لم أطق صبرًا أن التهمت كتاب مذكرات صلاح أبو سيف. الذي أعده الأستاذ عادل حمودة، بمجرد أن وقع في يدي، فساعة بعد أخرى حتى انتهيت منه في يوم وليلة.
والحقيقة إنه لم يخيب ظني، فقد جاءت المذكرات التي أدلى بها المخرج الكبير الراحل صلاح أبو سيف ثرية وموحية، صحيح إنه تأخر ظهورها ما يزيد عن ربع قرن بعدما ضاعت في الأوراق حتى عثر عليها عادل حمودة، وأصدرها في كتاب.

إلا أنها مذكرات حية متدفقة، لواحد من أهم مخرجينا في تاريخ السينما المصرية.

الحاصل أني، أحببت صلاح أبو سيف في سن مبكرة، وعشقت كل أفلامه من لك يوم يا ظالم والزوجة الثانية والفتوة وشباب إمرأة والوحش وريا وسكينة والوسادة الخالية ولا أنام وأنا حرة وحمام الملاطيلي وشىء من العذاب والقاهرة 30 وبداية ونهاية والمواطن مصري وغيرها، فهي أفلام من لحم ودم، قصص مصرية أصيلة تدور أغلبها في الحارة أو في الواقع ليست مختلقة، ونستطيع أن نتعرف على شخصياتها فهم يعيشون بيننا.

الواقع أن الكتاب قدم صورة شبه متكاملة عن صلاح أبو سيف وخصوصا فترة البدايات التي كانت مجهولة للكثيرين، وكشفت كيف استطاع هذا المخرج العملاق أن يعيش بيننا بأعماله حتى اليوم، وكيف واجه حروبا وصراعات للدفاع عن أسلوبه ووجهة نظره، والخروج بالفيلم المصري منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي من جو القصور والخدم والحشم، إلى أرض الواقع بقصص وهموم مصرية. فهو كتاب يكشف سر عبقرية صلاح أبو سيف، وحسنا فعل الاستاذ عادل حمودة، عندما ترك صلاح أبو سيف يتدفق في الرواية والحكي.

المثير هو ما جاء في اعتراف صلاح أبو سيف نفسه أن قصة شباب إمراة في الفيلم الشهير بطولة شكري سرحان وتحية كاريوكا وعبد الوارث عسر وشادية، هى قصته هو، وأنه قد مر بها عندما سافر إلى فرنسا، قائلا انه جزء من تاريخه العاطفي قبل تاريخه الفني، عندما استغلت إمراة أكبر منه مرتين شبابه فعاش المتعة والعذاب معا، كيف اكتشف اللذة وكيف شعر بالإهانة من الفقر، ولكن في الفيلم لم ينتقل البطل من القاهرة إلى باريس ولكنه انتقل من الريف إلى القاهرة وهى حالة مصرية واقعية، يعاني منها الشباب الذين تستهلك المدنية سذاجتهم.

واذا كان شباب إمرأة شكل تيارا خاصا في السينما المصرية من وقتها ونبه إلى وجود مخرج وفنانين حقيقيين، فإن ثلاثية الوحش بطولة سامية جمال ومحمود المليجي وأنور وجدي، وريا وسكينة بطولة أنور وجدي، والفتوة بطولة العمالقة فريد شوقي وزكي رستم، قد أكدت جميعها فكر صلاح أبو سيف وكشفت توجهات الرجل، الذي ولد في حي بولاق وقال بصدق إن السينما عكست كافة مراحل حياته.

