الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى استراتيجية هجومية للأمن الاقتصادي
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
شاعت عبارة «الأمن الاقتصادي» في بروكسل في السنوات الأخيرة، والسبب وراء رواجها اقتران ضغوط واشنطن بالغريزة الحمائية لبروكسل نفسها.
في الرياضة نادرًا ما يحرز اللعبُ الدفاعي بطولةَ المنافسة، أجندة الأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي دفاعية، قد تُبطئ هذه الأجندة التدهور، لكنها لن تعكس اتجاهه، وما تحتاج إليه أوروبا استراتيجية جريئة وهجومية.
المبادرات كثيرة من إجراءات دفاعية للتجارة وإلى القيود والضوابط، وهنالك حديث عن الملايين بل حتى البلايين التي تُضخ فيما يسمَّى بالمشروعات الاستراتيجية في دهاليز الاتحاد الأوروبي.
بعض هذه الإجراءات ضروري، لا شك في ذلك، لكن على أوروبا أن تخطو برفق لتجنب سباق دعومات عالمي أو مفاقمة الأعباء الإجرائية التي تعرقل تنافسيتها، ففي عالم تكون فيه الولايات المتحدة هي قوة الابتكار العظمى والصين المهيمنة على الإنتاج لا يمكن أن يكتفي الاتحاد الأوروبي باعتبار نفسه القوة التنظيمية العظمى فقط.
إذا نظرنا إلى الوراء سنجد أن «أثر بروكسل» الذي يُحتفَى به كثيرًا قد شهد بعض النجاح. (يُقصد بأثر بروكسل تحوُّل المعايير أو الإجراءات التنظيمية التي يضعها الاتحاد الأوروبي إلى معايير عالمية تُتَّبَع خارج بلدانه مثل تلك الخاصة بحماية البيانات وصحة البيئة وسلامة الأغذية. شاع هذا المصطلح بعد نشر كتاب الباحثة القانونية انو برادفورد «أثر بروكسل- كيف يحكم الاتحاد الأوروبي العالم»- المترجم)، لكن هذا الأثر يمكن أن يتلاشى في عالم يتصور تخلف أوروبا عن الركب ويتحول من «ميزة» إلى «مشكلة»
في واشنطن تتركز النقاشات في الدوائر السياسية حول سياسة «فناء صغير مُحاط بسياجٍ عالٍ»، بمعنى أن الولايات المتحدة ستفرض إجراءات حمائية صناعية ضد الصين فقط وعلى قطاعات قليلة ومنتخبة وحساسة جدا «فناء صغير» وستُخضع هذه القطاعات القليلة لحماية مشددة «سياجٍ عال»، لكن الفناء يتسع والسياج تزداد ثقوبه.
يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة مختلفة، فليس هنالك فقط «فناء أصغر» لكن المهدد الأساسي لتفوق الاتحاد التقني مصدره الولايات المتحدة وليس الصين. تكشف الدراسات التي أجراها أن أوروبا تتخلف في كل التقنيات المتقدمة تقريبا والشركات الأمريكية لا الصينية هي التي تتصدّر الاستحواذ على الشركات الأوروبية الناشئة والواعدة.
أوروبا بحاجة إلى مقاربة جريئة وشجاعة لكي تعود إلى القمة، وأول خطوة هي القيام بإصلاح اقتصادي عميق يهدف إلى تقوية وتوسيع وتعميق كل جانب من جوانب السوق الموحدة، ويمكن بإزالة بعض القيود التنظيمية تعظيم هذه الجهود، وقد يقدم مسعى إيلون ماسك لتحويل الولايات المتحدة إلى قوة عظمى في مجال رفع القيود الحكومية عن قطاع الأعمال بعضَ الدروس التي تستحق الالتفات لها. هذا التخلص من الضوابط التنظيمية يمكنه إطلاق المرونة والتنافسية، وهما ميزتان تحتاج إليهما أوروبا بشدة.
