خيار الحل لمن للشعب أم للجيش..؟
تاريخ النشر: 19th, August 2023 GMT
الشعب و الجيش هما القوتان اللتان تمثلان رمانتا ميزان القوى في المجتمع، و التي تحدد المعادلة التي سوف تشكل مستقبل العمل السياسي في البلاد، و الحرب الدائرة في البلاد تمثل العائق الذي لا يمكن تخطيه للذهاب للمرحلة التي بعدها، رغم أن هناك مجهودات من قبل بعض القوى التي تتخوف من انتصار الجيش على الميليشيا حتى لا يصبح هو الذي يقع عليه عبء رسم المرحلة التي تعقب الحرب.
في الفاعلية السياسية: إذا نظرنا إلي البيان الختامي الذي أصدرته القوى السياسية الموقعة على ( الإتفاق الإطاري) عقب اجتماعها في أديس ابابا يومي 14- 15 أغسطس 2023م، نجد أن البيان يختلف عن البيان الذي كان قد أصدرته مركزية الحرية و التغيير في القاهرة، فبيان القاهرة كان الهدف منه هو محاولة لفتح منافذ بين مركزية الحرية و التغيير و القوى الأخرى، و تبين فيه إنها قد تجاوزت رؤيتها الأحادية السابقة و لديها الآن قابلية للتفاهم. أما البيان الأخير باعتباره يمثل القوى السياسية الموقعة على ( الإتفاق الإطاري) لذلك تحاول فيه أن تقدم رؤية متكاملة، حيث رفعت فيها سقف المطالبات لكي تجعل القوى الأخرى هي التي تسعى من أجل تنزيل السقف و فتح باب المشاركة، هذه رؤية تؤكد أن قيادات ( الإتفاق الإطاري) ماتزال قلوبهم متعلقة بالسلطة و السعي لإستلامها من الجيش. حيث تقول في بيانها "بحث الاجتماع أنجع السبل لإنهاء الحرب، والتدابير اللازمة لبناء جبهة مدنية عريضة تضم كافة القوى الرافضة للحرب والداعمة للتحول الديمقراطي، وتصميم عملية سياسية جديدة ذات مصداقية وشفافية تخاطب جذور وأسباب الحرب وتداعياتها ومآلاتها" إذاً الجبهة المارد تكوينها مشروطة ( للرافضين للحرب – و الداعمة للتحول الديمقراطي) ليس هناك منع غير هاتين الشرطين. رغم أن الرفض للحرب ليس مربوط بمشروع يوقف الحرب، فقط الموافقة على شعار ( لا للحرب) و هذه سوف تصطدم بالقوتين الأولى الجيش حيث قال البرهان في خطابه الأخر لا وجود للميليشيا في المسرح مرة أخرى، كما هناك قاعدة واسعة من الشعب تريد هزيمة الميليشيا، سيظل الصراع محتدما و ستظل كفتي الميزان غير متعادلتين. و أيضا وضع الشروط من جانب سوف تدفع الأخر أن يضع أيضا شروطا يحدد بها مواصفات العملية القادمة.
هناك سؤالا يحتاج لإجابة ماهية القوى المدنية؟ أن العملية السياسية هل سوف تؤسس على الأحزاب السياسية أم قوى مدنية و يعطى الحق لأي حزب أن يكون له واجهات سياسية لكي يمثل بعدد من الأفراد و ليس فردا واحدا؟
يقول البيان " أن حرب 15 أبريل هي نتاج عقود من تراكمات سلبية، صاحبت أنظمة الحكم الوطني منذ فجر الاستقلال، وغياب المشروع الوطني الذي يحظى بإجماع كافٍ" ليس هذا صحيحا أن الحرب بسبب رغبة قيادة ميليشيا الدعم السريع في استلام السلطة، أما قضايا التراكمات جاءت في خطاب ميليشيا الدعم مؤخرا بأنهم يعملون من أجل إنهاء دولة 56 و هذه فرية تحاول بها ميليشيا الدعم أن تغيب الأسباب الحقيقية للحرب و التي يجب أن يعرفها الشعب السوداني. و في فقرة أخرى يقول البيان "يجب ان تنتهي هذه الحرب عبر حل سياسي سلمي يؤدي لاتفاق وطني على مشروع سوداني نهضوي جديد قائم على المواطنة المتساوية والديمقراطية والسلام والتنمية المستدامين والعدالة الاجتماعية والانتقالية والمحاسبة والشفافية وتوازن المصالح بين المركز والاقاليم" هنا أيضا محاولة للتغطية على ميليشيا الدعم بطرح الحل السلمي دون بيان الموقف من (ميليشيا الدعم) إذا كان الحل عسكري أو تفاوضي يجب أن ينهي على الفور وجود الميليشيا. أن وجود الميليشيا بأي صورة من الصور يعني تأجيل الحزب لوقت أخر. و الديمقراطية لا يمكن أن تؤسس بجيشين، وقف الحرب بأي وسيلة يجب أن يكون غياب الميليشيا تماما من المسرح السياسي.
