القطع، ويدخل العالم في مواجهة مع "المجهول" وهي قصة مثالية للتعبئة العامة، مع إطلاق الخيال لتصورات حول ما سيحدث من أهوال.
وإذا ثمة درس يمكن استخلاصه من هذه الأحداث المهولة في ربع قرن مضى فهو ضرورة استفاقة الشعوب إزاء هذه الخدع والأكاذيب التي لا تخدم إلا خطط مجلس إدارة العالم الذي لا يهمه شعوباً ولا إنقاذ حضارات هو من يتعمد إسقاطها، بل تحقيق أرباح ومكاسب تذهب للشركات العالمية التي تدير وتتحكم في سياسيي الدول الكبرى وليس العكس، وهي شركات السلاح والدواء والتكنولوجيا. فهل نفهم الدرس؟!
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: نشرة البوابة نيوز الحرب على العراق لبنان
إقرأ أيضاً:
تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي.. احتمالات حدوث أزمة مالية ورادة
بحسب معهد بحوث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن ثلاثة أحداث وقعت في وقت واحد: انتهاء وقف إطلاق النار في غزة والعودة إلى القتال، والموافقة على الميزانية الإشكالية للعام 2025، وعدم الاستقرار السياسي، تشير إلى تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الإسرائيلي، وتزيد من احتمالات حدوث أزمة مالية.
وبشأن الحدث الأول فقد أدى نشاط الجيش في قطاع غزة ولبنان إلى تجدد التهديد الصاروخي على "إسرائيل" وهجمات الحوثيين من اليمن. وإلى جانب عنصر عدم اليقين الذي يصاحب هذه المرحلة من الحرب وأهدافها، فإنه يجعل من الصعب أيضاً على الاقتصاد أن يعمل، بعد أن بدأ يعود إلى طبيعته في الأسابيع التي سبقت ذلك.
على سبيل المثال، يؤثر العودة إلى القتال سلباً على النمو في "إسرائيل" بعد تجنيد جنود الاحتياط؛ سيتعين على الشركات مرة أخرى العثور على بديل للموظفين الذين سيتم تجنيدهم مرة أخرى، بالإضافة إلى ذلك، تزداد التكلفة المرتبطة بتجنيد جنود الاحتياط.
وأظهرت دراسة أجرتها وزارة المالية الإسرائيلية في عام 2024 أن التكلفة الاقتصادية لجندي الاحتياط تبلغ نحو 48 ألف شيكل شهريا (الشيكل يساوي 0.26 دولار).
لقد تطلب تمويل الحرب حتى الآن جمع ديون بمبالغ ضخمة، والتي تجاوزت حتى جمع الديون خلال أزمة كورونا في عام 2020. وبالتالي، فقد بلغ مجموع الديون 278 مليار شيكل في عام 2024 مقارنة بـ 265 مليار شيكل في عام 2020. وأدت هذه الزيادات، إلى جانب نمو الناتج المحلي الإجمالي شبه الصفري، إلى زيادة كبيرة في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 60% في عام 2022 إلى 69% في عام 2024.
الحدث الثاني الذي يقوض استقرار الاقتصاد الإسرائيلي هو إقرار الكنيست لأكبر ميزانية للدولة على الإطلاق، والتي بلغت قيمتها نحو 620 مليار شيكل.
في ظاهر الأمر، ينبغي أن يكون إقرار ميزانية الدولة علامة إيجابية على الاستقرار السياسي والاقتصادي. ولكن الميزانية التي تمت الموافقة عليها تشكل إنجازا سياسيا لحكومة بنيامين نتنياهو، ولكنها تشكل فشلا اقتصاديا للبلاد، بحسب التقرير.
لقد أكد بنك "إسرائيل" ووزارة المالية مراراً وتكراراً أن أولويات الحكومة الحالية لا تتوافق مع التحديات الاقتصادية التي تواجه دولة "إسرائيل". ولذلك، فليس من المستغرب أن تكون هناك فجوة كبيرة بين توصيات الهيئات المهنية بشأن ميزانية عام 2025 والميزانية التي تمت الموافقة عليها فعليا. وتتضمن الميزانية الكثير من القرارات المتعلقة بالقوى العاملة، بما في ذلك رفع اشتراكات التأمين الوطني، وتجميد شرائح ضريبة الدخل، وتقليص أيام النقاهة، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وهو ما قد يضر بمستوى الطلب في الاقتصاد. كما يتضمن تخفيضات واسعة النطاق في ميزانيات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.
وعلى النقيض من ذلك، تفتقر الميزانية إلى محركات النمو الرئيسية، ولا تتضمن تخفيضات كبيرة في أموال الائتلاف غير الضرورية، كما أن الأموال التي وعدت بها "قانون النهضة" لإعادة إعمار غلاف غزة والشمال لم يتم تضمينها أيضاً. وبدلاً من تلك البنود التي قد تشجع النمو والاندماج في سوق العمل، تتضمن الميزانية مخصصات كجزء من اتفاقيات الائتلاف، والتي تحفز عدم التجنيد في الجيش الإسرائيلي وعدم المشاركة في سوق العمل. علاوة على ذلك، فإن توزيع الأموال على المؤسسات المعفاة من الضرائب في التعليم الحريدي والتي لا تدرس المواد الأساسية يؤدي إلى إدامة المشكلة وتفاقمها، لأن التعليم الذي تقدمه لا يزيد من قدرة طلابها على الكسب في المستقبل.
