رحيل "عدوية" أسطى الأغنية الشعبية .. راحوا الحبايب
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
غنى له العندليب «السح الدح امبو».. وشق طريق النجومية في عيد زواج شريفة فاضل
قاوم المرض لأكثر من 20 عاماً.. وقهره رحيل زوجته
أحمد عدوية أحد أبرز وأهم رواد الغناء الشعبى فى مصر، حالة فنية استثنائية استطاع بإبداعه أن يصنع مدرسة خاصة به، تعرض لهجوم شديد فى بداية حياته، لأنه أدخل مصطلحات جديدة فى الأغنية فى فترة السبعينيات، لكن بمرور الوقت استطاع أن يعبر عن نبض الشارع المصرى، بصوته العذب وألحانه البسيطة القريبة من القلب، استطاع أن يحجز مكانة خاصة في قلوب الملايين، وقدم أغنيات خالدة مثل «زحمة يا دنيا زحمة» و«السح الدح امبو»، و«كراكشنجى دبح كبشه» التي أصبحت رمزًا لفترة ذهبية في تاريخ الفن الشعبي.
شيعت جنازة الفنان القدير ظهر أمس بحضور جمهوره وأصدقاء عمره الذين انهاروا فى العزاء لرحيله المفاجئ حتى أنه حتى أيامه الأخيرة ورغم مرضه كان يستقبل اصدقاءه فى منزله، ويقيم ليالى الفن حتى أن اصدقاءه من نجوم الفن الشعبى كانوا يطلقون على منزله «بيت الكبير».
أحمد عدوية لم يكن مجرد مطرب؛ بل حالة فنية فريدة، جمعت بين الإبداع والتلقائية، تاركًا إرثًا فنيًا يخلد اسمه في ذاكرة الأجيال،وبرغم التحديات والمآسي التي واجهها، يظل أحمد عدوية رمزًا للأغنية الشعبية المصرية. أثره على هذا اللون الفني لا يمكن إنكاره، فقد أسس لجيل كامل من المغنيين الشعبيين الذين استلهموا منه. بموهبته الفريدة وصوته الحميمي، استطاع أن يكون جزءًا لا يتجزأ من وجدان المصريين، ليبقى اسمه خالدًا في تاريخ الموسيقى العربية.
يعتبر فترة السبعينات والثمانينات العصر الذهبي لأحمد عدوية، فقد أحدثت أغانيه تحولًا في مسار الغناء الشعبي، حيث مزج بين الكلمات البسيطة والألحان الحماسية لتصل إلى قلوب الناس بمختلف طبقاتهم.
حتى العمالقة في الموسيقى العربية مثل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ أثنوا على صوته وأدائه، بل إن عبد الحليم حافظ نفسه غنى في إحدى الحفلات أغنية عدوية الشهيرة «السح الدح إمبو»، ما يدل على تأثيره الكبير حتى على كبار نجوم تلك الحقبة.
بدأت مسيرته الفعلية في عام 1969، عندما بدأ الغناء في مقاهي “الآلاتية”، إلا أن انطلاقته الحقيقية جاءت عام 1972 خلال حفل عيد زواج المطربة شريفة فاضل، حيث كان بين الحضور نخبة من الفنانين والصحفيين. في هذا الحفل، تم اكتشاف موهبته وعرض عليه صاحب كازينو "الأريزونا" العمل هناك.
في الفترة نفسها، تعاقد مع شركة "صوت الحب" لتسجيل أولى إسطواناته، والتي حققت نجاحًا كبيرًا وأصبحت من العلامات الفارقة في مشواره.
ومن أشهر أغانيه التي حققت انتشارًا واسعًا "السح الدح إمبو"، و"زحمة يا دنيا زحمة"، و"سيب وأنا أسيب"، " عيله تايهه" هذه الأغاني لم تكن مجرد كلمات وألحان، بل تحولت إلى أيقونات تعبر عن الحياة اليومية للمصريين.
بسبب شهرته الواسعة، استعانت به السينما المصرية لتقديم أغانيه في الأفلام، وأسند له المخرجون أدوارًا كوميدية.