ورد أيضا في البيان "بناء جيش واحد مهني وقومي يعكس تعدد السودان وتنوعه بصورة حقيقية وينهي وضعية تعدد الجيوش وينأى عن السياسة كلياً وعن النشاط الاقتصادي ويخضع للسلطة المدنية،" السؤال في الفترة التي تسبق الانتخابات هل سيكون الجيش موجود أم يذهب للثكنات؟ اعتقد كل هذه الفقرة مناط بها الحكومة التي تشكل عقب الانتخابات التي تملك التفويض الشعبي، هي التي تبت في قضايا الجيش و إصلاحه، قبل الانتخابات فترة تحتاج لوجود الجيش بسبب الحفاظ الأمن خاصة أن البلاد منتشر فيها السلاح و تحتاج لتناغم بين السلطة السياسية التنفيذية و العسكرية. أما مسألة تفكيك النظام السابق: لا يمكن ن تقيم نظاما ديمقراطيا على قواعد ثقافية و قانونية شمولية لابد أن تفكك بنية نظام الحزب الواحد لمصلحة الديمقراطية، و لكن كل ممارسة يجب أن ترسي قيما ديمقراطية. و ليس كما حصل سابقا الاعتماد على Show)) و ليس العدالة التي ترسخ القيم الديمقراطية.
ينتقل لنقطة أخرى يقول البيان " تتم بمشاركة كافة قوى التغيير الحقيقي والتحول الديمقراطي، ويجب في هذا الصدد التوسع في إشراك قوي الثورة والتغيير ومشاركة منصفة" يرجع البيان مرة أخرى لدائرة المشاركة. و نسأل من هي الجهة التي لها الحق أن تعطي صكوك اثوري التغيير و غير ثوري التغيير. لكي يؤكد القائمين على الاجتماع أن رغبتهم في السلطة و تضيق ماعون المشاركة ماتزال موجودة في أجندتهم. الأمر الذي يجعل عملية السعي مرتبطة بالسلطة و ليس بعملية التحول الديمقراطي. يقول البيان "يعمل الدور الدولي والإقليمي على تيسير العملية السياسية وفقاً لإرادة الأطراف السودانية، على أن تتكامل المبادرة السعودية الامريكية مع خارطة طريق الاتحاد الافريقي والايقاد ومقررات مؤتمر دول الجوار ومجهودات المجتمع الإقليمي والدولي الرامية لوقف الحرب لتصبح عملية واحدة بتنسيق بين الميسرين والأطراف السودانية." أن العملية السياسية يجب أن تكون داخل السودان،و تدعا لها كل القوى الحزبية المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي، و إذا كان هناك دور للمجتمع الإقليمي و الدولي فقط أن يراقب العملية السياسية و الحوار الدائر بين المجموعات دون أن يدخل أرنبة أنفه كما حدث قبل الحرب، و يجب على السودانيين أن يتعلموا أن يحلوا مشاكلهم لوحدهم بعيدا عن المجتمع الدولي، و بعيدا عن تدخلات المخابرات الأجنبية التي ملأت مكاتبها الخرطوم في الفترات السابقة. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العملیة السیاسیة میلیشیا الدعم یجب أن
إقرأ أيضاً:
وحدة السودان بين تعددية الجيوش والمليشيات وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
وحدة السودان
بين تعددية الجيوش والمليشيات
وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
ساحة الإعتصام-بورتسودان-نيالا-نيرتتي-كاودا
*ياسر عرمان*
إختفت الخرطوم كمركز للسلطة السياسية والقيادة والسيطرة العسكرية للمرة الأولى منذ أن نجح كتشنر في غزو السودان في عام 1898، وبفضل سياسات الإنقاذ وإسلامييها وعنف الدولة المتطاول ضد القوميات والريف ما عادت القوات المسلحة والدولة المحتكر الوحيد للسلاح وأصبحت تعددية الجيوش والمليشيات وصناعتها على قفا من يشيل.
غياب الجيش الواحد يعني بالضرورة غياب البلد الواحد فإذا أردنا بلادا واحدة فلنسعي لجيش واحد فلا تنمية أو ديمقراطية أو إستقرار أو أمن في بلد جيوشها ومليشياتها أكثر من جامعاتها ومستشفياتها!
في مايو 2019 بعد قيام الثورة كتبت مقالا عن أن تعددية الجيوش هي قضية الثورة الأولى ودون معالجتها ستُهزم الثورة والدولة ، واليوم أضحت تعددية الجيوش والمليشيات مرتبطة بحياة كل إنسان ووجود الدولة نفسها، ولا يفوقها في الأهمية الا معاجلة الكارثة الإنسانية ووقف الإنتهاكات وحماية المدنيين، وهي نفسها نتاج فساد الترتيبات الأمنية وحرب الجيوش والمليشيات.