بدأ مشواره السينمائي سنة 1939 مساعدا لنيازي مصطفى وكمال سليم وأحمد بدرخان ويوسف وهبي وعلى مدى 46 سنة، ما بين 1945 حتى 1991 قدم 38 فيلما روائيا، وكان قادرا على أن يقدم ثلاثة أضعاف هذا العدد، لكنه أخذ على عاتقه أن يقدم فيلما واحدا في العام وأن يأخذ حقه من البحث والدراسة وفق قوله.
مذكرات صلاح أبو سيف، جاءت ثرية وملهمة عن هذا المخرج العملاق، لكنها لم تروي ظمأ من قرأوا العديد من الكتب عن صلاح أبو سيف وأفلامه، ومنها كتاب "صلاح أبو سيف لهاشم النحاس"، وقد كشف عادل حمودة أن المرض الأخير لصلاح أبو سيف هو ما أعاق استكمال المذكرات فقرر صياغة ما تم تسجيله وعرضه عليه وهو ما كان، لذلك لم تقترب المذكرات من أفلام شهيرة للعملاق صلاح أبو سيف وتفاصيلها والجو الذي صنعت فيه باستفاضة مثل الزوجة الثانية وفجر الإسلام وحمام الملاطيلي الفيلم الذي أقام السينما المصرية ولم يقعدها في سبعينيات القرن الماضي ولسنوات طويلة بعدها ولا تحفته الخالدة المواطن مصري مع عمر الشريف سنة 1991.

اختصار هذه المذكرات الثرية، في مقال واحد صعب للغاية، لكنها كتاب ملهم  لعشاق فن صلاح أبو سيف أو من تعلقوا بهذه الأعمال الجميلة، ليعرفوا سر العبقرية والصدق، وللمخرجين الموجودين الآن على الساحة ولا استثني أحد.

فالسينما في بلادنا لا يجب أبدا أن تقف عند حدود التسلية والتهريج، ولكن يجب أن تكون بشكل أو بآخر انعكاس لقضايا الواقع الحقيقية ومشاكلنا الاجتماعية وبالطبع لا يمكن اختصار كل القضايا في بحر البلطجة والمخدرات، مثل ما تفعله كثير من هذه الافلام. فالسينما مثل الأدب مرآة الشعوب، وحسنا أن الانتاج السينمائي عاد للزخم في آخر ثلاثة أعوام وأصبحنا نتخطى حاجز إنتاج الـ40 فليما في العام ، فعل الأقل يجب أن يكون ربع هذا العد أفلاما جيدة ذات قصة ومضمون.

رحم الله صلاح أبو سيف، المخرج الذي حفر تاريخه بحروف من نور، ودفعنا اليوم للكتابة عنه وقراءة مذكراته بعد ثلاثين سنة على وفاته.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الزوجة الثانية صلاح أبو سيف المزيد صلاح أبو سیف عادل حمودة

إقرأ أيضاً:

موقع Rue20 ينشر مذكرات شخصية بارزة في الديوان الملكي.. حينما رفض الراحل الحسن الثاني بناء قصر بالناظور بسبب ضريح مهجور لولي صالح

زنقة 20 | خالد أربعي

أصدر المكلف بمهمة بالديوان الملكي بنعلي المنصوري، مؤخرا، مذكراته التي عنونها بـ “خطواتي على درب الزمن”.

بنعلي المنصوري هو مكلف بمهمة بالديوان الملكي برتبة وزير ، وهو شقيق ميمون المنصوري القائد السابق للحرس الملكي ، ومصطفى المنصوري سفير المملكة الحالي بالسعودية.

المنصوري بنعلي، شغل عددا من المناصب الحكومية خلال عهد الحسن الثاني منها وزير السياحة في حكومة أحمد عصمان، ووزيرا للشؤون الإدارية والوظيفة العمومية، ثم وزيرا للنقل، قبل إلحاقه بالديوان الملكي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وهي المهمة التي ما زال يتقلدها حتى الآن.

بنعلي المنصوري، يكشف في مذكراته التي ينشرها موقع Rue20 على فترات، كيف أن الملك الراحل الحسن الثاني ، رفض هدم قبر ولي صالح بالناظور لبناء القصر الملكي.

و يقول بنعلي المنصوري في مذكراته : ” كان الملك الحسن الثاني في بداية سنوات الستين من القرن الماضي يتخذ من مدينة طنجة مقرا لقضاء عطلته الصيفية ، وكان يطلق عليها العاصفة الصيفية و دار في خلدي هذا السؤال : لم لا تكون لجلالته إقامة أخرى في مدينة الناظور”.

