مواقف سودانية متناقضة من مبادرة تركيا لإزالة التوتر مع الإمارات .. «تيار إسلامي» في حكومة البرهان يرفض مبادرات الحوار مع «الدعم السريع»
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
تناقضت مواقف المسؤولين السودانيين من المبادرة التركية للوساطة بين السودان والإمارات. فبعد أسبوعين من ترحيب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، برز موقف مختلف من وزارة الخارجية السودانية حمل لهجة حادة في الرد على البيان الإماراتي بخصوص وساطة أنقرة.
وكانت تركيا قد توسّطت لإنهاء حالة التوتر بين السودان والإمارات خلال اتصال هاتفي أجراه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع قائد الجيش السوداني في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وعزّز رأس الدبلوماسية السودانية، علي يوسف الشريف، هذا الموقف، إذ قال في مقابلة أجرتها معه وكالة «الأناضول» التركية، الجمعة الماضي، إن «المبادرة التركية سيكون لها مردود إيجابي، ونأمل أن تنجح». وأكد أن السودان تربطه «علاقات طيبة جداً» مع الإمارات.
لكن «الخارجية» السودانية عادت ليلة الأحد لتوجيه اتهامات إلى الإمارات، رداً على بيان أصدرته نظيرتها الإماراتية التي أعلنت ترحيب دولة الإمارات العربية المتحدة بالوساطة التركية الرامية إلى إنهاء الحرب في السودان.
وأبدت «الخارجية» الإماراتية، الأحد، استعدادها للتنسيق والتعاون مع تركيا لإنهاء الصراع في السودان، مشددة على الوقف الفوري لإطلاق النار والاقتتال الداخلي في السودان بين القوات المسلحة و«قوات الدعم السريع».
وأكدت «الخارجية» الإماراتية، في البيان، أن الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد لإنهاء الصراع، بما يؤدي إلى قيام عملية سياسية لتشكيل حكومة مدنية.
بدورها، رحّبت «الخارجية» السودانية باستعداد تركيا «الصديقة» للتوسط بين السودان والإمارات، وقالت إن هذا الموقف يستحق التشجيع والتعاطي الإيجابي معه، مؤكدة أن تركيا محل ثقة وتقدير من السودان. وتضمّن البيان اتهامات جديدة للإمارات. كما رفض بيان «الخارجية» السودانية ما سماه «الاتهامات المبطنة» للجيش السوداني بشأن عدم مشاركته في محادثات جنيف التي جرت في أغسطس (آب) الماضي، مشيراً إلى «عدم جدوى وجدية هذه المحادثات» في وقت تواصل فيه «قوات الدعم السريع» تصعيد «مجازرها» ضد المدنيين. وأشار البيان في هذا الإطار إلى أن «الميليشيات الإرهابية» (في إشارة إلى «الدعم السريع») واصلت قصف معسكرات النازحين في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، مستخدمة المدفعية الثقيلة بعيدة المدى، بما يتوافر لها من دعم خارجي.
وقالت مصادر لــ«الشرق الأوسط» إن هذا الموقف ضد الإمارات يعبّر على الأرجح عن تيار من الإسلاميين بات يتحكم إلى حد كبير في القرارات التي تصدر عن وزارة الخارجية السودانية. وقالت المصادر التي فضّلت عدم كشف هويتها، إن هذا التيار له تأثير كبير في قيادة الجيش السوداني، ولديه أيضاً نفوذ واسع في كل مؤسسات الدولة، مضيفة أن هذا التيار لن يقبل بأي وساطة بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وسيعمل على إفشال مبادرات الحوار والتفاوض السلمي؛ لأنه يريد الحسم العسكري ضد ما يعدها «ميليشيات متمردة».
واندلعت الحرب في السودان في أبريل (نيسان) 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين، ونزوح ملايين آخرين داخل البلاد وخارجها.