اليوم فإن الدولة قد إنهارت والمجتمع قد تشتت وتراجع الناس عن أحلامهم الكبيرة إلى مكافحة خطاب وممارسة الكراهية ومن الحقوق السياسية إلى الحقوق الطبيعية وعلى رأسها حق الحياة وحق الإقامة في المنزل الآمن، ومطلب المواطن الأول هو وقف الحرب وأولوياته هي الأمن والطعام والسكن والعلاج وكل إستراتيجية سياسية يجب أن تُبني على ما ينفع الناس وصون مصالحهم وتحقيق مطالبهم.
إن الإغاثة قبل السياسة والعملية الإنسانية قبل العملية السياسية بل هي مدخل لها، والبحث عن حق الحياة قبل البحث عن السلطة، كل ذلك يتحقق عبر عملية متكاملة وكحزمة واحدة تبدأ بهموم المواطن وحمايته وتنتهي بإكمال الثورة وبناء الدولة، والعملية السياسية مرتبطة بتحقيق وقف الحرب أولاً كي تُعالج إنهاء الحرب ومخاطبة أسبابها وأولها تعددية الجيوش والمليشيات.
*تعددية المراكز الجغرافية السياسية:*
برزت مراكز جغرافية سياسية جديدة وأخرى قديمة بعضها كبير وورث مظاهر الدولة ومركزها القديم والبعض الآخر يعبر عن أحلام ومطالب إقليمية أو قومية في ظل غياب الخرطوم، وواقع الأمر فإن السودان اليوم يضم مراكز متعددة، وهنالك بورتسودان ونيالا أو الضعين ونيرتتي وكاودا- على سبيل المثال لا الحصر- ومن يدرك المجهول فينا والقادم نحونا!
*وحدة القوى المدنية المركز الغائب الحاضر:*
المركز الغائب والحاضر والذي يمثل إرادة الشعب والتغيير الغلابة والتي لا غالب لها-مركز ثورة ديسمبر- ومقره الجغرافي وعاصمته هي ساحة الإعتصام المغدور في قلب الخرطوم، وهو في قلب كل ثائر وثائرة وضمير حي، وهو مركز يضم أكبر وأوسع كتلة جماهيرية تمثل التنوع السوداني الإجتماعي والجغرافي والسياسي والثقافي، وهو إمتداد للثورات السودانية المتراكمة في الريف والمدن منذ ثورة 1924، وعمر هذا المركز 100 عام ويطمح لبناء سودان جديد فالسوريون اليوم يتحدثون عن سوريا الجديدة، ومن جمهورية النفق وساحة الإعتصام يطل هذا المركز من خلف حُجب الحرب، وسيثبت المستقبل إن الثورة أبقى من الحرب.
وحدة مركز الثورة المدني في الريف والمدن هو الضامن لوحدة النسيج الإجتماعي ووحدة السودانيين والسودانيات ووحدة السودان. وعلى قوى الثورة المدنية جميعها أن تنتظم في جبهة معادية للحرب حتي تُعيد توازن القوة في مواجهة تعددية الجيوش والمليشيات وأن لا تتوزع بين حاملي السلاح بل أن ترفض الحرب على هُدى كتاب الثورة المنير، وإن تشتتها سيطيل أمد الحرب ويؤدي إلى حلول هشة.
لابد من جيش واحد مهني يُنهي عصر تعدد الجيوش والمليشيات ويُدشن عصر القبول بالتعددية السياسية والإجتماعية والثقافية كعملة وحيدة، ولابد من بناء الخرطوم الجديدة كمركز يحترم إرادة مكونات وأقاليم السودان في وحدة لا إنفصام لعراها قائمة على الإرادة الحرة وفي ظل مواطنة بلا تمييز ونظام ديمقراطي وعدالة إجتماعية وبترتيبات دستورية جديدة.
*قوى الثورة ليست بطلاء لحلول قسمة السلطة:*
المزاج الإقليمي والعالمي يقرأ من قاموس ودليل الحلول السريعة لقضايا الحرب، وهي إتفاق الأطراف المتحاربة على قسمة السلطة، ولأن حرب السودان تأتي على خلفية الثورة وعلى خلفية إلتزام المنظمات الإقليمية والدولية بإستعادة الحكم المدني الديمقراطي فإن أصحاب الحلول والوجبات السريعة يسعون إلى إستخدام قوى الثورة كطلاء على حائط قسمة السلطة، وإستخدام تشتت قوى الثورة كذريعة لإستخدام ما تيسر من طلاء، وإن لم يفي بالغرض فبعض الموز يكفي ولا يضر!
إن وحدة قوى الثورة هي التي يُمكن أن تمنع الحلول الهشة وتُولد الحلول المستدامة حتي لا يُستخدم بعض المدنيين على طريقة "كف العين" في قسمة السلطة.
26 ديسمبر 2024