كما شارك عدوية في أكثر من 27 فيلمًا، من أبرزها "أنا المجنون" و"البنات عايزة إيه"، إلا أن محاولاته في التمثيل لم تكن بنفس قوة نجاحه في الغناء، حيث كان يفتقر إلى موهبة التمثيل التي تؤهله لمنافسة نجوم السينما، وكان يعتمد فقط على أغنياته فى الأفلام وكانت سببا فى نجاح معظم أفلام الثمانينات.
تعرض أحمد عدوية في أوائل التسعينيات لحادث مأساوي أثار جدلًا واسعًا، أدخله في غيبوبة وأدت إلى تغير في صوته، ورغم حالة المرض الشديد، استطاع ان يتصدى للمرض، وظل مضيئا بفنه لم يغلبه المرض ولا الشيخوخة، وعاد للفن وفي عام 2010، أطلق عدوية أغنية "الناس الرايقة" بمشاركة الفنان اللبناني رامي عياش، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا وأعادت اسمه إلى دائرة الضوء.
تلي ذلك دويتو آخر مع ابنه محمد عدوية في مطلع 2011 ضمن ألبوم "المولد". محمد عدوية، الذي سار على خطى والده، أصبح أيضًا من الأسماء البارزة في مجال الغناء الشعبي، وقدم مع محمود الليثى اغنية صحى النوم مع محمود الليثى والتى قدم فيها موالًا كان أحد اسباب نجاح مسلسل رمضان كريم، واخر اغانيه "على وضعنا" التى جمعته بابنه محمد عدوية ومحمد رمضان.
ولكن غلبه حبه لرفيقة عمره زوجته التى رحلت عن عالمنا منذ أقل من شهر لتكسر قلبه ويلحق بها قبل أيام قليلة من نهاية العام، فهى رفيقة العمر التى تزوجها في عام 1976 وأنجب ولدًا وبنت، ابنه محمد عدوية أصبح مطربًا شهيرًا أيضًا. رغم الصعوبات التي واجهها في حياته، ظلت أسرته مصدر دعم كبير له، حتى رحل مساء الاحد الماضى عن عمر يناهز 79 سنة.
هاجمه الموسيقيون نهارًا واستمعوه ليلاً
أظلم أحد كواكب الأغنية الشعبية برحيل المطرب أحمد عدوية، ذلك الذى أثار ضجة فى عالم الغناء كانت ولا تزل.. كانت بداية عدوية كما روى لى الموسيقار الراحل حسن أبوالسعود فى أحد المحلات بشارع الهرم، وكان يعنى فى هذا المحل المطرب الشعبى محمد العزبى فى فقرة ثابتة، ولسبب ما اختلف الاثنان مدير المحل والعزبى الذى ترك الغناء فى هذا المكان مخلفًا وراءه فراغًا، فقال مدير هذا المحل لحسن أبوالسعود أريد مطربًا شعبيًا فاستدعى حسن أحمد عدوية ودوى نجاحه رغم أنه لم يكن يغنى وقتها إلا أغنية «عدوية» لمحمد رشدى الذى طالما غناها واقترن اسمه باسمها.
ثم تواصل عمل حسن أبوالسعود وأفرزا عدة أغنيات على رأسها أغنية «بنت السلطان» وواصل التلحين لعدوية الموسيقار فاروق سلامة وأفرزا عدة أغنيات من بينها أغنية «كله على كله» وكذلك مع الموسيقار بليغ حمدى وقدما معا أغنية «القمر مسافر» والتى كان لحنها بليغ لنجاة فرفضت غناءها، فقدمها لعدوية وأغنية «بنج بنج» وقدم عدوية أغنية «سيب وأنا أسيب» من كلمات الشاعر مأمون الشناوى وألحان سيد مكاوى. وقدم مع الموسيقار هانى شنودة أغنية «زحمة» وأغنية «قلق» وكان شنودة يراه نموذجًا فريدًا للمطرب الشعبى لا يتكرر، ورغم أن أغانى عدوية ممنوعة فى الاذاعة بأمر الموسيقار محمد عبدالوهاب الذى رأها أغانى لا تصلح لدخول البيوت إلا أنه رأى صوته لذيذًا وجميلاً ووصفه بذلك وأعجب عدوية برأى عبدالوهاب فيه، وقد تعاون عدوية مع أسماء عدة منهم: «محمد عصفور» الذى لحن له أغنية «يا ليلى ياباشا» و«قرقشندى دبح كبشه» و«بلاش اللون ده معايا» وكان الأديب الراحل نجيب محفوظ يحب صوته، وقال عنه: صوته شعبى لا يخلو من حلاوة «والشعب لا ينافقه بهذا الاعجاب». وكون أحمد عدوية فرقة موسيقية كبيرة ضمت أسماء عازفين كبارًا أمثال عبده داغر ألة الكمان.