أسواق رأس المال ركن آخر من أركان تقوية السوق الداخلية للاتحاد. فهجرة الشركات الأوروبية الواعدة إلى أسواق الولايات المتحدة تؤكد على قضية تتعلق بمنظومة الاتحاد. سبوتيفاي وكلارنا وهما شركتان سويديتان ناشئتان وناجحتان تخططان لطرح أوَّلي لأسهمهما في نيويورك، وستنضمان بذلك إلى قائمة متنامية لشركات أوروبية تبحث عن فرص تمويل أفضل في الخارج، وقد يصبح عجز أوروبا عن تمويل مستقبلها عبئًا يُشلّ اقتصادها.
تنشيط البحث والتطوير بالغ الأهمية لرعاية الابتكار، فمؤسسات أوروبا لا يجب عليها فقط الحفاظ على المواهب والمهارات المحلية ولكن أيضا اجتذاب أفضل عقول العالم، فالمواهب كثيرًا ما تذهب إلى حيث يوجد المال، والمواهب تجتذب المزيد من المواهب، وبدون هذه الدورة الحميدة لن تكفي الإصلاحات الأخرى.
أخيرا على أوروبا تبني استراتيجية تجارية عالمية أكثر هجومية. وفي حين كثيرًا ما يُواجه الاقتصاد الأوروبي بالانتقاد لافتقاره إلى التنافسية إلا أن الفائض التجاري الراسخ لمنطقة اليورو يتباين بشدة مع العجز الكبير للولايات المتحدة. فالاتحاد الأوروبي شريك تجاري لأكثر من 80 بلدًا. وهو في هذا الجانب يتخطى كثيرا الولايات المتحدة والتي هي الشريك التجاري الأول لحوالي 20 بلدًا كلها قريبة منها جغرافيا (من كولومبيا والى كندا).
لكن التحدي الحقيقي في مكان آخر، فالصين هي الآن الشريك التجاري رقم واحد لحوالي 120 بلدًا بما في ذلك الكثير من بلدان آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
تحول أنماط التجارة لمصلحة الصين كان سريعًا وحاسمًا، وإذا تجاوزت أوروبا الحد في الاهتمام بالأمن الاقتصادي أو دخلت في حروب تجارية غربية - غربية ستخاطر بالتخلي عن المزيد في الأسواق الناشئة لبكين.
تاريخيا، نشأ ازدهار أوروبا من فتح الأسواق، وانطلقت أوروبا كقوة اقتصادية عالمية عندما بدأت سفنها تجوب المحيطات وتؤسس علاقات تجارية، من المؤكد أن الابتكار الذي كان سمة الثورة الصناعية ساعد على ذلك، لكن التجارة كانت الأساس، وبالعكس عندما انطوت الصين على نفسها أصابها الركود. تعلمت اليابان الدرس وانفتحت تجاريا وتقدَّمَت.
على أوروبا استنساخ هذه العقلية الهجومية، ويجب أن تكون اتفاقيات التجارة الحرة مع كل منطقة مناسبة إحدى الأولويات، قد يبدو فتح الأسواق الأوروبية بقدر أكبر مخاطرة، لكن لا شيء يعزز التنافسية مثل المنافسة نفسها، هذه هي الكيفية التي ازدهرت بها أوروبا في الماضي والكيفية التي ستزدهر بها مرة أخرى.
الاستراتيجية الهجومية لا تتخلى عن الأمن، إنها تبنيه عبر القوة والثقة، الأمن الاقتصادي نتيجة للقوة الاقتصادية وليس العكس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الأمن الاقتصادی التی ت
إقرأ أيضاً:
في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. ليفربول الأوفر حظاً للتأهل.. وليفركوزن يحتاج معجزة
البلاد- جدة
كثر الحديث عن حجم المعاناة، التي واجهها ليفربول في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا على أرض باريس سان جرمان، وكمية الفرص التي أهدرها الأخير بين جماهيره، لكن بلغة الأرقام انتزع” الحمر” الأفضلية بفوزهم المتأخر 1-0 في” بارك دي برانس” ما يجعلهم الثلاثاء الأوفر حظًا لحسم التأهل.