و يسرد بنعلي كيف تحين الفرصة لمفاتحة الملك الراحل لبناء قصر بالناظور ليكون مستقرا له خلال زياراته لمنطقة الريف، ليرد عليه الحسن الثاني بالقول : “إن زياراتي لمنطقة الريف ليست منتظمة و لذلك لم أحرص على بناء قصر هناك”.

بنعلي المنصوري، يضيف أنه رد على الملك الراحل بالقول : “إن وجود قصر ملكي في منطقة الريف له دلالته الرمزية العميقة و قد سبق يا صاحب الجلالة أن بنى أحد أجدادكم من الملوك العلويين قصرا بالمنطقة في اقليم الناضور فلماذا لا يكون لجلالة الملك قصر في نفس المنطقة ؟ بدا نوع من الاهتمام من طرف جلالته”.

و يقول المنصوري : “كنت على علم بوجود منطقة في مدينة الناضور على درجة عالية من الجمال الطبيعي بإطلالتها على البحر من جهات ثلاث ، وهي شبه جزيرة يطلق عليها سكان المدينة “الكدية” وتقع داخل بحيرة الناظور المسماة مارتشيكا اتصلت بصديقي الجنرال حسني بنسليمان وطلبت منه أن يزودني بصورة ملتقطة من الجو لذلك الموقع. و بمجرد توصلي بالصورة المطلوبة عرضتها على جلالة الملك فأمرني أن أصحب معي المهندس المعماري الفرنسي ميشال بانسو للوقوف على ذلك الموقع في عين المكان. رافقني المهندس الفرنسي إلى إقليم الناضور دهش الجمال المكان المطل على البحر، وتُرى منه مدينة مليلية عن اليسار، ومدينة الناضور عن اليمين، وبينهما البحر الأبيض المتوسط والبحيرة مارتشيكا”.

و يضيف بنعلي المنصوري : “عدنا إلى الرباط، وقدم السيد پانسو رأيه حول الموقع، مبدياً إعجابه بما رأى ! فأمره جلالة الملك بأن يشرع في التفكير لوضع اقتراحات للتصاميم التي تصلح للبناء في تلك المنطقة.
هناك أمر حصل في ذلك الموقع، حينما كان المهندس «پانسو» يصحبني . ماذا حصل ؟ حينما كنا داخل ذلك المكان، وكان خاليا لا يرتاده أحد، فإذا بي أرى شخصا في زاوية بعيدة، وحينما تقدمنا في سيرنا، ناديت عليه، وسألته إن كان ساكنا في هذا الموقع ؟ فبسط أمامي سبب وجوده هناك. لقد أخبرني بوجود ضريح قديم لولي صالح، في إحدى زوايا المكان الذي نوجد فيه، وأنه يقوم بما تتطلبه شؤون ضريح هذا الولي، من حراسة وعناية إلخ… ثم سألته إن كان التردد على زيارة هذا الضريح القديم كبيراً ؟ فجاء جوابه بأن تلك الزيارات، لا تتم إلا في حدود ضيقة جدًّا. أخذتُ الأمر في الاعتبار، حتى إذا انتهى حديث جلالة الملك مع المهندس پانسو، وإخباره بالشروع في وضع تصاميم القصر المزمع بناؤه، تقدمت إلى جلالته وخاطبته بقولي: إذا سمح جلالة الملك، فإنني أرغب في إضافة شيء ما إلى هذا الموضوع. أفسح لي الملك مجال القول، فأطلعته على ما من وجود ضريح قديم لولي صالح في المكان المقترح لبناء القصر الملكي وأنه يوجد على حدود الكذية بحيث لا يسبب أي مانع لبناء القصر ! ما أن سمع جلالة الملك بوجود ضريح ولي صالح، حتى أمرني – رحمه الله – بصرف النظر عن بناء القصر في ذلك المكان الذي ارتأى جلالته أن يبقى محتفظا بإهابه الروحي، مجللاً بذلك النفس الديني الذي يُخيم على المكان”.

و يقول المنصوري ، أن ما صدر عن الملك الحسن الثاني في هذا الموقف “لم يكن أمراً مفاجئاً لي، لما أعرف عن جلالته ويعرفه المغاربة كذلك، من تشبعه بتلك الروحانية العميقة التي نلمسها جميعا في مظاهر عديدة من حياة أمير المؤمنين”.