نيروبي: الشرق الأوسط: محمد أمين ياسين
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
محاولات مصرية لتقريب وجهات النظر بين الإمارات والحكومة السودانية
شهدت العلاقات بين السودان والإمارات توترات ملحوظة أخيراً، إذ انتقدت وزارة الخارجية السودانية الإمارات على خلفية ما وصفته بـ"التدخل السافر" في الشؤون الداخلية، وهو الانتقاد الذي جاء في وقت حسّاس يمر فيه السودان بأزمات سياسية وأمنية متعددة، ما يزيد من أهمية الوساطات الإقليمية، بينما تواصل تركيا دور الوسيط الرئيسي بين السودان والإمارات في هذه المرحلة. وبحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، يسعى المسؤولون المصريون إلى تقريب وجهات النظر بين الإمارات والحكومة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بالتوازي مع الجهود التركية للمصالحة بين الطرفين، إضافة إلى ذلك، سبقت المحاولات المصرية مساعٍ إماراتية لتقريب وجهات النظر بين القاهرة وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لكنها قوبلت بالفشل أيضاً.
تُنسّق القاهرة مع السعودية ودول أخرى بهدف تشكيل موقف إقليمي موحد لدعم الاستقرار وتجنّب الاستقطاب نتيجة التدخلات في السودان
يتطلّب دور مصر في الوساطة، وفقاً لدبلوماسيين مصريين، وسودانيين، خطوات دقيقة ومتوازنة، في وقت تعمل فيه على فتح قنوات اتصال بين المسؤولين السودانيين والإماراتيين لتقريب وجهات النظر وحلّ الخلافات بطريقة سلمية، كما تُنسّق القاهرة مع السعودية ودول أخرى لديها نفوذ في السودان والإمارات بهدف تشكيل موقف إقليمي موحّد لدعم الاستقرار وتجنب الاستقطاب الذي قد ينشأ نتيجة التدخلات المتعددة في السودان.
العلاقات السودانية الإماراتية.. هل تنجح وساطة أردوغان في إصلاحها؟
وفي خطوة لافتة على صعيد الجهود الإقليمية لحلّ الأزمة السودانية، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في اتصال هاتفي يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استعداده للتوسط بين السودان والإمارات. يأتي هذا بعد توتر العلاقات بين البلدين بسبب اتهامات سودانية متكررة للإمارات بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والمعدات العسكرية، ما أدى إلى تفاقم النزاع الداخلي في السودان.
الإمارات تضغط على مصر
ووفقاً للخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية، الدكتورة نجلاء مرعي، فإن "تركيا تسعى لاستثمار علاقاتها القوية مع السودان، على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي، إلى جانب علاقاتها مع الإمارات، للعب دور الوسيط في هذا النزاع". وأضافت في حديث لـ"العربي الجديد" أن الخلاف السوداني الإماراتي ليس جديداً، إذ تصاعدت اتهامات السودان للإمارات خلال السنوات الأخيرة، ووصلت إلى تقديم شكاوى للاتحاد الأفريقي. على صعيد آخر، أكدت مرعي عدم وجود خلافات بين مصر وتركيا في إدارة الملفات الإقليمية في القرن الأفريقي، مشيرة إلى "تنسيق واضح" بين البلدين، خصوصاً في الملف الصومالي. هذا التنسيق ظهر جلياً في توقيع بروتوكولات عسكرية مع الصومال، جاءت في إطار مواجهة التحركات الإثيوبية الرامية إلى تأمين منفذ على البحر الأحمر. وأوضحت أن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة عقب إرسال قوات مصرية إلى مقديشو، تعكس عمق هذا التعاون.
وأضافت مرعي أن مصر، باعتبارها الداعم الأبرز للجيش السوداني في مواجهته مع قوات الدعم السريع، تضع الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة السودانية كأولوية لضمان أمنها القومي. وأشارت إلى محاولات من قبل الإمارات للضغط على مصر لتخفيف وتيرة العمليات العسكرية للجيش السوداني، أو قبول مفاوضات تضمن مصالح قوات الدعم السريع. رغم ذلك، أشارت الخبيرة إلى أن العلاقات المصرية الإماراتية تشهد حالياً تفاهماً مشتركاً يدعم رؤية القاهرة في الحفاظ على وحدة الدولة السودانية.