ومن المفارقات التى أحب التأكيد عليها أن ثورة الأغنية الشعبية بعد زعيمها الأول محمد عبدالمطلب كانت فى أساسها ثورة ايقاعية، فقد قام المطرب الشعبى محمد رشدى برفع صوت الإيقاع عن سابقه "طلب" فأثار ضجة ونجاحًا بما قدم، ثم أتى بعد ذلك أحمد عدوية ورفع صوت الإيقاع أكثر من سابقيه فأثار ضحة كذلك ونجاحًا، ومن الأشياء التى لفتت نظر الجماهير إلى أغانى عدوية؛ كونها أغنيات تعبر عن حالات اجتماعية وسياسية مثل: أغنية «زحمة» و»قلق قلق جابولنا القلق»، أو تقديم أفكار قديمة بصور شعبية تعبر عن لغة الحارة مثل: «كله على كله»، وكان بسبب شيوع ألحانه ومفرداته كان البعض يطلق على الزمن كله: أنه زمن «عدوية» فى إشارة منهم لتردى وانتشار ما يقدمه كدلالة على الأيام التى كثر فيها اللغت، ثم ما لبثنا أن أدركنا أن ما قدمه لا يخلو من جمال حقيقى وشعبية فريدة، واكتشفنا أن أكثر الذين كانوا يهاجمونه يستمعون إليه حين يجن الليل.
قالوا عنه
محمد عدوية: الله يرحمك يابابا، رحم الله طيب القلب.. حنون القلب.. جابر الخواطر
أحمد سعد: «إلى اللقاء يا حبيب الشعب، اللهم اجعل حب الناس له، من حبك له».
رامى صبرى «رحمة الله على الفنان الكبير أحمد عدوية، إنا لله وإنا إليه راجعون»
نقيب الموسيقيين مصطفى كامل: «فقدنا فنانًا من أهم رموز مصر، الفنان الكبير أحمد عدويه فى ذمة الله»
حمادة هلال «اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعفُ عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله وارزقه جنة الخلد.. الله يرحمك يا عم أحمد»
حكيم: «الله يرحمك ويغفر لك يا من كنت السبب فى حبى للغناء، لقد نشأت على سماع أغانيك وجمال صوتك وحلاوة وبساطة أدائك»
وائل جسار «رحل أحمد عدوية عن عالمنا بعد مسيرة حافلة بالإبداع الفنى أثرت أجيالًا عديدة. ستظل أعماله خالدة فى قلوب محبيه، وندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته ويلهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان»
وزير الثقافة»: صاحب مسيرة فنية حافلة بأغانٍ تركت بصمة لا تُنسى فى تاريخ الموسيقى الشعبية. لقد كان نموذجًا للفنان الأصيل الذى أبدع فى تقديم فن يحمل هوية خاصة، سار على نهجها الكثير من مطربى الأغنية الشعبية».
عبدالباسط حمودة: النهاردة فقدت أبويا مرة تانية، كان أبويا وأخويا وعشرة عمرى، كان كله طيبة وكرم وحنية، رحمه الله، فقدنا إنسانا قلبه أبيض وفنان كبير»
محمد دياب: «البقاء والدوام لله، ربنا يرحمك يامدرسة.. نسالكم الدعاء للأستاذ أحمد عدوية مع السلامة يا أسطورة».