الحدث الثالث هو عدم الاستقرار السياسي الذي يرافق عودة الثورة القضائية ومحاولات إقالة المستشار القانوني للحكومة ورئيس الشاباك.
منذ بداية الحرب، قامت ثلاث وكالات تصنيف ائتماني بخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل". وفي كل التقارير التي أصدروها منذ انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أشاروا إلى الخوف من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي.
وفي العام الماضي، هاجم وزير المالية سموتريتش قرارات شركات التصنيف الائتماني في عدة مناسبات، مدعيا أن الشركات تتعامل مع قضايا غير اقتصادية، وأنه يتوقع نموا مرتفعا للاقتصاد الإسرائيلي بعد نهاية الحرب.
ولكن هناك مشكلة أساسية في هذه الحجة؛ إذ تشير دراسات واسعة النطاق في علم الاقتصاد إلى أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية تؤثر على نمو وازدهار البلدان. على سبيل المثال، أظهر الفائزون بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024 (درون أسيموجلو، وسيمون جونسون وجيمس روبيسون) أن البلدان التي تتمتع بمؤسسات ديمقراطية وسيادة قانون مستقرة تميل إلى الازدهار اقتصاديا، في حين تكافح البلدان ذات المؤسسات الضعيفة لتحقيق نمو كبير في الأمد البعيد.
وهذا يعني أنه حتى من منظور اقتصادي بحت، فإن إضعاف السلطة القضائية يؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد. ولذلك، يتعين على وكالات التصنيف الائتماني أن تعالج القضايا السياسية في كل دولة تدرسها لتقييم المخاطر المستقبلية التي تهدد الاقتصاد. والخلاصة هي أن عدم الاستقرار السياسي يساهم في ارتفاع تكاليف تمويل الديون، كما يتضح من ارتفاع علاوة المخاطر في "إسرائيل" في عام 2023، حتى قبل بدء الحرب.
ولكي نفهم بشكل أفضل تأثير العمليات الثلاث التي تحدث معا على القوة المالية لـ"إسرائيل"، كما يراها المستثمرون الدوليون، فمن المفيد أن ننظر إلى التقلبات في عقود مقايضة الائتمان الافتراضي (CDS)، وهو عقد مالي يستخدم كأداة للحماية من إفلاس الجهة المصدرة للدين. وبعبارة بسيطة، فهو تأمين ضد خطر عدم سداد الديون. كلما ارتفع مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان في بلد ما، زاد قلق المستثمرين بشأن الاستقرار الاقتصادي في البلاد. ويتغير هذا المؤشر يوميا، مما يتيح لنا الحصول على رؤية فورية حول مخاطر الائتمان في البلدان.
ويظهر مؤشر مقايضة مخاطر الائتمان الإسرائيلي (بالدولار) لمدة 10 سنوات منذ 1 كانون الثاني/ يناير 2023، أن مخاطر الائتمان الإسرائيلي بدأ في الارتفاع بشكل معتدل في بداية عام 2023 وقفز بشكل كبير مع اندلاع الحرب. وواصل مؤشر أسعار المستهلك (CDS) اتجاهه الصعودي ولكن بدرجة معتدلة في العام الأول من الحرب.
وفي ضوء الإنجازات التي تحققت ضد إيران بعد الهجوم الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، انخفض مؤشر القوة النسبية (CDS) بشكل حاد. واستمر تراجعه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان. ومع استئناف القتال في قطاع غزة في أوائل آذار/ مارس 2025، ارتفع مستوى الدفاع الصاروخي الإسرائيلي مجددا. والمعنى العملي لهذه العلاوة هو أن الأسواق تضع في الحسبان مخاطر أكبر للإفلاس في "إسرائيل".
يميل هذا المؤشر إلى أن يسبق قرارات شركات التصنيف الائتماني. على سبيل المثال، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" في شباط/ فبراير وأيلول/ سبتمبر 2024، بعد فترة طويلة من ارتفاع أسعار مقايضة مخاطر الائتمان. وبشكل عام، انخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" بحسب وكالة موديز من مستوى ما قبل الحرب A1 إلى المستوى الحالي Baa1 مع نظرة مستقبلية سلبية. ويعتبر هذا المستوى قريباً جداً من مستوى Ba1، وهو المستوى الذي تعتبر فيه السندات سندات غير مرغوب فيها.
إن الانخفاض إلى هذا المستوى قد يدفع "إسرائيل" إلى أزمة مالية حيث ستجد صعوبة في جمع الديون في الأسواق المالية لتمويل نفقاتها (بما في ذلك نفقات الحرب).
وهناك احتمال لقيام شركات التصنيف الائتماني بخفض تصنيف "إسرائيل" مرة أخرى.
وينصح التقرير القادة الإسرائيليين بأن يأخذوا في الاعتبار أن الأمن القومي الإسرائيلي مرتبط بالطريقة التي تنظر بها الأسواق المالية إليه.
ويضيف: بالنسبة للأسواق المالية، فإن "إسرائيل" تعيش حالة من الاضطراب الأمني والسياسي والاجتماعي، وكل هذا لا يحدث في فراغ؛ هذه العمليات الثلاث تجري على خلفية الحروب التجارية وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي في ضوء السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.