لم يستحق سان جرمان الهزيمة الأربعاء على أرضه، لأنه كان الطرف الأفضل بشكل واضح، والأرقام تتحدث عن نفسها؛ إذ بلغت نسبة استحواذه على الكرة 70.5% وسدد على مرمى ضيفه الإنجليزي 27 مرة، بينها 10 بين الخشبات الثلاث، مقابل محاولتين فقط لرجال المدرب الهولندي أرنه سلوت؛ واحدة بين الخشبات الثلاث، جاء منها هدف البديل هارفي إليوت في الدقيقة 87، بعد أقل من دقيقة على دخوله بدلًا من المصري محمد صلاح.
وتألق الحارس البرازيلي أليسون بيكر في الدفاع عن مرماه في مواجهة محاولات المضيف الفرنسي.
تحضر سان جرمان لزيارة أنفيلد بأفضل طريقة، من خلال فوزه الكبير السبت على رين في الدوري المحلي، الذي يتصدره فريق إنريكي بفارق كبير جدًا عن أقرب ملاحقيه، فيما عانى ليفربول مجددًا، لكنه عرف في النهاية كيف يخرج منتصرًا على حساب ساوثمبتون 3-1، بعدما كان متخلفًا السبت في المرحلة 28 من الدوري، وذلك بفضل ثنائية من ركلتي جزاء للمصري محمد صلاح.
وستكون الفرصة قائمة أمام” الحمر” لإحراز لقبهم الأول للموسم، حين يتواجهون الأحد مع نيوكاسل في نهائي كأس الرابطة، لكن التركيز سيكون منصبًا أولًا على سان جرمان، الذي لم يسبق له الفوز على أرض منافسه الإنجليزي في زيارتيه السابقتين عام 1997 في إياب نصف نهائي كأس الكؤوس (0-2)، وعام 2018 في دور المجموعات لدوري الأبطال (2-3).
واعتبر القائد الهولندي لليفربول فيرجل فان دايك، أن معاناة فريقه أمام سان جرمان الفرنسي لم تنتهِ بعد.
ليفركوزن يحتاج معجزة
وعلى” باي أرينا”، يبدو باير ليفركوزن الألماني بحاجة إلى “معجزة”؛ كي يعوض خسارته ذهابًا خارج الديار أمام غريمه المحلي بايرن ميونيخ بثلاثية نظيفة، ليتلقى بذلك هزيمته الأول من أصل 7 مواجهات خاضها بقيادة مدربه الإسباني تشابي ألونسو ضد النادي البافاري.
وما يزيد من صعوبة مهمة فريق ألونسو، أنه خسر جهود نجمه الأول فلوريان فيرتس الذي أصيب بعد 14 دقيقة على بداية مباراة السبت في الدوري المحلي ضد فيردر بريمن، التي خسرها حامل اللقب على أرضه 0-2.
وضع بايرن المتصدر لم يكن مختلفًا؛ إذ سقط بدوره أمام بوخوم 3-2 للمرة الأولى في ميونيخ منذ 1991، بعدما كان متقدمًا بهدفين نظيفين، متأثرًا بالنقص العددي في صفوفه، وبإهداره أيضًا فرصة التقدم 3-0 من ركلة جزاء، وبقرار مدربه البلجيكي فنسان كومباني إراحة معظم نجومه، ليبقى الفارق بين الفريقين 8 نقاط.
وفي المباراتين الأخريين الليلة، يبدو برشلونة الإسباني وإنتر الإيطالي في وضع مشابه تمامًا؛ إذ يستضيفان بنفيكا البرتغالي وفينورد الهولندي تواليًا بأفضلية كبيرة؛ نتيجة فوزهما ذهابًا خارج الديار1-0 و2-0.
يخوض برشلونة اللقاء في وضع صعب معنويًا، بعد وفاة طبيبه كارليس مينارو غارسيا السبت، ما أدى إلى إرجاء مباراته في الدوري ضد أوساسونا.