كريم عبدالعزيز: «البقاء والدوام لله فى نجم الأغنية الشعبية عدوية.. اللى كلنا كبرنا على أغانيه.. ستظل دائما فى ذاكرتنا جميعا. ربنا يرحمه ويسكنه فسيح جناته ويصبر اهله »
بنت السلطان 1977
كله على كله 1974
سلامتها أم حسن 1973
زحمة يا دنيا زحمة 1969
السح الدح امبو 1969
كركشنجى 1969
راحو الحبايب 1969
زحمة يا دنيا زحمة 1969
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أحمد عدوية نجم الأغنية الشعبية عدوية الأغنیة الشعبیة أحمد عدویة محمد عدویة نجاح ا
إقرأ أيضاً:
موراتينوس يرثي رحيل محمد بنعيسى في مقالة خاصة بـRue20 الإسبانية
بقلم : ميغيل أنخيل موراتينوس / وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والممثل السامي لمنظمة الامم المتحدة لتحالف الحضارات
وداعاً يا صديقي ….
هكذا كنت تودعني في كل لقاء يجمعنا، بكل بساطة وعفوية. وها أنا اليوم أقولها لك من جديد، لكن هذه المرة بحزن يثقل القلب وألم لا يوصف. كم يواسيني أن صداقتنا التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود تملؤني بفيضٍ من الذكريات الحية والتجارب التي تقاسمناها. ستبقى حاضرة في وجداني، وستمنحني القوة لأتذكرك دائمًا بالمودة نفسها والإعجاب الذي لم يفارقني نحوك يومًا.
تعرفنا على بعضنا قبل أكثر من ثلاثين عامًا. آنذاك، كنتَ تشغل منصب وزير الثقافة في المملكة المغربية، بينما كنتُ قد عدتُ للتوّ من مهمتي الدبلوماسية في بلدك، حيث كنتُ مسؤولًا عن شؤون شمال إفريقيا في وزارة الخارجية الإسبانية. جمعتنا سلسلة من الحوارات الثرية، وسرعان ما أدركنا أننا نتمتع بتفاهم متبادل، وأن هذه العلاقة القائمة على الثقة ستسهم في تعزيز مستقبل العلاقات بين بلدينا.
من المؤكد أن صداقتنا ترسخت بشكل متين عقب تعييني وزيرًا للشؤون الخارجية في إسبانيا .في ذلك الوقت، كنتَ قد أمضيتَ سنوات طويلة في قيادة الدبلوماسية المغربية. وسرعان ما أدركنا، بصفَتنا مسؤولَين عن السياسة الخارجية لبلدَينا، أن علينا تحمل مسؤولية إعادة بناء العلاقات الثنائية بروح من الجدية والصداقة والمسؤولية. وأعتقد أننا نجحنا في ذلك. كانت إحدى الأولويات الأساسية للحكومة الإسبانية الجديدة في عام 2004 إعادة بناء علاقاتها مع جارتها الجنوبية .فقد تضررت العلاقات الثنائية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومرت بأزمات خطيرة عدة، مما أدى، قبل كل شيء، إلى تآكل الثقة بين الإدارتين. لا زلت أذكر دعوتك لي لحضور مهرجانك الصيفي في مسقط رأسك، أصيلة، التي كنتَ تتولى رئاسة بلديتها منذ أكثر من ثلاثين عامًا. لا زلت أذكر لحظة وصولي إلى مركز المؤتمر. كان الحاضرون يصفقون ويعبّرون عن ارتياحهم لحضور الوفد الوزاري الإسباني الجديد. أما كرم الضيافة المغربي التقليدي، فقد بلغ في تلك المناسبة أعلى درجاته. ومنذ مشاركتي الأولى في عام 2004، لم أتخلف عن حضور المنتدى الذي دأبتَ على تنظيمه لأكثر من أربعين عامًا، باستثناء عام 2022.
كانت أصيلة مسقط رأسك، المدينة التي تابعتَ فيها دراستك الابتدائية والثانوية، في ذلك “مدرسة إل بيلار” التي عرّفتك على العادات والتقاليد الإسبانية. ذلك الإرث المعرفي لم يفارقك قط، بل اندمج بعمق في هويتك المغربية الأصيلة.
اليوم، يمكننا أن نقول بلا تردد إنه إن كان هناك وزير في تاريخ المغرب يتحدث الإسبانية بطلاقة ويُعرف بحبه العميق لإسبانيا، فهو أنت.