مضيفا : ” حينما لاحظ جلالة الملك تشبئي بأن يقام له قصر في إقليم الناضور، يكون له إقامة ملكية، حينما منطقة يزور الريف، خاطبني بقوله، رحمه الله: ابحث لي عن مكان آخر في الإقليم لبناء ذلك القصر ! أما الموقع الكدية الذي صرف جلالة الملك النظر عنه، فقد أصبح فيما بعد فضاء للمشروع السياحي «مارتشيكا».

“حينما أمرني جلالته بالبحث عن مكان آخر ليكون بديلاً عن السابق، شعرت بأن رغبة الملك الحسن الثاني في بناء قصر ملكي في الناضور ما تزال قائمة. ولم يطل بحثي عن المكان البديل، فقد وجدتُ أرضاً خالية قبالة الموقع السالف، وبطل كذلك على البحر. صحبت معي المهندس المعماري «پانسو»، ليرى ما وقع عليه اختياري. أعجب كذلك بالموقع الجديد. وبعد موافقة جلالة الملك، أعطيت الأوامر لوضع التصاميم والشروع في بناء القصر الملكي. وسارت الأشغال بإيقاع سريع، وقطع التشييد أشواطا كبيرة… وشاءت الأقدار أن يتوقف البناء حيث أدركت الوفاة الملك الحسن الثاني، وانتقل إلى جوار ربه، تغمده الله بواسع رحمته. وبعد أن اعتلى جلالة الملك محمد السادس العرش، كان تردّده على إقليم الناضور ومناطقها المجاورة متعدداً. اغتنمتُ إحدى المناسبات لأذكر جلالة الملك بأن القصر الملكي في هذه المدينة لم يكتمل بناؤه، وأن ما تبقى لا يشكل إلا قسطا بسيطاً من البناء الكلي. فأعطى، حفظه الله، تعليماته لإكمال التجهيز. وهكذا أصبح إقليم الناضور يتوفر على قصر ملكي” يورد المنصوري في مذكراته.

لماذا ألح المنصوري على وجود قصر ملكي للملك الحسن الثاني في منطقة الريف، وفي إقليم الناضور بالضبط ؟

يجيب المنصوري بنعلي بالقول : “بالإضافة إلى جمالية الموقع المختار – موقع مارتشيكا الحالي وتهييء فضاء للعطلة الصيفية للملك، كنت أعلم أن هذه الإقامة الملكية ستخلق حركة دائبة في المنطقة على مستويات متعددة. فبمجرد الشروع في بناء القصر الملكي، ستتحرك مختلف مصالح الوزارات، فيمس الإصلاح بنيات أساسية، كالطرق، وشبكة تو لة توزيع الماء والكهرباء، والمؤسسات التعليمية والصحية، ومشاريع سياحية وغيرها، كما أن مجال التشغيل سيعرف حركية كبيرة، فضلا عما سيجلبه هذا المشروع من استثمارات إلى المنطقة.”

مقالات مشابهة

  • كاردو تُطلق نظارات cardoO VR للواقع الافتراضي
  • إبراهيم عثمان يكتب: غزوة مروي كدليل براءة للميليشيا!
  • شاهد | وعود ترامب لإسرائيل بتهجير سكان غزة بين الواقع والأوهام
  • حفل توقيع كتاب "حكايا طبيب أسرة" للكاتب صلاح الدهان
  • مذكرات المنصوري تكشف تفاصيل طلب بزيز و باز “كريمة” من الحسن الثاني
  • موقع Rue20 ينشر مذكرات شخصية بارزة في الديوان الملكي.. حينما رفض الراحل الحسن الثاني بناء قصر بالناظور بسبب ضريح مهجور لولي صالح
  • تفعيل مذكرات التفاهم مع الدول
  • مصر توقع مذكرات تعاون مع كبرى الشركات البريطانية لتطوير المطارات.. تفاصيل
  • وزير الطيران يشهد توقيع مذكرات تفاهم مع شركات بريطانية لتطوير المطارات
  • كتاب ونقاد السينما تحتفى بمئوية هدى سلطان وشكرى سرحان