شاعت عبارة «الأمن الاقتصادي» في بروكسل في السنوات الأخيرة، والسبب وراء رواجها اقتران ضغوط واشنطن بالغريزة الحمائية لبروكسل نفسها.

في الرياضة نادرًا ما يحرز اللعبُ الدفاعي بطولةَ المنافسة، أجندة الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي دفاعية، قد تُبطئ هذه الأجندة التدهور، لكنها لن تعكس اتجاهه، وما تحتاج إليه أوروبا استراتيجية جريئة وهجومية.

المبادرات كثيرة من إجراءات دفاعية للتجارة وإلى القيود والضوابط، وهنالك حديث عن الملايين بل حتى البلايين التي تُضخ فيما يسمَّى بالمشروعات الاستراتيجية في دهاليز الاتحاد الأوروبي.

بعض هذه الإجراءات ضروري، لا شك في ذلك، لكن على أوروبا أن تخطو برفق لتجنب سباق دعومات عالمي أو مفاقمة الأعباء الإجرائية التي تعرقل تنافسيتها، ففي عالم تكون فيه الولايات المتحدة هي قوة الابتكار العظمى والصين المهيمنة على الإنتاج لا يمكن أن يكتفي الاتحاد الأوروبي باعتبار نفسه القوة التنظيمية العظمى فقط.

إذا نظرنا إلى الوراء سنجد أن «أثر بروكسل» الذي يُحتفَى به كثيرًا قد شهد بعض النجاح. (يُقصد بأثر بروكسل تحوُّل المعايير أو الإجراءات التنظيمية التي يضعها الاتحاد الأوروبي إلى معايير عالمية تُتَّبَع خارج بلدانه مثل تلك الخاصة بحماية البيانات وصحة البيئة وسلامة الأغذية. شاع هذا المصطلح بعد نشر كتاب الباحثة القانونية انو برادفورد «أثر بروكسل- كيف يحكم الاتحاد الأوروبي العالم»- المترجم)، لكن هذا الأثر يمكن أن يتلاشى في عالم يتصور تخلف أوروبا عن الركب ويتحول من «ميزة» إلى «مشكلة»

في واشنطن تتركز النقاشات في الدوائر السياسية حول سياسة «فناء صغير مُحاط بسياجٍ عالٍ»، بمعنى أن الولايات المتحدة ستفرض إجراءات حمائية صناعية ضد الصين فقط وعلى قطاعات قليلة ومنتخبة وحساسة جدا «فناء صغير» وستُخضع هذه القطاعات القليلة لحماية مشددة «سياجٍ عال»، لكن الفناء يتسع والسياج تزداد ثقوبه.

يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة مختلفة، فليس هنالك فقط «فناء أصغر» لكن المهدد الأساسي لتفوق الاتحاد التقني مصدره الولايات المتحدة وليس الصين. تكشف الدراسات التي أجراها أن أوروبا تتخلف في كل التقنيات المتقدمة تقريبا والشركات الأمريكية لا الصينية هي التي تتصدّر الاستحواذ على الشركات الأوروبية الناشئة والواعدة.

أوروبا بحاجة إلى مقاربة جريئة وشجاعة لكي تعود إلى القمة، وأول خطوة هي القيام بإصلاح اقتصادي عميق يهدف إلى تقوية وتوسيع وتعميق كل جانب من جوانب السوق الموحدة، ويمكن بإزالة بعض القيود التنظيمية تعظيم هذه الجهود، وقد يقدم مسعى إيلون ماسك لتحويل الولايات المتحدة إلى قوة عظمى في مجال رفع القيود الحكومية عن قطاع الأعمال بعضَ الدروس التي تستحق الالتفات لها. هذا التخلص من الضوابط التنظيمية يمكنه إطلاق المرونة والتنافسية، وهما ميزتان تحتاج إليهما أوروبا بشدة.

أسواق رأس المال ركن آخر من أركان تقوية السوق الداخلية للاتحاد. فهجرة الشركات الأوروبية الواعدة إلى أسواق الولايات المتحدة تؤكد على قضية تتعلق بمنظومة الاتحاد. سبوتيفاي وكلارنا وهما شركتان سويديتان ناشئتان وناجحتان تخططان لطرح أوَّلي لأسهمهما في نيويورك، وستنضمان بذلك إلى قائمة متنامية لشركات أوروبية تبحث عن فرص تمويل أفضل في الخارج، وقد يصبح عجز أوروبا عن تمويل مستقبلها عبئًا يُشلّ اقتصادها.