الخضر هارون: لا يمكن لدولة تحرص على بقائها وسلامة شعبها أن تفرط في عامل استراتيجي كالسودان
بدوره، قال السفير السوداني السابق لدى واشنطن، الخضر هارون، لـ"العربي الجديد"، إن مصر تمتلك مراكز أبحاث وخبرات واسعة تضم الأكاديميين والعسكريين وأجهزة الاستخبارات ورجال السياسة والاقتصاد، ما يجعلها قادرة على تحليل المعطيات الإقليمية بدقة. وأضاف أن هناك سياسيين في مصر والسودان يرون أن استقرار البلدين يكمن في إقامة روابط أوثق، سواء عبر اتحاد شامل أو كونفدرالية فاعلة. وأوضح أن مصر تدرك أهمية السودان كعمق استراتيجي وظهير قوي لها في أوقات الشدائد، كما صرّح عددٌ من المسؤولين المصريين أخيراً. وقال: "لا يمكن لدولة تحرص على بقائها وسلامة شعبها أن تفرط في عامل استراتيجي كالسودان، الذي يشكل الذروة في هذه المعادلة. المقارنة هنا بين الثابت، وهو السودان كعمق استراتيجي، والمتغير، وهو العلاقات الثنائية والتجارية التي تخضع للتغير عبر الزمن".
ترقب للوساطة التركية
وفي ما يتعلّق بالوساطة التركية، قال هارون: "إذا حقّقت الوساطة التركية هدفها بوقف العدوان على السودان، فستكون مصر قد جنبت نفسها شرّ القتال، وحافظت على علاقاتها مع الإمارات، وفي الوقت ذاته، ساهمت في تأمين استقرار الدولة السودانية وحماية ظهرها من تقلبات الزمن". وأضاف: "أما إذا لم تنجح المبادرة التركية في تحقيق أهدافها، فلن يكون أمام مصر سوى أن تسعى للقيام بالدور بنفسها، لوقف العدوان على السودان. قد تنجح مصر في هذا المسعى دون أن تخسر أحداً، مستفيدةً من عمق علاقاتها التاريخية ومصالحها الاستراتيجية مع السودان".
من جهته، قال الكاتب والخبير في الشؤون الأفريقية، هاشم علي، لـ"العربي الجديد"، إن الوساطة التركية لحل الأزمة السودانية مرحّب بها باعتبارها جهوداً أخوية من دولة تركيا، التي أثبتت على مدار السنوات أنها نبراس للسلام في العديد من القضايا الإقليمية. وأشار إلى أن جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أسهمت سابقاً في تحقيق تفاهمات بين إثيوبيا والصومال، وطي خلافاتهما، فضلاً عن دور تركيا المستمر في دعم السلام في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي. واقترح علي أن تكون الخطوة الأولى للمبادرة التركية هي إقناع قيادة الإمارات بوقف دعمها لمليشيا الدعم السريع، وإنهاء تدخلاتها غير المبررة في الشأن السوداني، ما سيمهّد الطريق لتحقيق سلام حقيقي بين الأطراف السودانية.
وفي ما يتعلق بدور مصر، أشار علي إلى أنها تتمتع بمكانة خصوصاً في قلوب السودانيين، مشيداً بتحسن العلاقات المصرية التركية في الأشهر الماضية بفضل الزيارات المتبادلة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان. وأكد علي أن ما تسعى إليه تركيا لتحقيق السلام في السودان يتوافق مع تطلعات القيادة المصرية، التي تضع استقرار السودان ضمن أولوياتها. واختتم تصريحاته قائلاً: "السلام في السودان وإعادة الاستقرار إلى ربوعه هو هدف مشترك لمصر وتركيا، انطلاقاً من المصير المشترك الذي يربط البلدين".
القاهرة: العربي الجديد