لقد كانت حياتك مليئة بالمحطات والذكريات المرتبطة بإسبانيا، حتى إن إمكانية استكمال دراستك في القاهرة لم تكن لتتحقق لولا تدخل سفير إسبانيا هناك، الذي زوّدك بالوثائق الرسمية اللازمة للسفر والإقامة في ذلك البلد.
كثيرة هي الذكريات، والتجارب، واللحظات التي تقاطعت في حياتنا الشخصية والمهنية. واليوم ليس الوقت المناسب لاسترجاعها جميعًا، لكنه بالتأكيد الوقت الأنسب لتسليط الضوء على مساهمتك القيّمة في تعزيز العلاقات المغربية الإسبانية.
حظيتَ بشرف وامتياز خدمة آخر ملكين في بلدك. وصلتَ إلى هذا المنصب بقرار منهما، لكن أيضًا بفضل عملك الدؤوب، وقدرتك على المجازفة، وطرح الحلول الإبداعية، إلى جانب ولائك المطلق لوطنك ولقادتك. لقد حدّثتَ الدبلوماسية المغربية وأصبحت شخصية معروفة ومحل تقدير في إفريقيا، والشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا. ولا شك أن فترة توليك وزارة الشؤون الخارجية في المغرب شكّلت منعطفًا حاسمًا، إذ كان هناك مغرب دبلوماسي قبل محمد بنعيسى، ومغرب آخر بعده.
معًا، تغلّبنا على أزمات صغيرة، لكن العلاقات بين بلدَينا خرجت دائمًا أكثر قوة. كانت مهمتنا الأساسية ترسيخ الثقة المتبادلة لتكون بمثابة شبكة أمان لمواجهة أي تحدٍّ قد يطرأ بين الجيران. لا زلت أذكر كيف تعاملنا مع أزمة الهجرة خلال عامي 2007-2008، وكيف تمكّنا، بفضل “إفطار” في منزلك بالرباط، من تحويل الأزمة إلى فرصة. فقد اختُتم المؤتمر الإفريقي في الرباط بنجاح، ولا تزال إعلانه قائمًا حتى اليوم. ليت المسؤولين السياسيين الحاليين يقرؤونه أكثر، بل الأهم، أن يعملوا به بكامله. وأنا على يقين من أن النتائج ستكون أفضل بكثير.
فتحتَ لي أبواب إفريقيا بفضل منتدى أصيلة وبفضل حنكتك الدبلوماسية. تعرفتُ من خلالك على عدد كبير من الشخصيات الفاعلة في إفريقيا جنوب الصحراء. وفي منزلك وجدتُ المفتاح لحل أزمة اختطاف طويلة ومأساوية تعرّض لها عدد من المتعاونين الإسبان في موريتانيا. كما تعلمتُ هناك الكثير من الحكمة وحسن التدبير من زملاء من الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
كان منتدى أصيلة بالنسبة لي موعدًا لا غنى عنه. لطالما صرّحتُ علنًا بأنه أكثر أهمية وإلهامًا من أي منتدى دولي آخر، بما في ذلك دافوس.
كانت آخر مرة رأيتك فيها خلال شهر أكتوبر الماضي، في منتداك، في مدينتك. في منزلك، كما جرت العادة، خضنا حوارًا عميقًا، محترمًا، ومثرِيًا، امتد حتى ساعة متأخرة من الليل، ونحن نتذوق – كما اعتدنا – أطباق المطبخ المغربي اللذيذة، برفقة زوجتك العزيزة ليلى، وعدد من المفكرين العرب، الذين رغم قلّة شهرتهم في الغرب، كانوا يتسمون بذكاء لامع وتحليلات عميقة ومتزنة عن واقع عالمنا.
وكما في كل لقاء سابق، قلتَ لي: «وداعًا يا صديقي». لم أكن أعلم أنها ستكون المرة الأخيرة التي أراك فيها في أصيلة. ارقد بسلام. سنواصل نحن السعي وراء السلام، مستلهمين من إرثك ورؤيتك.
صديقك وأخوك،