تنشيط البحث والتطوير بالغ الأهمية لرعاية الابتكار، فمؤسسات أوروبا لا يجب عليها فقط الحفاظ على المواهب والمهارات المحلية ولكن أيضا اجتذاب أفضل عقول العالم، فالمواهب كثيرًا ما تذهب إلى حيث يوجد المال، والمواهب تجتذب المزيد من المواهب، وبدون هذه الدورة الحميدة لن تكفي الإصلاحات الأخرى.

أخيرا على أوروبا تبني استراتيجية تجارية عالمية أكثر هجومية. وفي حين كثيرًا ما يُواجه الاقتصاد الأوروبي بالانتقاد لافتقاره إلى التنافسية إلا أن الفائض التجاري الراسخ لمنطقة اليورو يتباين بشدة مع العجز الكبير للولايات المتحدة. فالاتحاد الأوروبي شريك تجاري لأكثر من 80 بلدًا. وهو في هذا الجانب يتخطى كثيرا الولايات المتحدة والتي هي الشريك التجاري الأول لحوالي 20 بلدًا كلها قريبة منها جغرافيا (من كولومبيا والى كندا).

لكن التحدي الحقيقي في مكان آخر، فالصين هي الآن الشريك التجاري رقم واحد لحوالي 120 بلدًا بما في ذلك الكثير من بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

تحول أنماط التجارة لمصلحة الصين كان سريعًا وحاسمًا، وإذا تجاوزت أوروبا الحد في الاهتمام بالأمن الاقتصادي أو دخلت في حروب تجارية غربية - غربية ستخاطر بالتخلي عن المزيد في الأسواق الناشئة لبكين.

تاريخيا، نشأ ازدهار أوروبا من فتح الأسواق، وانطلقت أوروبا كقوة اقتصادية عالمية عندما بدأت سفنها تجوب المحيطات وتؤسس علاقات تجارية، من المؤكد أن الابتكار الذي كان سمة الثورة الصناعية ساعد على ذلك، لكن التجارة كانت الأساس، وبالعكس عندما انطوت الصين على نفسها أصابها الركود. تعلمت اليابان الدرس وانفتحت تجاريا وتقدَّمَت.

على أوروبا استنساخ هذه العقلية الهجومية، ويجب أن تكون اتفاقيات التجارة الحرة مع كل منطقة مناسبة إحدى الأولويات، قد يبدو فتح الأسواق الأوروبية بقدر أكبر مخاطرة، لكن لا شيء يعزز التنافسية مثل المنافسة نفسها، هذه هي الكيفية التي ازدهرت بها أوروبا في الماضي والكيفية التي ستزدهر بها مرة أخرى.

الاستراتيجية الهجومية لا تتخلى عن الأمن، إنها تبنيه عبر القوة والثقة، الأمن الاقتصادي نتيجة للقوة الاقتصادية وليس العكس.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الأمن الاقتصادی التی ت

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي: غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية

أكد متحدث مفوضية الاتحاد الأوروبي أنور العنوني، أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية.

 

جاء ذلك في تصريح صحفي الخميس، تعليقا على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه.

 

وأوضح العنوني أن الاتحاد الأوروبي مستمر في التزامه الكامل بحل الدولتين الذي يراه السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين.

 

وأضاف: "غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المستقبلية".

 

وشدد على أن موقف الاتحاد الأوروبي هو عدم السماح لمزيد من التهجير القسري للفلسطينيين.

 

ومساء الثلاثاء، كشف ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، عزمه الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه، ما أثار رفضا إقليميا ودوليا واسعا.

 

ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج ترامب لمخطط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.

 

وفي 19 يناير الماضي، بدأ اتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يومًا، ويتم خلال الأولى التفاوض لبدء الثانية والثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.

 

وبدعم أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 159 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.


مقالات مشابهة

  • هل تستطيع أوروبا المنافسة؟ الاتحاد الأوروبي يرسم مسارًا جديدًا لتعزيز مكانته الاقتصادية
  • الاتحاد الأوروبي يدعو وزير الخارجية السوري لزيارة بروكسل
  • جنرال أميركي يوجه نداء للناتو والاتحاد الأوروبي
  • تراجع توريد الغاز المسال من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي بمقدار الربع في 2024
  • «واشنطن بوست»: إعادة إعمار غزة لا يحتاج إلى تهجير الفلسطينيين
  • موقف الاتحاد الأوروبي من خطط ترامب حول غزة.. حذر مبالغ فيه بسبب ترامب
  • رداً على ترامب.. الاتحاد الأوروبي: غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية
  • الاتحاد الأوروبي: غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية
  • الاتحاد الأوروبي: أي استثناء لحظر السفر على الشرع تقرره الأمم المتحدة
  • قائد في البحرية الامريكية: اسطولنا يحتاج لدمج التكنولوجيا التي يستخدمها “الحوثيون”